أرشيف المقالات

الطريقة المحمدية، الباب الأوحد، يا مريد محمد

مدة قراءة المادة : 14 دقائق .
الطريقة المحمدية الباب الأوحد، يا مُريد محمد
 
وأنتَ تمشي في سوق الإسلام، الذي يَضُمُّ كثيرًا مِن السِّلَع والبَضائِع المتنوِّعة والمختلفة والمتضاربة، تَسمَع المُنادِين يدْعون الناسَ إلى سلعتهم، هلمَّ إلى التيجانية، هنا النقشبندية، هاكم الطريقة الشاذلية، تقدَّموا تقدَّموا، أدرِكوا الشيخ فلان بن علان، صاحب البركات العظيمة، والأوراد المميَّزة، وترى الناس يَسْعَوْن حائِرين، هذا يَلِجُ هنا، وذاك يقف هناك، وذاك يَتمسَّح بعمامة فلان، والآخَر يقبِّل يدَ علان، فيأتي هذا وقد ألبَسوه عمامةً خضراء، والآخر وقد غطَّوه برداء أحمر، يَتفنَّنون في تمييز بعضهم، وتفريق وحدة المسلمين، كلُّ حزبٍ بهيئتهم فرحون.
 
وأنا أتلفَّتُ يمنةً ويسرةً أقول:
أين الطريقة المحمَّديَّة مِن بين كلِّ هذه الطُّرُق؟
وأين سبيل ابن عبد الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم مِن بين كلِّ تلك السُّبل المُتَباينة، والطُّرُق المختلفة؟

أَفأَهدَى مِن محمدٍ أتَّبعه وأجعله إمامًا ومُرشدًا؟ أَفأَحسَن منه خُلقًا؟ أفأكرَم منه نسبًا؟ أفأسلَم منه منهجًا؟ أم أنه لم يَتْرك لنا طريقةً نمشي عليها، ولم يُبقِنا على منهج قويم، وسلوك مستقيم، وحجَّة واضحة، ومحجَّة بيضاء؟!
 
ماذا يريد منِّي الشاذلي أو التيجاني أو غيره، إنْ كان وليًّا صالحًا! فالله يتولَّى الصالحين، ولم يأمُرني نبيِّي أنْ أتَّبعه، وإنْ كان غير ذلك، فلستُ عليه بوكيل، أمَّا أن أتَّخذه وليًّا وإمامًا، فلم أجدِ اسمَه في القرآن، ولا في سُنَّة أبي القاسم سيِّدي وسيِّده، والذي أمَرَنِي ربي وربُّه باتِّباعه؛ فقال: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: 31]، وقال لي وله: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7].
 
أمَّا ما لم يأتكم به الرسول فلا تأخذوه، وما لم ينهكم عنه فلا تَنتَهوا، فما أوضحَ كلامَ الله، وما ألذَّ بَرْدَه في النفوس!
 
إنَّ الإسلام كما جاء، جاء كاملًا، وكما وُضِع، وُضع مُتناهيًا، لم يَمُت الرَّؤوف الرحيم بالمؤمنين عليه أفضل الصلاة، وأتَمُّ التسليم إلا بعد ما بلَّغ آخرَ حرف ممَّا علَّمه الله، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((اللهم قد بلغتُ، اللهم فاشهَد))، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما تركتُ شيئًا يُقرِّبكم مِن الجَنَّة إلا وبيَّنْتُه لكم، وما تركتُ شيئًا يُبعِدكم عن النار إلا وبيَّنْتُه لكم))، فلم ينقصنا شيئًا، ولم يَكْتُم عنَّا خبرًا، ولم يَستُر عَنَّا مِن أوامر ربِّه أمْرًا، ولا بدَّل ولا غيَّر، ولا زاد ولا نقص؛ بل دينٌ أتمَّه الله هو بلَّغه، وشرعٌ أحكَمَهُ الحكيمُ هو أَوْصَلَهُ، وسُنَّة هداه إليها الهادي أمَرَنا بلزومها؛ قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: 3].
 
فلم يَترُك مجالًا إلا لِمَن اضطُرَّ في مخمصة، وما يتعلَّق بأحكام الفقه والمعاملات ممَّا يَشمَله بابُ الاجتهاد، أمَّا طريق العبودية وأسلوب السلوك إلى الله، فقد أوصَلَه كاملًا، وبلَّغه تامًّا واضحًا، وقال: ((خير الهدْي هدْي محمَّد)) صلَّى الله على محمد.
 
فلم نحتَجْ نحن في ذلك إلَّا إلى أمرٍ واحد أجملَتْه هذه الآيات: قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ [النور: 54]، وقال عز وجل: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: 80]، وقال: ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النور: 56]، وقال: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ [الجاثية: 18، 19]، ثم زاد هذا المعنى تأكيدًا وهو واضح، وتبيينًا وهو بيِّن، فقالت عائشة، تَروي لنا ما كان يقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن أحدث في أمْرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ))، وقال: ((مَن عمل عملًا ليس عليه أمرُنا، فهو ردٌّ))، فأمْرُه كامل، وشريعتُه التي جعَلَه الله عليها قد أحاطَتْ بالعبادة مِن كلِّ جوانبها، فلم تُبْقِ شيئًا في السُّلوك ولا الأذكار ولا الأخلاق إلا أتتْ به، متمثِّلًا في هدْي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وسلوكه وخُلقه وسيرته، وحياته وأحواله، أسوة حسَنة، ومثال يُحْتَذى، بَشَرٌ مثْلنا، لا مَلَك فيعجزنا اتِّباعه، ولا جِنيٌّ فيَخفَى عنَّا حاله؛ ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].
 
لكن، وألف لكن:
ذاك رسول الله، ونحن بشَر ضِعاف، لا نقْدر على ما يقْدر عليه، ولا بُدَّ لنا ممَّن يدلُّنا على الله، ويَشفَع لنا عنده، ويَسلُك بنا طريقًا في التربية والسلوك.
 
بمثْل هذا الكلام أتاحوا لأنفُسهم أنْ يشرعوا السُّنن والأوراد والأدعية، ويُلزِموا بها الأتْباع، ويلقِّنوها الأجيال، ويُوهموهم أنها تقرِّبهم إلى الله، وإنما هي تُبعِدهم عنه، فهو لا يَقبَل غير طريق حبيبه المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم وغيرَ أسلوبه في العبادة، ولا يدخل إلى حضرته إلا مَن أقبل مِن بابه، ولو جاءَه مِن ألف باب، إلا أنْ يَلِجَ مِن باب حبيبه وخليله، الذي أمَرَنا بالصلاة والسلام عليه، وعلَّمَنا كيف نفعل ذلك، فقال لنا رسولُنا الحبيب: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليتَ على آل إبراهيم، إنَّك حميد مجيد، اللهم بارِك على محمد وعلى آل محمد كما بارَكتَ على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد))، وقال لنا غيرُه: قولوا: "اللهم صلِّ على محمد الفاتح لما أُغلِق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، والهادي صراطك المستقيم..."، فأي الصلاتين نقول؟ وأي الهديَيْن نتبع؟ ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: 153].
 
إنَّ مبدأ دخول الجَنَّة مرتبط بالطاعة، والطاعة مرتبطة بالتسليم، والتسليم مرتبط بسلامة الاتِّباع دون الابتِداع، ولو بحثنا في كلِّ الأوراد واستعرضْنا كلَّ الطرق، لوجدنا سُنَّة نبيِّنا خيرًا منها، وطريقتَه أحبَّ إلى ربِّنا، وأَسلَمَ عند خالقنا، وأرضَى لرسولنا صلَّى الله عليه وسلَّم الذي يقول: ((والله، لو كان أخي موسى حيًّا، لما وَسِعَهُ إلا اتِّباعي))، رضي الله عن موسى وعن نبيِّنا، وعن كلِّ مَن اكتَفَى بمنهجهم، واقتَفَى آثارهم، ووقف عندها، فالله في غنى عن عِبادةٍ لم يأمُرْك بها، وطاعة لم يطلبها منك، فالزَم الباب، بالإخلاص وبالصواب، لا بالعمَّة والجلباب؛ ﴿فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الأعراف: 144]، ولا تتطلَّب التفنُّن والاستِحسان، فما عند الله هو الحسَن، وما عند غيره هو الضلال المُبِين؛ ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82].
 
ولو اكتفيتَ بما آتاك وكنتَ من الشاكرين، لأغنيتَ نفسَك عن اتِّباع الرجال، والتعلُّق بالأهداب، وتقبيل الأيادي، والتراقُص في المجامع، والتقافُز في المحافل، ودفْع الغالي والنَّفيس، وتسليم القِياد لهوى شيخ، ونزغة مُعَمَّم، ولو سألك الله يوم القيامة، فقل: يا رب، هذا نبيُّك وهذه سُنَنُه، لم أزدْ ولم أنقص، ولم أبتَدِع ولم أُغيِّر، فأنَّى تخيب وأنتَ متمسِّك بالوحيَيْن، عاضٌّ على الصحيحين، تَسِير بنورٍ مِن الله، وتخطو على بصيرةٍ مِن أمْر الله، غير مُقتَحِم باب ضلالة، ولا ظلمات زاوية، ولا دروب طريقة، إلا طريقة رسول الله وصحْبه المجْتَبَيْن، لا تسأل إلا عن سُنَّته، ولا تجتَهِد إلا في اتِّباع هدْيه؟ فيالك مِن فائزٍ موفَّق، وحكيم محنَّك؛ ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: 153]، ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: 31، 32].
 
إنَّ ما جاء به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كافٍ لِمَن أراد جَنَّة الله، فمَن أطاعه دخَل الجَنَّة ولا بُدَّ، ومَن اتَّبَع سبيله فهو معه بضرورة صدْق القرآن في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ [النور: 54]، وإنَّ فيما قاله ممَّا صحَّ عنه مِن السُّنَن والأوراد، والأدعية والأذكار، وِرْدًا لكلِّ ظمآن، وطريقًا لكلِّ حيران، وبابًا لكلِّ مُنقَطِع، ومَطمَعًا لكلِّ مُرِيد، ولو اجتَهَد المجتَهد، وسعَى الساعي، ونظَم الناظم، وأراد خيرًا ممَّا قال محمد بن عبد الله الذي أُوتِي جوامع الكلم، وجمع الخير كله - فلن يجد إلى ذلك سبيلًا.
 
فإلى كلِّ مَن استَبدَل الحوقلة بالهوهوة، أصحاب الأوراد المُبتَكَرة، والطُّرُق المُستَحدَثة، وإلى كلِّ ناقز وراقص وشاطح، خُذْ ما آتاك اللهُ وكنْ مِن الشاكرين، فوالله لو شطحتَ اليومَ كلَّه، ودُرْتَ كالرَّحَى حتى وقعتَ على أمِّ رأسك، لن يَقبل اللهُ منك شيئًا لم يَفعله المَثَلُ الأعلى، والقدوة الأولى، فأَرِحْ نفسك مِن البدعة؛ فلا خيرَ فيها، واجعَل مُبتَغاك سُنَّة ثابتة تُحيِيها، وأثرًا صحيحًا تَعضُّ عليه، وتعلَّم عبادته فإنها خيرُ العبادة وأوسَطُها؛ فإنَّ خيرَ الهدي هديُ محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار، كما كان يقول عليه أفضل الصلاة وأتَمُّ التسليم.
 
فهديُه خيرُ الهدْي، لا غلوَّ ولا تقصير، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، يقُوم وينام، يصُوم ويُفطِر، يحبُّ الطِّيب والنساء، يُضاحِك أصحابه ويُمازِحهم، يُمسِك أحدَهم مِن خلْفه ويقول: ((مَن يشتري العبد؟))، ويقول للعجوز: ((لن يدخل الجَنَّةَ عجوز))، يَقصد أنها لن تدخل عجوزًا؛ بل شابَّة، تأتي الجارية فتُمسِك بيده وتجرُّه فينطَلِق خلفها حتى يقضي حاجتها، يخدم أهلَه ويُعِينهم، تَهجره إحداهنَّ إلى الليل وهو سيِّد البشَر، يَخصِف نعلَه ويرقع ثوبه وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، لا تَراه إلا مُبتَسِمًا، وهو أعبَدُ العابِدين وأزهَدُ الزاهدين، بأبي هو وأمِّي مِن قدوةٍ لا أبتَغِي سِواه، وإمام لا أتَّبِع غيره.
 
إنَّ الطريقة المحمديَّة زاوية رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم التي أُسِّسَت على التقوى مِن أوَّل يوم، ووُضِعَت تعاليمُها مِن لدُن حكيم خبير، هي الزاوية الوحيدة، والطريقة التي لا يَقبَل اللهُ طريقةً غيرَها، ولا يرتَضِي أسلوبًا في العبادة إلا أسلوبها، فراقِب جيدًا قولَه عليه السلام: ((ما أنا عليه اليومَ وأصحابي))، وابحَث عنه وعن تفاصيله، وكلَّما جاءَك أحدٌ يدْعوك إلى وِرْدٍ، فقل: هل هو وردُ محمد بن عبد الله؟ فإنْ قال لك: نعم، فقل له: أين ثبَت ذلك عنه في الكُتب الصحيحة الثابتة، التي قيَّض اللهُ رجالَها كي يحموا حوزة الدِّين مِن كلِّ مشتهٍ مُستَحسِن؟ وكلَّما جاءَك شيخٌ يُرِيدك مُريدًا، فقل له: أنا مشغول، والمشغول لا يُشغَل، أنا مُريد محمد بن عبد الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم؛ قد سلَّمتُ له القياد، وبعْتُ له النفس والروح، فهو شيخُ طريقتي، ووِردي ومَوردي، وشفيعي عند خالقي، فليس لي إلا قلب واحد، أسكنتُه حبَّه، فليس يَقْبل حبَّ أحدٍ سواه، فإن قال لك: أنا أدلُّك عليه، فقل له: بسُنَّة صحيحة، وأثَر ثابت، وفريضة محْكَمة، وعبادة كان عليها هو وأصحابه الأكرمون، عندئذٍ تكون بالله غنيًّا، وبشرْعِه مُكتفيًا، وبما آتاك مِن الدِّين محصنًا، ويكون بينك وبين البدعة حجاب السُّنَّة، وبينك وبين الضلالة حصن الهدي، هدي محمد عليه أفضل الصلاة وأتَمُّ التسليم، وإلا تجاذبَتْك الأهواء، ولعبتْ بك البِدَع، وتَسابَق إليك المُعمَّمون يُرِيدونك نعجةً في زريبتهم، ومريدًا في طريقتهم، ثم يحتَجِبون عنك بالحُجَّاب، ويُغلِقون عليك الأبواب، ويُكثِرون عليك مِن الكلام المُبْهَم، والعبارات المُوهِمَة، وعندك كتابُ الله الواضح البيِّن، تقرؤه عذبًا طريًّا كما أُنزِل، كلمات الله فيه واضحة وضوحَ شمس الضحى، ورسائل الهدى تُحمَل إليك محصنة بـ ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9].
 
يا مُريد محمد، إنَّ طريقك إلى محمد يمرُّ عبر الصحيحين وكتُب الحديث، فهناك تجد كلَّ ما كان يَفعله في يومه وليلته، وكلَّ ما كان يَتقرَّب به إلى ربه، ولقد عاش الناسُ في العقود الماضية بَعيدِين عن المعارف والعلوم، ولم تكُن الكتُب متيسِّرة، ولا السُّنن معروفة، ولا انتَشَر العِلم والخير كما انتَشَر في زماننا، فلجَؤُوا إلى شيوخ الطرائق، وتمسَّكوا بهم؛ إذ لم يكُن لهم مِن سبيلٍ سِواهم، حبًّا في رسول الله والإسلام، أمَّا اليوم بعد أن عرَفنا الطريق، وعَلِمنا كيف عاش محمد صلَّى الله عليه وسلَّم فَلَسْنا نَبغِي سِواه، ولسْنا نتَّبِع غيرَه مهما بلَغ مِن الفضل والصلاح، فقُل: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: 43]، وثبتَت السُّنن والأحكام، وعرَفنا ما كان عليه هو وأصحابه، ولم يبقَ للناس على الله حجَّة بعد الرُّسُل، والحمد لله ربِّ العالمين، وقل لكلِّ صاحب طريقة وإمام زاوية: ﴿قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ [الأعراف: 89]، صدَق الله، ومَن أصدق مِن الله حديثًا.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣