الروض المربع - كتاب البيع [10]


الحلقة مفرغة

تابع الشرط السادس: أن يكون المبيع معلوماً عند المتعاقدين

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً, وبعد:

فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين, وأن يمنحنا وإياكم رضاه والعمل بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم والتقوى.

كنا قد توقفنا في شرحنا لكتاب البيع من الروض المربع عند قول المؤلف: (والشرط السادس أن يكون المبيع معلوماً).

وقلنا: إن البيع إما أن يكون معيناً وإما أن يكون موصوفاً في الذمة, والمعين لا بد من رؤيته أو وصفه على مذهب الحنابلة.

وقد ذكرنا أن هذا هو مذهب الحنابلة و مالك , وقلنا: إن الراجح جواز بيع المعين ولو من غير رؤية ولا وصف بشرط الخيار لمن اشتراه.

وقلنا: إن هذا هو قول الصحابة, فقد باع عثمان رضي الله عنه قصراً له بالكوفة على طلحة بن عبيد الله ، فقال طلحة : لي الخيار اشتريت ما لم أره, وقال عثمان : لي الخيار بعت ما لم أره, فتقاضيا عند جبير بن مطعم فقضى به لـطلحة . يقول ابن تيمية : وهذا من غير خلاف بين الصحابة، وهذا هو الذي يظهر, والله أعلم.

وهذا مثل بيع المخططات العقارية فإنك تشتري القطعة من الأرض من غير رؤية ولا وصف, فتقول: أريد هذه الزاوية رقم مائتين وخمسة, أو مائتين وعشرة, أو مائتين وثلاثين من غير رؤية ولا وصف، لأن الوصف لا يمكن في العقار.

ولهذا قال العلماء: لا يصح السلم بالعقار؛ لأنه لا يمكن وصفه؛ ولأنك تصف الظاهر ولكن ما تصف الباطن، والقطعة التي بجوار بعضها عزاز وبعضها سهل، وأيضاً لم ترها، وقلنا: إن الراجح -والله أعلم- جوازه ولا يسع الناس في هذا الزمان في الغالب إلا هذا.

كذلك بيع الأسهم, فإن الإنسان يشتري السهم من غير رؤية يعني: رؤية الشركة ولا وصفها ولم ير منها شيئاً فهذا لا بأس به إن شاء الله، لكن بعض الناس يضع شروطاً بحيث ينتفي من دعوى الخيار؛ لأننا قلنا: إذا اشترى المشتري واطلع على المبيع ورآه رؤية نافية للجهالة والغرر فهذا قد أسقط حقه الشرعي.

بيع شيء معين لم يره المشتري أو جهله

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن اشترى ما لم يره بلا وصف أو رآه وجهله بأن لم يعلم ما هو, أو وصف له بما لا يكفي سلماً لم يصح البيع؛ لعدم العلم بالمبيع، ولا يباع حمل في بطن ولبن في ضرع منفردين للجهالة، فإن باع ذات لبن أو حمل دخلا تبعاً ].

قول المؤلف رحمه الله: (فإن اشترى ما لم يره بلا وصف أو رآه وجهله)، شخص باع شيئاً معيناً؛ لأن من اشترى ما لم يره إما أن يكون موصوفاً معيناً، وإما أن يكون موصوفاً غير معين, وصورة المسألة من اشترى ما لم يره يعني إذا قلنا: لم يره يعني: غير موجود حال العقد, إما أن يبيع شيئاً معيناً، أو شيئاً غير معين.

فالمعين مثل أن تقول: أبيعك هذا الجوال جوالي أنا, أو أبيعك هذا الكتاب كتابي أنا، ثم أصفه فهذا يسمى معيناً, لكن ربما يكون عندي جوالات من هذا النوع فأقول: أبيعك جوال نوكيا رقم كذا عندي منه كثير، إذاً: أنا بعت معيناً أم غير معين؟ الجواب: أني بعت غير معين.

فالمعين إما أن تراه, وإما أن يوصف لك، وإما ألا تراه ولا يوصف لك, فهذه ثلاثة أحوال, فإن بعت هذا المعين بلا رؤية انتقلنا إلى الثاني بلا رؤية ولا وصف فقد اختلف العلماء على قولين:

القول الأول: لا يصح؛ قالوا: لأن (النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر), ولا شك أن من اشترى ما لم يره ولم يوصف فإن ذلك غرر, ولأجل هذا منعوا ذلك, ووافقهم على ذلك المالكية والشافعية.

القول الثاني: قالوا: إن من اشترى ما لم يره ولم يوصف له إن كان معيناً فلا بأس ولو من غير رؤية ولا وصف, وقلنا: هذا مذهب أبي حنيفة , وهو قول الصحابة؛ فقد روى عبد الرزاق و البيهقي بسند جيد: أن عثمان رضي الله عنه باع أرضاً أو قصراً له بالكوفة إلى طلحة بن عبيد الله , فقال طلحة بعدما أبرم العقد: لي الخيار اشتريت ما لم أره, قال عثمان : لي الخيار بعت ما لم أره, فتقاضيا عند جبير بن مطعم فقضى به لـطلحة .

وجه الدلالة: أن جبير بن مطعم رضي الله عنه حينما قضى به لـطلحة دل على صحة العقد إذ لا يمكن وجود خيار في البيع إلا بعد صحة العقد؛ لأن الخيار تبع لصحة العقد، فلو بطل العقد بطل جميع آثاره, ومن آثاره الخيار, وهذا هو الظاهر والراجح.

وقلنا: مثله مثل بيع المخططات العقارية فإنك تشتري القطعة من الأرض بناءً على المخطط، فتذهب إلى صاحب المكتب العقاري وتقول: أريد هذه الزاوية برقمها كذا من المخطط في حي الفلاح أو حي الغدير أو حي الربيع أو غير ذلك من الأحياء.

ومن ذلك أيضاً: بيع الأسهم من غير رؤية ولا وصف, وذلك جائز, وللمشتري الخيار، فإن كان يمكن للمشتري أن يراه أو أن يطلع على وصفه إلا أنه ترك ذلك، فيستطيع البائع أن يخرج من درك ذلك بأن يقول: وقد اطلع المشتري على المبيع ورآه رؤية نافية عن الجهالة والغرر، بحيث لا يستطيع أن يرجع عليه، يصح البيع وبطل الخيار؛ لأنه هو الذي فرط على نفسه.

قال المؤلف رحمه الله: (بلا وصف أو رآه وجهله)، وهذا هو المعين.

بيع شيء غير معين لم يره المشتري أو جهله

أما غير المعين فهذا الذي يسمى عندنا الموصوف في الذمة, فلا بد في الموصوف في الذمة من شروط السلم، وسوف يأتي باب السلم؛ لأجل ألا تشتبك الأسلاك عند بعضها.

قال المؤلف رحمه الله: (أو رآه وجهله بأن لم يعلم ما هو)، أي رأى الشيء لكن لا يعرف ما هو, إما أن يكون في صندوق, وإما أن يكون مغلفاً في أوراق, أو لا يعرف كنهه.

قال المؤلف رحمه الله: (أو وصف له بما لا يكفي السلم)؛ لأن الوصف الذي لا ينضبط كعدمه، وإذا عدم الشيء من غير رؤية ولا وصف صار مجهولاً، وقد اختلف العلماء في حكمه، فالقول الأول: عدم صحة البيع بلا رؤية ولا وصف، وهذا مذهب الحنابلة؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (لم يصح البيع؛ لعدم العلم بالمبيع).

والقول الثاني: صحة البيع بلا رؤية ولا وصف مع وجود الخيار للمشتري، واستدلوا بقولهم: (عدم العلم بالمبيع) فهذا لا يخلو من إجمال, فإن كانوا يقصدون عدم العلم بالكلية فهذا غير صحيح؛ لأنني حينما أشتري أرضاً لم توصف ولم تر فقد علمت أنها أرض وليست سيارة, فعدم العلم بالكلية غير واقع، أما تفاصيل المعلوم المعين فهذا لا يلزم منه بطلان العقد ودعوى الغرر منتفية بوجود الخيار للمشتري.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً, وبعد:

فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين, وأن يمنحنا وإياكم رضاه والعمل بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم والتقوى.

كنا قد توقفنا في شرحنا لكتاب البيع من الروض المربع عند قول المؤلف: (والشرط السادس أن يكون المبيع معلوماً).

وقلنا: إن البيع إما أن يكون معيناً وإما أن يكون موصوفاً في الذمة, والمعين لا بد من رؤيته أو وصفه على مذهب الحنابلة.

وقد ذكرنا أن هذا هو مذهب الحنابلة و مالك , وقلنا: إن الراجح جواز بيع المعين ولو من غير رؤية ولا وصف بشرط الخيار لمن اشتراه.

وقلنا: إن هذا هو قول الصحابة, فقد باع عثمان رضي الله عنه قصراً له بالكوفة على طلحة بن عبيد الله ، فقال طلحة : لي الخيار اشتريت ما لم أره, وقال عثمان : لي الخيار بعت ما لم أره, فتقاضيا عند جبير بن مطعم فقضى به لـطلحة . يقول ابن تيمية : وهذا من غير خلاف بين الصحابة، وهذا هو الذي يظهر, والله أعلم.

وهذا مثل بيع المخططات العقارية فإنك تشتري القطعة من الأرض من غير رؤية ولا وصف, فتقول: أريد هذه الزاوية رقم مائتين وخمسة, أو مائتين وعشرة, أو مائتين وثلاثين من غير رؤية ولا وصف، لأن الوصف لا يمكن في العقار.

ولهذا قال العلماء: لا يصح السلم بالعقار؛ لأنه لا يمكن وصفه؛ ولأنك تصف الظاهر ولكن ما تصف الباطن، والقطعة التي بجوار بعضها عزاز وبعضها سهل، وأيضاً لم ترها، وقلنا: إن الراجح -والله أعلم- جوازه ولا يسع الناس في هذا الزمان في الغالب إلا هذا.

كذلك بيع الأسهم, فإن الإنسان يشتري السهم من غير رؤية يعني: رؤية الشركة ولا وصفها ولم ير منها شيئاً فهذا لا بأس به إن شاء الله، لكن بعض الناس يضع شروطاً بحيث ينتفي من دعوى الخيار؛ لأننا قلنا: إذا اشترى المشتري واطلع على المبيع ورآه رؤية نافية للجهالة والغرر فهذا قد أسقط حقه الشرعي.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] 2631 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] 2589 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] 2548 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] 2545 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] 2525 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [22] 2453 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] 2388 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [20] 2375 استماع
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] 2359 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] 2357 استماع