الروض المربع - كتاب البيع [15]


الحلقة مفرغة

النوع الثالث: ما كان نفعه عائداً على أحد المتعاقدين

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله: [ شرط بائع نفعاً معلوماً في مبيع غير وطء ودواعيه، (نحو أن يشترط البائع سكنى الدار) أو نحوها (شهراً وحملان البعير، أو نحوه المبيع: (إلى موضع معين) لما روى جابر : ( أنه باع النبي صلى الله عليه وسلم جملاً واشترط ظهره إلى المدينة ) متفق عليه ].

هذا هو الشرط الثالث من الشروط الصحيحة، وهو: شرط بائع نفعاً معلوماً في مبيع.

إذاً الفرق بين هذا الشرط والقسم الثاني: أن القسم الثاني شرط في المعقود عليه نفسه، وأما هذا الشرط فهو شرط يعود نفعه لأحد المتعاقدين، فقالوا: (إن شرط بائع نفعاً معلوماً). وقول المؤلف: (شرط بائع)، إنما خرج مخرج الغالب، وإلا فإنما هو شرط أحد المتعاقدين نفعاً معلوماً، بدليل قوله: أو اشتراط حملانه إلى مكان كذا، فهذا شرط، فقوله: (شرط بائع) إنما خرج مخرج الغالب، وإلا فإنما هو شرط أحد المتعاقدين نفعاً معلوماً في مبيع.

قول المؤلف: (غير وطء ودواعيه) يعني: أن البائع لا يحق له أن يبيع الأمة للمشتري ويشترط وطأها، أو تقبيلها، فإن ذلك لا يجوز؛ لأن الاستمتاع لا يصح إلا بأمرين: بعقد نكاح أو عقد تمليك، وقد قال عمر رضي الله عنه كما عند ابن أبي شيبة لـابن مسعود: (لا تمسها وفيها شرط لأحد)، حينما اشترى من امرأته جارية واشترطت أنه متى ما أراد بيعها فهي أحق بهذا الثمن، فقال: (لا تمسها وفيها شرط لأحد)، والحديث إسناده صحيح.

أقوال العلماء في الشروط التي يجعلها أحد المتعاقدين

وهذه الشروط جائزة عند الحنابلة، ممنوعة عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية، وبهذا نعلم أن أكثر العقود المعاصرة فيها شروط جعلية، والشروط الجعلية: هي الشروط التي يجعلها أحد المتعاقدين، وهي تنقسم إلى قسمين: شروط لمصلحة العقد، وهو القسم الثاني، وشروط نفع أحد المتعاقدين نفعاً معلوماً في مبيع، وهذه جائزة عند الحنابلة: إذا كان الشرط واحداً، وأما إذا زاد إلى اثنين فإنها ممنوعة عند الحنابلة، ورواية أخرى عند الحنابلة: أنها جائزة مطلقاً أكثر من اثنين أو ثلاثة، وهذه هي الرواية التي نص أبو العباس بن تيمية عليها وقواها في غير ما كتاب من كتبه.

أما الجمهور فإنهم يمنعونها، ويرون أنها شرط فاسد، إلا أن أبا حنيفة و مالكاً في بعض صوره: يرون أن هذه الشروط إن جرى عليها عمل فإنهم يجوزونها، من باب قاعدة مالك فيما جرى عليها العمل ومن باب قاعدة أبي حنيفة أن ذلك من باب الاستحسان، فيرون أن مثل بعض هذه الشروط إذا جرى عليها عمل، فيقول أبو حنيفة : يجوز استحساناً، ويقول مالك : يجوز من باب ما جرى عليها العمل، وإلا فالأصل عندهم المنع، واستدلوا بحديث يرويه أبو حنيفة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط ) وهذا الحديث لا يصح، بل لا يكاد يوجد في دواوين كتب السنة المشهورة. وإذا قيل: كتب دواوين السنة المشهورة يعني بذلك الكتب التسعة أو العشرة، أو الأربعة عشر، مع إتحاف المهرة لكتب المسانيد العشرة، فإن هذا الحديث لا يكاد يعرف في الكتب المشهورة.

وجه استدلال الحنابلة على جواز اشتراط البائع نفعاً معلوماً في المبيع

يقول المؤلف مستدلاً على جواز ذلك: قال: (لما روى جابر رضي الله عنه: ( أنه باع النبي صلى الله عليه وسلم جملاً واشترط ظهره إلى المدينة ) متفق عليه.

هذا الحديث روي بالمعنى، والحديث طويل، لكن فيه: (أن جابراً قد تأخر عن الجيش، فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مال جملك؟ قلت: عليل، قال: فاستأخر عني ثم نفثه بعود، فسار كأحسن ما سرى من بعير، قال: ما ترى بعيرك؟ قال: أصابته بركتك، قال: أتبيعني؟ قال: فاستحييت، وكان ليس لنا ناضح غيره)، ما عندنا إلا هو، وإذا جاء وقت الجهاد أخذناه، وكان أبناء حرام وأعمامه فقراء، ( فاستحييت، فقلت: نعم، واشترطت حملانه إلى المدينة ) يعني: ما عندي شيء آخذه، أمشي على أرجلي، قال: ( فلما جئت استقبلني عمي فأخبرته، فلامني وعاتبني ) ما لك تبيعه، ما عندنا إلا هو، قال: (ثم جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، وكان صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين، فجئته بالجمل، فقال لي: أتراني ماكستك؟) الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف حال جابر رضي الله عنه قال: ( أتراني ماكستك؟ خذ جملك ودراهمك )، يعني أنا الذي اشتريته لك اشتريته بهذا المبلغ خذ جملك.

أنا ذكرت هذا الحديث لأجل أن أبين لكم ما سبب الخلاف، فالحنابلة استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أتبيعني؟ قلت: نعم، واشترطت حملانه إلى المدينة )، قالوا: فهذا شرط أحد المتعاقدين نفعاً معلوماً في المبيع، الذي هو المعقود عليه، لما استدل بهذا الحديث على الجمهور كالحنفية والشافعية والمالكية قالوا: إن هذا ليس بيعاً حقيقياً وإنما هو بيع صوري؛ بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أتراني ماكستك؟ خذ جملك ودراهمك )، فهو ليس بيعاً حقيقياً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد شراء الجمل؛ لأنه في قرارة نفسه أنه لم ينو أن يأخذه، فكأن هذا نوع هدية، وباب التبرعات ليس مثل باب المعاوضات.

والجواب على هذا أن يقال: إن الأصل في العقود الصحة، وأنهما تفرقا على هذا الشرط وهو حملان الجمل لـجابر إلى المدينة على أن الجمل أصبح ملكاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يبطل العقد، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولكنه قال: ( أتراني ماكستك؟ خذ جملك ودراهمك )، والمماكسة لا تكون إلا في عقد، ولا شك أن قول الحنابلة أصح، إلا أن الحنابلة إنما جوزوا شرطاً واحداً كما سوف يظهر إن شاء الله.

قال المؤلف رحمه الله: [ واحتج في التعليق والانتصار وغيرها بشراء عثمان من صهيب أرضاً وشرط وقفها عليه، وعلى عقبه، ذكره في المبدع، ومقتضاه صحة الشرط المذكور ].

قول المؤلف: (واحتج في التعليق والانتصار) (التعليق) للقاضي أبي يعلى ، له تعليقات على مختصر الخرقي ، والآن لا يكاد يوجد منه إلا بعض الورقات، وقد حقق مع ما فيه من سقط، وقد استفاد منه ابن قدامة فائدة كبيرة في كتابه المغني.

والانتصار لـمحفوظ الكلوذاني المشهور بـأبي الخطاب، وهو من عمدة المذهب في الطبقة الوسطى، ويجعلون الطبقة الوسطى من ابن حامد المعروف إلى المرداوي ، وعلى هذا فيكون هؤلاء من محققي المذهب، ويدخل معهم ابن قدامة و أبو يعلى و محفوظ الكلوذاني و المجد أبو البركات، والله أعلم.

قول المؤلف (بشراء عثمان ) يعني عثمان بن عفان ، (من صهيب أرضاً وشرط وقفها عليه، وعلى عقبه). هذا الاستدلال أن عثمان اشترى من صهيب وشرط وقفها عليه وعلى عقبه، الحديث في سنده أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله ، فإنه رواه عن مرة بن شرحبيل ، قال: باع صهيب داره من عثمان واشترط سكناها، إذاً الذي اشترط وقفها يعني: سكناها هو البائع، وهذا شرط أحد المتعاقدين نفعاً معلوماً في مبيع.

والراجح -والله أعلم- أن رواية أبي إسحاق السبيعي مقبولة؛ لأنها ظاهرة السماع، إلا أن يأتي بما ينكر فيرد، وقد مثلنا على ذلك بزيادة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء )، فهذه الزيادة خطأه فيها عامة أهل الحديث، والله أعلم.

قول المؤلف: (ذكره في المبدع) وهو (المبدع) لـابن مفلح، وهو شرح لـلمقنع، ولا ينبغي يا طالب العلم! أن يفوتك هذا الكتاب، وأنا أتعجب حينما أجد بعض طلاب العلم عندهم من كتب المذهب ممن ليست معروفة للتحقيق، ويتركون كتاب المبدع؛ لأن كتاب المبدع فيه من التخريجات والتقريرات ما لا تكاد تجده ظاهراً إلا في هذا الكتاب، والله أعلم.

أمثلة على جواز اشتراط البائع نفعاً معلوماً في المبيع

قال المؤلف رحمه الله: [ ولبائع إجارة وإعارة ما استثني، وإن تعذر انتفاعه بسبب مشتر فعليه أجرة المثل له، أو شرط المشتري على البائع نفعاً معلوماً في مبيع، كحمل الحطب المبيع إلى موضع معلوم، أو تكسيره أو خياطة الثوب المبيع أو تفصيله إذا بين نوع الخياطة أو التفصيل، واحتج أحمد لذلك بما روي أن محمد بن مسلمة اشترى من نبطي جرزة حطب وشارطه على حملها؛ ولأنه بيع وإجارة فالبائع كالأجير، وإن تراضيا على أخذ أجرته ولو بلا عذر جاز، وإن جمع بين شرطين من غير النوعين الأولين كحمل حطب وتكسيره وخياطة ثوب وتفصيله ].

ما زال المؤلف يمثل على هذا الشرط فيقول: (ولبائع إجارة وإعارة ما استثني) يعني أن البائع يجوز تأجير وإعارة ما استثني من البيع، وذكر المؤلف أن غير البائع إذا شرط له النفع لا يؤجر ولا يعير.

الواجب على أحد المتعاقدين إذا عجز عن وفاء ما اشترط عليه الآخر في البيع

يقول: (وإن تعذر انتفاعه بسبب مشتر فعليه أجرة المثل له) يعني أن وجود هذا الشرط الذي تعاقد عليه إذا عجز عن الانتفاع بهذا الشرط، فإن هذا الشرط الذي فات يقدر بأجرة المثل فيعوض المشترط، كما أن مشتري المعقود عليه المبيع إذا فات فإن له أن يطالب البائع بأجرة المثل التي يسميها العلماء الأرش.

إذاً المعقود عليه إذا كان فيه شرط منفعة أحد المتعاقدين في مبيع، ففات هذا الشرط، مثل أن المشتري اشترط على البائع حملانه، فلم يحمله البائع، فاضطر المشتري أن يحمله، تفرق المتعاقدان على هذا الشرط، يقول المؤلف: إن هذا الشرط الذي فات يجوز لمن اشترطه أن يطالب بأجرة الحمل وهي: أجرة النقل فتقدر قيمته وتعطى له، كما أننا نقول: أن من اشترى المعقود وتبين أنه معيب، فله مطالبة الأرش على المذهب، وعلى الراجح: لا. لكنه إمساك يعني هلك وهو في يد المشتري فلا يجوز رده؛ لأنه فات، لكن له أن يطالب بالأرش، وقد قلنا: أن مطالبة الأرش لا تصح إلا إذا فات المعقود عليه، وهذا منها. ولهذا قال: (وإن تعذر انتفاعه بسبب مشتر فعليه أجرة المثل) بأن أفلت المشتري العين المباعة أو فوتها أو أخرها بحيث يتضرر المشترط ، والله أعلم.

اشتراط المشتري على البائع نفعاً معلوماً في المبيع

قول المؤلف: (أو شرط المشتري على البائع نفعاً معلوماً في مبيع) الآن المؤلف في هذا الشرط بدلاً من أن يقول: شرط أحد المتعاقدين نفعاً في مبيع، لا، قال: (شرط بائع) ومثل، ثم قال: (شرط مشتري) ومثل، وكان الأولى كما قلت أن يقول: شرط أحد المتعاقدين، أو شرط المتعاقدين أو أحدهما نفع في مبيع.

الآن قال: (شرط المشتري على البائع نفعاً معلوماً في مبيع، كحمل الحطب المبيع إلى موضع معين)، الآن الذي يسمونه التوصيل المجاني، الأصل في التوصيل أنه على المشتري، العقد عند البقالة، فإذا اشترط المشتري أن يأتي به فهذا شرط المشتري نفعاً في مبيع، وإلا فالأصل أنه ليس على البائع.

وقد منع الجمهور إذا اشترط البائع ذلك وجوزه الحنابلة، ومن تجويزات الحنابلة وتقريراتهم قالوا: أنه لا بأس بأن أبيعه وأؤجره، فإذا جاز البيع الذي فيه إجارة فلا فرق بين أن يشترطه المعقود عليه أو أن يصرح بالإجارة، ولهذا قال: (أو تكسيره)، يعني تكسير الحطب، (أو خياطة الثوب المبيع) يعني يشترط: اشترى ثوباً واشترط البائع يفصله، (أو تفصيله إذا بين نوع الخياطة، أو التفصيل) لماذا قال المؤلف هنا؟ قالوا: لأنه إذا لم يبين لم يصح الشرط؛ لوجود الجهالة، فلا بد أن يبين كيفية الخياطة، هل هو ثوب سعودي، أو ثوب قطري، أو طريقة الخياطة لا بد من تفصيله حتى لا يتفرق المتعاقدان وفي العقد جهالة.

قول المؤلف: (واحتج أحمد لذلك بما روي أن محمد بن مسلمة ) الإمام أحمد يريد أن يحتج بشرط المشتري نفعاً في مبيع، ولا شك أنه إذا جاز في البائع جاز في المشتري، والذي جاز في البائع حديث جابر . (أن محمد بن مسلمة اشترى من نبطي جرزة حطب) يعني حزمة حطب، (وشارطه على حملها)، يقول: (ولأنه بيع وإجارة)، هذا الأثر ذكره الإمام أحمد رحمه الله في مسائله، ولم أجد له إسناداً معروفاً بعد بحث عميق، والنظر في أكثر من كتاب ولم يذكر له إسناداً.

يقول ابن تيمية في المجلد الثامن عشر من مجموع الفتاوى: وإذا رأيت المتقدمين قد صححوا حديثاً، وليس بين يديك إسناد صحيح له، بل ربما تكون الأسانيد التي عندك ضعيفة، فلا تحتج عليهم بأن الأسانيد فيها ضعيفة، فلربما لم يبلغك أسانيد هذا الباب أو هذا الحديث. ولهذا أحمد أحياناً يقول: تابعه فلان وفلان وفلان، قد لا تكاد تجد منها إلا حديثاً أو حديثين، والله أعلم.

أما الحديث الذي يجري عليه عمل فتصحيحهم له من باب أن القياس يؤيده، ولكن لا يلزم أن يكون الإسناد صحيح؛ لأن التصحيح والتضعيف ليس مبنياً على العمل، ولهذا يفرق بين ما جرى عليه عمل فلا يصحح، ولكن يدل على أنه ليس ثمة خلاف، ولكن ما يصحح الحديث؛ لأن تصحيحه يحتاج إلى طرق.

قول المؤلف: (ولأنه بيع وإجارة)؛ لأنه لما جاز البيع والإجارة فلا فرق بين أن يشترط نفعاً معلوماً في مبيع، وهذا استدلال الحنابلة على الجمهور.

قول المؤلف: (فالبائع كالأجير) يعني البائع الذي نقل هذه السلعة إلى مكان المشتري كأنه أجير، ولا فرق بين أن يكون الأجير البائع نفسه أو غيره، والله أعلم.

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله: [ شرط بائع نفعاً معلوماً في مبيع غير وطء ودواعيه، (نحو أن يشترط البائع سكنى الدار) أو نحوها (شهراً وحملان البعير، أو نحوه المبيع: (إلى موضع معين) لما روى جابر : ( أنه باع النبي صلى الله عليه وسلم جملاً واشترط ظهره إلى المدينة ) متفق عليه ].

هذا هو الشرط الثالث من الشروط الصحيحة، وهو: شرط بائع نفعاً معلوماً في مبيع.

إذاً الفرق بين هذا الشرط والقسم الثاني: أن القسم الثاني شرط في المعقود عليه نفسه، وأما هذا الشرط فهو شرط يعود نفعه لأحد المتعاقدين، فقالوا: (إن شرط بائع نفعاً معلوماً). وقول المؤلف: (شرط بائع)، إنما خرج مخرج الغالب، وإلا فإنما هو شرط أحد المتعاقدين نفعاً معلوماً، بدليل قوله: أو اشتراط حملانه إلى مكان كذا، فهذا شرط، فقوله: (شرط بائع) إنما خرج مخرج الغالب، وإلا فإنما هو شرط أحد المتعاقدين نفعاً معلوماً في مبيع.

قول المؤلف: (غير وطء ودواعيه) يعني: أن البائع لا يحق له أن يبيع الأمة للمشتري ويشترط وطأها، أو تقبيلها، فإن ذلك لا يجوز؛ لأن الاستمتاع لا يصح إلا بأمرين: بعقد نكاح أو عقد تمليك، وقد قال عمر رضي الله عنه كما عند ابن أبي شيبة لـابن مسعود: (لا تمسها وفيها شرط لأحد)، حينما اشترى من امرأته جارية واشترطت أنه متى ما أراد بيعها فهي أحق بهذا الثمن، فقال: (لا تمسها وفيها شرط لأحد)، والحديث إسناده صحيح.

وهذه الشروط جائزة عند الحنابلة، ممنوعة عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية، وبهذا نعلم أن أكثر العقود المعاصرة فيها شروط جعلية، والشروط الجعلية: هي الشروط التي يجعلها أحد المتعاقدين، وهي تنقسم إلى قسمين: شروط لمصلحة العقد، وهو القسم الثاني، وشروط نفع أحد المتعاقدين نفعاً معلوماً في مبيع، وهذه جائزة عند الحنابلة: إذا كان الشرط واحداً، وأما إذا زاد إلى اثنين فإنها ممنوعة عند الحنابلة، ورواية أخرى عند الحنابلة: أنها جائزة مطلقاً أكثر من اثنين أو ثلاثة، وهذه هي الرواية التي نص أبو العباس بن تيمية عليها وقواها في غير ما كتاب من كتبه.

أما الجمهور فإنهم يمنعونها، ويرون أنها شرط فاسد، إلا أن أبا حنيفة و مالكاً في بعض صوره: يرون أن هذه الشروط إن جرى عليها عمل فإنهم يجوزونها، من باب قاعدة مالك فيما جرى عليها العمل ومن باب قاعدة أبي حنيفة أن ذلك من باب الاستحسان، فيرون أن مثل بعض هذه الشروط إذا جرى عليها عمل، فيقول أبو حنيفة : يجوز استحساناً، ويقول مالك : يجوز من باب ما جرى عليها العمل، وإلا فالأصل عندهم المنع، واستدلوا بحديث يرويه أبو حنيفة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط ) وهذا الحديث لا يصح، بل لا يكاد يوجد في دواوين كتب السنة المشهورة. وإذا قيل: كتب دواوين السنة المشهورة يعني بذلك الكتب التسعة أو العشرة، أو الأربعة عشر، مع إتحاف المهرة لكتب المسانيد العشرة، فإن هذا الحديث لا يكاد يعرف في الكتب المشهورة.