سنية الاعتكاف في رمضان
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
سُنِّية الاعتكاف في رمضانتعريف الاعتكاف:
الاعتكاف هو: لزوم المسجد لطاعة الله - عز وجل - من الصلاة والذِّكر والدعاء وقراءة القرآن والتفكُّر، وغير ذلك.
حكم الاعتِكاف:
الاعتكاف من السنن الثابتة بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -: لا أعلم عن أحد من العلماء خلافًا أن الاعتكاف مَسنون؛ اهـ[1].
قالت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يَعتكِف العَشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده"؛ متفق عليه[2].
المقصود الحقيقي من الاعتكاف:
المقصود بالاعتكافِ: انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرَّغ لطاعة الله في مسجد من مساجده، طلبًا لفضله وثوابه وإدراك ليلة القدر، وكما يُعبِّر عن ذلك الحافظ ابن رجب - رحمه الله تعالى - فيقول: حقيقة الاعتكاف: قطع العلائق عن الخَلائق، للاتِّصال بخدمة الخالق[3]، ويقول أيضًا: المُعتكِف قد حبَس نفسه على طاعة الله وذِكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يَشغله عنه، وعكَف بقلبِه وقالبه على ربه وما يُقرِّبه منه، فما بقي له همٌّ سوى الله، وما يُرضيه عنه[4]؛ اهـ.
ولذلك يَنبغي على المُعتكِف أن يَشتغِل بالذِّكر والقراءة والصلاة والعبادة، وأن يتجنَّب ما لا يَعنيه من حديث الدنيا ولا بأس أن يتحدَّث قليلًا بحديث مُباح مع أهله أو غيرهم.
مدة الاعتِكاف:
ليس لوقت الاعتكاف حد محدود في أصحِّ أقوال أهل العلم؛ فللإنسان أن يَعتكِف العشر الأخيرة من رمضان كلها، وهذا أفضل الاعتكاف، وهو اعتِكاف النبي - صلى الله عليه وسلم - وله أن يَعتكِف بعضها، وله أن يَعتكِف يومًا وليلة، وله أن يَعتكِف لليلة كاملة، وله أن يَعتكِف بعض يوم أو بعض ليلة كساعة أو ساعتين، أو بين العشاءين، أو من العصر إلى المَغرب، أو من القيام الأول إلى الثاني في العَشر الأواخِر، كل ذلك سائغ؛ لأن الشرع لم يُحدِّد وقتًا لأقلِّه ولا لأكثرِه، فما اعتبِر اعتِكافًا في اللغة صحَّ شرعًا، مع اعتبار النية في ذلك كغيرِه من العبادات.
ليس من شرط الاعتكاف الصيام:
وليس من شرط الاعتِكاف الصيام على الصحيح من قولي العلماء، ولا أن يكون في رمضان، لكنه مع الصيام، وفي رمضان أفضل.
بداية الدخول في العشر الأواخِر ونهايته:
مَن اعتكَف العَشر الأخيرة من رمضان، فالسنَّة له أن يدخل مُعتكفه بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ويَخرج بانتهاء العشر ليلة العيد.
مُبطلات الاعتِكاف:
يَبطُل الاعتكاف بأربعة أمور:
الأول: الجِماع؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: 187]، وأما مُقدِّمات الجِماع - كالتقبيل واللمسِ لشَهوة - فلا تجوز للمُعتكِف، ولكنها لا تُبطِل اعتكافه، بل تنقص أجرَه.
الثاني: الخروج من المسجد لغير حاجة، وليعلم أن خروج المُعتكَف بجميع بدنِه على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الخروج لأمر لا بد منه طبعًا أو شرعًا؛ مثل: الخروج لقضاء الحاجة والوضوء الواجب والغسل الواجب، والأكل والشربِ، فهذا جائز إذا لم يُمكِن فِعله في المسجد، فإن أمكنَ فعله في المسجد، مثل أن يكون في المسجد حَمام يُمكنه أن يقضي حاجته فيه وأن يَغتسِل فيه، أو يكون له من يأتيه بالأكل والشرب، حينئذ فالأولى عدم الخُروج لعدم الحاجة إليه.
القسم الثاني: الخُروج لأمر طاعة لا تجب عليه، كعيادة مريض وشهود جنازة ونحو ذلك فلا يَفعله إلا أن يَشترط ذلك في ابتداء اعتِكافه؛ مثل أن يكون عنده مريض يجب أن يَعوده أو يخشى من موته، فيَشترِط في ابتداء اعتِكافه خروجه لذلك فلا بأس به، على ألا يَكثُر ذلك أو يطول؛ لأن هذا يُنافي الاعتكاف، فلا يَصِح للموظَّف أن يَشترِط الخروج كل يوم للدوام، ولا لإمام أو مؤذِّن أن يعتكف في غير مسجده ويَشترِط الخروج كل فرض، وإذا احتاج هؤلاء لمثل ذلك، فإنهم يُجدِّدون نيَّة الاعتكاف كلما عادوا، ولا يكون اعتكافهم متصلًا، والله أعلم.
القسم الثالث: الخروج لأمر ينافي الاعتكاف؛ كالخروج للبيع والشراء وجِماع أهله ومباشرتهم ونحو ذلك، فلا يفعله لا بِشَرط ولا بغير شرط؛ لأنه يناقِض الاعتكاف وينافي المقصود منه، ويجوز له أن يخرج لشراء ما لا بدَّ له منه كالأكل والشرب ونحوهما.
الثالث: قطع نيَّة الاعتكاف، فمَن نوى الاعتكاف وشرَع فيه، ثم قطعه بالنية، فقد انقطع اعتكافه ولو لم يَخرُج من المسجد، وله أن يَستأنفه بنية جديدة، لكنه لا يكون مكملًا للاعتكاف السابق، بل هو اعتكاف جديد، فلو نذَر اعتكاف أسبوع مثلًا لم يُجزئه البناء على الأيام السابقة، بل يَستأنف اعتكاف أسبوع من أوله، وهكذا لو شرع في اعتِكاف العشر الأواخر ثم قطعها بالنيَّة، ثم استأنف نية جديدة لم يكن مُعتكفًا للعشر كلها بل اعتكف بعضها، ثم استأنف اعتِكافًا جديدًا في بقيتها.
الرابع: الردة - أعاذَنا الله منها.
[1] سبل السلام 1: 593.
[2] رواه البخاري في كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر 2: 713 (1922)، ومسلم في كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان 2: 831 (1172).
[3] لطائف المعارف (ص: 225) دار الكتب العِلمية.
[4] المرجع السابق (ص: 224).