الروض المربع - كتاب البيع [13]


الحلقة مفرغة

بيع السلاح في زمن الفتن بين المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله: [ولا بيع سلاح في فتنة بين المسلمين؛ ( لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع السلاح زمن الفتنة )].

هذا الحديث رواه الطبراني و البيهقي و العقيلي في الضعفاء و ابن عدي والحديث لا يصح مرفوعاً، وقد ضعف الحديث غير واحد من أهل العلم كـالبيهقي وغيره، والصواب أنه موقوف على عمران بن حصين : أنه نهى عن البيع زمن فتنة الجمل.

والآن هذا المباح إذا كان يئول إلى محرم قطعاً فيحرم؛ لأن قتل المسلم محرم.

قال أحمد : وقد يقتل به, وقد لا يقتل به، يعني: أننا نمنعه وإن لم يتيقن فعلها في الحرام؛ لأن القصود في العقود معتبرة في الشرع.

بيع السلاح لأهل حرب أو قطاع طريق

قال المؤلف رحمه الله: [وكذا بيعه لأهل حرب أو قطاع طريق]؛ لأنه إعانة على معصية مثل أن يبيع على قطاع الطريق أكلاً وشرباً لأجل أن يتقووا، فيمنع في ذلك, لكن العقد ما حكمه؟ مباح، ليس فاسداً، فهناك فرق بين الأمرين، الآن يأكل ويشرب، هل أكله وشربه هو الذي سوف يؤدي إلى الحرام؟ لا، لكنه يتقوى فيه لأجل أن ربما يفعل الحرام ولا يفعل الحرام.

إذاً: هذا العقد محرم لكن ليس فاسداً، فيجب عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، فبيع السلاح محرم وفاسد، وبيع طعام وشراب لأهل حرب أو قطاع طريق يكون إعانة على معصية، ولكنه ليس بفاسد وإن كان هو محرم.

بيع عبد مسلم لكافر

المؤلف رحمه الله: [ولا بيع مأكول ومشموم لمن يشرب عليهما المسكر، ولا قدح لمن يشرب به، ولا جوز وبيض لقمار ويحرم أكله ونحو ذلك، قال رحمه الله: ولا بيع عبد مسلم لكافر إذا لم يعتق عليه؛ لأنه ممنوع من استدامة ملكه عليه لما فيه من الصغار فمنع من ابتدائه].

يعني: أنه لا يجوز للمسلم أن يبيع عبده المسلم لكافر؛ لأن ذلك مدعاة أن يكون الكافر ولياً أو عال على هذا العبد المسلم, وقد قال الله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، إلا في حالة واحدة إذا اشتراه الكافر وسوف يعتق عليه لزاماً، مثل: أن يبيع عبده المسلم إلى ابنه الكافر، فإنه إذا اشتراه الابن فقد عتق عليه, أو يبيعه إلى ذي رحم معه فحينئذ يجوز.

حكم بيع عبد مسلم لكافر إذا كان يعتق بشراء الكافر له

قال المؤلف رحمه الله: [فإن كان يعتق عليه بالشراء صح؛ لأنه وسيلة إلى حريته].

قوله: (لأنه وسيلة إلى حريته)، فإن باعه لمن يشتريه ليعتق عليه لزاماً جاز، كما أنه يجوز بيع العبد بشرط أن يعتقه فإن ذلك جائز، فلو أن شخصاً باع عبده لشخص، وقال له بشرط أنك تعتقه جاز ذلك؛ لأن الشارع يتشوف إلى الحرية، مع أن هذا قيد على الملكية, فجوزها العلماء مع أنهم يمنعون أي شرط يمنع قيدية أو يمنع حرية التملك والتصرف إلا أنهم أجازوا ذلك قالوا: لأجل أن الشارع يتشوف إلى الحرية, والله أعلم.

مسائل في حكم شراء القن إذا أسلم في يد كافر

قال المؤلف رحمه الله: [وإن أسلم قن في يده كافر أي: يد كافر أو عند مشتريه منه ثم رده لنحو عيب أجبر على إزالة ملكه عنه بنحو بيع أو هبة أو عتق لقوله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]].

قول المؤلف: (وإن أسلم قن في يد كافر)، لها صورتان:

الصورة الأولى: القن حينما اشتري، وحينما اشتراه الكافر لم يكن مسلماً، ولكنه أسلم عندما كان عبداً لكافر، فهنا وجب على الكافر أن يعتقه.

الصورة الثانية: أسلم عند مشتريه مثال: اشترى مسلم من كافر عبده الكافر, فصار الآن المسلم المشتري بيده عبد كافر، ثم أسلم هذا العبد، ثم وجد المسلم به عيباً فأراد أن يرده للكافر، فإذا رده للكافر وجب على الكافر أن يزيل ملكه عنه.

كيفية إزالة ملكية القن من سيده الكافر إذا أسلم وهو في ملكه

ولهذا قال: (أو عند مشتريه منه)، يعني من الكافر، (ثم رده أي: المسلم المشتري المسلم لنحو عيب وجب على الكافر البائع أن يزيل ملكه عنه)، ولهذا قال: (أجبر على إزالة ملكه عنه).

وكيف تزال الملكية؟ إما بنحو بيع يبيعه، ما نقول: يعتقه لا، بل يبيعه، يقول: يجب عليك أيها الكافر أن تبيعه، يبيع القن على مسلم ولو كان جيداً لا بد أن يخرج عن ملكه, أو يهبه لشخص مسلم, أو يعتقه، وهذه ثلاثة أشياء لإزالة الملكية، وقد قال الله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، ولما جاء عن معاذ بن جبل : ( الإسلام يعلو ولا يعلى عليه )، وهذا الحديث في إسناده ضعف, والله أعلم.

ما مدى إجزاء المكاتبة لإزالة ملك السيد الكافر عن العبد المسلم

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تكفي مكاتبته؛ لأنها لا تزيل ملك سيده عنه].

قول المؤلف: (ولا تكفي مكاتبته)، يعني: أن المشتري الكافر إذا كان تحت يده عبد مسلم فإنه لا يجزئ أن يكاتبه؛ لأنه سوف يعتق في الحال؛ لأن مكاتبة عبد ما بقي عليه درهم فحينئذ لا يجوز أن يكاتبه بل يجب عليه أن يفاصله ابتداءً، ولأنها لا تزيل ملك سيده عنه؛ يعني: المكاتب لا يمنع من أن سيده يتصرف فيه كتصرف سائر العبيد.

مدى ثبوت الخيار للكافر عند بيعه لعبده المسلم على المسلم

قال المؤلف رحمه الله: [ولا بيعه بخيار لعدم انقطاع علقه عنه].

قول المؤلف: (ولا بيعه بخيار لعدم انقطاع علقه عنه)، يعني: علاقة البيع ما زالت موجودة، فلو أن كافراً عنده قن مسلم قلنا: وجب عليك أن تبيعه، فباعه على مسلم فقال: بشرط الخيار ثلاثة أشهر، أو بشرط الخيار شهراً، فنقول: لا يصح؛ لأن وجود الخيار لم يلزم منه انقطاع الملكية في الغالب، فإنها ربما تئول إليه، ولو قلنا على مذهب الحنابلة: أن الملك في زمن الخيار للمشتري، لكنها قد ترجع إلى البائع.

حكم مكاتبة العبد وبيعه

قال المؤلف رحمه الله: [وإن جمع في عقد بين بيع وكتابة، بأن باع عبده شيئاً وكاتبه بعوض واحد صفقة واحدة، أو جمع بين بيع وصرف أو إجارة أو خلع أو نكاح بعوض واحد صح البيع، وما جمع إليه في غير الكتابة فيبطل البيع؛ لأنه باع ماله لماله، وتصح هي؛ لأن البطلان وجد في البيع فاختص به].

لو أن شخصاً كاتب عبده وباعه، قالوا: لا يصح البيع هنا؛ لأنه باع ماله بمال؛ لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، وتصح المكاتبة لقوله تعالى: فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور:33]، لأن المكاتبة إذا وجدت لا يجوز للسيد أن يفصلها ما لم يعجز العبد.

الفرق بين عقد في عقد واشتراط عقد في عقد

أما ما أراده المؤلف أن جمع عقدين في عقد غير اشتراط عقد في عقد ولو جمع في عقد بيع وكتابة، أو جمع بين بيع وصرف، لو قلت: أبايعك وأصارفك، أبيعك وأؤجرك، أو أبيعك وأستأجر منك، أو أؤجرك وأبيع لفلان، هنا يسميها العلماء اجتماع عقدين في عقد, وليس هو اشتراط عقد في عقد، اشتراط عقد في عقد أبيعك على أن تؤجرني، فصار هذا منه شيء, والطرف الآخر صار منه شيء, فهذا صار بائعاً من وجه, وهذا صار بائعاً من وجه، وهذا صار مشترٍ من وجه آخر، وهذا صار مشترٍ من وجه، هنا ممنوع عليه عند الجمهور.

لكن اجتماع عقدين في عقد ليس بممنوع وليس هو داخلاً في بيعتين في بيعة، الذي هو داخل في بيعتين في بيعة هو اشتراط عقد في عقد.

إذاً: هل ثمة فرق بين أن أقول: أبيعك وأؤجرك, أو أن أقول: أبيعك بشرط أن تؤجرني هناك فرق.

الفرق هو أن قول: أبيعك وأؤجرك جائزة عند جمهور أهل العلم، وإما أن أقول أبيعك بشرط أن تؤجرني فهذه ممنوعة عند الأئمة الأربعة؛ لأنها داخلة في اشتراط عقد بعقد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل سلف وبيع )، وهذا اشتراط عقد في عقد.

وعلى هذا فالإجارة المنتهية بالتمليك أؤجرك وأبيعك هي من ضمن اشتراط عقد بعقد، لا، اجتماع أبيعك، أؤجرك الآن وأبيعك، صارت أؤجرك ثم في نهاية الإجارة أبيعك، إذاً أنا المؤجر وأنا البائع، إذاً هذا اجتماع عقد في عقد، أم اشتراط عقد في عقد؟ اجتماع عقد في عقد، ولهذا يخطئ كثير من الباحثين حينما يذكر هذه المسألة يقول إنما هي داخلة في بيعتين في بيعة, وهذا خطأ.

ومثل ذلك بالأمس سألني أحد الإخوة: قال: ما حكم ما يفعله بعض أصحاب المحلات أن يقول: إذا اشتريت مني شيئاً أعطيك هدية؟ بعض الإخوة يقول: هذا يجوز؛ لأن هذا بيعتين في بيعة، وهذا غريب! هذا ليس اجتماع بيعتين في بيعة، إنما هذا ليس بيعتين في بيعة، إنما هو اجتماع عقد في عقد، عقد بيع وهبة، فهذا جائز, والله أعلم.

وكذلك أن يقول: أبيعك وأصارفك، فهذا غير أبيعك بشرط أن تصارفني، أو أبيعك بشرط أن تقرضني، فهذا ممنوع, والله أعلم.

قول المؤلف: (أو جمع بين بيع وصرف أو إجارة أو خلع أو نكاح بعوض واحد جائز).

إذاً: المشتري شخص واحد، والبائع شخص واحد، إذاً: الممنوع أن يكون أحدهما بائع من وجه، ومشتر من وجه آخر، ويكون الآخر بائع من وجه ومشتر من وجه آخر، فهذا هو الذي يسمى اشتراط عقد في عقد، وليس اجتماع عقد في عقد, والله أعلم.

حكم بيع الذي فيه اشتراط عقد في عقد

قال المؤلف رحمه الله: [فيبطل البيع؛ لأنه باع ماله بماله]؛ لماذا؟ لو قال لعبده: أبيعك سيارتي وأكاتبك؛ لأن المكاتب عبد وما بقي عليه درهم, وهو ملك لسيده.

حكم المكاتبة للعبد مع إدخالها في شرط عقد بيع

قال المؤلف رحمه الله: [وتصح هي]، أي: المكاتبة، [لتشوف الشارع إليها ولكنها بقصدها من الثمن]، معنى (بقصدها من الثمن): لو قال السيد لعبده: أبيعك هذه السيارة وأكاتبك بمائة ألف، ما يصح البيع؛ لأنه باع ماله بماله وتصح المكاتبة، ثم نقول: المكاتبة قيمتها في السوق في الغالب ستون ألفاً، نقول: من المائة ستون ألفاً لأجل الكتابة, وأربعون لأجل البيع, فتكون المكاتبة بستين ألفاً, والله أعلم.

ولا يدخل في هذا بطاقة الفيزا؛ لأنها اجتماع عقود وليس اشتراط عقود، بطاقة الفيزا أو المستر كرت الإسلامية هي اجتماع عقود، أنا أقرضك وأضمنك والطرف الآخر وكيلي في التحصيل وضامن لي، هذا اجتماع عقود وليست اشتراط عقود.

قال المؤلف رحمه الله: [ويقسط العوض عليهما أي: على المبيع وما جمع إليه بالقيم].

قوله: (بالقيم)، يعني: بالقيمة, وهذا كما قلت: ينظر قيمة المكاتبة، وينظر قسطها من أصل المبلغ الذي تم فيه البيع على العبد ومكاتبته.

بيع المسلم على بيع أخيه المسلم

قال المؤلف رحمه الله: [ويحرم بيعه على بيع أخيه المسلم، كأن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة أنا أعطيك مثلها بتسعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يبع بعضكم على بيع بعض)، ويحرم أيضاً شراؤه على شرائه، كأن يقول لمن باع سلعة بتسعة عندي فيها عشرة؛ لأنه في معنى البيع عليه المنهي عنه، ومحل ذلك إذا وقع في زمن الخيارين ليفسخ المقول له العقد ويعقد معه، وكذا سومه على سومه بعد الرضا صريحاً لا بعد رد ويبطل العقد فيهما].

قول المؤلف: (ويحرم بيعه على بيع أخيه المسلم)، أفادنا المؤلف على أن بيع المسلم على بيع أخيه المسلم ممنوع ومحرم.

صور بيع المسلم على بيع أخيه المسلم وحكم كل صورة منها

والبيع على بيع أخيه المسلم له ثلاث صور، صورتان داخلتان في المنع، والصورة الثالثة جائزة، أو إن شئت فقل: أربع صور أشار إليها المؤلف:

الصورة الأولى: أن يبيع على بيع أخيه في خيار المجلس، وصورتها: أن يتبايع طرفان سيارة بمائة ألف، فيوجد الإيجاب والقبول وهما في زمن خيار المجلس, فهنا تم العقد لكن ما يلزم؛ لأنه في زمن خيار المجلس, فيقول طرف آخر: أنا أبيعك مثلها بتسعين ألفاً، فحكمه حرام.

الصورة الثانية: أن يتم العقد بين الطرفين، بإيجاب وقبول ويتفرقا مع وجود خيار الشرط، يقول: على أن لي الخيار مدة شهر، فيراه صاحبه في زمن خيار الشرط فيقول: بكم اشتريت السيارة, قال: اشتريتها بمائة ألف، قال: عندي سيارة مثلها أو أحسن أبيعك إياها بتسعين ألفاً، فيضطر هذا المشتري إلى إلغاء العقد مع صاحبه ليقوم ويفسخ العقد ويبرم العقد مع الطرف الآخر الذي باع على بيع أخيه، فهذا أيضاً ممنوع ومحرم عند المؤلف وهو الراجح.

الصورة الثالثة: أن يبيعه سيارة بمائة ألف، ويتفرقان وليس ثمة خيار شرط، ولا خيار مجلس، فيقول له آخر: أنا أبيعك إياها بتسعين ألفاً، ما حكمه؟ يقول الحنابلة: أن ذلك ليس فيه بأس؛ ولهذا أشار إليه بقوله: ليفسخ المشتري ويبرم العقد معه، هذا لا يستطيع أن يفسخ، فهذا ليس فيه بأس عند العلماء أو عند الحنابلة.

القول الثاني في المسألة أشار إليه ابن رجب في جامع العلوم والحكم وقال: أن ذلك محرم؛ لأنه لا يخلو أن يسقط المشتري البيع بأي حيلة، والذي يظهر -والله أعلم- أنه إن كان قصد البائع على بيع أخيه في هذه الحالة محاولة فسخ العقد فهذا محرم، وأما إن كان قصده أن سلعتي أحسن ولربما اشتراها منه ثانية فهذا لا بأس به.

الصورة الرابعة: شخص اشترى من شخص سيارة بمائة ألف أو أرض بحي الفلاح المتر بألفين، فينتهي خيار المجلس وخيار الشرط، فيقول شخص للمشتري: أنا عندي أرض في حي الفلاح أبيعك إياها بمائة وثمانين، هنا عرض هذا الشخص إنما قصد به أن يشتريها مرة ثانية، ولم يكن قصده أن يفسخ العقد ويبيعها، فهذه الصورة الرابعة لا بأس بها.

فأما إن كان يقصد أن يفسخ ويقول: لمن أبيع إلا عليك إلا إذا فسخت الأول العقد فهذا محرم، وأما إذا كان مجرد عرض لأجل أن يشتريها مرة ثانية، فهذا لا حرج والله أعلم، خلافاً لـابن رجب .

إذاً: كم عندنا من صورة؟ أربع صور. والله أعلم.

إذا ثبت أن ذلك محرم فإن الحنابلة سيقولون: إن البيع على بيع أخيه أو الشراء على شراء أخيه في زمن الخيارين محرم والعقد فاسد، فلو ألغى العقد وأبرم العقد مع الثاني قالوا: إن العقد فاسد.

والقول الثاني في المسألة: أن العقد صحيح مع التحريم، وهذا هو الراجح وهو مذهب الجمهور خلافاً للحنابلة؛ وذلك لأن النهي ليس عائداً على ماهية العقد ولا على وصفه الذي لا ينفك عنه، وإنما لأجل أن يحزنه، أو أن يدخل

الحزن عليه أو الغبن فيه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( لا تلقوا الجلب, فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيد السوق فهو بالخيار ).

وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت صحة البيع مع متلقي الركبان مع أن ذلك فيه ضرر على البائع، فوجود الخيار دليل على صحة العقد مع وجود الضرر من أحد المتعاقدين، فكذلك هنا فإن العقد صحيح، ولكنه مع الإثم, وهذا ظاهر وهو مذهب الشافعي وغيره.

وكذلك الشراء على شراء أخيه نفس الصورة، يقول: أنا أشتريه منك بأعلى، فكان البيع على بيع أخيه إنما هو المخاطب هو المشتري، وأما الشراء على شراء أخيه فإن المخاطب هو البائع, والله أعلم.

شراء المسلم على شراء أخيه المسلم

قول المؤلف: (ويحرم أيضاً شراؤه على شراء أخيه، كأن يقول لمن باع سلعة بتسعة عندي فيها عشرة)، يعني أنا أشتريها منك بعشرة، فيضطر البائع إلى إلغاء العقد في زمن الخيارين ليبرم الصفقة مع المشتري، وهذا مع الأسف الشديد كثير جداً في الأراضي, والله المستعان.

قول المؤلف: (لأنه في معنى البيع عليه المنهي عنه)، يعني: الشراء, أن الشراء مثل البيع, وهذا هو الراجح, والله أعلم.

والقول الثاني: أن الشراء على شراء أخيه لا بأس به؛ لأنه لم يرد فيه نهي في ذلك، والراجح -والله أعلم- أن البيع والشراء حكمهما واحد, والله أعلم.

قول المؤلف: (ومحل ذلك إذا وقع في زمن الخيارين)، وهي الصورتان اللتان ذكرتهما.

قول المؤلف: (ليفسخ المقول له العقد ويعقد معه)، فإذا كان لم يقصد المشتري الشراء على شراء أخيه أو البائع على بيع أخيه أن يفسخ الطرف العاقد مع صاحبه وإنما قصد أن يشتري منه أو أن يبيع عليه فهذا لا بأس به، قلت: وهذا هو الراجح, والله أعلم.

قول المؤلف: (ويبطل العقد فيهما)، أي: في البيع على بيع أخيه، أو الشراء على شراء أخيه, وقلت: الراجح -ولله أعلم- أن ذلك لا يبطل العقد ولا يفسخ، ولكن العقد محرم وهذا هو الراجح، ولـأبي العباس كلام في هذا طويل, ولكنه يصعب تطبيقه.

صور سوم المسلم على سوم أخيه المسلم وحكم كل صورة

قول المؤلف: (ويصح في السوم على سومه)، يعني: أن السوم على سوم أخيه لها صورتان:

الصورة الأولى: أن يكون المساومة في باب المزايدة، مثل أن يعرض الأمر في بيع المزايدة، فهنا لا بأس أن يزيد على زيادة أخيه؛ لأن كل واحد منهما قد علم أن الزيادة مقبولة، ولم يكن هذا إتمام للعقد ولا رضى به.

الصورة الثانية: ألا يكون هذا من باب المزايدة, ولكنه يساوم سوم أخيه قبل أن يتفق العقد، فإذا دخل شخص بقالة أو مكتباً عقارياً فبدأا يتساومان وكأنهما رضيا، لم يتم العقد الآن، والمساومة لا تتم العقد, فرضي هذا بالسعر ورضي هذا بالسلعة، ولم يحصل إيجاب وقبول, ولكنه ركون إلى المعقود عليه فحينئذ لا يجوز لشخص أن يدخل في هذا الأمر؛ لأن هذا من باب السوم على سوم أخيه.

وأنا ما كنت أحب أن أقول أن ابن تيمية يقول: النهي إذا كان عائداً لحق الله فسد العقد، أو فسد الأمر، وإذا كان النهي عائداً على مصلحة المخلوق فإنه يكون موقوفاً بإجازته، فإذا باع على بيع أخيه، يقول ابن تيمية : فإنه يسلب هذا المعقود عليه من العارض، ويقال: تبرم العقد مع فلان أم لا؟ فإذا لم يرض لا مع هذا ولا هذا انتهى ما خالف، إذاً: أنا ما استفدت. والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.