الروض المربع - كتاب الصلاة [72]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وأن يمنحنا وإياكم رضاه والعمل بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم والتقوى.

كنا قد بدأنا في صلاة الجماعة، وذكرنا خلاف أهل العلم في حكم صلاة الجماعة، وقلنا: إن العلماء رحمهم الله اختلفوا في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: فرض عين وهو مذهب الحنابلة، وفرض كفاية وهو مذهب الشافعية، وسنة وهو قول المالكية، وبينا أن السنة عند المالكية هي التي يعاقب تاركها وليست مثل المستحب، كما ذكر ذلك غير واحد من علماء المالكية، وهناك أبيات ذكرها صاحب مراقي السعود رحمه الله في أصول الفقه، فبين أن السنة عند إطلاقها هي التي ثبت وجوبها والإلزام بها بدليل ظني، وهذه أمثلتها كثيرة، منها مسائل في الحج كالمبيت بمنى وغير ذلك.

وقلنا: إن صلاة الجماعة الحديث فيها على مسائل: المسألة الأولى: حكم صلاة الجماعة من حيث هي، والثاني: حكمها في المسجد، والثالث: حكمها في المسجد في السفر وقد ذكرنا المسألة الأولى، والمسألة الثانية: وهي صلاة الجماعة في المساجد، وسوف يذكرها المؤلف إن شاء الله في نفس المتن، وكذلك في السفر.

قال المؤلف رحمه الله: [وله فعلها أي الجماعة في بيته، لعموم حديث: ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )، وفعلها في المسجد هو السنة، وتسن لنساء منفردات عن الرجال، ويكره لحسناء حضورها مع رجال ويباح لغيرها، ومجالس الوعظ كذلك وأولى].

المؤلف رحمه الله حينما ذكر وجوب صلاة الجماعة وأنها فرض عين، لم يجعل وجوبها مقتصراً على المسجد، بل رأى أن الجماعة تثبت سواء صلاها في المسجد أو خارج المسجد، إلا أن صلاته في المسجد سنة، وهو أفضل، ولهذا قال: (وله فعلها أي الجماعة في بيته) يعني: جماعة.

من أدلة استحباب صلاة النافلة في البيت

أما الصلاة في البيت فهي على مراتب:

المرتبة الأولى: الصلاة في البيت من حيث التطوعات، كالسنن الرواتب وغيرها، ولا شك أن السنن الرواتب أداؤها في البيت أفضل من المسجد، والأدلة في هذا الباب كثيرة منها:

الدليل الأول: ما ثبت في الصحيحين من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإن صلاة أحدكم في بيته أفضل إلا المكتوبة )، وهذا الحديث فيه دلالة على أن الصلاة في البيت أفضل.

الدليل الثاني: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا قضى أحدكم صلاته في المسجد، فليجعل لبيته نصيباً من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً ).

الدليل الثالث: وقد روى مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ).

الدليل الرابع: من أدلة استحباب الصلاة في البيت: ما ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعاً في بيته، فإذا صلى في المسجد دخل فصلى بعد الظهر ركعتين )، ثم ذكرت السنن الرواتب وأنه يصليها في بيته، وكذلك ما رواه البخاري و مسلم من حديث ابن عمر ، فهذه الأحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص على الصلاة في البيت.

حكم صلاة الرجل للفريضة في البيت

المرتبة الثانية: صلاة الفريضة في البيت: فذهب الأئمة الأربعة في المشهور عنهم: إلى أن الصلاة في المسجد سنة، فإذا قلنا: إن الأئمة الأربعة يرون أنها سنة بهذا اللفظ، فنقول: إن المالكية يرون أنه يأثم إذا تركها؛ لأنهم يرون أنها سنة، وهذه رواية عند الإمام أحمد وهو القول الثاني، وهو أن تارك الصلاة في المسجد آثم، وهذا هو اختيار ابن تيمية و ابن القيم و ابن سعدي وشيخنا عبد العزيز بن باز وشيخنا محمد بن عثيمين .

وهذا القول هو الذي تؤيده الأدلة، أعني وجوب الصلاة في المسجد، وذلك لأمور:

الأول: أن ما ذكره المؤلف دليل على صحة الصلاة لا على جوازها، فثمة فرق بين الصحة من حيث الإجزاء والصحة من حيث الجواز، ففرق بين أن يقول: يجزئ، وبين أن يقول: يجوز، فالمؤلف ذكر أدلة الإجزاء، فنحن نقول: إن من صلى في بيته تصح صلاته، خلافاً لمن قال بالشرطية.

الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن تارك الصلاة في المسجد معاقب، ولهذا قال عبد الله بن مسعود كما في صحيح مسلم : ( ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض، ولقد علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي تقام فيه الصلاة، ولو أنكم تركتم سنة نبيكم لضللتم )، وهذا الضلال لا يكون إلا لترك واجب.

الثالث: صح عن ابن عباس رضي الله عنه ولا يصح مرفوعاً، وقد صححه الألباني مرفوعاً، والصواب أنه لا يصح مرفوعاً: ( من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر )، وهذا الحديث رواه ابن ماجه و الدارقطني و الحاكم و البيهقي ولا يصح رفعه، وإن كان الحافظ ابن حجر في التلخيص أشار إلى صحة رفعه، ولكن في الرفع نكارة.

ومما يدل على وجوب الصلاة في المسجد، أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين قال: ( ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام )، أي في المسجد ( ثم أنطلق مع رجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة )، والشهود شيء والوجود شيء آخر، يعني كونك تشهد الشيء دليل على أنك تظهر، ولا يكون هذا في البيت إنما يكون في المسجد، هذا الذي يظهر، والله أعلم.

ثم إني أقول: إنه يجوز تركها أحياناً لحاجة، وهذه الحاجة تقدر بقدرها، يعني إذا لم يكن هذه عادة الإنسان في الترك أو الغالب عليه الترك؛ فلا حرج، ومما يدل على هذا أمور:

الأمر الأول: ما ثبت في الصحيحين من حديث أنس أنه قال: ( جحش النبي صلى الله عليه وسلم فسقط من فرسه )، جحش يعني: أصيب وجرح ( فذهبنا نعوده، فحضرت الصلاة فأقيمت، فأمنا وهو جالس، فذهبنا لنقوم فأشار إلينا أن اجلسوا، ثم قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين )، فهذا يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في البيت، وهذا يدل على أنه يجوز للحاجة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وقع عليه حاجة، والأمر الثاني: فعل الصحابة.

ومثال الحاجة: لو أن إنساناً عنده وليمة في رمضان، فجاء وقت الإفطار والناس يفطرون، فلا حرج أن يصلوا أحياناً في البيت؛ لأن هذه حاجة، فلم يكن الترك تركاً مطلقاً، وإنما ترك لحاجة، وأنا أقول: إن هذه الحاجة ليست بالضرورة أن تكون مثل حاجة الوجوب الأول، الذي هو لابد فيه أن يكون حاجة لترك هذا الشيء، لا، أي: حاجة للترك وليس حاجة لرفع الوجوب.

وروى ابن مسعود رضي الله عنه الحديث الذي مر معنا: ( ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سنن الهدى )، وقد جاء في صحيح مسلم أن الأسود و علقمة دخلا عليه، فقال: أصليتم العصر؟ فقلنا: إنما انصرفنا الساعة من الظهر. قال: قوموا فأصلي بكم، فصلى بنا من غير أذان ولا إقامة، فذهبنا لنقوم خلفه، فأخذ بيدنا وجعل أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله. الشاهد من ذلك: أن ابن مسعود صلى بأصحابه في البيت صلاة العصر.

كذلك أيضاً ما رواه مسلم في صحيحه من حديث العلاء بن عبد الرحمن قال: صلينا الظهر ثم دخلنا على أنس بن مالك وكان داره بجانب المسجد فقال: صليتم العصر؟ قال: فقلنا: إنما انصرفنا الساعة من الظهر، قال: قوموا فأصلي بكم، فصلى بنا صلاة العصر. فهذه قضايا أعيان تدل على أنها للحاجة.

فمثلاً: لو أن شخصاً قام من النوم فعلم أنه لو توضأ لم يلحق الإمام إلا وقد أنهى صلاته، فلو جمع أهله وذويه وصلى بهم لا حرج، لكن ينبغي ألا يكون هذا ديدنه، فإن مثل هذه مزلة قدم، وقد ذكر أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: أنهم اتفقوا على أن تارك الصلاة في المسجد مطلقاً آثم، وهذا يدل على أنهم رحمهم الله حينما يذكرون فرض كفاية أو استحباباً، لا يقصدون به الاستحباب المعروف، إنما يقصدون به أن يتركها أحياناً، ولو لم يكن من غير حاجة أعني الجمهور، أما نحن فنقول: الراجح أنها واجبة، ولكن إذا كان هناك حاجة للإنسان فلا حرج.

أما الأعذار فتختلف، فهناك فرق بين العذر لرفع الوجوب وبين العذر للترك، فأحياناً تعذر للترك لكنك ما رفعت الإثم، فهل انتظار رفقة يكون عذراً يبيح ترك الجماعة؟ بعضهم لا يرى ذلك إلا الحنابلة؛ لأنهم إنما نظروا إلى قوة وجوب الأمر مع وجود هذه الحاجة، أما نحن فنقول في هذه الصورة: مجرد وجود الحاجة ولو كانت هذه الحاجة لا ترفع أصل الوجوب لكنها ترفع وجود الحاجة، ففرق بين حاجة ترفع الوجوب، وحاجة تجيز الترك، بمعنى أنه وجد حاجة فليس من باب الترك المطلق للتكاسل، كمن يقول: أنا والله! كسلان ولا أصلي في المسجد.

فهذا ترك سببه الكسل، فلا بد أن يكون هناك حاجة للترك وإلا لم يقبل، هذا هو القصد، ومثل الدوائر الحكومية وطلاب المدارس، إذا وجد المصلي حاجة للترك، وهذه الحاجة هي أن الأطفال ربما يتغيبون، والموظفون ربما يتسيبون، لكن لو نظرت إليها من حيث الوجوب ربما لا ترى أن هذا وجوب؛ لأنه يأثم ويعاقب على ترك تأخير العمل.

أما الصلاة في البيت فهي على مراتب:

المرتبة الأولى: الصلاة في البيت من حيث التطوعات، كالسنن الرواتب وغيرها، ولا شك أن السنن الرواتب أداؤها في البيت أفضل من المسجد، والأدلة في هذا الباب كثيرة منها:

الدليل الأول: ما ثبت في الصحيحين من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإن صلاة أحدكم في بيته أفضل إلا المكتوبة )، وهذا الحديث فيه دلالة على أن الصلاة في البيت أفضل.

الدليل الثاني: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا قضى أحدكم صلاته في المسجد، فليجعل لبيته نصيباً من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً ).

الدليل الثالث: وقد روى مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ).

الدليل الرابع: من أدلة استحباب الصلاة في البيت: ما ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعاً في بيته، فإذا صلى في المسجد دخل فصلى بعد الظهر ركعتين )، ثم ذكرت السنن الرواتب وأنه يصليها في بيته، وكذلك ما رواه البخاري و مسلم من حديث ابن عمر ، فهذه الأحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص على الصلاة في البيت.

المرتبة الثانية: صلاة الفريضة في البيت: فذهب الأئمة الأربعة في المشهور عنهم: إلى أن الصلاة في المسجد سنة، فإذا قلنا: إن الأئمة الأربعة يرون أنها سنة بهذا اللفظ، فنقول: إن المالكية يرون أنه يأثم إذا تركها؛ لأنهم يرون أنها سنة، وهذه رواية عند الإمام أحمد وهو القول الثاني، وهو أن تارك الصلاة في المسجد آثم، وهذا هو اختيار ابن تيمية و ابن القيم و ابن سعدي وشيخنا عبد العزيز بن باز وشيخنا محمد بن عثيمين .

وهذا القول هو الذي تؤيده الأدلة، أعني وجوب الصلاة في المسجد، وذلك لأمور:

الأول: أن ما ذكره المؤلف دليل على صحة الصلاة لا على جوازها، فثمة فرق بين الصحة من حيث الإجزاء والصحة من حيث الجواز، ففرق بين أن يقول: يجزئ، وبين أن يقول: يجوز، فالمؤلف ذكر أدلة الإجزاء، فنحن نقول: إن من صلى في بيته تصح صلاته، خلافاً لمن قال بالشرطية.

الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن تارك الصلاة في المسجد معاقب، ولهذا قال عبد الله بن مسعود كما في صحيح مسلم : ( ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض، ولقد علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي تقام فيه الصلاة، ولو أنكم تركتم سنة نبيكم لضللتم )، وهذا الضلال لا يكون إلا لترك واجب.

الثالث: صح عن ابن عباس رضي الله عنه ولا يصح مرفوعاً، وقد صححه الألباني مرفوعاً، والصواب أنه لا يصح مرفوعاً: ( من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر )، وهذا الحديث رواه ابن ماجه و الدارقطني و الحاكم و البيهقي ولا يصح رفعه، وإن كان الحافظ ابن حجر في التلخيص أشار إلى صحة رفعه، ولكن في الرفع نكارة.

ومما يدل على وجوب الصلاة في المسجد، أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين قال: ( ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام )، أي في المسجد ( ثم أنطلق مع رجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة )، والشهود شيء والوجود شيء آخر، يعني كونك تشهد الشيء دليل على أنك تظهر، ولا يكون هذا في البيت إنما يكون في المسجد، هذا الذي يظهر، والله أعلم.

ثم إني أقول: إنه يجوز تركها أحياناً لحاجة، وهذه الحاجة تقدر بقدرها، يعني إذا لم يكن هذه عادة الإنسان في الترك أو الغالب عليه الترك؛ فلا حرج، ومما يدل على هذا أمور:

الأمر الأول: ما ثبت في الصحيحين من حديث أنس أنه قال: ( جحش النبي صلى الله عليه وسلم فسقط من فرسه )، جحش يعني: أصيب وجرح ( فذهبنا نعوده، فحضرت الصلاة فأقيمت، فأمنا وهو جالس، فذهبنا لنقوم فأشار إلينا أن اجلسوا، ثم قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين )، فهذا يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في البيت، وهذا يدل على أنه يجوز للحاجة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وقع عليه حاجة، والأمر الثاني: فعل الصحابة.

ومثال الحاجة: لو أن إنساناً عنده وليمة في رمضان، فجاء وقت الإفطار والناس يفطرون، فلا حرج أن يصلوا أحياناً في البيت؛ لأن هذه حاجة، فلم يكن الترك تركاً مطلقاً، وإنما ترك لحاجة، وأنا أقول: إن هذه الحاجة ليست بالضرورة أن تكون مثل حاجة الوجوب الأول، الذي هو لابد فيه أن يكون حاجة لترك هذا الشيء، لا، أي: حاجة للترك وليس حاجة لرفع الوجوب.

وروى ابن مسعود رضي الله عنه الحديث الذي مر معنا: ( ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سنن الهدى )، وقد جاء في صحيح مسلم أن الأسود و علقمة دخلا عليه، فقال: أصليتم العصر؟ فقلنا: إنما انصرفنا الساعة من الظهر. قال: قوموا فأصلي بكم، فصلى بنا من غير أذان ولا إقامة، فذهبنا لنقوم خلفه، فأخذ بيدنا وجعل أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله. الشاهد من ذلك: أن ابن مسعود صلى بأصحابه في البيت صلاة العصر.

كذلك أيضاً ما رواه مسلم في صحيحه من حديث العلاء بن عبد الرحمن قال: صلينا الظهر ثم دخلنا على أنس بن مالك وكان داره بجانب المسجد فقال: صليتم العصر؟ قال: فقلنا: إنما انصرفنا الساعة من الظهر، قال: قوموا فأصلي بكم، فصلى بنا صلاة العصر. فهذه قضايا أعيان تدل على أنها للحاجة.

فمثلاً: لو أن شخصاً قام من النوم فعلم أنه لو توضأ لم يلحق الإمام إلا وقد أنهى صلاته، فلو جمع أهله وذويه وصلى بهم لا حرج، لكن ينبغي ألا يكون هذا ديدنه، فإن مثل هذه مزلة قدم، وقد ذكر أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: أنهم اتفقوا على أن تارك الصلاة في المسجد مطلقاً آثم، وهذا يدل على أنهم رحمهم الله حينما يذكرون فرض كفاية أو استحباباً، لا يقصدون به الاستحباب المعروف، إنما يقصدون به أن يتركها أحياناً، ولو لم يكن من غير حاجة أعني الجمهور، أما نحن فنقول: الراجح أنها واجبة، ولكن إذا كان هناك حاجة للإنسان فلا حرج.

أما الأعذار فتختلف، فهناك فرق بين العذر لرفع الوجوب وبين العذر للترك، فأحياناً تعذر للترك لكنك ما رفعت الإثم، فهل انتظار رفقة يكون عذراً يبيح ترك الجماعة؟ بعضهم لا يرى ذلك إلا الحنابلة؛ لأنهم إنما نظروا إلى قوة وجوب الأمر مع وجود هذه الحاجة، أما نحن فنقول في هذه الصورة: مجرد وجود الحاجة ولو كانت هذه الحاجة لا ترفع أصل الوجوب لكنها ترفع وجود الحاجة، ففرق بين حاجة ترفع الوجوب، وحاجة تجيز الترك، بمعنى أنه وجد حاجة فليس من باب الترك المطلق للتكاسل، كمن يقول: أنا والله! كسلان ولا أصلي في المسجد.

فهذا ترك سببه الكسل، فلا بد أن يكون هناك حاجة للترك وإلا لم يقبل، هذا هو القصد، ومثل الدوائر الحكومية وطلاب المدارس، إذا وجد المصلي حاجة للترك، وهذه الحاجة هي أن الأطفال ربما يتغيبون، والموظفون ربما يتسيبون، لكن لو نظرت إليها من حيث الوجوب ربما لا ترى أن هذا وجوب؛ لأنه يأثم ويعاقب على ترك تأخير العمل.