خطب ومحاضرات
الروض المربع - كتاب الصلاة [53]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل, وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله: [ وإن قام إلى ثالثة نهاراً، وقد نوى ركعتين نفلاً، رجع إن شاء وسجد للسهو، وله أن يتمها أربعاً ولا يسجد وهو أفضل، وإن كان ليلاً فكما لو قام إلى ثالثة في الفجر ].
الحنابلة رحمهم الله يقولون: إن القيام -على المذهب- إلى ثالثة في صلاة الليل مكروهة, والرواية الثانية: أنها محرمة؛ ولهذا قالوا: وإن قام إلى ثالثة من صلاة الليل فكقيام إلى ثالثة في صلاة الفجر, ولكن المذهب أن الثالثة مكروهة وهذا الذي نقله الأثرم عن الإمام أحمد كما ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين من حديث ابن عمر : ( صلاة الليل مثنى مثنى ), وفي رواية مسلم : ( إذا صلى أحدكم من الليل فليصل ركعتين ركعتين ), ولم نقل بوجوب ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى من الليل من غير ركعتين, فقد صلى ثلاثاً متواصلة, وصلى خمساً كما في مسلم , وصلى سبع ركعات, وصلى تسع ركعات متواصلة ولم يجلس إلا في آخرها, فدل ذلك على أن هذا الحديث ليس على ظاهره, وقد استثني بعض صوره, ولم نقل بجواز ذلك من مخالفته الأمر, فدل ذلك على أنه مكروه, وعلى هذا فإن المؤلف يقول: (وإن قام إلى ثالثة نهاراً).
الآن المؤلف يريد أن يفصل في النهار والليل, فقال: (وإن قام إلى ثالثة نهاراً), على افتراض أن الأفضل في النهار عند الحنابلة الركعتين, فإن قام إلى ثالثة نهاراً فتذكر أنه قام إلى ثالثة, قال المؤلف: (وقد نوى ركعتين)؛ لأنه لو نوى أربعاً بتشهد واحد جاز على المذهب, فقال: (وقد نوى ركعتين) ثم قام إلى ثالثة فهو بعد بالخيار, إما أن يجلس ويتشهد فيسلم, وهذا أفضل, ويسجد للسهو؛ لأن قيامه حينئذٍ يكون زيادة وسهواً, وإما أن يستمر ويكملها أربعاً, وحينئذٍ لا يسجد؛ لأنه لم يخالف نسق الصلاة ويجوز له أن يتمها أربعاً.
هذا في صلاة النهار, وأما في صلاة الليل فكما قلنا: فإن الحنابلة لهم قولان أو روايتان, لو قام إلى ثالثة من صلاة الليل فعلى الرواية الأخرى عند المذهب: أن من قام إلى ثالثة من صلاة الليل فكأنما قام إلى ثالثة من صلاة الفجر, فإنه يجب عليه أن يجلس ويسجد للسهو قبل السلام, وأما على الرواية الثانية وهي أن القيام إلى الثالثة من صلاة الليل مكروهة أنه لو أتم جاز ذلك ولكن الخلاف في السنة وهذا هو قول مالك رحمه الله, ورواية عند الإمام أحمد , وعلى هذا فالذين يقومون إلى ثالثة من صلاة التراويح فإننا نقول لهم على القول الراجح: إن القيام إلى ثالثة ورابعة بتشهد واحد جائز غير مشروع فلو قام إلى ثالثة فالأفضل في حقه أن يجلس, ويسجد للسهو بعد ذلك, وأما أن يكمل أربعاً فهذا خلاف السنة ولكنه جائز, بناءً على أن القيام إلى ثالثة مكروه.
بعض الإخوة -هداهم الله- إذا صلى ثلاثاً في صلاة التراويح وسلم قالوا له: إنك صليت ثلاثاً, ماذا يصنع -جزاه الله خيراً- يقوم فيصلي ركعة واحدة, هذا غريب جداً؛ لأننا نقول إما أن تكون هذه الثالثة زيادة فكما لو زاد خامسة من صلاة الظهر, هل له أن يقوم يصلي ركعة واحدة؟ لا, فتكون هذه الزيادة خطأ ويسجد للسهو, ولو قلنا: بأنه يجوز له أن يصلي أربعاً من صلاة الليل, فلا يسوغ أن يقوم؛ لأنه انفتل من صلاته, ولكن هذا يدل على أن الفقه في الدين من أعظم النعم, وقد صلى جماعة في المسجد صفوفاً كثيرةً فأشكل عليهم, والغريب أنهم عندما أشكل عليهم قام الإمام يريد أن يتصل على شيخ, والجماعة ينتظرون, الآن هذا الفعل أيضاً مشكل؛ لأنهم ينبغي لهم أن يجتهدوا؛ والاجتهاد عند العلماء أن يجتهد على حسب الجماعة, المشكل إن هذه الثلاث عندما سلم صارت الثالثة زيادة, حتى لو كانوا يجوزوا؛ لأنه انفتل من الصلاة, وقصة ذي اليدين على أنه واجب عليه أن يصلي أربعاً, لكن هذا ليس بواجب أن يصلي لأنه مستحب ليس بواجب. وهو صلى ثلاثاً واهماً.
أما حديث ذي اليدين أو حديث عمران حينما صلى ثلاثاً, والواجب أن يصلي أربعاً, كما لو صلى ركعة واحدة من صلاة الليل, فقالوا: لقد صليت ركعة واحدة فيجب عليه أن يقوم ويأتي بركعة، والله أعلم.
القول الأول, والقول الثاني أنه لو أتمها أربعاً جاز ولكنه غير مشروع وأن الأفضل أن يجلس, وهذا نسبه بعضهم إلى أنه المذهب, ولكن المتأخرين يرون أن المذهب هو أنه من قام إلى ثالثة من صلاة الليل فكأنما قام إلى ثالثة من صلاة الفجر, وهذه مصطلحات عند المذهب.
المعروف أن المتأخرين يرون أنه ما وافق المنتهى والإقناع فهو المذهب, وأما صاحب المرداوي فهو إذا وافق الخرقي ابن قدامة فيجعله المذهب على ما اصطلح عليه والله أعلم.
صفة تنبيه المأموم للإمام وحكم ذلك
قول المؤلف رحمه الله: (وإن سبح به ثقتان, أي نبهاه بتسبيح), يقول: سبحان الله, فهذا لم يفصل المؤلف ثقة, ربما يكونا رجلين أو امرأتين أو رجل وامرأة, أو حرين أو عبدين, أو حر وعبد, فهذا يدل على أن الأصل والعبرة بالثقة, والله أعلم.
وحينئذٍ يقول المؤلف: (نبهاه بتسبيح أو غيره), مثل يقولون: سبحان الله, أو التنهد, لبيان خطأ الإمام يقول المؤلف: (ويلزمهم تنبيهه), يعني: كل من خالف نسق الصلاة بأن زاد أو نقص بما يخالف العبادة يجب أن ينبه؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( وإذا نسيت فذكروني ), فيكون كل نسيان واجب يكون تذكيره واجباً, وكل نسيان مستحب يكون تذكيره مستحباً.
وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2], قالوا: فإنه من المعلوم أن الإنسان يثبت حقه وحق الغير بشهادة رجلين, فهذا يدل على صدق هذا الأمر -والله أعلم- ولكننا نقول: الراجح أنه لم يكن واجباً عليه الرجوع إذا كان يغلب على ظنه صدق نفسه ولم يجزم؛ لأن تسبيح الثقتين ربما يكون وهماً, والله أعلم.
رجوع الإمام إن نبهه ثقتان
ظاهر المذهب على أنه لو سبح به ثقتان فيجب عليه أن يرجع, وقع في نفسه صدقهما أم لم يقع إذا كان يعلم هذين, يعني: أنا أصلي فسبح بي فلان وفلان وأنا أعرفهما, وأعرف ثقتهما, فيجب عليّ حينئذٍ أن أرجع إلى قوليهما, وأما لو سبح بي ثقة واحد, فلو لم يترجح لي شيء فعلى المذهب لا يلزمني الرجوع, أما لو سبح بي ثقتان فيجب علي أن أرجع, سواء وقع في نفسي صدق قولهما, أم صدق فعلي, فيجب عليّ الرجوع, والذي يظهر -والله أعلم- أن الأفضل في حقه إذا سبح به ثقتان أن يرجع لقوليهما, ولكنه إذا كان يتيقن فعل نفسه فلا يلزم, ولا تبطل به صلاته؛ لأننا نقول: إنه أحياناً يسبح به, ولا يدري ما يقولان, فلا يدري أترك واجباً, أم ترك ركناً, أفعل واجباً, أفعل محرماً فعلى هذا فالقول ببطلان الصلاة إن لم يرجع يحتاج إلى دليل ظاهر, وإلى حكم ظاهر؛ ولهذا كان الذي يظهر -والله أعلم- أنه إن كان يغلب على ظنه صدق نفسه وسبح به ثقتان فلا يلزمه الرجوع, وإن كان الأفضل أن يرجع, وإن كان لم يتيقن بفعل نفسه وسبح به ثقتان فيجب عليه أن يرجع وإلا كان ذلك تعنتاً, والمرأة كالرجل, لأنه قد يصلي الرجل وزوجته خلفه.
قال المؤلف رحمه الله: [ فإن أصر على عدم الرجوع، ولم يجزم بصواب نفسه، بطلت صلاته؛ لأنه ترك الواجب عمداً ].
(ولم يجزم بصواب نفسه) يجب عليه أن يرجع؛ لأنه حينئذٍ يكون قد أكمل الصلاة على غلبة الزيادة؟ فعلى غلبة الزيادة, فلو سبح به ثقتان ولم يجزم بصواب نفسه فيجب عليه أن يرجع؛ لأنه ترك الواجب عمداً.
قال المؤلف رحمه الله: [ وإن سبح به ثقتان، أي نبهاه بتسبيح أو غيره، ويلزمهم تنبيهه ].
قول المؤلف رحمه الله: (وإن سبح به ثقتان, أي نبهاه بتسبيح), يقول: سبحان الله, فهذا لم يفصل المؤلف ثقة, ربما يكونا رجلين أو امرأتين أو رجل وامرأة, أو حرين أو عبدين, أو حر وعبد, فهذا يدل على أن الأصل والعبرة بالثقة, والله أعلم.
وحينئذٍ يقول المؤلف: (نبهاه بتسبيح أو غيره), مثل يقولون: سبحان الله, أو التنهد, لبيان خطأ الإمام يقول المؤلف: (ويلزمهم تنبيهه), يعني: كل من خالف نسق الصلاة بأن زاد أو نقص بما يخالف العبادة يجب أن ينبه؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( وإذا نسيت فذكروني ), فيكون كل نسيان واجب يكون تذكيره واجباً, وكل نسيان مستحب يكون تذكيره مستحباً.
وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2], قالوا: فإنه من المعلوم أن الإنسان يثبت حقه وحق الغير بشهادة رجلين, فهذا يدل على صدق هذا الأمر -والله أعلم- ولكننا نقول: الراجح أنه لم يكن واجباً عليه الرجوع إذا كان يغلب على ظنه صدق نفسه ولم يجزم؛ لأن تسبيح الثقتين ربما يكون وهماً, والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ لزمه الرجوع إليها سواء سبحا به إلى زيادة، أو نقصان، وسواء غلب على ظنه صوابهما أو خطؤهما ].
ظاهر المذهب على أنه لو سبح به ثقتان فيجب عليه أن يرجع, وقع في نفسه صدقهما أم لم يقع إذا كان يعلم هذين, يعني: أنا أصلي فسبح بي فلان وفلان وأنا أعرفهما, وأعرف ثقتهما, فيجب عليّ حينئذٍ أن أرجع إلى قوليهما, وأما لو سبح بي ثقة واحد, فلو لم يترجح لي شيء فعلى المذهب لا يلزمني الرجوع, أما لو سبح بي ثقتان فيجب علي أن أرجع, سواء وقع في نفسي صدق قولهما, أم صدق فعلي, فيجب عليّ الرجوع, والذي يظهر -والله أعلم- أن الأفضل في حقه إذا سبح به ثقتان أن يرجع لقوليهما, ولكنه إذا كان يتيقن فعل نفسه فلا يلزم, ولا تبطل به صلاته؛ لأننا نقول: إنه أحياناً يسبح به, ولا يدري ما يقولان, فلا يدري أترك واجباً, أم ترك ركناً, أفعل واجباً, أفعل محرماً فعلى هذا فالقول ببطلان الصلاة إن لم يرجع يحتاج إلى دليل ظاهر, وإلى حكم ظاهر؛ ولهذا كان الذي يظهر -والله أعلم- أنه إن كان يغلب على ظنه صدق نفسه وسبح به ثقتان فلا يلزمه الرجوع, وإن كان الأفضل أن يرجع, وإن كان لم يتيقن بفعل نفسه وسبح به ثقتان فيجب عليه أن يرجع وإلا كان ذلك تعنتاً, والمرأة كالرجل, لأنه قد يصلي الرجل وزوجته خلفه.
قال المؤلف رحمه الله: [ فإن أصر على عدم الرجوع، ولم يجزم بصواب نفسه، بطلت صلاته؛ لأنه ترك الواجب عمداً ].
(ولم يجزم بصواب نفسه) يجب عليه أن يرجع؛ لأنه حينئذٍ يكون قد أكمل الصلاة على غلبة الزيادة؟ فعلى غلبة الزيادة, فلو سبح به ثقتان ولم يجزم بصواب نفسه فيجب عليه أن يرجع؛ لأنه ترك الواجب عمداً.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] | 2631 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] | 2589 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] | 2548 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] | 2545 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] | 2525 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [22] | 2453 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] | 2388 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [20] | 2375 استماع |
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] | 2359 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] | 2357 استماع |