خطب ومحاضرات
الروض المربع - كتاب البيع [2]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علينا فنضل، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(وينعقد) البيع (بإيجاب وقبول) بفتح القاف وحكي ضمها، ( بعده ): أي بعد الإيجاب، فيقول البائع: بعتك أو ملكتك أو نحوه بكذا، ويقول المشتري: ابتعت أو قبلت ونحوه، ويصح القبول أيضاً (قبله): أي قبل الإيجاب بلفظ أمر أو ماض مجرد عن استفهام ونحوه؛ لأن المعنى حاصل به ويصح القبول (متراخياً عنه): أي عن الإيجاب ما داما (في مجلسه)؛ لأن حالة المجلس كحالة العقد، (فإن تشاغلا بما يقطعه): عرفاً أو انقضى المجلس قبل القبول ( بطل )؛ لأنهما صارا معرضين عن البيع، وإن خالف القبول الإيجاب لم ينعقد، (وهي): أي الصورة المذكورة أي الإيجاب والقبول (الصيغة القولية) للبيع].
بعد أن ذكر المؤلف تعريف البيع والمحترزات المترتبة على ذلك، أراد أن يبين ما هو البيع؟
قال المؤلف رحمه الله: (وينعقد البيع بإيجاب وقبول) وهذه تسمى الصيغة، وهي أعظم ركن من أركان البيع، بل عد الحنفية رحمهم الله أن ركن العقد إنما هو الصيغة، في حين أن الجمهور من أهل العلم كالحنابلة والشافعية والمالكية: رأوا أن أركان البيع هو جزؤه الذي لا يمكن أن ينفصل عنه، ولو لم يكن من الماهية، لكنه لا يمكن أن يوجد إلا به، فقالوا: هي: الصيغة والعاقدان والمحل.
انعقاد البيع بالقبول بعد الإيجاب
وبقولي: اشتريت السيارة، حصل جميع الأركان عند جميع الأئمة، حصلت الصيغة وحصل المحل وهي السلعة، وحصل الركن الثالث وهو العاقدان.
وقول البائع: بعتك أو أي كلمة مثلها: مالكتك أو خذ هذه السلعة بكذا، أو استلمها بكذا، أو هي لك بكذا، أو خذها من المحل بكذا، يعتبر إيجاباً من البائع، وقول المشتري: قبلت، أو أخذتها، أو استلمتها، أو هي علي بكذا، أو ما يفيد ذلك يعد قبولاً، وهذا مذهب الجمهور، فيجعلون كل ما يتلفظ به البائع متقدماً أو متراخياً عما يقوله المشتري يعد إيجاباً منه، وكل ما يقوله المشتري متقدماً عن البائع أو متأخراً عنه يسمى قبولاً، وعليه فيجوز أن يكون الإيجاب من البائع متأخراً، مثل أن أقول لعبد العزيز: بع لي سيارتك بمائة ألف، فيقول عبد العزيز : قبلت، الآن القبول صار من المشتري أم من البائع؟ من البائع، ومع ذلك يسمى كلام عبد العزيز إيجاباً، ويسمى كلامي قبولاً، هذا مذهب الجمهور.
أما أبو حنيفة فيقول: الإيجاب هو الأول، سواء كان من البائع أو من المشتري، والقبول هو الثاني: سواء كان من البائع أو المشتري، والخلاف في ذلك لفظي، إلا أن الجمهور الذين قالوا: إن الإيجاب هو من البائع والقبول هو من المشتري، قالوا بعد أن ذكروا ما معنى الإيجاب والقبول بفتح القاف أو ضمها، يكون قَبولاً أو قُبولاً كلاهما لغتان، قالوا: يجوز أن يكون الإيجاب متأخراً عن القبول، معناه يجوز أن يكون كلام البائع تالياً لكلام المشتري بشروط.
انعقاد البيع بالإيجاب بعد القبول
أولاً: قال المؤلف رحمه الله: (بلفظ أمر)، مثل أن يقول المشتري: بعنيه بمائة ألف، هذا بلفظ الأمر.
ثانياً: قال المؤلف رحمه الله: (أو الماضي المجرد عن الاستفهام): اشتريته بمائة ألف، هذا ماضي.
اشتريته مجرداً عن الاستفهام أم ليس مجرداً؟ مجرداً، أما مع الاستفهام مثل أن تقول: اشتريته بمائة ألف، هذا استفهام، قالوا: فإذا كان استفهاماً مجرداً فإنه لا يمكن أن يكون قبولاً، لأنه ربما لا يقصد البيع، لكن يقصد الاستفسار، فلا يوجب بذلك.
ثالثاً: قال المؤلف رحمه الله: (ونحوه) يعني كل ما يدل على وجود شيء يدل على عدم وجود زمن يدل على هذا الحدث، مثل التمني والترجي، لعلك بعت لي بمائة ألف، حبذا لو اشتريته بمائة ألف، هذا مذهب الحنابلة، أن الاستفهام أو التمني أو الترجي لا يعد قبولاً من المشتري، يقولون: لأن المعنى بالماضي والأمر حاصل به، يعني حاصل مجرد القبول، أما التمني والترجي والاستفهام فإنه ربما يكون غير حاصل، هذا مذهب الجمهور.
والقول الثاني في المسألة: أن الاستفهام الداخل على الماضي إذا وجد عرفاً يفيد القبول وتعارف الناس على ذلك فلا حرج؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالبيع وأحله، فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:10]، وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، ولم يبين الله سبحانه وتعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم لفظاً خاصاً لا يجوز البيع إلا به، فدل على أن كل ما أطلقه الشارع وأفاد معنى البيع أو معنى العقد جاز التعاقد عليه، والله أعلم، وهذا مذهب الجمهور خلافاً للشافعية، ولهذا الجمهور يرون أن العبرة في العقود بالمعاني والمقاصد لا بالألفاظ والمباني، أما الشافعية فيجعلون بصيغة الاستفهام، فيقولون: هل العبرة في العقود بالمعاني والمقاصد، أم بالألفاظ والمباني؟ لأنهم يهتمون بالألفاظ أكثر من أئمة المذاهب، والحنابلة يقيدون في الألفاظ في بعض المسائل دون بعض، كعقد النكاح، وعقد السلم في إحدى الروايتين. والله أعلم.
انعقاد البيع بتراخي القبول عن الإيجاب
ثم شرع المؤلف في بيان أعظمها، وهي الصيغة، والعقد إنما يتم بالصيغة، فقال: وينعقد) البيع (بإيجاب وقبول ومعنى الإيجاب والقبول: هو أن يقول البائع: بعتك بكذا. ويقول المشتري: قبلت، وكل لفظ دل على البيع أو دل على الشراء من المشتري فإنه يحصل به الصيغة، وبمجرد وجود الإيجاب والقبول يتم البيع، ولا علاقة لثبوت البيع بقبض الثمن أو المثلة، بمعنى: لو أنني اتصلت على عبد العزيز وقلت له: سيارتك تبيعها بكم؟ يقول: بعتك سيارتي بمائة ألف، فقلت أنا: قبلت، ثم أقفلت السماعة. الآن حصل إيجاب وقبول وتم البيع، وعلى هذا فلا يجوز لعبد العزيز أن يبيع السيارة؛ لأنها ليست في ملكه شرعاً، وعلى هذا فمتى حصل القبض مني جاز لي أن أبيعها إلى الطرف الآخر على المشتري، وإذا لم أربح فيها جاز لي أن أبيعها ولو كانت عند عبد العزيز، على الخلاف الذي سوف نذكره إن شاء الله، لكن أكثر الناس يفهمون أنه ما تم البيع؛ لأنك ما أعطيت الثمن ولا قبضت السيارة. لا علاقة بالقبض أو الثمن أو المثل؛ لأنه بمجرد وجود الصيغة التي هي الإيجاب والقبول تم البيع، وهي أعظم ركن من أركان البيع.
وبقولي: اشتريت السيارة، حصل جميع الأركان عند جميع الأئمة، حصلت الصيغة وحصل المحل وهي السلعة، وحصل الركن الثالث وهو العاقدان.
وقول البائع: بعتك أو أي كلمة مثلها: مالكتك أو خذ هذه السلعة بكذا، أو استلمها بكذا، أو هي لك بكذا، أو خذها من المحل بكذا، يعتبر إيجاباً من البائع، وقول المشتري: قبلت، أو أخذتها، أو استلمتها، أو هي علي بكذا، أو ما يفيد ذلك يعد قبولاً، وهذا مذهب الجمهور، فيجعلون كل ما يتلفظ به البائع متقدماً أو متراخياً عما يقوله المشتري يعد إيجاباً منه، وكل ما يقوله المشتري متقدماً عن البائع أو متأخراً عنه يسمى قبولاً، وعليه فيجوز أن يكون الإيجاب من البائع متأخراً، مثل أن أقول لعبد العزيز: بع لي سيارتك بمائة ألف، فيقول عبد العزيز : قبلت، الآن القبول صار من المشتري أم من البائع؟ من البائع، ومع ذلك يسمى كلام عبد العزيز إيجاباً، ويسمى كلامي قبولاً، هذا مذهب الجمهور.
أما أبو حنيفة فيقول: الإيجاب هو الأول، سواء كان من البائع أو من المشتري، والقبول هو الثاني: سواء كان من البائع أو المشتري، والخلاف في ذلك لفظي، إلا أن الجمهور الذين قالوا: إن الإيجاب هو من البائع والقبول هو من المشتري، قالوا بعد أن ذكروا ما معنى الإيجاب والقبول بفتح القاف أو ضمها، يكون قَبولاً أو قُبولاً كلاهما لغتان، قالوا: يجوز أن يكون الإيجاب متأخراً عن القبول، معناه يجوز أن يكون كلام البائع تالياً لكلام المشتري بشروط.
قال المؤلف رحمه الله: (ويصح القبول قبله)، يعني: يصح أن يكون القبول من المشتري أولاً، أي: قبل الإيجاب من البائع، بأمور:
أولاً: قال المؤلف رحمه الله: (بلفظ أمر)، مثل أن يقول المشتري: بعنيه بمائة ألف، هذا بلفظ الأمر.
ثانياً: قال المؤلف رحمه الله: (أو الماضي المجرد عن الاستفهام): اشتريته بمائة ألف، هذا ماضي.
اشتريته مجرداً عن الاستفهام أم ليس مجرداً؟ مجرداً، أما مع الاستفهام مثل أن تقول: اشتريته بمائة ألف، هذا استفهام، قالوا: فإذا كان استفهاماً مجرداً فإنه لا يمكن أن يكون قبولاً، لأنه ربما لا يقصد البيع، لكن يقصد الاستفسار، فلا يوجب بذلك.
ثالثاً: قال المؤلف رحمه الله: (ونحوه) يعني كل ما يدل على وجود شيء يدل على عدم وجود زمن يدل على هذا الحدث، مثل التمني والترجي، لعلك بعت لي بمائة ألف، حبذا لو اشتريته بمائة ألف، هذا مذهب الحنابلة، أن الاستفهام أو التمني أو الترجي لا يعد قبولاً من المشتري، يقولون: لأن المعنى بالماضي والأمر حاصل به، يعني حاصل مجرد القبول، أما التمني والترجي والاستفهام فإنه ربما يكون غير حاصل، هذا مذهب الجمهور.
والقول الثاني في المسألة: أن الاستفهام الداخل على الماضي إذا وجد عرفاً يفيد القبول وتعارف الناس على ذلك فلا حرج؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالبيع وأحله، فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:10]، وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، ولم يبين الله سبحانه وتعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم لفظاً خاصاً لا يجوز البيع إلا به، فدل على أن كل ما أطلقه الشارع وأفاد معنى البيع أو معنى العقد جاز التعاقد عليه، والله أعلم، وهذا مذهب الجمهور خلافاً للشافعية، ولهذا الجمهور يرون أن العبرة في العقود بالمعاني والمقاصد لا بالألفاظ والمباني، أما الشافعية فيجعلون بصيغة الاستفهام، فيقولون: هل العبرة في العقود بالمعاني والمقاصد، أم بالألفاظ والمباني؟ لأنهم يهتمون بالألفاظ أكثر من أئمة المذاهب، والحنابلة يقيدون في الألفاظ في بعض المسائل دون بعض، كعقد النكاح، وعقد السلم في إحدى الروايتين. والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (متراخياً عنه) يعني: ويصح القبول متراخياً عن الإيجاب، يعني لو أن محمداً قال لي: بعتك بيتي بمليون ريال، فقلت: ما شاء الله وأنت اشتريت منزلاً، قال: نعم، اشتريته في حي الفلاح، قلت: حي الفلاح أين؟ قال: حي الفلاح الذي ما فيه مخرج سبعة، قلت: الذي في جوار الجامعة؟ قال: نعم، ثم قلت: قبلت. الآن كلامي تم القبول أم لم يتم القبول؟ تم القبول، في المجلس أم ليس في المجلس؟ متراخياً أم متعقباً؟ متراخياً، وقلنا مع ذلك: جائز، فإذا جاز متراخياً عنه بما لا يشتغل عنه في الغالب؛ لأن كل الكلام الذي قلته لم يخرج عن أصل البيع بل هو متصل به، ومع ذلك صح البيع.
قال المؤلف رحمه الله: (ما داما في مجلسه لأن حالة المجلس كحالة العقد)، يعني: ما داما أنهما في المجلس فكأن هذا المجلس هو العقد، وهو ما زال موجوداً في الإيجاب والقبول.
قال المؤلف رحمه الله: (فإن تشاغلا بما يقطعه عرفاً أو انقضى المجلس قبل القبول بطل) يعني بطل الإيجاب، فلو قال: قبلت بعد أن انقضى المجلس أو تشاغلا بما يقطعه غالباً فإنه يعد القبول لم يوافق إيجاباً، ولهذا نشترط في القبول شروطاً:
الشرط الأول: أن يتقدم الإيجاب عن القبول، ويجوز تقدم القبول عن الإيجاب بلفظ الأمر وبلفظ الماضي المجرد، والقول الثاني: يجوز التقدم بكل ما يدل عليه اللفظ وتعارف الناس عليه.
الشرط الثاني: أن يتم القبول قبل التفرق، أو بما لم ينشغلا عنه، فإن حصل التفرق لم يتم البيع، فلو زارني علي في بيتي، وقال: استراحتك أتبيعنيها بمائة ألف؟ فقلت: قبلت بلفظ المضارع المستفهم، أو استفهام المضارع، هذا اختلف فيه العلماء، والذي يظهر -والله أعلم- أن قول المضارع الذي فيه استفهام يعد نوعاً من القبول، أو نوعاً من الإيجاب، مثل أن يقول: أتشتريه مني بمائة ألف؟ فقلت: قبلت، فإن هذا يصح، والله أعلم.
فلو قال: أتبيعنيه بمائة ألف؟ فضحكت، ثم ذهبت فدخلت بيتي وجئت بالشاي، ثم قلت: قبلت، فلا يصح؛ لأنه انقضى المجلس، أما لو لم ينقض المجلس، وأنا لم أخرج، لكني تشاغلت، مثلاً تكلم معي عن السيارة، ثم تكلمت معه عن الأسهم، ثم انتقلنا إلى قضية ليبيا، ثم بعد ليبيا قضية تونس، ثم قلت: قبلت، فلا يصح؛ لأننا خرجنا بما يتشاغل عنه في الغالب.
لما انتهى المؤلف من هذا قال: (بطل) يعني بطل الإيجاب، فيكون القبول لم يصادف إيجاباً معتبراً، وكأنهما كانا معرضين عن البيع، ويعلل أيضاً بأن القبول لم يصادف إيجاباً معتبراً.
الشرط الثالث: قول المؤلف: (وإن خالف القبول الإيجاب لم ينعقد) وهذا هو الشرط الثالث من شروط الإيجاب والقبول: موافقة القبول الإيجاب، ومعنى الموافقة: أن يكون الإيجاب متوافقاً مع القبول في النقد والأجل والحلول، فلو قلت: أبيعك بمائة ألف، فقلت: قبلت بثمانين ألفاً، هل صادف القبول الإيجاب؟ لا، خالفوا في القدر، لو قلت: أبيعك بمائة ألف حالاً، فقلت: بمائة ألف مؤجلة، فلم تتم الموافقة، ولو قلت: أبيعك بمائة ألف ريال سعودي، فقلت: بمائة ألف ريال يمني، فلم يوافق القبول؛ لأن القيمة تختلف.
وعلى هذا فلا بد أن يصادف قبولاً موافقاً له في القدر والصفة والنقد والحلول والأجل.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] | 2629 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] | 2587 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] | 2546 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] | 2543 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] | 2522 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [22] | 2451 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] | 2386 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [20] | 2373 استماع |
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] | 2357 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] | 2355 استماع |