الروض المربع - كتاب الصلاة [62]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فقد تحدثنا عن مسألة القنوت في الفرائض في غير ما لو نزل بالمسلمين نازلة، وقلنا: إن مذهب الشافعي و مالك في بعض أقواله يستحبون ذلك في الفجر؛ لحديث أنس : ( لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا )، وقلنا: إن الراجح، وهو قول أكثر الصحابة أن ذلك غير مشروع، وأما الحديث الذي ذكره المؤلف، فقد ذكرنا ضعفه، وأن في سنده رجلاً يقال له: عبد الله بن ميسرة ، ولكن أحسن منه ما رواه أبو داود وأهل السنن من حديث أبي مالك الأشجعي عن أبيه طارق الأشجعي أنه قال: ( يا أبت! صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبي بكر و عمر و عثمان و علي فهل كانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أي بني! محدث )، وهذا الحديث صححه الترمذي ، وتكلم فيه بعض الحفاظ، والأقرب أنه إلى الحسن أقرب.

قال المؤلف رحمه الله: [ إلا أن ينزل بالمسلمين نازلة ].

النازلة هي: الصاعقة والواقعة والملمة التي تنزل بالمسلمين، وفي هذا دلالة على أن الأصل أن المسلمين كانوا في سلامة من أمرهم، فتنزل بهم هذه النازلة التي تضيق عليهم حياتهم، ويعيشون في خوف وعدم استقرار وأمن، فإذا نزلت بالمسلمين هذه النازلة وهذه الصاعقة يشرع لهم القنوت، فذهب المؤلف رحمه الله إلى أنه إنما يقنت إذا نزلت بهم شدائد الدهر دون الطاعون؛ لأن الطاعون إذا نزل بالأمة فهو مرض، والمرض لا يقنت به، وإنما استثنوا الطاعون؛ لأن الطاعون نزل في عهد عمر رضي الله عنه ولم يقنت، فإذا صار بالمسلمين وباء عام يفسد حياتهم وصحتهم فإن هذا لا يقنت له، مثل ما يسمى بانفلونزا الطيور، فإذا كان مثل هذا وباء عام، يموت فيه الناس، فإن الحنابلة لا يستحبون القنوت؛ لأن عمر رضي الله عنه حينما نزل الطاعون في عهده لم يقنت له، وذهب بعضهم إلى أن المرض العام الذي يموت به الناس مثله مثل العدو، ولكنهم فرقوا بين الأمراض التي ليس للإنسان فيها شأن، وبين ما كان للإنسان فيها فعل، فاستحبوا القنوت في شدائد الدهر فيما كان للإنسان فيه فعل، وأما ما ليس للإنسان فيه فعل كالطاعون والأمراض والأوبئة فهي من الله سبحانه وتعالى، وإذا قنت الناس فلا حرج إن شاء الله؛ لأن الناس إنما يقنتون لأمرين:

الأول: دعاء على الشخص الذي سبب ذلك.

والثاني: دعاء بأن يرفع الله عن المسلمين هذه المحنة.

وإذا كان هناك وباء عام ليس للإنسان فيه فعل فإنما يقنتون ليسألوا الله أن يرفع عنهم هذه المحنة، وعلى هذا فالذي يظهر أن ذلك لا بأس به، ولا يقال بالاستحباب، بل يقال بالجواز.

أقوال العلماء في من يقنت بالمسلمين عند النوازل

قال المؤلف رحمه الله: [ يقنت استحباباً الإمام الأعظم ].

اختلف العلماء في النازلة من الذي يقنت؟ فذهب الحنابلة إلى أن الذي يقنت هو الإمام الأعظم، أو نائبه، يعني: إذا كان الإمام الأعظم لا يصلي بالناس فإنما يصلي نائبه، ونائبه الذي يعينه ولي أمر المسلمين، إما أن يعينه في المسجد الحرام، أو يعينه عن طريق المفتي، أو كيفما أراد ولي أمر المسلمين. هذا مذهب الحنابلة؛ على أن الذي يقنت هو الإمام أو نائبه.

وذهب بعض العلماء، وهو رواية عند الحنابلة أيضاً: إلى أن الذي يقنت هو كل إمام جماعة، يعني: مثلما نفعل نحن الآن، كل إمام مسجد له أن يقنت.

وذهب أبو العباس بن تيمية رحمه الله إلى أن الذي يقنت كل مصل، سواء كانوا جماعة في مسجد، أو غير مسجد، فإنهم يقنتون يسألون الله سبحانه وتعالى أن يدفع عنهم عدوهم، وأن يكشف عنهم ما بهم من ضر.

والذي يظهر والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، والقاعدة أن كل فعل فعله النبي صلى الله عليه وسلم فهو سنة لأمته؛ لقول الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وهذا هو الأصل، ولا نخرج منه إلا بدليل، فالأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم هو سنة الناس كلهم، وعلى هذا فالذي يظهر هو أنه يقنت كل مصل، إذا ثبت هذا فإني لم أجد كلاماً للمتقدمين في أنه لا يقنت إلا أن يستأذن الناس الإمام، وفرق بين أن يقنت الإمام أو نائبه، أو أن يستأذن الناس الإمام، فإن صلاة الجمعة ذهب الأئمة الأربعة إلى أنها لا تصلى في هذا المسجد إلا بإذن الإمام، وإذن الإمام شيء، والصلاة في كل مسجد للجمعة شيء آخر، فلا يقال: إن مذهب الحنابلة هو الاستئذان من الإمام؛ لأن الحنابلة لم يقولوا: الاستئذان من الإمام، إنما قالوا: يقنت الإمام أو نائبه، وعلى هذا فهذا القول لا يعرف عند الأئمة، وإنما المعروف: إما أن يقنت الإمام أو نائبه، وعلى هذا فلا يقنت الناس، وإما أن يقنت كل إمام جماعة، وإما أن يقنت كل مصلٍ، ولو كان وحده، وهذا القول الثالث لعله هو الأظهر، والله أعلم.

الصلوات التي يقنت فيها للنازلة

قال المؤلف رحمه الله: [ في الفرائض غير الجمعة ].

أما الفرائض فهذا هو الراجح؛ أنه يقنت في كل الصلوات، فإنه قد صح عن ابن عباس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر )، وكذلك صح في الظهر والعصر والعشاء والمغرب من حديث البراء بن عازب عند مسلم ( كان يقنت في صلاة المغرب والفجر )، ورواه الإمام أحمد و أبو داود من حديث ابن عباس : ( أنه يقنت في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ).

وأما قول الحنابلة: (غير الجمعة)، فإنهم استحبوا القنوت في كل الصلوات ما عدا الجمعة، قالوا: لأن الجمعة يستغنى عن ذلك بالدعاء في خطبتها، فلا يقنت فيها، والذي يظهر والله أعلم، أنه لا بأس بالقنوت إلا أن الأولى تركه؛ لأن قاعدة الشرع أنه يخفف في الجمعة؛ لقوله تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]، ولكنه لو قنت لعموم الصلاة فلا حرج.

ومما يدل على أنه لا فرق بين الجمعة وغيرها: هو أن الصحابة كـابن عباس فهموا أنه ما يثبت في الفرائض يثبت في الجمعة، لما روى مسلم في صحيحه أن ابن عباس قال للمؤذن في يوم الجمعة، وفي يوم مطير: إذا وصلت إلى قول: حيّ على الصلاة، فقل: صلوا في رحالكم! ثم قال: أما إن الجمعة عزمة، ولكن كرهت أن يخرج الناس في الدحض والطين، قال عبد الله بن شقيق -والحديث عند مسلم-: كيف نستدل بهذا الحديث على أنه لا بأس بالقنوت يوم الجمعة؟

وجه الدلالة: أن ابن عباس أمر المؤذن أن يقول في يوم الجمعة: صلوا في رحالكم، مع أن فرض الجمعة أقوى من فرض غيرها، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: صلوا في رحالكم إلا في صلوات الليل الجهرية وهو مسافر، ومع ذلك ابن عباس لم ير فرقاً في السفر عن الحضر، ولا في الفرائض عن يوم الجمعة، فدل ذلك على أن يوم الجمعة كغيرها، إلا أن الأولى عدم القنوت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله؛ لأن الأصل التخفيف، ولكن لو قنت لا ينكر عليه، ولا يقال: ليس بسنة، بل يقال: داخل في عموم الفرائض.

وإذا قنت فإنه يجهر بها، سواء كان في السرية أو في الجهرية، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: ( قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، يدعو على أحياء من بني سليم، ويؤمن من خلفه )، وكون الناس يؤمنون دليل على أنه كان يجهر، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ يقنت استحباباً الإمام الأعظم ].

اختلف العلماء في النازلة من الذي يقنت؟ فذهب الحنابلة إلى أن الذي يقنت هو الإمام الأعظم، أو نائبه، يعني: إذا كان الإمام الأعظم لا يصلي بالناس فإنما يصلي نائبه، ونائبه الذي يعينه ولي أمر المسلمين، إما أن يعينه في المسجد الحرام، أو يعينه عن طريق المفتي، أو كيفما أراد ولي أمر المسلمين. هذا مذهب الحنابلة؛ على أن الذي يقنت هو الإمام أو نائبه.

وذهب بعض العلماء، وهو رواية عند الحنابلة أيضاً: إلى أن الذي يقنت هو كل إمام جماعة، يعني: مثلما نفعل نحن الآن، كل إمام مسجد له أن يقنت.

وذهب أبو العباس بن تيمية رحمه الله إلى أن الذي يقنت كل مصل، سواء كانوا جماعة في مسجد، أو غير مسجد، فإنهم يقنتون يسألون الله سبحانه وتعالى أن يدفع عنهم عدوهم، وأن يكشف عنهم ما بهم من ضر.

والذي يظهر والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، والقاعدة أن كل فعل فعله النبي صلى الله عليه وسلم فهو سنة لأمته؛ لقول الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وهذا هو الأصل، ولا نخرج منه إلا بدليل، فالأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم هو سنة الناس كلهم، وعلى هذا فالذي يظهر هو أنه يقنت كل مصل، إذا ثبت هذا فإني لم أجد كلاماً للمتقدمين في أنه لا يقنت إلا أن يستأذن الناس الإمام، وفرق بين أن يقنت الإمام أو نائبه، أو أن يستأذن الناس الإمام، فإن صلاة الجمعة ذهب الأئمة الأربعة إلى أنها لا تصلى في هذا المسجد إلا بإذن الإمام، وإذن الإمام شيء، والصلاة في كل مسجد للجمعة شيء آخر، فلا يقال: إن مذهب الحنابلة هو الاستئذان من الإمام؛ لأن الحنابلة لم يقولوا: الاستئذان من الإمام، إنما قالوا: يقنت الإمام أو نائبه، وعلى هذا فهذا القول لا يعرف عند الأئمة، وإنما المعروف: إما أن يقنت الإمام أو نائبه، وعلى هذا فلا يقنت الناس، وإما أن يقنت كل إمام جماعة، وإما أن يقنت كل مصلٍ، ولو كان وحده، وهذا القول الثالث لعله هو الأظهر، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ في الفرائض غير الجمعة ].

أما الفرائض فهذا هو الراجح؛ أنه يقنت في كل الصلوات، فإنه قد صح عن ابن عباس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر )، وكذلك صح في الظهر والعصر والعشاء والمغرب من حديث البراء بن عازب عند مسلم ( كان يقنت في صلاة المغرب والفجر )، ورواه الإمام أحمد و أبو داود من حديث ابن عباس : ( أنه يقنت في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ).

وأما قول الحنابلة: (غير الجمعة)، فإنهم استحبوا القنوت في كل الصلوات ما عدا الجمعة، قالوا: لأن الجمعة يستغنى عن ذلك بالدعاء في خطبتها، فلا يقنت فيها، والذي يظهر والله أعلم، أنه لا بأس بالقنوت إلا أن الأولى تركه؛ لأن قاعدة الشرع أنه يخفف في الجمعة؛ لقوله تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]، ولكنه لو قنت لعموم الصلاة فلا حرج.

ومما يدل على أنه لا فرق بين الجمعة وغيرها: هو أن الصحابة كـابن عباس فهموا أنه ما يثبت في الفرائض يثبت في الجمعة، لما روى مسلم في صحيحه أن ابن عباس قال للمؤذن في يوم الجمعة، وفي يوم مطير: إذا وصلت إلى قول: حيّ على الصلاة، فقل: صلوا في رحالكم! ثم قال: أما إن الجمعة عزمة، ولكن كرهت أن يخرج الناس في الدحض والطين، قال عبد الله بن شقيق -والحديث عند مسلم-: كيف نستدل بهذا الحديث على أنه لا بأس بالقنوت يوم الجمعة؟

وجه الدلالة: أن ابن عباس أمر المؤذن أن يقول في يوم الجمعة: صلوا في رحالكم، مع أن فرض الجمعة أقوى من فرض غيرها، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: صلوا في رحالكم إلا في صلوات الليل الجهرية وهو مسافر، ومع ذلك ابن عباس لم ير فرقاً في السفر عن الحضر، ولا في الفرائض عن يوم الجمعة، فدل ذلك على أن يوم الجمعة كغيرها، إلا أن الأولى عدم القنوت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله؛ لأن الأصل التخفيف، ولكن لو قنت لا ينكر عليه، ولا يقال: ليس بسنة، بل يقال: داخل في عموم الفرائض.

وإذا قنت فإنه يجهر بها، سواء كان في السرية أو في الجهرية، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: ( قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، يدعو على أحياء من بني سليم، ويؤمن من خلفه )، وكون الناس يؤمنون دليل على أنه كان يجهر، والله أعلم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] 2630 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] 2588 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] 2547 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] 2544 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] 2524 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [22] 2453 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] 2388 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [20] 2375 استماع
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] 2358 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] 2356 استماع