الروض المربع - كتاب البيع [8]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

فقد قال لي بعض الإخوة: إن باب المعاملات يحتاج له سعة صدر قليلاً، وليس هو مثل العبادات، حتى لو أكثرت من ذكر الأمثلة والتأني.

وطبيعي أن الإنسان لا يفهم كثيراً مما يقال، لكن الصحيح أن المعلم في مرحلة التعلم لا ينزل إلى مستوى الطالب، بل لا بد أن الطالب يتعب حتى يصل إلى مرتبة أعلى، هذا هو فرق التعلم بيننا وبين الغرب، فعند بعض الغرب يمكث الطالب ثلاثة شهور لا يفهم ماذا يقول المدرس، لكن قليلاً قليلاً حتى يصل إلى مرتبته، بعض التدريس عندنا لا، ينزل المدرس إلى الطالب حتى يحاكيه في تصرفاته مثل المدارس الابتدائية، هذا مما يفشل الطالب، ويبقى الطالب ليس عنده إدراك واسع، فهذا طبيعي أن الإنسان لا يستحضر، لكن العلاج أن يقرأ بعد الدرس هذا الباب، ويقرأ بعض الكتب التي تتحدث عن هذا.

أنا أقول لكم: أذكر أن كتاب الرهن عندما كنت صغيراً لا أفهم ما معنى كتاب الرهن عندما يذكرونه، فكنت أقرأ الروض فلا أفهم، فأذهب إلى كشاف القناع، فلا أفهم، وأذهب إلى شرح منتهى الإرادات، وأذهب إلى بعض المذكرات لشيخنا محمد بن عثيمين ، فأحياناً لا بد من هذه القراءة لتعطي إدراكاً واسعاً بحيث يشعر الإنسان أو لا يشعر، فهذا أمر طبيعي جداً جداً، ولا يضيق صدرك إذا كنت لا تفهم، لو كنت تظن أنك تفهم من أول مرة فهذا أصعب شيء، لكن تحس نفسك أنك ما فهمت، وتسعى إلى قراءة كتب أخرى هذا أفضل شيء في حقك، أما أن تظن أنك كل ما تسمعه تفهمه فهذا أصعب شيء.

الشرط الخامس: القدرة على تسليم المبيع

قال المؤلف رحمه الله: [ الشرط الخامس:

أن يكون المعقود عليه مقدوراً على تسليمه؛ لأن ما لا يقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم فلم يصح بيعه، فلا يصح بيع آبق علم خبره أو لا، لما رواه أحمد عن أبي سعيد ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء العبد وهو آبق )، ولا بيع شارد ولا طير في هواء ولو ألف الرجوع إلا أن يكون بمغلق ولو طال زمن أخذه، ولا بيع سمك في ماء؛ لأنه غرر ما لم يكن مرئياً بمحوز يسهل أخذه منه؛ لأنه معلوم يمكن تسليمه ].

هذا الشرط الخامس من شروط البيع، وهو (أن يكون المعقود عليه مقدوراً على تسليمه)، هذا الشرط باتفاق عليه في الجملة، وقولنا: في الجملة؛ لأن ثمة بعض الصور لا يعلم هل هي داخلة فيما يقدر على تسليمه، أو فيما لا يقدر على تسليمه؟ فيكون الخلاف في بعض الصور من باب تحقيق المناط، وهو الاتفاق على القاعدة والاختلاف في تطبيقها في بعض الأمثلة.

دخول غير المقدور عليه في قاعدة القمار والميسر

هذا الشرط أخذ من دليل من السنة ومن القرآن، أما من القرآن فقالوا: لأنه داخل في قاعدة القمار والميسر والله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90]، والميسر: هو المجهول العاقبة، وهو الذي يدخل فيه المرء بين غرم متحقق أو غنم متوقع، الغرم الذي هو الخسارة، والغنم الذي هو الربح، فإن الذي يبيع الشارد فهو لن يبيعه بسعر السوق، إنما سوف يبيعه بسعر أقل من سعر السوق، فلو لم يحصل قبض المبيع من قبل المشتري فإنه سيكون البائع قد باع بيع ربح؛ لأنه باع شيئاً لم يقدر على تسليمه فيكون ربحاً، ولو توقع فقبض المبيع فيكون قد خسر وربح المشتري، فدخل في قاعدة الغرم المتحقق والغنم المتوقع، فلا بد من أن يكون أحدهما رابحاً والآخر خاسراً.

قد تقول: هذا في البيع، أقول: لا؛ لأن البيع يطولهما، كلاهما رابح، هذا رابح في أخذ العوض بمثله، وهذا رابح بأخذ المعوض بمثله، ثم بعد ذلك ربما ينزل السعر أو يزيد فهذا شيء آخر، لكن حين شرائهما قد باع كل واحد بما يرتضيه لنفسه.

فهذا الذي قلنا فيه: إن ما كان غير مقدور على تسليمه داخل في قاعدة القمار والميسر.

دخول غير المقدور عليه في بيع الغرر

وأيضاً هو داخل في حديث الغرر الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر )، فهو داخل في بيع الغرر، وكما قلت: إن أفضل تعريف للغرر هو تعريف السرخسي و أبي العباس بن تيمية وهو: المجهول العاقبة، فالغرر غير الجهل، الغرر هو الذي لا يعلم المتعاقدان حال المعقود عليه وقت إبرام العقد، فأنا حين أبرم عقداً على سمك في ماء فلا أعلم عاقبته لا أنا ولا المشتري، وهذا يسمى غرراً، أما المجهول فإنه يجهله أحد المتعاقدين ولا يجهله الآخر، فأقول: أبيعك ما في جيبي، هذا مجهول ولكنه مجهول في حق المشتري، وغير مجهول في حق البائع، وعليه فيكون المجهول لا يلزم منه جهالة من وجه، فأحياناً يكون مجهولاً في الجنس، وأحياناً يكون مجهولاً في القدر، وأحياناً يكون مجهولاً في الصفة، فإذا قلت: أبيعك سيارتي، وهي الجنس، فإذا قلت: كامري، صار معلوم النوع، ولكن الصفة غير معروفة، فأي موديل هي؟ فهذا يسمى مجهولاً.

إذا عرفت هذا فاعلم أن ما لا يقدر على تسليمه مطلقاً محرم بالإجماع؛ ولهذا جاء في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة ) ومعنى حبل الحبلة: أن تنتج الناقة ثم تحمل التي نتجت فيكون ولدها الثالث هو المعقود عليه، فهذا مجهول مطلقاً، يمكن أن تموت الناقة الأولى، ويمكن أن تموت الناقة الثانية، ويمكن أن تولد الناقة الثالثة ولا يحيا، وهو المعقود عليه، فهذا ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة ).

لكن هل ما لا يقدر على تسليمه إنما منع؛ لأنه شبيه بالمعدوم كما يقول المؤلف فلم يصح بيعه، أم ما لا يقدر على تسليمه لا يمكن معرفة المعقود عليه ولا قبضه؟ لعل الثاني أقرب؛ لأن تعليل المؤلف بالمعدوم محل نظر؛ لأن المعدوم وقت إبرام العقد مما يعلم جنسه، ووصفه ليس بممنوع مطلقاً؛ ولهذا قال ابن تيمية : إن وصف العدم ليس ممنوعاً بذاته، يقول: لأنه يجوز لك أن تبيع البستان الذي احمر بعض ثمره أو اصفر، وإن كان البعض الآخر لم يثمر، فالإثمار في بعضه معدوم، ومع ذلك جاز البيع، فالمعقود عليه موجود ولكنه مجهول وليس بمعدوم ومع ذلك منع، فيقول ابن تيمية : العدم ليس هو علة التحريم، فهناك أشياء ليست موجودة، مثل: بيع السلم والثمرة التي احمر أو اصفر بعض ثمرها، يقول: إن هذا يدل على أن كلمة بيع المعدوم لا يلزم بيعه مطلقاً، مثل: الكوسة.

والخيار الموجود الآن صالح لكنه يخرج بين الفينة والأخرى، كل يوم يخرج قليلاً، فيقول ابن تيمية : يجوز بيعه إذا كان قد وجد جنسه؛ لأن هذا يؤخذ لقطة لقطة، وهذا قول عند أحمد في رواية، وهو قول عند بعض أصحاب مالك وهو اختيار ابن تيمية يقول: إن هذا إنما جوز لأن أصله موجود فصار مثله مثل بيع الحائط الذي بعضه أثمر وبعضه لم يثمر، فأيضاً هذا الذي جعلنا نقول: قول المؤلف: (ما لا يقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم) أن تعليله بالمعدوم محل نظر؛ ذلك أن المعدوم ليس معدوم مطلقاً، هناك أشياء تمنع وأشياء لا تمنع، فدل على أن المنع ليس لأجل العدم ولكن لأجل الغرر والجهل، فمتى وجد معدوم مغرر فيه منع، ومتى وجد موجود فيه غرر منع، فهذا الذي يصح أن يعلل به.

بيع العبد الآبق

قال المؤلف رحمه الله: (فلا يصح بيع آبق) الآبق: هو الذي ما زال الرق وعدم الحرية فيه فيباع مثلما تباع السلع، فلو أن عند شخص عبداً -يعني رقيق- ثم هرب فهل يجوز لمالك هذا الرقيق أن يبيعه؟ وهذه صورة كانت في السابق يذكرونها واليوم ليست عندنا، لكن بدل بيع الآبق أجعل المثال على جمل شارد، فالبائع لا يستطيع أن يمكن المشتري من استلامه، سواء علم خبره أم لا، مثل أن يقول: هو موجود في البلد الفلاني، أو هو موجود في المزرعة الفلانية، مختبئ لا يدري أين هو؛ لأنه لا يستطيع البائع أن يمكن المشتري من قبضه؛ ولأجل هذا منع الحنابلة بيع العبد الآبق؛ لأن بيعه فيه جهالة وغرر؛ فالمشتري قد يتمكن من قبضه فيغنمه؛ لأن البائع إنما باعه بسعر أقل من سعر الشراء، وقد يشتريه ولا يتمكن من قبضه فيغرم، فهذا داخل في قاعدة الغرر.

إذا عرفت هذا فمن العلماء من قال: إن علة منع بيع الجمل الشارد والعبد الآبق هي مسألة عدم القدرة على التسليم، فإذا اشتراه من يتمكن من قبضه جاز، على أنه إن لم يقبضه فإن له خيار الفسخ.

وهذا القول هو رواية عند أحمد وهو مذهب الحنفية، ولهذا قالوا: إن سبب المنع هو عدم القدرة، فإذا اشتراه من كان يغلب على ظنه القدرة فإن قدر وإلا له الخيار، فهذا القول قوي لكن لا بد فيه من مدة؛ لأنه يمكن أن يتصرف البائع بالثمن فيصعب رده ويكون هناك نزاع، ولهذا بعض العلماء قال: يجوز بيعه لمن يقدر على إمساكه وأخذه، ولا شك أنه لا بد في مثل هذه الصور من ضبط هذه العقود؛ لأجل عدم التنازع، فإذا وجد مثل ذلك فلا بد أن تجعل هناك مدة، وأن يكون الثمن موجوداً حال الفسخ؛ لأجل عدم التنازع.

قال المؤلف رحمه الله: (لما روى أحمد عن أبي سعيد ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء العبد وهو آبق ) ) هذا الحديث إسناده ضعيف جداً؛ لأن فيه رجلين مجهولين، ولا يصح حديث في النهي عن بيع الجمل الشارد ولا العبد الآبق، ولكن المعنى صحيح في الجملة.

بيع الجمل الشارد

قال المؤلف رحمه الله: (ولا بيع شارد) يعني: جمل شارد أو دابة شاردة مثل الخروف الأسترالي، إذا هرب الخروف الأسترالي فإنه أحياناً يكون هربه أشد من الإبل، فبيعه حينئذ مما لا يقدر البائع على تسليمه للمشتري فيكون حينئذ غرر، والغرر ممنوع، وجوز بعضهم البيع إن كان قادراً على قبضه، والذي يظهر -والله أعلم- أن بيع الجمل الشارد -يعني الذي هرب- حتى ولو قدر المشتري على قبضه فإنه يشترط أن يمكن إمساكه، مثل أن يكون شارداً لكنه قريب، إلا أنه لا يمكن إمساكه، مثل الأرنب إذا هرب فإن هذا يسقط؛ لأجل هذا ينبغي أن نقول: بيع العبد الآبق يجوز بشروط: أولاً: أن يجعل هناك مدة للخيار، الثاني: أن يكون مما يتوقع تسليمه في الغالب؛ لأن الأحكام تبنى على الغالب كثيراً.

بيع الطير في الهواء

قال المؤلف رحمه الله: (ولا طير في هواء ولو ألف الرجوع)، الذي يظهر -والله أعلم- أن الحنابلة منعوا من ذلك؛ لأن الطير قد يهرب فلا يرجع إلى وكره، ولأنه حال إبرام العقد لم يتمكن ولا يغلب الظن من التمكن من قبضه، والذي يظهر -والله أعلم- أنه إن ألف الرجوع فإنه يجوز بيعه؛ لأنه سوف يقبضه في الليل، فكانت العادة محكمة، فلو كان عندي مكان للطيور، وعندي طير من نوع معين من الطيور، فجاءني زيد فقال: أنا أريد أن أشتري هذا الجوز، قلت: نعم أنا موافق، إذا حان وقت المغرب فسوف ترجع هذه الطيور إلى أوكارها وسوف أعطيك إياه، فهذا لا بأس به؛ لأن هذا مما يغلب على الظن رجوع الطير وإمكان التسليم، فإذا كان الطير يألف الرجوع، ويمكن إقباض المشتري فكان ذلك لا بأس به، وليس ذلك بمجهول وليس بغرر، وهذا الراجح، والله أعلم.

وأما إذا كان الطير مما لا يألف الرجوع، مثل أن يكون الطير أول ما اشتريته أطلقته وهو لم يتدرب على المكان والرجوع فهذا لا يسوغ؛ لأنه لا يمكن تسليمه، ولم يألف الرجوع أبداً.

ثم قال المؤلف: (إلا أن يكون بمغلق ولو طال زمن أخذه)، يعني إذا كان في غرفة أو في شبك فلا بأس ولو طال زمن أخذه؛ لأنه قادر على تسليمه ولو بعد حين، هذا قصده والله أعلم.

بيع السمك في الماء

قال المؤلف رحمه الله: (ولا بيع سمك في ماء)، أحياناً يكون الإنسان عنده حظيرة كبيرة ومليئة بالسمك فلو باع سمكة معينة ربما يصعب عليه إمساكها، فإذا كان يصعب عليه إمساكها أو تعيينها بعد ذلك صار داخلاً في قاعدة الغرر فيمنع، وأما إن كان في حوض يمكن معرفة عين السمكة المباعة ويمكن إمساكها فإن الجهالة حينئذٍ والغرر منتف أو غالب الانتفاء؛ لأنه يباح في الغرر اليسير.

فالشرط هو أنه يمكن القدرة على تسليمه في الغالب، وتكون القدرة على التسليم بعد إبرام العقد مما لا يطال زمنه؛ لأن إطالة الزمن أحياناً يتغير به المبيع، ويتغير الثمن والسعر؛ لأن هناك من السمك الآن نوعاً معيناً في الشهر الفلاني يغلا ثمنه، فأحياناً يتأخر الزمن ويقل سعره فهذا يضر البائع، فلا بد أن يكون تسليمه قريباً من وقت العقد، ولهذا قال المؤلف: (لأنه غرر ما لم يكن مرئياً بمحوز يسهل أخذه منه؛ لأنه معلوم يمكن تسليمه).

أقسام الغرر

اعلم أن الغرر على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: غرر يسير يصعب التحرز منه في الغالب فهذا جائز بإجماع العلماء، وإن كانوا يختلفون في جعل هذا من اليسير أم لا، فيكون هذا اختلافاً من باب المناط، مثل بيع دار وفيها أثاثات حيطان من الحديد، ولا يعلم مقدار الحديد، فهذا من باب الجواز، ومثل بيع ما مأكوله في جوفه، مثل الرمان والبطيخ والموز فهذا عند الجمهور جائز.

ولذلك يعتبر بيع أثاثات الدار من قسم ما تعذر عنه أو من قسم اليسير.

لكن قد يقول قائل: أنه تعذر العلم.

فنقول: ليس فقط تعذر، لو كان القصد تعذر العلم لكان الشارد الذي لا يعلم جائز، لكن القصد أن هذا من باب أنه يسير ويصعب التحرز منه، وليس التعذر، التعذر ليس دليلاً؛ لأنه لو قلنا: التعذر لجعلنا كل ما كان متعذراً يجوز، وهذا ليس متعذراً، لا بد أنه يجمع بين أنه يسير ويصعب التحرز منه.

القسم الثاني: الغرر الكثير الفاحش، فهذا ممنوع بإجماع الفقهاء.

القسم الثالث: الغرر الذي ليس بفاحش وليس بيسير، وهو الذي نسميه: الغرر المتوسط، الذي ربما يعلم قدره بعمليات حسابية، أو يعلم قدره ووصفه أو إمكانه، فهذا منعه الحنفية والشافعية ورواية عن الحنابلة، وجوزه أحمد و مالك في رواية لهما بشروط وهو اختيار ابن تيمية ، ما وهذه الشروط هي:

أولاً: إذا كان هذا الغرر تابعاً وليس أصلياً في العقد، فإذا كان تابعاً فلا حرج؛ لأنه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، مثل بيع الشاة الحامل، فأنت حينما تبيع شاة ليست حاملاً، فيكون قيمتها أقل من بيع الشاة الحامل، ويكون الحمل حينئذٍ إنما جاز بيعه لأجل التبعية، ولا يجوز بيع الثمر حتى يحمر أو يصفر، لكن لو بعت شجرة فيها ثمر لم يحمر ولم يصفر جاز؛ لأن الثمر حينئذٍ دخل تبعاً، هذه قاعدة الشرط الأول.

ثانياً: أن يكون في عقود التبرعات، فيخفف فيه ما لا يخفف في المعاوضات، فإذا كانت في عقود التبرعات يخفف فيه مثل: لو قلت لك: سوف أهدي لك شيئاً في جيبي مجهولاً صح، وهو جائز؛ لأنه تبرع.

وثالثاً: ألا يكون كثيراً فاحشاً.

رابعاً: أن تدعو الحاجة له، فإذا جاءت الحاجة لمثل ذلك فلا حرج، مثل بيع البوفية المفتوحة، الغرر موجود، فأنا أدخل وأدفع مائة ريال يمكن ما آكل إلا السلطات، وشخص يدخل بمائة ريال ويأكل ذبيحة، لكن هذا الغرر مما يحتاج له، الثاني أن هذا الغرر لو نظرت إلى المعقود عليه مثل البوفية المفتوحة؛ لأنك سوف تعرف ماذا ستأكل، لكن الكمية هي التي دخلت تبع، واعلم أن البوفية المفتوحة إنما جوزت؛ لأن القيمة لم ينظر فيها فقط إلى الأكل، إنما نظر فيها إلى الخدمة والمكان، فطعام في فندق ليس مثل طعام في مطعم، وطعام في مطعم أثاثه جيد ليس مثل مطعم أثاثه رديء، فالمكان والخدمة محسوبة في القيمة؛ ولأجل هذا جوز العلماء دخول الحمام؛ لأن دخول الحمام يمكن أن يزيد في الحطب لأجل البخار، ويمكن ما يزيد في الأول، ومع ذلك جوز العلماء في ذلك؛ لأن هذا مما تدعو الحاجة في مثله وجرى عليه أعمال الناس، وكذلك نقول في البوفية المفتوحة.

إذا ثبت هذا فكل ما أمكن تسليمه وعلم قدره جاز بيعه، وكل ما لم يمكن تسليمه ولا يعلم قدره لا يجوز بيعه. والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.