واقع المسلمين اليوم


الحلقة مفرغة

الحمد لله مغيث المستغيثين، ونصير الضعفاء والمكروبين، وقاصم الطغاة والمتجبرين.

أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الواحد المتفرد بالكمال والجمال، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جلَّ عن الشبيه، وعن الند، وعن المثيل، وعن النظير، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلَّى الله عليه وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى من اقتفى أثرهم واتبع هداهم إلى يوم الدين.

أما بعــد:

فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي سبب غيث القلوب، وهي سبب غيث البلاد والبهائم والعباد، وهي أمر الله جلَّ وعَلا للمؤمنـين في مُحـكم كتابـه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

أما بعــد:

غفلتنا عن الشرع والتفاتنا إلى النعم

فيا عباد الله: إن المتأمل لأحوال المسلمين في أصقاع المعمورة، والمتدبر لجوانب معايشهم وحياتهم، وتعليمهم واقتصادهم، وعلاقاتهم ومعاملاتهم لَيَجِد أن المسلمين مستضعفون في عامة البلاد إلا في هذه البلاد ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ [المائدة:54] .

ولكن ما السبب في ذلك يا عباد الله؟!

المسلمون في غالب الأحوال مشردون، والمسلمون في غالب الأحيان يُقْتلون، وأطفالُهم ييتمون، ونساؤهم تُرَمَّل، فما السبب في ذلك يا عباد الله؟!

أهو أمْـرٌ جَنَـوه على أنفسهم؟! أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]!

أهو أمْرٌ بسبب تقصير المسلمين وتفريطهم في حق إخوانهم؟!

أهو عدمُ التفاتٍ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).

نعم هذا واقع يا عباد الله، نحن منشغلون غافلون عن هذا الحديث!

أهو عدم التفات لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً. وشبَّكَ النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه).

نعم، نحن في غفلة في شهواتنا!

نحن في غفلة في ألوان ملذاتنا!

نحن في غفلة وسكرة من هذه النعم التي بأيدينا!

نحن في غفلة في ذلك كله عن هذا الحديث!

نحن في غفلة عن الأثر الذي يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن أمسى وأصبح غافلاً عن شأن المسلمين فليس منهم).

نحن في غفلة عظيمة، وسكرة كبيرة عن ذلك كله!

وما سبب هذه الغفلة؟!

ألأَنَّا نستحق النعمة، وغيرنا يستحقون العذاب؟!

ألأَنَّا نستحق العزة، وغيرنا يستحقون الذلة؟!

لا وربي، لا والله، إنما ابتلى الله بعض العباد وما ابتلى غيرهم.

....................     ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

نسأل الله ألا تكون استدراجاً لنا.

جملة من مصائب المسلمين بسبب غفلتهم

يا معاشر المسلمين: إن واقع المسلمين في كثير من البلدان يشهد بذلك، ولو أردتُم أن نذكر قليلاً من الأمثلة لوجدنا القتل والتشريد، ورُخْص الدماء، وهُوْن الرقاب على الأنفس في مذابح المسلمين في الهند في آسام.

في مذبحة المسلمين في سوريا، وما نسيها مسلم ولن ننساها، ونقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، لا ينسى مسلم قتل ثلاثين ألف نفس في مذبحة واحدة.

ولا ينسى مسلم مذابح المسلمين في فلسطين؛ في دير ياسين، وفي صبرا وشاتيلا، وبرج البراجمة، وغيرها من المذابح التي استهدفت أرواح المسلمين، خاصة السُّنَّة منهم.

ما السبب في ذلك يا عباد الله؟!

تأملوا وتدبروا، وإليكم مزيداً من حوادث المسلمين في ذلهم وضعفهم:

في أفغانستان قُتل ما يربو على مليون وثلاثمائة ألف شهيد، يقول زعيم اتحاد المجاهدين/ سياف : لقد بنينا سداً منيعاً من جماجم الشهداء، نعم قدموا أرواحاً، وقدموا نفوساً، وشُرِّد أطفال، ورُمِّل نساء، وضُيِّعت منازل، وأحرقت الزروع، وما ذلك إلا كما يقول الله جلَّ وعَلا: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [البروج:8-9] .

وفي مقابل هذه الأوضاع الحزينة التي تجعل القلوب تبكي دماً نجد كثيراً من المسلمين في غفلة من هذا، يصبحون ويمسون، ويأكلون ويشربون وينكحون، كأنهم ما خلقوا إلا لهذا، وقد نسوا أمر الله جلَّ وعَلا لهم بعبادته، وقد نسوا أمر الله جلَّ وعَلا لهم في التفاتهم، وفي تحملهم المسئولية في شأن إخوانهم المسلمين في كل مكان.

فإذا أردت أن تقارن بين هذين الحالين: أقوام في جحيم، وأقوام في حروب، وأقوام في عذاب، وآخرون في غفلات، وشهوات، ولذات -نسأل الله جلَّ وعَلا أن يرد الجميع إليه رداً جميلاً- يصدق عليهم قول القائل:

قلب يئن ودمعة تترقرقُ     ودمٌ ينِزُّ وأمة تتمزقُ

وطنٌ تجوسُ الطائراتُ سمـاءَه     والخمر في ساحاته يتدفقُ

تنبهوا لذلك يا عباد الله، واعلموا أنكم لستم ذوو فضل ومزية على غيركم من المسلمين إلا بتقوى الله، وبطاعته، وبحسن التمسك بالعقيدة، وقد يكون ما لديكم من النعم استدراجاً.

نسأل الله ألا يعذبنا بذنوبنا.

واجبنا لدفع غفلتنا

عباد الله: إن واجبنا ألا نعيش عيش البهائم!

فإن أردنا أن نأكل طعاماً لذيذاً نظيفاً تذكرنا أقواماً يأكلون طعاماً كَدِراً!

وإن لبسنا ثياباً جميلة جديدة تذكرنا أقواماً وفئات يلبسون ثياباً خَلِقَةً ممزقة!

وإن ركبنا مراكب فارهة، وسكنا مساكن عالية؛ فإن الكثير يركبون الدواب، ويمشون حفاة عراة، ولا يجدون إلى راحة العيش سبيلاً!

وإن أردنا أن نبيت آمنين مطمئنين تذكرنا أناساً يبيتون تحت قذائف الطائرات، ومدافع الدبابات، وأصوات المتفجرات، لا يهدأ لهم بال، ولا يلذ لهم نوم، ولا يقر لهم قرار!

فنحن مسئولون عن إخواننا في كل مكان، مسئولون عن ذلك كله؛ لأنهم إخواننا في الإسلام؛ ولأننا وإياهم كما شبَّهنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: (كالبنيان الواحد يشد بعضه بعضاً. وشَبَكَ بين أصابعه).

فأين التشبُّك والتلاحم والترابط حتى في أدنى اليسير، وأقل القليل لبذل المعونة وتذكر حالهم، والدعاء لهم.

نسأل الله جلَّ وعَلا أن يرفع المحنة عنهم، وأن يهلك عدونا وعدوهم.

اللهم ثبتهم، اللهم انصرهم على عدوهم، اللهم سدِّد رصاصهم في نحور أعدائهم، بقدرتك يا جبار السماوات والأرض!

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، وتوبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً ويرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم.

فيا عباد الله: إن المتأمل لأحوال المسلمين في أصقاع المعمورة، والمتدبر لجوانب معايشهم وحياتهم، وتعليمهم واقتصادهم، وعلاقاتهم ومعاملاتهم لَيَجِد أن المسلمين مستضعفون في عامة البلاد إلا في هذه البلاد ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ [المائدة:54] .

ولكن ما السبب في ذلك يا عباد الله؟!

المسلمون في غالب الأحوال مشردون، والمسلمون في غالب الأحيان يُقْتلون، وأطفالُهم ييتمون، ونساؤهم تُرَمَّل، فما السبب في ذلك يا عباد الله؟!

أهو أمْـرٌ جَنَـوه على أنفسهم؟! أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]!

أهو أمْرٌ بسبب تقصير المسلمين وتفريطهم في حق إخوانهم؟!

أهو عدمُ التفاتٍ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).

نعم هذا واقع يا عباد الله، نحن منشغلون غافلون عن هذا الحديث!

أهو عدم التفات لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً. وشبَّكَ النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه).

نعم، نحن في غفلة في شهواتنا!

نحن في غفلة في ألوان ملذاتنا!

نحن في غفلة وسكرة من هذه النعم التي بأيدينا!

نحن في غفلة في ذلك كله عن هذا الحديث!

نحن في غفلة عن الأثر الذي يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن أمسى وأصبح غافلاً عن شأن المسلمين فليس منهم).

نحن في غفلة عظيمة، وسكرة كبيرة عن ذلك كله!

وما سبب هذه الغفلة؟!

ألأَنَّا نستحق النعمة، وغيرنا يستحقون العذاب؟!

ألأَنَّا نستحق العزة، وغيرنا يستحقون الذلة؟!

لا وربي، لا والله، إنما ابتلى الله بعض العباد وما ابتلى غيرهم.

....................     ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

نسأل الله ألا تكون استدراجاً لنا.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2802 استماع
حقوق ولاة الأمر 2664 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2652 استماع
توديع العام المنصرم 2647 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2552 استماع
من هنا نبدأ 2495 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2461 استماع
أنواع الجلساء 2460 استماع
الغفلة في حياة الناس 2437 استماع
إلى الله المشتكى 2436 استماع