أرشيف المقالات

ثم يأتي سبع عجاف ... - محمد العبدة

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .

عندما يتاح للدعوة أن تنشط وتعبر عن نفسها، وتنطلق في صفوف الناس لتنقذهم من الظلمات إلى النور، وتنقلهم من الجهل إلى العلم ، وتأخذ بأيديهم إلى الحياة الكريمة، عندما يتاح لها ذلك لماذا لا يستطيع أصحابها استثمار هذا الرخاء كما فعل نبي الله يوسف عليه السلام عندما علم أنه سيأتي بعد الرخاء سبع عجاف.
فأخذ للأمر أهبته واستعد له استعداد الحازم البصير.
ولم يموه على نفسه وعلى الناس ويطمئنهم بأنّ الأمور تسير إلى الأحسن، بل صارحهم وبين لهم.

ونحن نعلم أنّ الله سبحانه وتعالى يبتلي المؤمنين بسنوات عجاف ليخرجوا من المحنة أكثر مضاء وصفاء، وأكثر خبرة ودراية، فيستغلوا كل ظرف ومناسبة للسير بالدعوة خطوة أو خطوات إلى الأمام، ونحن نعلم ما يخطط له الأعداء من مكر الليل والنهار، وما يفعله الذين لا يكفون عن البطش والقهر وكأنّهم الوحش الذي ولغ في الدماء فهو يتلذذ بها، فإذا أبعد الله هؤلاء وأراح منهم العباد والبلاد فليهتبل المسلمون الفرصة وليضاعفوا من نشاطهم ويرسخوا أقدامهم.

لقد أتيحت للمسلمين فرصة في صلح الحديبية فاستغلها الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن استغلال، ووافق على الشروط التي ظاهرها لمصلحة قريش، وتمكن المسلمون بعدها من نشر الدعوة والتجوال بين القبائل لا يردهم أحد، وفي فترة قصيرة تضاعف عدد المسلمين، فالذين حضروا الحديبية كانوا ألفًا وأربعمائة، والذين حضروا فتح مكة بعد سنتين كانوا عشرة آلاف، وهذا الصلح هو الفتح المقصود بالآية {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} [سورة الفتح: 1]، فهو فتح بالفرصة التي أتيحت للدعوة، فأقبل النّاس على دين الله أفواجًا.

إن عرض الإسلام في جو من هدوء الأعصاب وحرية الحوار بالحجة والكلمة الطيبة سيكون له أبلغ الأثر في صفوف الآخرين، ذلك أنّ الحق له قوة ذاتية يظهر بها على الباطل، فإذا أحسن العرض واختير الوقت المناسب، وكان الداعية عالمًا بما يدعو له، فطنًا أريبًا قد فقه مقاصد الإسلام ومراميه، جاءت النتائج طيبة بإذن الله.

أمّا تضييع الفرص بسبب حسن ظننا الذي لا حدود له، وأنّه لن يأتي ما يزعجنا ويعكر صفو راحتنا، وأنّ الأمور تسير كما نريد، فليس وراء هذا إلاّ العجز والندم.

وقد تستغل الفرصة بأعمال ضعيفة ليس لها أثر يذكر، وتمضي الأيام والسنون دون القيام بعمل ترتاح له نفس المسلم ويبنى عليه ما بعده، ولا يحتاج كل جيل للبدء من جديد والرجوع إلى نقطة الصفر، ومتى يشفى صدر المؤمن إذا كانت كل الجهود والطاقات تذهب للتكديس لا للبناء.











شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن