أرشيف المقالات

رحمة شاب وبسمة فقير! - عبد العزيز الأحمد

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
يظل الخير في الناس، والرحمة في نفوسهم؛ بقدر وجودهم، فبالرحمة يتعاطفون، ويتقاربون، ويتلطفون، ويرأفون.
الرحمة عاطفة عليا، تليّن القلب فيحس بكل جرْح قريب، أو دمع صبيب، هي نعمة جعلها الله في قلب بني آدم، بها يحنو على أولاده، وزوجه، ووالديه؛ وهي درجات ومراتب، تبدأ بمجرد الشعور بالآخرين، وتسمو، وترتفع؛ فلا يهدأ قلب صاحبها حتى يوصل خير ما عنده للناس، ويحميهم مما يضرهم، وبذلك عُنونت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] رحمة بالتوحيد، والعبادة، والخلق الحسن، والإحسان، والصدقة، والعدل، والصدق، رحمة بالعلم والإيمان، والبذل، والعطاء، رحمة بالتعاون، والتواصي، والتراحم، وهذه نعم من الله سببها الأكبر (رحمة الرحمن الرحيم).
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ} [آل عمران: 157] كل رحيم من الناس تظهر فيه نعمة ( رحمة الله )، فالتواضع والتذلل للمؤمنين رحمة، وملاعبة الأطفال، وملاطفة الكبار رحمة، لما قبّل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن قال أحدهم: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدًا منهم، فرد عليه النبي صلى الله عيله وسلم: «أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك» [صحيح البخاري : 5998].
الرحمة تفيض فتذوب حتى تخرج على شكل دمعات العيون، أو تعابير الوجه، يشيعها نبض يرف بالفؤاد فينتقل للملأ الأعلى؛ توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه بين يديه، ثم دمعت عيناه، فتعجب عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه من بكاء النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أنتَ رسول الله! قال: «نعم يا ابن عوف إنها رحمة، إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون» [ صحيح البخاري : 3215].
تذكرت هذه المعاني للرحمة وأنا استمع قصة رجل فقير معه زوجته وقد اشترى حاجياته في أحد مراكز التموينات الكبرى في مدينة الرياض، فحسبها المحاسب فبلغت 298 ريالًا، سددها بجميع ما معه نقدًا، وطلب إكمالها من بطاقة ولاء خاصة بالسوق، لكنه لما أراد أخذ أغراضه لحقه أطفاله وقد اشتروا عصائر و"بسكويتًا"، ففتش فلم يجد شيئًا، حاول أن يخفي حرجه فأشاح بوجهه، لكن المحاسب لمحه وهو "شاب سعودي" نبيه، ذو رحمة، حسبها فبلغت 12 ريالًا، فصاح قائلًا: البطاقة تغطي يا والد، وأعطاهم الأغراض، وانصرف هذا الأب وأطفاله فرحين.
يقول الذي يشاهد الموقف، ويرويه - وكان خلف كبير السن الفقير - لاحظتُ المحاسب وهو يفعل العمل الجميل، ويحل المشكلة بذكاء، فتقدمت إليه وشكرته، وعزمت عليه أن أسدد أنا مبلغ الرجل وأطفاله بدلًا منه؛ فأبى الشاب وقال كلاما راقيًا: والله ما أتجمل على حساب غيري!.
رضي الله عن هذا الشاب، وذلك الرجل الذي حكى الموقف، إنها رحمة توزعت بين قلبيهما، فلبسها الفقير فاغتنى، والأطفال ففرحوا! بقدر ما تنتشر الرحمة في الناس، يطمئن الفرد، ويسعد المجتمع، ويقوى البلد، وتعز الدولة، وتنتصر الأمة

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢