شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب الحث على الخشوع في الصلاة - حديث 251-255


الحلقة مفرغة

ذكر الصحابة المروي عنهم القول بعدم قطع الصلاة بشيء

ننتقل بعد ذلك إلى تعقيبات على ما سبق في موضوع السترة:

التعقيب الأول: يتعلق بمذهب الصحابة في هذه المسألة:

فقد ذكر أهل العلم من القائلين بعدم القطع بمرور هذه الأشياء من الصحابة ابن عمر، وحديثه في الموطأ وغيره وسنده صحيح كما أسلفت .

وذكروا منهم عمر نفسه رضي الله عنه وأبا بكر كما روى ذلك الدارقطني في السنن، وكذلك في العلل -كتاب العلل له- وسنده ضعيف جداً، لكن الدارقطني بعدما ساقه صحح الموقوف، يعني: الدارقطني نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فضعف المرفوع وصحح الموقوف، فصحح الدارقطني في العلل وقفه وكأنه يرى أنه ثابت عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وعثمان وعلي ثبت ذلك عنهما في سنن سعيد وذكرته سابقاً.

حذيفة رضي الله عنه قال: (لا يقطع الصلاة شيء)، وأثر حذيفة رواه ابن أبي شيبة وسنده لا بأس به.

أبو سعيد الخدري نقل عنه ذلك، عائشة رضي الله عنها نقل عنها ذلك، كما عند عبد الرزاق في مصنفه أنها قالت: (لا يقطع الصلاة شيء).

ابن عباس رضي الله عنه نقل عنه أنه: (لا يقطع الصلاة شيء) من طريقين فيهما ضعف يقوي أحدهما الآخر، فالأثر عن ابن عباس حسن أنه قال: (لا يقطع الصلاة شيء)، وفي رواية: أنه تلا قول الله عز وجل: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10].

ابن سيرين يقول: قلت لـعبيدة، وعبيدة -بفتح العين- السلماني، يقول ابن سيرين : (قلت لـعبيدة : ما يقطع الصلاة وما يستر المصلي؟)، سؤال: (ما يقطع الصلاة وما يستر المصلي؟ فقال له: يقطع الصلاة الفجور، ويسترها التقوى)، وهذا إشارة من عبيدة إلى أنه لا يرى شيئاً يقطع الصلاة. والحديث خرجه وكيع .

يقول ابن رجب رحمه الله في كتابه فتح الباري : وقد عمل الصحابة بأن الصلاة لا يقطعها شيء، رُوي عن الخلفاء الأربعة وغيرهم.

إذاً: نص ابن رجب على أن هذا مروي عن الصحابة والخلفاء الأربعة.

ومثله الترمذي قال: وهو مذهب أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

وكذلك أبو داود، فقد نقلت كلمته فيما مضى أنه قال: إذا اختلف النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخذ بما عمل به أصحابه من بعده. وكذلك النووي ذكر هذا ونسبه للجمهور من السلف والخلف.

إذاً: نسبة القول بعدم القطع لجمهور الصحابة ليست أمراً غريباً، بل قال به الترمذي وأبو داود والنووي وابن رجب .. وغيرهم من أهل العلم، وكذلك شرَّاح الحديث، لو رجعت إلى شرَّاح أبي داود كـالمباركفوري وغيرهم لوجدت أنهم يصرحون بهذا، وهكذا شرَّاح الترمذي، فهو مشهور عند أكثر أهل العلم أن الصحابة غالبهم يقولون بعدم القطع.

ذكر بعض الصحابة الذين يرون قطع الصلاة بمرور المرأة وغيرها

لكن هناك من الصحابة من نُقل عنهم القول بالقطع، نقل القول بالقطع -مثلاً- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، ونقل عن أبي هريرة، وكذلك نقل عن أبي ذر رضي الله عنه من قوله هو أنه قال: (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود)، يعني: موقوفاً على أبي ذر، وهذا الموقوف فيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف.

نقل أيضاً عن ابن عباس رواية أخرى أنه قال: تقطع الصلاة هذه الأشياء، أو في رواية أنه قال: (المرأة الحائض).

ابن عمر رضي الله عنه نقل عنه أنه قال بالقطع، وأعاد الصلاة من مرور جرو كلب أمامه.

معاذ بن جبل نقل عنه ذلك، وفي سنده ليث بن أبي سليم وهو فيه كلام.

وكذلك عائشة رضي الله عنها نقل عنها أنها تقول بأن هذه الأشياء تقطع الصلاة.

كيفية الجمع بين أقوال الصحابة المختلفة

ما وجه هذا النقل عن الصحابة أنه يقطع الصلاة؟

أقول: ما يقال في معنى الحديث يقال في أقوال الصحابة، ما يقال في معنى الحديث المرفوع يقال في معنى ما قال الصحابة، فإذا قال أبو هريرة مثلاً أو ابن عباس : (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود) قلنا: نعم، لكن ما مراد ابن عباس أو أبي هريرة في قوله: (يقطع الصلاة)، هل مراده: يبطلها ويوجب استئنافها، أو مراده ما ذهب إليه الجمهور من أنه ينقص من أجرها، أو يقلل من ذكرها أو خشوعها.. أو ما أشبه ذلك؟

فالإشكال الوارد على الحديث من حيث المعنى هو وارد على أقوال الصحابة.

ولذلك مما يؤكد هذا الكلام أنك تجد الصحابي الواحد ينقل عنه في المسألة قولان، ابن عباس مثلاً مرة يقول: يقطع الصلاة كذا وكذا، ومرة يقول: لا يقطع الصلاة.

فنقول: لا داعي لأن نضرب كلام ابن عباس بعضه ببعض، بل نقول: إن مراد ابن عباس بالقطع ليس الإبطال، وإنما مراده إما نقصان الأجر أو نقصان الخشوع.. أو ما أشبه ذلك، والله أعلم.

إذاً: نقول: ما نُقل عن الصحابة من القطع يشكل عليه نفس الإشكال الوارد على الحديث المرفوع من حيث المعنى، أنه هل المراد بالقطع فعلاً إبطال الصلاة وأنه يجب أن تُستأنف من جديد، أم أن المقصود نقصان الأجر أو نقصان الذكر أو الخشوع؟ هذه واحدة.

النقطة الثانية: أنني أقول: إن بعض الإخوة من طلبة العلم يأتون إلى حديث مرفوع مثل أبي ذر الآن نُقل عنه -كما في صحيح مسلم - عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه يقطع صلاة الرجل المسلم المرأة والحمار والكلب الأسود )، بعد ذلك نجد رواية أخرى عن أبي ذر أنه نفسه يقول: (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود)، مع أن الرواية الموقوفة على أبي ذر فيها -كما ذكرت لكم- راو ضعيف وهو علي بن زيد بن جدعان .

فنقول: إن الحديث المرفوع في صحيح مسلم عن أبي ذر يقوي الحديث الموقوف، هل هذا المسلك جيد أم ليس بجيد؟ أن نقوي الحديث الموقوف على أبي ذر من كلامه هو بالحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ هذا المسلك هل هو صحيح وحسن؟

هذه ملاحظة، وهي: أن علماء المصطلح أحياناً يُعِلُّون الحديث المرفوع بالموقوف، أو يعِلُّون الحديث الموقوف بالمرفوع، يعني: إذا جاء الحديث من طريقين: مرة مرفوعاً ومرة موقوفاً، قد يقولون: إن المرفوع ضعيف والصحيح الموقوف، وقد يعكسون، بمعنى: أن الحديث واحد لكن مرة جاء مرفوعاً ومرة جاء موقوفاً، فمن أهل العلم من يقول: الرفع زيادة ثقة فيقبل المرفوع، ومنهم من يرجح فيقول بحسب قوة الإسناد.

وإذا نظرنا وجدنا أنه في هذا الموضع المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أصح، وفيه زيادة، أما أنه أصح فإنه ليس فيه راو ضعيف، بل أخرجه مسلم، بخلاف الموقوف فإن فيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. هذه واحدة.

الوجه الثاني: أن المرفوع فيه زيادة ثقة، فيه زيادة رواها ثقة، وهو أنه قال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بخلاف الآخر فإنه ليس فيه: (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وإنما هو من كلام أبي ذر .

إذاً: فالمرفوع حينئذ هو الراجح، وبناء عليه يُضعَّف الموقوف، فيكون المرفوع يزيد الموقوف قوة أو يزيده ضعفاً؟ يزيده ضعفاً، وهذه طريقة معروفة عند العلماء، فلا يقوَّى به الموقوف.

ننتقل بعد ذلك إلى تعقيبات على ما سبق في موضوع السترة:

التعقيب الأول: يتعلق بمذهب الصحابة في هذه المسألة:

فقد ذكر أهل العلم من القائلين بعدم القطع بمرور هذه الأشياء من الصحابة ابن عمر، وحديثه في الموطأ وغيره وسنده صحيح كما أسلفت .

وذكروا منهم عمر نفسه رضي الله عنه وأبا بكر كما روى ذلك الدارقطني في السنن، وكذلك في العلل -كتاب العلل له- وسنده ضعيف جداً، لكن الدارقطني بعدما ساقه صحح الموقوف، يعني: الدارقطني نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فضعف المرفوع وصحح الموقوف، فصحح الدارقطني في العلل وقفه وكأنه يرى أنه ثابت عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وعثمان وعلي ثبت ذلك عنهما في سنن سعيد وذكرته سابقاً.

حذيفة رضي الله عنه قال: (لا يقطع الصلاة شيء)، وأثر حذيفة رواه ابن أبي شيبة وسنده لا بأس به.

أبو سعيد الخدري نقل عنه ذلك، عائشة رضي الله عنها نقل عنها ذلك، كما عند عبد الرزاق في مصنفه أنها قالت: (لا يقطع الصلاة شيء).

ابن عباس رضي الله عنه نقل عنه أنه: (لا يقطع الصلاة شيء) من طريقين فيهما ضعف يقوي أحدهما الآخر، فالأثر عن ابن عباس حسن أنه قال: (لا يقطع الصلاة شيء)، وفي رواية: أنه تلا قول الله عز وجل: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10].

ابن سيرين يقول: قلت لـعبيدة، وعبيدة -بفتح العين- السلماني، يقول ابن سيرين : (قلت لـعبيدة : ما يقطع الصلاة وما يستر المصلي؟)، سؤال: (ما يقطع الصلاة وما يستر المصلي؟ فقال له: يقطع الصلاة الفجور، ويسترها التقوى)، وهذا إشارة من عبيدة إلى أنه لا يرى شيئاً يقطع الصلاة. والحديث خرجه وكيع .

يقول ابن رجب رحمه الله في كتابه فتح الباري : وقد عمل الصحابة بأن الصلاة لا يقطعها شيء، رُوي عن الخلفاء الأربعة وغيرهم.

إذاً: نص ابن رجب على أن هذا مروي عن الصحابة والخلفاء الأربعة.

ومثله الترمذي قال: وهو مذهب أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

وكذلك أبو داود، فقد نقلت كلمته فيما مضى أنه قال: إذا اختلف النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخذ بما عمل به أصحابه من بعده. وكذلك النووي ذكر هذا ونسبه للجمهور من السلف والخلف.

إذاً: نسبة القول بعدم القطع لجمهور الصحابة ليست أمراً غريباً، بل قال به الترمذي وأبو داود والنووي وابن رجب .. وغيرهم من أهل العلم، وكذلك شرَّاح الحديث، لو رجعت إلى شرَّاح أبي داود كـالمباركفوري وغيرهم لوجدت أنهم يصرحون بهذا، وهكذا شرَّاح الترمذي، فهو مشهور عند أكثر أهل العلم أن الصحابة غالبهم يقولون بعدم القطع.

لكن هناك من الصحابة من نُقل عنهم القول بالقطع، نقل القول بالقطع -مثلاً- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، ونقل عن أبي هريرة، وكذلك نقل عن أبي ذر رضي الله عنه من قوله هو أنه قال: (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود)، يعني: موقوفاً على أبي ذر، وهذا الموقوف فيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف.

نقل أيضاً عن ابن عباس رواية أخرى أنه قال: تقطع الصلاة هذه الأشياء، أو في رواية أنه قال: (المرأة الحائض).

ابن عمر رضي الله عنه نقل عنه أنه قال بالقطع، وأعاد الصلاة من مرور جرو كلب أمامه.

معاذ بن جبل نقل عنه ذلك، وفي سنده ليث بن أبي سليم وهو فيه كلام.

وكذلك عائشة رضي الله عنها نقل عنها أنها تقول بأن هذه الأشياء تقطع الصلاة.

ما وجه هذا النقل عن الصحابة أنه يقطع الصلاة؟

أقول: ما يقال في معنى الحديث يقال في أقوال الصحابة، ما يقال في معنى الحديث المرفوع يقال في معنى ما قال الصحابة، فإذا قال أبو هريرة مثلاً أو ابن عباس : (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود) قلنا: نعم، لكن ما مراد ابن عباس أو أبي هريرة في قوله: (يقطع الصلاة)، هل مراده: يبطلها ويوجب استئنافها، أو مراده ما ذهب إليه الجمهور من أنه ينقص من أجرها، أو يقلل من ذكرها أو خشوعها.. أو ما أشبه ذلك؟

فالإشكال الوارد على الحديث من حيث المعنى هو وارد على أقوال الصحابة.

ولذلك مما يؤكد هذا الكلام أنك تجد الصحابي الواحد ينقل عنه في المسألة قولان، ابن عباس مثلاً مرة يقول: يقطع الصلاة كذا وكذا، ومرة يقول: لا يقطع الصلاة.

فنقول: لا داعي لأن نضرب كلام ابن عباس بعضه ببعض، بل نقول: إن مراد ابن عباس بالقطع ليس الإبطال، وإنما مراده إما نقصان الأجر أو نقصان الخشوع.. أو ما أشبه ذلك، والله أعلم.

إذاً: نقول: ما نُقل عن الصحابة من القطع يشكل عليه نفس الإشكال الوارد على الحديث المرفوع من حيث المعنى، أنه هل المراد بالقطع فعلاً إبطال الصلاة وأنه يجب أن تُستأنف من جديد، أم أن المقصود نقصان الأجر أو نقصان الذكر أو الخشوع؟ هذه واحدة.

النقطة الثانية: أنني أقول: إن بعض الإخوة من طلبة العلم يأتون إلى حديث مرفوع مثل أبي ذر الآن نُقل عنه -كما في صحيح مسلم - عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه يقطع صلاة الرجل المسلم المرأة والحمار والكلب الأسود )، بعد ذلك نجد رواية أخرى عن أبي ذر أنه نفسه يقول: (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود)، مع أن الرواية الموقوفة على أبي ذر فيها -كما ذكرت لكم- راو ضعيف وهو علي بن زيد بن جدعان .

فنقول: إن الحديث المرفوع في صحيح مسلم عن أبي ذر يقوي الحديث الموقوف، هل هذا المسلك جيد أم ليس بجيد؟ أن نقوي الحديث الموقوف على أبي ذر من كلامه هو بالحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ هذا المسلك هل هو صحيح وحسن؟

هذه ملاحظة، وهي: أن علماء المصطلح أحياناً يُعِلُّون الحديث المرفوع بالموقوف، أو يعِلُّون الحديث الموقوف بالمرفوع، يعني: إذا جاء الحديث من طريقين: مرة مرفوعاً ومرة موقوفاً، قد يقولون: إن المرفوع ضعيف والصحيح الموقوف، وقد يعكسون، بمعنى: أن الحديث واحد لكن مرة جاء مرفوعاً ومرة جاء موقوفاً، فمن أهل العلم من يقول: الرفع زيادة ثقة فيقبل المرفوع، ومنهم من يرجح فيقول بحسب قوة الإسناد.

وإذا نظرنا وجدنا أنه في هذا الموضع المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أصح، وفيه زيادة، أما أنه أصح فإنه ليس فيه راو ضعيف، بل أخرجه مسلم، بخلاف الموقوف فإن فيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. هذه واحدة.

الوجه الثاني: أن المرفوع فيه زيادة ثقة، فيه زيادة رواها ثقة، وهو أنه قال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بخلاف الآخر فإنه ليس فيه: (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وإنما هو من كلام أبي ذر .

إذاً: فالمرفوع حينئذ هو الراجح، وبناء عليه يُضعَّف الموقوف، فيكون المرفوع يزيد الموقوف قوة أو يزيده ضعفاً؟ يزيده ضعفاً، وهذه طريقة معروفة عند العلماء، فلا يقوَّى به الموقوف.

التعقيب الثاني: فيما يتعلق بالترجيح، رجحت سابقاً أن الصلاة لا يقطعها شيء، يعني: لا يبطل الصلاة ويوجب استئنافها شيء، وهذا رجحته باجتهادي.

وأنا أكرر عليكم ما قلت لكم سابقاً: هذا ما أدى إليه بحثي بعد التقصي بقدر ما أستطيع، والتفكير الطويل في الموضوع، فإن أصبت فالحمد لله ومن الله، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان والله تعالى ورسوله من ذلك بريئان، ولا يحلُّ لأحد أن يوافقني على هذا الأمر إلا بعد أن ينظر في الأدلة ويقرأ ويراجع، فإن نظر أن الأمر كذلك أخذ به، وإلا رجع إلى ما يؤديه إليه اجتهاده وبحثه أو قلد من يثق به من أهل العلم، ولا أرى أنه يطال البحث في المسألة والأخذ والرد فيها؛ لأنها من مسائل الخلاف المعروفة، والذي رجحته هو مذهب الجمهور كما أسلفت.

ومما أريد أن أضيفه في موضوع الترجيح الآن:

أولاً: ذكرت أن القطع في الحديث: ( يقطع الصلاة ) لا يلزم فيه بطلان الصلاة ووجوب استئنافها، ومما يرجح هذا القول -أن القطع لا يعني بطلان الصلاة- مما يرجحه مرجحات جديدة سوف أضيفها الآن:

المرجح الأول: أن ابن عباس رضي الله عنه جاء عنه روايتان في ذلك كما أسلفت: رواية: أن الصلاة يقطعها كذا، ورواية: أن الصلاة لا يقطعها شيء، فدل على أن القطع عند ابن عباس رضي الله عنه لا يعني الإبطال، بل يعني نقص الأجر أو نقصان الخشوع.. أو ما أشبه ذلك.

المرجح الثاني أن القطع لا يعني إبطال الصلاة ووجوب استئنافها: ما روي عن الصحابة -كـعمر وابن مسعود وغيرهما-: أن القطع يعني نقصان نصف الأجر.

المرجح الثالث -وهو قوي إذا تأملته-: ما رواه أحمد والنسائي وأبو داود وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم بسند صحيح عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته )، والحديث قال العقيلي : حديث سهل ثابت. وقال الإمام أحمد : صالح ليس بإسناده بأس، قال: هذا حديث صالح ليس بإسناده بأس، وقال الحاكم : هو حديث صحيح.

وجه الدلالة من الحديث أنه ليس المراد بالقطع الإبطال، ولفظه -لفظ الحديث-: ( إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته ).

أولاً: الرسول عليه الصلاة والسلام أثبت أن الشيطان يقطع الصلاة: ( لا يقطع الشيطان عليه صلاته )، ومرور الشيطان -على ظاهر الحديث- يدل على أنه يقطع صلاة المصلي، وهل يجب على الإنسان إذا مر الشيطان بين يديه أن يعيد الصلاة؟

لا، وما هو الدليل أنه لا يعيد الصلاة إذا مر الشيطان؟ ذكرت سابقاً أدلة أن الشيطان لا يقطع الصلاة، منها:

حديث أبي هريرة : ( فإذا أقيمت الصلاة أقبل حتى يخطر بين الإنسان وبين نفسه )، يعني: أنه يمر من عند الإنسان ويمر من أمامه ويدخل بينه ويخطر بينه وبين قلبه.

أيضاً من الأدلة ( أن الشيطان جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته وأقبل عليه بشعلة من نار يريد أن يقطع عليه الصلاة، فأمسك به النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقطع صلاته ).

ومن الأدلة القوية -وهذا لم أذكره سابقاً- على أن الشيطان لا يقطع الصلاة حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فإنه ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان )، لو مر الرجل -الرجل الآن سماه النبي صلى الله عليه وسلم شيطاناً- هل يقطع الصلاةَ؟ لا يقطع الصلاة، ولا خلاف -فيما أعلم- في هذا، أن الرجل لا يقطع الصلاة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه شيطاناً، قال بعض أهل العلم: المعنى: أن معه شيطاناً، وهذا يرجحه قوله في رواية مسلم : ( فإن معه القرين )، إذاً: القرين مر وإلا ما مر؟ مر، وهل قطع الصلاة؟ ما قطع الصلاة، فدل على أن مرور الشيطان من بين يدي المصلي لا يبطل الصلاة، ومع ذلك قال في حديث سهل : ( وليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته )، فدل على أنه ليس المراد بالقطع الإبطال، وإنما المراد إلهاء المصلي وإشغاله أو تقليل الخشوع.. أو ما شابه ذلك من المعاني.

وهذا الدليل -إذا تأملته- فيه قوة، أرى أنه من أقوى الأدلة الصارفة للقطع عن الإبطال إلى النقصان.

ولذلك جاء عند الإسماعيلي بسند فيه نظر عن عمر رضي الله عنه: ( أنه رأى رجلاً يصلي إلى سترة وهو بعيد عنها، فقال له: تقدم لا يفسد الشيطان عليك صلاتك، لا أقول إلا ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم )، فعبر عن ذلك بالإفساد.

ومن الأدلة أيضاً والمرجحات على أنه ليس المراد بالقطع الإبطال؛ ما استدل به ابن رجب في فتح الباري، استدل بحديث رواه أبو داود بسند فيه نظر، وكنت أعرضت عنه في الأسبوع الماضي لهذا النظر، لكن لما رأيت ابن رجب ساقه واحتج به تشجعت على ذكره وهو: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في غزوة تبوك إلى سترة وأقبل غلام يسعى حتى مر بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين سترته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قطع صلاتنا قطع الله أثره، قال: فما قمت عليها بعد )، يعني: استجاب الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم فما قام على رجله بعد ذلك إلى يومه ذاك.

فقوله: (قطع صلاتنا) ليس المراد أبطلها، وإنما المراد -إن صح الحديث- أنه أنقص خشوعها أو شغلنا عنها.. أو ما شابه ذلك.

يقول ابن رجب رحمه الله في الموضع المشار إليه من فتح الباري كلاماً طويلاً جيداً، رجح ما رجحته من أنه لا يقطع الصلاة شيء، وهذا ما اطلعت عليه إلا في هذا الأسبوع، لكنه ذكر بعد هذا كلاماً طويلاً في تأويل القطع بعدما ذكر الأقوال، رجح أن المقصود بالقطع أن المصلي مشتغل بمناجاة ربه جل وعلا قد خلا به وانفرد به يدعوه ويسأله ويتعرض لرحمته، فإذا جاء الشيطان -والشيطان- كما هو معروف -مطرود مبعد عن رحمة الله جل وعلا-، فإنه يكون سبباً في نقصان هذه الخلوة وهذا الإقبال على الله جل وعلا.

يعني: كأنه قال: إن الشيطان مثلما لو خلا إنسان بحبيبه -ولله المثل الأعلى- فناجاه وسأله، ثم جاء شخص آخر مبغض بعيد فدخل بينهما، فإن هذا ينقص من خشوع الموقف وهيبته وجلاله. هذا مراده رحمه الله.

قال: ولهذا خصت هذه الثلاثة -يعني: المرأة والحمار والكلب الأسود-، قال: فإن المرأة ورد أنها إذا خرجت استشرفها الشيطان، وأنها هي السبب في خروج الإنسان من رحمة الله جل وعلا ومن الجنة، وأما الكلب الأسود فقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شيطان، وكذلك الحمار أمر النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع الإنسان نهيق الحمار أن يستعيذ بالله من الشيطان فإنه رأى شيطاناً، فدل على أن هذه الأشياء الشياطين أكثر تلبساً بها من غيرها؛ ولهذا كانت هذه الأشياء أبلغ في نقصان كمال المناجاة ولذتها من غيرها، وليس ذلك موجباً لإبطال الصلاة وإعادتها، وإنما منقص لكمالها كما نص عليه الصحابة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفع الشيطان ومقاتلته، فإذا دفع الإنسان من مر بين يديه فإنه يكون كمن خطرت عليه الوساوس في الصلاة فدفعها واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم وأقبل على صلاته، أما من ترك الإنسان يمر بين يديه فهو كمن هجم عليه الشيطان بالوساوس فانساق مع هذه الوساوس وغفل عن صلاته. هذا مؤدى وملخص كلامه رحمه الله.

نقطه ثالثة في موضوع الترجيح: أنني ذكرت أنه لم ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم أنهم كانوا يعيدون الصلاة من مرور هذه الأشياء.

وأزيد الأمر إيضاحاً فأقول: الصحابة رضي الله عنهم كانت دوابهم الحمير، وكانوا يركبون عليها وعلى الإبل والبغال وغيرها، لكن كثيراً ما كانوا يستخدمون الحمر في الركوب والذهاب والإياب، وكانت حمولة الناس كما قال ابن عباس رضي الله عنه، هذا بالنسبة للحمر.

وكذلك الكلاب كانت تكون في الأسواق، بل وفي المساجد، كما في صحيح البخاري حديث ابن عمر: (كانت الكلاب تقبل وتدبر في المسجد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم)، وهذا يعني أن الحمر والكلاب كانت تمر بين أيدي المصلين وكان يصعب أن يتحرزوا منها، فقد يمر الكلب والإنسان راكع أو ساجد أو قائم لم يعلم به يمر بين يديه، والظاهر -والله تعالى أعلم- أن هذا يقع كثيراً، ومع ذلك لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه قطع الصلاة أبداً، لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه قطع الصلاة واستأنفها من جديد، إنما الذي نُقل أن اثنين من الصحابة استأنفا الصلاة، يعني: بعدما انتهوا أعادوها، الأول: ابن عمر، نُقل أنه أعاد الصلاة من مرور جرو كلب، وهذا النقل عن ابن عمر -إن صح- ليس فيه دلالة على الإبطال؛ لأنها لو بطلت لكان يجب أن يستأنفها من جديد. هذا وجه.

الوجه الثاني: أن ابن عمر ثبت عنه بسند صحيح كالشمس: أنه لا يرى بطلان الصلاة بهذه الأشياء.

إذاً: نقول: إعادة ابن عمر-إن صحت- محمولة على أن ذلك على سبيل الاستحباب.

الثاني الذي نُقل عنه القطع وأنه أعاد الصلاة هو الحكم بن عمرو الغفاري: (أنه كان في جيش وكانت أمامه سترة، فمر حمار بين يدي بعض الصف فأعاد).

وحديث الحكم -إن صح- أيضاً فيه إشكال من جهة أن الحمار الآن ما مر من بين يدي الإمام، وإنما مر من بيدي يدي المأمومين، وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عباس: (أن الأتان مرت بين بعض الصف، ومع ذلك ما أعاد النبي صلى الله عليه وسلم ولا أعاد الناس، ولم ينكر ذلك عليه أحد)، فهذا يعكر على ما نقل عن الحكم بن عمرو الغفاري.

الجواب عن حديث: (تعاد الصلاة من ممر الحمار ...)

تعقيب أخير: أنه قد يستشكل البعض ما رواه ابن خزيمة عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تعاد الصلاة من ممر الحمار والمرأة والكلب الأسود )، وهذا اللفظ مشكل في الحقيقة؛ لأنه قال: (تعاد الصلاة) فهو نص في الإعادة، وقد رواه ابن خزيمة، لكني بعدما رجعت إلى هذا الحديث وجدته هو حديث أبي ذر في مسلم ؛ لأنه من طريق عبد الله بن الصامت عن أبي ذر، فالحديث واحد لكن تصرف فيه الراوي، فبدلاً من قول الجماعة: ( يقطع صلاة الرجل المسلم ) عبر راوي هذه الرواية بقول: (تعاد الصلاة)، فتعود الرواية إلى أنها رواية بالمعنى، ولا تشكل على ما سبق.

تعقيب أخير: أنه قد يستشكل البعض ما رواه ابن خزيمة عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تعاد الصلاة من ممر الحمار والمرأة والكلب الأسود )، وهذا اللفظ مشكل في الحقيقة؛ لأنه قال: (تعاد الصلاة) فهو نص في الإعادة، وقد رواه ابن خزيمة، لكني بعدما رجعت إلى هذا الحديث وجدته هو حديث أبي ذر في مسلم ؛ لأنه من طريق عبد الله بن الصامت عن أبي ذر، فالحديث واحد لكن تصرف فيه الراوي، فبدلاً من قول الجماعة: ( يقطع صلاة الرجل المسلم ) عبر راوي هذه الرواية بقول: (تعاد الصلاة)، فتعود الرواية إلى أنها رواية بالمعنى، ولا تشكل على ما سبق.

ننتقل بعد ذلك إلى باب الخشوع في الصلاة:

الخشوع مشتق من خشع، أي: تطامن وطأطأ رأسه، وقريب منه قولهم: خضع أيضاً، سوى أن بعض أهل اللغة -كـابن فارس - ذكر أن الخضوع يكون في القلب، وأما الخشوع فيكون في البصر ويكون في الصوت. قال ابن دريد : الخاشع هو المستكين الراكع.

والذي يظهر لي -والله تعالى أعلم- أن الخشوع يكون في القلب وفي الجوارح، يكون في القلب ثم يفيض من القلب على الجوارح، والدليل على ذلك قول علي رضي الله عنه وقد سئل عن قول الله عز وجل: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2]، قال علي رضي الله عنه: (الخشوع في القلب، وأن تلين كتفك بيد أخيك المسلم، وأن لا تلتفت في الصلاة)، فقال رضي الله عنه: (الخشوع في القلب)، وحديث علي هذا رواه الحاكم في مستدركه في التفسير، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، ورواه عبد الله بن المبارك, وعبد بن حميد وابن جرير وعبد الرزاق وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي وغيرهم، فقال علي : (الخشوع في القلب).

ومما يدل أيضاً على أن الخشوع في القلب ما رواه الجماعة إلا البخاري من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ( اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ).

فتبين أن الخشوع يكون في القلب، ثم يكون من القلب في الجوارح، كما في قول الله عز وجل عن الكفار يوم القيامة وصفهم بأنهم: خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ [القلم:43] في مواضع، فخشوع البصر، وخشوع الجوارح، وخشوع الرأس، وخشوع الصوت إنما هو أثر عن خشوع القلب.

ما حكم الخشوع في الصلاة؟

ذكر النووي إجماع أهل العلم على أن الخشوع ليس بواجب، وناقضه الغزالي في إحياء علوم الدين فنقل عن جماعة أنهم كانوا يقولون: إن الخشوع في الصلاة واجب بإجماعهم.

والذي يظهر لي -والله تعالى أعلم- أن الماهية مختلف فيها بينهما، يعني: الشيء الذي يريده النووي غير الشيء الذي يريده الغزالي، فإن القول بأن الخشوع ليس بواجب إجماعاً هكذا فيه نظر، بل ينبغي أن يفصل، فإن أريد بالخشوع قدر من الحضور في الصلاة وإدراك الإنسان لما يفعل وما يقول أو بعضه فإن هذا في الأصل مطلوب، وقد يتعلق بالنية، فإنه لابد أن يكون الإنسان ينوي ما يفعل، يفعله بحضور قلب؛ ولذلك قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء:43]، فنهى عن إتيان الصلاة للسكران الذي لا يعلم ما يقول.

وأما الخشوع الذي هو كمال انكسار القلب وذله وتضرعه لله عز وجل فإنه لا أحد يقول بأن هذا واجب في الصلاة، بل هو من الأشياء المكملة المطلوبة في الصلاة دون إيجاب.

الحديث الأول: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل مختصراً )، يقول المصنف: متفق عليه واللفظ لـمسلم، ومعناه: أن يجعل يده على خاصرته.

تخريج الحديث

هذا الحديث رواه البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب العمل في الصلاة، باب الخصر في الصلاة، ورواه بلفظين.

والمصنف ما ساق لفظ البخاري، قال: واللفظ لـمسلم، البخاري رواه بلفظين:

اللفظ الأول: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: ( نهي أن يصلي الرجل مختصراً )، (نهي) بلفظ المبني للمجهول.

واللفظ الثاني: ( نهى عن الخصر في الصلاة )، أما اللفظ الذي ساقه المصنف فهو لـمسلم، وقد روى الحديث مسلم في كتاب المساجد باب كراهية أن يصلي الرجل مختصراً.

والحديث رواه أيضاً أبو داود والترمذي والنسائي وأبو عوانة في صحيحه، وزاد أبو عوانة : ( ووضع يده على خاصرته ) يعني: أبا هريرة أو النبي صلى الله عليه وسلم، ( وضع يده على خاصرته ) وذلك من أجل أن يشرح معنى الاختصار.

أقوال العلماء في معنى الاختصار في الصلاة

الاختصار جاء في قوله: ( أن يصلي الرجل مختصراً )، الرواية إما: (مختصراً) أو: (متخصراً) بتقديم التاء، أو: (مخصّراً) بتشديد الصاد (مخصراً).

والمعنى -كما قال ابن سيرين -: أن يضع يده على خاصرته.

وبهذا التعريف للاختصار جزم أبو داود، ونقله الترمذي عن بعض أهل العلم، ويؤيده رواية أبي عوانة السابقة: ( أنه وضع يده على خاصرته )، وقد روى أبو داود والنسائي بسند صحيح -كما يقول العراقي رحمه الله- عن زياد بن صبيح قال: ( صليت إلى جنب ابن عمر رضي الله عنه فوضعت يدي على خاصرتي وأنا في الصلاة، فضربه ابن عمر رضي الله عنه، فلما انتهى من صلاته قال له ابن عمر : هذا الصلب في الصلاة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنه ).

وكذلك رواية البخاري عن عائشة التي نقلها: (أن ذلك فعل اليهود في صلاتهم).

كل هذه الروايات تدل على أن المقصود بالتخصر أو الاختصار: أن يضع الرجل يده على خاصرته.

قال العراقي : وهذا هو الصحيح الذي عليه المحققون من أهل الحديث والفقه واللغة. ورجحه النووي وابن حجر وأكثر أهل العلم، أن معنى التخصر في الصلاة: هو أن يضع الرجل يده على خاصرته.

والخاصرة يقول أهل العلم: هي الشاكلة، وهي معروفة عند العامة، لكن المقصود بالشاكلة: هي أسفل الجنب مما هو فوق عظم الورك، هو أسفل الجنب فوق عظم الورك، من أسفل البطن مما يكون فوق عظم الورك، هذا يسمى الشاكلة أو يسمى الخاصرة.

والمقصود بالتخصر وضع اليد عليه. هذا أصح ما قيل.

وقوله: ( أن يصلي الرجل مختصراً ) يشمل أن يختصر بيديه كلتيهما أو بإحداهما، ويشمل أن يكون في كل صلاته كذلك أو أن يكون في بعضها، وهذا هو الصحيح.

وذهب بعض أهل العلم في تفسير التخصر إلى مذاهب أخرى غير هذه، أذكرها باختصار لأنها مذاهب ضعيفة:

قال بعضهم: إن المقصود بالتخصر: هو أن يحمل الرجل في يديه مخصرة، ذكره الخطابي، والمخصرة هي العصا الذي يعتمد أو يتوكأ عليها الإنسان، وأنكر ذلك ابن العربي وأبلغ في ذلك وأجاد.

وقيل في معنى التخصر: أن يقرأ الإنسان أواخر السورة، يقرأ آيتين أو ثلاثاً من آخر السورة، كما يفعله كثير من الأئمة اليوم أنهم يقرءون أواخر السور، وهذا لم ينقل عن النبي صلي الله عليه وسلم لكنه قرآن، فيجوز للإنسان أن يقرأ من أول السورة أو أوسطها أو آخرها لا حرج في ذلك؛ لأنه قرآن، لكن فسر بعض أهل العلم التخصر أو الاختصار بأن يقرأ آيتين أو ثلاثاً من آخر السورة.

وذكر الغزالي في معنى التخصر: أن الإنسان إذا مر بآية فيها سجدة قفزها؛ لئلا يسجد، ففسر التخصر بذلك.

وقيل في معنى التخصر: أن الإنسان لا يتم قيام الصلاة ولا ركوعها ولا سجودها، أي: عدم الطمأنينة.

هذه أهم الأقوال التي قيلت في معنى التخصر، وقد تبين ما هو القول الراجح فيها.

هذا الحديث رواه البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب العمل في الصلاة، باب الخصر في الصلاة، ورواه بلفظين.

والمصنف ما ساق لفظ البخاري، قال: واللفظ لـمسلم، البخاري رواه بلفظين:

اللفظ الأول: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: ( نهي أن يصلي الرجل مختصراً )، (نهي) بلفظ المبني للمجهول.

واللفظ الثاني: ( نهى عن الخصر في الصلاة )، أما اللفظ الذي ساقه المصنف فهو لـمسلم، وقد روى الحديث مسلم في كتاب المساجد باب كراهية أن يصلي الرجل مختصراً.

والحديث رواه أيضاً أبو داود والترمذي والنسائي وأبو عوانة في صحيحه، وزاد أبو عوانة : ( ووضع يده على خاصرته ) يعني: أبا هريرة أو النبي صلى الله عليه وسلم، ( وضع يده على خاصرته ) وذلك من أجل أن يشرح معنى الاختصار.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 4761 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 4393 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 4212 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 4094 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 4045 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 4019 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 3972 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 3916 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 3898 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 3877 استماع