( الشهادات ) من بلوغ المرام
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
مختصر الكلام على بلوغ المرام (كتاب الشَّهَادَاتِ)
والشهادات: جمع شهادة، وجمعت لإرادة الأنواع.
1339- عن زيدِ بن خالد الجُهَنِيِّ - رضي الله عنه - أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أُخبرُكم بخيرِ الشهداءِ؟ هو الذي يأتي بالشهادة قبْل أنْ يُسأَلَها" رواه مسلمٌ.
الحديث دليل على أنه إذا كان عند الشاهد شهادة بحق أنه يبينها كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا ﴾ [النساء: 135]، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عمران بن حصين: (ثم يكون قوم يشهدون ولا يستشهدون) فهو محمول على شهادة الزور.
1340- وعَن عمرانَ بن حُصَيْنٍ - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ خيرَكُم قَرْني، ثمَّ الذين يلونَهُمْ، ثم الذين يلونَهُمْ، ثمَّ يكونُ قومٌ يَشْهَدُون ولا يُسْتَشْهَدُون، ويَخُونون ولا يُؤْتَمَنُونَ ويَنْذِرُونَ ولا يُوفُون، ويظْهَرُ فيهِمُ السِّمَنُ" متفقٌ عليه.
قرنه - صلى الله عليه وسلم - هم الصحابة - رضي الله عنهم -، والذين يلونهم التابعون، والقرن الثالث هم تابعو التابعين، (قوله: ويظهر فيهم السمن) أي يكثر فيهم الشحم لتوسعهم في المآكل والمشارب والملابس، فالدنيا أكبر همهم، وبطونهم أكثر شغلهم.
1341- وعَنْ عبد الله بن عَمْرِو - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجوزُ شهادةُ خائنٍ ولا خائنةٍ ولا ذي غِمْرٍ على أَخيه، ولا تجوزُ شهادةُ القَانِعِ لأهلِ البيتِ" رواهُ أَحْمَدُ وأَبو داودُ.
الغمر: الحقد والشحناء، والقانع: الخادم لأهل البيت المنقطع إليهم، والحديث دليل على اعتبار العدالة في الشاهد وعدم التهمة.
1342- وعنْ أبي هريرةَ - رضي الله عنه - أنّهُ سمع رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تجوزُ شهادةُ بَدَوِيٍّ على صاحبِ قَريةٍ" رَوَاهُ أبُو داودَ وابْنُ مَاجَهَْ.
فيه دليل على عدم صحة شهادة البدوي على صاحب القرية لأنه متهم حيث أشهد بدوياً ولم يشهد قروياً، وحمله الأكثر على من لا تعرف عدالته.
قال في الاختيارات: قال أبو العباس: ويتوجه أن تقبل شهادة المعروفين بالصدق، وإن لم يكونوا ملتزمين الحدود عند الضرورة مثل الحبس، وحوادث البدو، وأهل القرية الذين لا يوجد فيهم عدل.
1343- وعن عُمَر بنِ الخطاب - رضي الله عنه - أنّهُ خطبَ فقال: "إنَّ أُناساً كانوا يُؤخذون بالوحْيِ في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنَّ الوَحْي قد انْقطعَ، وإنما نأخُذُكمْ الآن بما ظهرَ لَنَا مِنْ أَعمالِكُمْ" رواهُ البُخاريُّ.
فيه دليل على قبول شهادة من لم يظهر منه ريبة، وأنه يكفي في التعديل ما يظهر من الحال من غير كشف عن حقيقة السريرة.
1344- وَعَنْ أَبي بَكْرةَ - رضي الله عنه - "عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنّه عَدَّ شهادةَ الزُّورِ في أكبرِ الكبائر" مُتّفقٌ عَليْهِ في حَدِيثٍ طَوِيلٍ.
لفظ الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً؟ قالوا: بلى، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت) وإنما كرر النبي شهادة الزور وقول الزور، لأن الحوامل عليه كثيرة من العداوة والحسد فاحتيج إلى الاهتمام بشأنه.
1345- وعن ابنِ عَبّاس - رضي الله عنهما - أنَّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال لرجلٍ: "ترى الشّمسَ؟" قال: نعم، قال: "على مِثْلِهَا فاشهد أوْ دَعْ" أخرجهُ ابنُ عَدِيٍّ بإسناد ضعيفٍ وصحَّحَهُ الحاكم فأخطأ.
فيه دليل على أنه لا يجوز للشاهد أن يشهد إلا على ما يعلمه يقيناً، ولا تجوز الشهادة بالظن إلا في مثل الأنساب، والرضاع المستفيض، والموت القديم، ونحوها.
1346- وعَنه - رضي الله عنهما - "أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بيمينٍ وشاهدٍ" أخرَجَهُ مُسلمٌ وأبو داود والنسائيُّ وقال: إسناده جيد.
1347- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - مِثْلُهُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
الحديث دليل على ثبوت القضاء بشاهد وبيمين المدعي، وهو قول الجمهور، وقد أجمع العلماء أن الحدود والقصاص لا يثبتان بذلك.
تتمة:
قال في الاختيارات: قال أصحابنا: ولا ينقض الحاكم حكم نفسه ولا غيره إلا أن يخالف نصاً أو إجماعاً.
قال أبو العباس: يفرق في هذا بين أن يستوفي المحكوم به إن كان حداً أو حقاً في نفس أو مال أو لا يستوفي، فإن استوفى فلا كلام، وإن لم يستوف فالذي ينبغي نقض حكم نفسه، والإشارة على غيره بالنقص، وليس للإنسان أن يعتقد أحد القولين في مسائل النزاع في ماله، والقول الآخر فيما عليه باتفاق المسلمين كمن يعتقد أنه إذا كان جاراً استحق شفعة الجوار، وإذا كان مشترياً لم تجب عليه شفعة الجوار إلى أن قال: وإخبار الحاكم أنه ثبت عندي بمنزلة إخباره أنه حكم به؛ أما إن قال: شهد عندي فلان أو أقر عندي فهو بمنزلة الشاهد سواء، وخبره في غير محل ولايته كخبره في غير زمن ولايته، ونظير إخبار القاضي بعد عزله إخبار أمير الغزو بعد عزله بما فعله.
وقال أيضاً: ويقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود والقصاص، وهو قول مالك وأبي ثور في الحدود، وقول مالك والشافعي وأبي ثور، ورواية عن أحمد في القصاص انتهى، والله أعلم.