في إسطنبول
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
في إسطنبولهذه كلماتٌ كتبتُها في رحلتي هذا الصيف إلى إسطنبول، وبعضُها عنها، وبعضُها ممّا كُتِبَ هناك:
• مِنْ أوراق مسافر:
أقبل الليلُ يحتضن إسطنبول الحالمة.
وناغت النسماتُ أشجارَها الساهمة.
ونزلتْ نجومُ سمائها تتأمل نفسَها المتلألئة في مرآة البسفور...
وسألتني: أين نجمُ القلوب (أحمد)...؟ لماذا لا أراه معك يمتع عينيه الحلوتين بشعاع ضفائري المُرخاة على أكتاف الليل...وأمتع ناظري ببريق وجهه الطفولي البريء؟
قلت لها: إنَّ أحمد ذهب متضامنًا مع أطفال سورية وفلسطين والعراق واليمن الذين رحلوا مبكرين...
حزنتْ نجومُ إسطنبول ونزلتْ دموعها اللؤلؤية في أعماق البسفور...
***
• رأيت في مكتب الأستاذ الجليل الدكتور أحمد طوران أرسلان عميد كلية العلوم الإسلامية في جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في إسطنبول لوحة فيها شعرٌ بالتركية ترجمه لي الصديقُ الفاضلُ الباحثُ المحققُ الدكتور علي بنلي - عضو هيئة التدريس في جامعة مرمرة- وهو:
(إذا تجلى الحقُّ يسهِّل كل أمر، ويخلقُ أسبابَهُ بلحظةٍ واحدةٍ، ويُحْسِنُ).
***
• ورأيت لوحة جميلة معلقة على أحد جدران جامع شاه زاده في إسطنبول -وهو من هندسة المعمار سنان، في عهد السلطان سليمان القانوني-:
(أدِّ فرائضَ الله تكن مطيعًا).
***
• ورأيت في جامع السلطان أحمد لوحة جميلة الخط عُلِّقتْ فوق الباب فيراها كلُّ خارج ليتوجهَ من عبادةٍ إلى عبادةٍ:
(الكاسب حبيب الله).
وليُنْظَرْ في أصل هذا القول ومستنده.
***
• أرسلَ إليَّ الأخ الأديب الأريب الشيخ محمد الأمين السملالي:
بورِكتُمُ حيثما حلتْ رواحلُكم
في الشرق والغرب، في تُركٍ وفي عرَبِ
ودامَ عزُّكمُ والمجد في صُعُدٍ
نشرًا لعلمٍ وسعيًا في جَنى الكُتُب
وصيّتي أنْ تجسّوا النبضَ ثَمَّ لنا
عن موطئٍ لبحوثِ الدين والأدَبِ
شغلاً يكون بعلم الدينِ مقترنًا
أو باللسانِ لسانِ الأمة العربي
***
• من مفكرة مسافر:
زيارة المدن العتيقة يمنح قلبَك طاقة إيجابية، ويضمِّخ روحك بعطر الجمال، ويفسح المضايق أمام نفسك المأسورة بسجن ضغوط الدنيا...
***
• هل تريد أن تبكي، وتبل غليل نفسك الحزينة؟
اذهبْ إلى يني جامي (الجامع الجديد) وقت الغروب، واستمعْ إلى صوت المؤذِّن هناك...
وانظرْ كيف ستسبحُ روحُك في مياه إسطنبول الرائقة، وتطيرُ أحاسيسُك مع النوارس المُحلقة في سماء البسفور...
***
• لا تخفْ من طوفان الرؤى والخواطر والذكريات في إسطنبول فأنتَ في سفينة الحاضر المشدودة بحبال الأنس إلى شواطئ الأمان.
***
• المدنُ لا تكشفُ لك نفسَها من أول مرة.
***
• السيرُ في مدينة قديمة، والتملي بجمال آثارها، والعيشُ ساعات في ذاكرتها، يعطيك أخيلة جميلة ترمِّم كثيرًا من خراب الواقع.
***
• مِنْ مؤلفات الشيخ محمد أبي الهدى الصيادي -نزيل إسطنبول من سنة 1294 إلى وفاته سنة 1327هـ-: (شؤون فروق) أي إسطنبول، ولكن أحد ناشري كتبه عدَّ هذا خطأ، ورجَّح أن يكون الصواب: الفاروق!! فأبعد النجعة، ووعر الرجعة...
***
• القهوة التركية جعلت إسطنبول حاضرة مع شاربيها -أينما كانوا- كلَّ صباح...
جميلٌ أن يصنعَ الإنسانُ ذكرياتٍ تجعله حاضرًا في حياة الآخرين بنكهةٍ تنعِشُ مشاعرهم.
***
• قالت لي إسطنبول: لو زرتني في عهد سليمان؟
فقلت لها: قد زرتُ قصره، وقبره، وصليتُ في جامعه، وتجولتُ في مجمعه، ورأيتُك في تاريخه، ورأيتُ تاريخه فيك...
وسلام للخالدين.
***
• للمدارس في إسطنبول تاريخٌ حافل، ولكنه لم يُكتب بعد.
***
• زيارة الآثار ضرورة لترميم خراب الروح، وسد شقوق النفس، وجريان دم القلب...
***
• جرِّبْ أن تعيش في مكانٍ جميلٍ مدة وانظرْ كيف ينعكس هذا على جمال نفسك ومعاملتك...
***
• الذي يزور المدارسَ القديمة ويراها مِن خارجها لا يتصور مدى جمالها الداخلي...
***
• الحجرُ يتحدث، ولكن الإسمنت يلغو.
***
• حلقتُ في تركيا عند حلاق سوري، وكان لديه طفلٌ سوريٌّ مستخدَم، فقلت لمُعلِّمه (الحلاق): هل يذهبُ هذا إلى المدرسة؟
فقال: لا، ومثله كثير!!
***
• لا تكتملُ زيارة إسطنبول إلا بزيارة مكتباتها الخطية، ولاسيما السليمانية، ومكتبة بايزيد، وفيض الله.
***
• يذهبُ السائحون العرب إلى مطاعم بلادهم، ولكني أفضِّل الدخول إلى المطاعم التركية...
طعامُ الناس جزءٌ من هويتهم وثقافتهم...
والأحسنُ للمسافر أن يكتشف المزيد من ذلك.
***
• نظافة الملاعقِ معيارُ نظافة المطبخ أو المطعم.
***
• رسالة إلى ولدي الراحل أحمد:
أيها الطائرُ الجميلُ الذي حلَّق في سماء ألمانيا:
أتحسبُ أنَّ جنان إسطنبول، ومتعة الأسفار، وبهجة الدنيا، تشغلني عنك؟
لا والله...
(كيف شغلي بلذةٍ عنكَ واللذ * اتُ يُحْدثنَ لي إليكَ اشتياقا؟)
أرى ظلك في (حدائق يلدز)...
وأشمُّ رائحتك في ردهات (دولمة باغجة)...
ويداعِبُ وجهي نسيمُك في (طوب قابي)...
وأتحسسُ مكانك في مراكب (البسفور)...
وأفتقدك في صفوفِ الساجدين في (الجامع الأزرق)...
وفي حشودِ الوافدين على (الفاتح)...
وأنتظرك كما يُنْتَظَرُ محبوبٌ في أعالي (جاملجه)...
أيها الغائبُ الحاضرُ:
سلامٌ عليك...
***
• وصل إليَّ دعاءٌ فيه هذه الجملة: (اللهم ارزقنا وإياكم البركة).
وهذه الجملة لا أراها سائغة؛ لأنها تعني: (يا رب ارزقنا وإياكم) فعاد ضمير (إياكم) على الله!! والصواب: اللهم ارزقنا وإياهم.
أو رزقنا الله وإياكم.
***
• للكتاب قصةُ حياة كما للإنسان، ولو كان للكتاب لسانٌ يملي، وقلمٌ يدوِّنُ كما يفعل الإنسانُ لرأينا قصصًا معجبة، وأخبارًا مستغربة، وسيرًا مشجية ومطربة.
***
• أنْ يُنسَبَ إلى مؤلِّفٍ كتابٌ أو كتابان أو ثلاثة ليست له فهو معتادٌ مُستساغ...
أما أنْ ينسب إلى مؤلف خمسون كتابًا ليست له فذاك أمرٌ يدعو إلى التوقُّف والتأمُّل والدراسة!!
***
• أرسلتُ الكلمة السابقة إلى إخوةٍ وأصحابٍ وأصدقاء، فكتب إليًّ أحدُهم قائلاً: أنتَ إمامٌ في التتبُّع! فكتبتُ إليه:
إمامتُنا عجائبُ ذي الليالي * وأين البقلُ مِنْ نخلٍ طوالِ؟!
***
• الكذبُ قبيحٌ وهو من المشايخ أقبح.
والغدرُ بشعٌ وهو من التلاميذ أبشع.
والتلونُ سيئٌ وهو من الأصحاب أسوأ.
***
• قال لي مقيمٌ في الغرب: بعض المسلمين في أوروبا تكرهُهم الأرضُ التي يمشون عليها!!
***
• يا مسلمون:
أوقفوا عارَ هجرة السوريين إلى الغرب.
***
• أشعرُ بحسن الحياة حين أقول لمحسنٍ في فعلٍ: أحسنتَ.
وأحسُّ بروعة الدنيا حين أقول لمبدعٍ في قولٍ: أبدعتَ.
***
• اعفُ لوجه الله، فإن لم يكن فمِنْ أجل راحة نفسك، وسلامة قلبك.
***
• عتبتُ على بحر أزمير لكثرة ما ابتلع من أجساد المهاجرين...
فقال لي: ألم تقل أنت: أوقفوا هجرة السوريين؟!
***
• هربوا من الحرب...
وسربوا في البحر...
والحروفُ -كما ترون- واحدة: (ح ر ب).
***
• لقاؤُك ينعِشُ الروح...
ولا أرى مِنْ هذا النوع إلا أقلَّ القليل.
***
• يا حلوَ الكلام:
ما أظن السُّكرَ اكتسبَ حلاوته إلا مِنْ منطقك...
***
• لا تحزنْ ولو خسرتَ مالك إذا كنتَ ربحتَ نفسك.
***
• مِنْ أجمل ما في جهاز الحاسوب سلة المحذوفات...
ما أحوجَ العقل الإنساني، والقلب البشري، والنفس الآدمية إلى سلةٍ مثلها!
***
• حين أشتاقُ إليك أعلمُ أني ما زلتُ حيّا.