خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/38"> الشيخ الدكتور سعد البريك . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/38?sub=65397"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
وجوب الوحدة ونبذ الفرقة بين المسلمين
الحلقة مفرغة
الحمد لله الواحد بلا شريك، والقوي بلا نصير، والعزيز بلا ظهير، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا هو السميع البصير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم البعث والنشور.
عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].
معاشر المؤمنين! كلنا يعلم أن أعظم سرٍ في رفعة أمة الإسلام وسيادتها وعزتها هو أمر الوحدانية؛ وحدانيتها في عبودية ربها، وتوحدها في اقتدائها بنبيها، وتوحدها في الاتجاه إلى قبلة واحدة، واتحادها مع بعضها البعض على قلبٍ واحد، ولمبدأ واحد، وعلى همةٍ واحدة، وهذا التوحيد والاجتماع لا شك أنه جانبٌ من جوانب القوة، بل أعظم جانب من جوانب العزة والرفعة والكرامة.
أيها الأحبة في الله: من تأمل هذه المسألة أدرك سر الآيات والأحاديث الكثيرة في كتاب الله وسنة نبيه التي تدعو إلى الاعتصام، والتي تدعو إلى التعاون، وإلى إسقاط الخلافات والاجتماع على قلبٍ واحد، يقول الله جل وعلا: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا [آل عمران:103] ويقول الله جلَّ وعلا: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46].
أيها الإخوة المؤمنون! لستم بحاجة إلى مزيد من الآيات والأدلة في أن الله أمر المؤمنين بالوحدة ونهاهم عن الفرقة، ولكن لكي نعلم -أيها الأحباب- أن ما أصاب أمة الإسلام في هذا الزمان من هوانٍ على الكفار، ومن ذلة في أعين أعدائهم، ومن تسلط الجبابرة الكفرة على رقاب كثيرٍ من الطوائف منهم، إنما ذلك بسبب تفرق المسلمين، إنما ذلك بسبب عدم اجتماعهم على قلبٍ واحد، نسأل الله أن يؤلف بين قلوب المسلمين أجمعين.
أيها الأحبة! إن أعداء الأمة يوم أن أدركوا هذا السر العجيب في رفعة الأمة وسيادتها، وهو الوحدة والتعاون والاتحاد، بدءوا يسلطون معاول هدمهم على هذا الركن المتين من أسباب القوة، فمنذ عصر الخلافة الإسلامية والنصارى وأذنابهم وأعوانهم إلى زمننا هذا يسلطون جهودهم لتفريق المسلمين وتأليب بعضهم على بعض، وإثارة الأحقاد والضغائن في نفوس بعضهم على بعض لكي لا تجتمع لهم كلمة، ولكي لا يلتئم لهم صف، ولكي لا ينضموا تحت رايةٍ واحدة، لقد كان لأعداء الإسلام أعظم دورٍ في سقوط كثيرٍ من دويلات الإسلام بسبب تسلطهم على هدم هذا الجانب، وإذا شئتم أقرب الأمثلة، فانظروا تسلطهم في دويلات الأندلس ؛ حيث سلطوا بعض المسلمين على بعض، فلما تفرق المسلمون وأصبحوا ملوكاً للطوائف، وصدق فيهم قول القائل:
ألقاب مملكةٍ في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد |
لما تقسمت بلاد الأندلس في ذلك الزمان وأصبح كلٌ يرفع لواءه بنفسه، بل وصل الأمر ببعضهم أن استعان بالنصارى لكي يكونوا عوناً له في قمع أحد إخوانه المسلمين في دولة من دويلات الطوائف، فلما فرق أعداء الإسلام المسلمين بهذه الطريقة، وهي إثارة الأحقاد والبغضاء وإثارة النزاعات العصبية والقبلية، أصبحوا لقمةً صغيرةً هانئةً صائغةً أمام أعدائهم، فأكلوهم دويلةً دويلةً حتى سقطت غرناطة آخر قلعة من قلاع الإسلام كان يملكها بنو الأحمر، وخرج أميرها وهو يقول: وداعاً يا غرناطة وداعاً لا لقاء بعده، ولأنه عرف وأدرك أن أعداءه قد نجحوا في إثارة الفتنة بين إخوانه المسلمين، ثم أكلوهم لقمةً لقمةً.
ولما تسلط الاستعمار العالمي بجميع اتجاهاته على دول المسلمين، أذاقوا المسلمين ألوان القتل والتشريد وساموهم الهوان وسرقوا مقدراتهم وثرواتهم، ولم يتركوهم هكذا بعد أن بذل المسلمون في تلك الدول أعجب الألوان في دروب الدفاع والقتال لكي يتحرروا من أعداء المسلمين، ولكي يتحرروا من الاستعمار، لم يخرجوا ويتركوا الحرية لهم في بلادهم بل تركوا مشاكل حدودية تجعل المسلمين يتقاتل بعضهم على بعضٍ من أجلها، فجعلوا المسلمين يقتل بعضهم بعضاً، ويحارب بعضهم بعضاً من أجل كيلو متراتٍ معدودة على حدود كل دولة واحدة من أجل أن تستمر البغضاء العداوة، وأن يستمر النزاع والقتال، فتارةً أولئك يتقدمون شبراً، وأولئك يتقدمون متراً، وهكذا دواليك حتى لا تجتمع قلوبهم في يومٍ من الأيام، وإن الواقع يشهد شهادةً صريحةً بذلك.
معاشر المؤمنين: لم يكتف أعداء الإسلام بهذا الأمر، بل زادوا على ذلك أن سلطوا على المسلمين من أبنائهم أو من غير أبنائهم من يتبنى أفكاراً دخيلة، ومبادئ غربية على أمة الإسلام لكي يتسلطوا بها، ولكي تكون سبباً في نقض ما بقي من وحدة الأمة الصغيرة من بين تلك الأمم المتفككة فيما بينها، فأثاروا النزاعات القبلية، والعصبيات العرقية لكي لا تجتمع أمة واحدة على قلبٍ واحد، وأنتم بهذا تعلمون يا عباد الله! أن أمةً واحدة يجمعها إقليم واحد، وتنتسب إلى بلادٍ واحدة، أو دولةٍ واحدة تقوم فيها العصبيات العرقية والنزاعات القبلية لا شك أنها لا تجتمع على قلبٍ واحد، ولو أرادت أن تجتمع فعليها أن تعود إلى حسابٍ مدين لا بد أن تصفيه في أمورٍ كثيرة، أولها: هذه النزاعات وهذه العصبيات.
معاشر المؤمنين! إنه لا عز ولا سلطان لأمة الإسلام ولا منعة ولا كرامة للمسلمين إلا أن يتحدوا فيما بينهم، ويعملوا بقول الله جل وعلا: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً [آل عمران:103] لقد كانت أمة العرب طوائف متناحرة، وقبائل متقاتلة، دامت بينهم حروبٌ عظيمة:كداحس والغبراء، وحرب البسوس، أربعين سنة دامت وهم يقتل بعضهم بعضاً، ولم تنته هذه الحرب إلا يوم أن بعث الله النور المبين محمداً صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء والمرسلين، فجمع قلوبهم، وأزال الضغائن والإحن فيما بينهم، فلا سلطان للمسلمين ولا وحدة لهم إلا أن يوحدوا صفوفهم ويلموا شتاتهم، وأن يجمعوا كلمتهم، وأن يحددوا رايتهم التي من أجلها يعملون وفي سبيلها يستشهدون، لابد لأمة الإسلام من هذا، وبدون ذلك لن تقوم للإسلام قائمة، نسأل الله جل وعلا أن يديم ما بقي من وحدة المسلمين في هذه البلاد خاصة، وفي سائر بلاد المسلمين عامة.
معاشر المؤمنين! روى الإمام مسلم بسنده عن سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (سألت ربي ثلاثاً، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة؛ سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألت ربي ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها).
وروى مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنةٍ بعامة وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنةٍ عامة، وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، أو قال: من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً).
إذاً -أيها الإخوة- نعلم أن أي هدمٍ أو شرخٍ في وحدة أمة الإسلام إنما هو بسبب داخلي فيها وليس لأمر خارجي عنها، لأن الله قد أعطى الأمة ألا يهلكها بسنةٍ بعامة وألا يسلط عليها عدواًمن سوى أنفسها حتى لو اجتمع عليها من بين أقطارها أو من في شمالها إلى جنوبها، ومن في غربها إلى شرقها مهما تآلبوا وتسلطوا على أمة الإسلام، لن يستطيعوا أن ينالوا من هذه الأمة شيئاً، لن يستطيعوا أن يدركوا من هذه الأمة منالاً ماداموا مجتمعين، أما إذا تسلط بعضهم على بعضٍ من داخلهم، وإذا ثارت العصبيات فيما بينهم وهم في أرضٍ واحدة، وتحت لواء واحد، فإن هذا نذيرٌ ومهدد بقرب تسلط عدوٍ من الأعداء عليهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.
معاشر المؤمنين! إن أعداء الإسلام في القديم والحديث جربوا ألوان الفتك والاعتداء على المسلمين، لكنهم علموا أن أفشل الأساليب وأقلها نجاحاً هو العدوان العسكري على أمةٍ الإسلام، إذ أن المسلم بطبيعته يوم أن يفاجأ بعدوانٍ ويقابل بقوة ينعكس رد الفعل بالنسبة له وليس انطلاقه انعكاساً لردود فعلٍ، بل هو عقيدةٌ تصقل بهذه المفاجأة، فينطلق من طوره الذي هو فيه أياً كان ذلك الطور؛ طور غفلةٍ أو لهوٍ أو غير ذلك، فتنتبه نفسه لهذا العدو المحيط به، فينطلق شجاعاً باسلاً لكي يرد العدوان عن أرضه وعن بلاده وعن عقيدته وعن المسلمين أجمعين، فمادام الأعداء جربوا هذا الأسلوب وأدركوا فشله طوال حروبٍ صليبيةٍ بلغت ثمان حملات، وطوال سنين طويلة جربوا فيها ألوان الأسلحة الفتاكة وغيرها، ظهر مفكرٌ مجرمٌ من مفكري البريطان وقال: إن المسلمين لا يجدي فيهم هذا الأسلوب إنما ينفع فيهم أسلوب بطيءٌ لكنه مؤكد، أتدرون ما هو؟ إنه أسلوب الغزو الفكري، قتل الغيرة، وإماتة الشيم، وتكسير الحياء، واهتمام كل فردٍ بنفسه، واعتناء كل إنسان بمادته الشخصية بعيداًً عن ملاحظة أمور المسلمين عامة.
إنه أسلوب بطيء، لكنه فعال، ولما اجتمع القس صموئيل زويمر في القاهرة (سنة:1937م) بمجموعة من الرهبان والنصارى وأخذوا يستعرضون جهودهم في تنصير المسلمين كلٌ يعرض جهوده، ثم يقول: لكن مجموعةً منهم عادوا إلى إسلامهم بعد أن تنصروا، وطائفة تقول: إنهم لم يثبتوا على النصرانية مدةً يسيرة، فقال ذلك المجرم: معاشر القسس والرهبان لم تعرفوا حقيقة التنصير أو التبشير، إن حقيقة الأمر أن نخرج المسلمين من دينهم، وليسوا بعد ذلك بأهل أن ينالوا شرف الدخول في النصرانية.
هذا أمر واحد، الأمر الثاني: إنه لا يقطع الشجرة إلا غصنٌ منها، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: لا تنفروا جهودكم مبعثرةً هكذا، لكن انتقوا عيناتٍ وأفراداً تلتمسون فيهم النمو والذكاء والحركة والنشاط فنصروهم وغيروا عقائدهم، ثم بعد ذلك دعوهم يعيثون في أرضهم فساداً وهم يكفونكم مؤونة التنصير في بلادهم.
هذا مثلٌ نضربه لكي نبين مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن الله جل وعلا تكفل لأمته ألا يهلكهم بسنةٍ عامة وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، من خارج أرضهم وبلادهم، وسأله ألا يجعل بأسهم بينهم شديداً فقال: (يا محمد! إني إذا قضيت فضاءً فإنه لا يرد) عند ذلك نعلم أنه إذا قام واحدٌ من صفوف الأمة يتكلم بلسانها، ويلبس ثوبها وهو من بني جلدتها، وقد تبنى فكراً غربياً أو مبدأً شرقياً، أو فتنةً هدامة، فإن أثره يكون أبلغ في إفساد صفوف الأمة، وفي تفريق وحدتها، وفي كسر شتاتها المجتمع.
أيها الإخوة: من هذا المبدأ غزيت أمة الإسلام، يوم أن ظهر أفرادٌ أو فئامٌ يتكلمون بألسنتنا، ويلبسون مثلما نلبس، جلودهم جلود الضأن، وقلوبهم قلوب الذئاب، وبين تارةٍ وتارة تخرج فكرةٌ دخيلة، أو مبدأٌ غريبٌ على صفوف المسلمين وبمثل أولئك يدخل الفساد ويدخل الضلال في أمة المسلمين، وصدق ذلك المجرم المبشر: إنه لا يكسر الشجرة إلا غصنٌ من أغصانها.
فالله الله يا عباد الله: اعلموا أن أمم الكفر والضلالة لو اجتمعت على أمتكم فلن تستطيع أن تهلكهم، إن أمة الكفر والضلالة لو أرادوا بكم ما أرادوا لن يستطيعوا أن ينالوا منكم شيئاً، إلا إذا نال بعضنا من بعض، إلا إذا خان بعضنا الأمانة، إلا إذا فرطنا فيما أمر الله به، إلا إذا تسلط بعضنا على بعض، إلا إذا توجه النقد والتجريح البذيء من بعضنا إلى بعض، وتركنا الأعداء يأكلون لحومنا ويفتكون بإخواننا، ويتسلطون على مقدساتنا، ويتقدمون مستوطنين في أراضينا، عند ذلك معاشر المسلمين لا تسألوا عن هلكة الأمة، فكأنما هي عقدٌ قد انقطع نظامه فتتابعت حباته.
معاشر المؤمنين! لولا الخيانة في صف من الصفوف ما دخل الأعداء إلى ذلك الصف، لولا التهاون في ثغرةٍ من الثغور ما تسلط الأعداء على ذلك المجال.
إن سبيل الوحدة والقوة هو أن نجمع القلوب أولاً ما دام إلهنا واحد، وكتابنا واحد، ونبينا واحد، وقبلتنا واحدة، ونصلي كل صلاةٍ خلف إمام واحد، علمنا الإسلام أن نجتمع، علمنا الإسلام الوحدة، فلا بد أن نتحد في جميع أمورنا، نصوم شهراً واحداً، ونقف بعرفة في يومٍ واحد، وفي الحج نلبس زياً واحداً.
إن الإسلام دين الوحدة فلا بد أن نتحد في أفعالنا وأقوالنا، لا بد أن نتحد في توجهاتنا، وعند ذلك لن يصل الأعداء إلى شبرٍ من أراضينا، ولن يدخلوا ثغرةً من مجالات حياة أمتنا
ما يبلغ الأعداء من جاهلٍ ما يبلغ الجاهل من نفسه |
إن الإنسان إذا فرط في حق نفسه، دخل عليه التفريط من خارج أمره، أما إذا كان معتنياً بأموره من جميع جوانبها، فوالله ثم والله، ثم والله لن يتسلط عليه أحدٌ إلا بأمر قد كان في نفسه، فاجمعوا قلوبكم -أيها الإخوة- وابذلوا المحبة لسائر إخوانكم، وأزيلوا الضغائن والإحن من قلوبكم، وبروا بآبائكم وأمهاتكم وصلوا أرحامكم، وأظهروا مشاعر الوحدة في مجتمعكم، عند ذلك والله لن يفكر العدو في أن ينال من أدنى مقدرةٍ من مقدرات أمتكم شيئاً، لكن الأعداء إذا وجدوا أمةً متقاتلة، وفئات متناحرة، وقلوباً متباغضة، واتجاهاتٍ متباينة، عند ذلك يرون أن أمةً كهذه هي ألذ لقمة تتجرعها في حلقها وألذ غنيمة تستولي عليها بغفلة أصحابها.
أسأل الله جل وعلا أن يجمع قلوبنا، وأن يوحد صفوفنا، وألا يجعل من بيننا خائناً يخون أمتنا، اللهم اجمع شمل المسلمين، وارحم اللهم المستضعفين، وانصر اللهم جميع المجاهدين في سبيلك، اللهم ثبت أقدامهم، وسدد رصاصهم، ووحد كلمتهم، واجمع شملهم على كتابك وسنة نبيك يا رب العالمين!
اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم احفظ إمام المسلمين، اللهم ارزقه البطانة الصالحة، اللهم قرب له من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، اللهم لا تسلط علينا ولا عليهم عدواً، ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، وسخر اللهم لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك وجنود الأرضين بقدرتك يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين!
اللهم احفظ هذه البلاد خاصة، واحفظ سائر بلاد المسلمين عامة، اللهم اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاًإلا شفيته، ولا حيرن ألا دللته، ولا باغياً إلا قطعته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا غائباً إلا رددته برحمتك ومنك يا أرحم الراحمين!
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى واسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أعطيت، وإذا دعيت به أجبت، نسألك اللهم أن تحيينا على الإسلام سعداء، اللهم توفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا اللهم في زمرة الأنبياء، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك، اللهم اجعل خير أيامنا يوم نلقاك، واجعل خير أعمالنا خواتمها، اللهم وفقنا لما تحب وترضى، وجنبنا أسباب سخطك وغضبك يا رب العالمين!
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين!
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.