الروض المربع - كتاب الصلاة [18]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

الصلاة في الثوب النجس

فقد قال المؤلف رحمه الله: [أو صلى في ثوب نجس أعاد].

وصلنا إلى هنا ولم نذكر مسألة حكم الصلاة في الثوب النجس؛ لأن العلماء يفرقون بين الصلاة بالثوب النجس وستر العورة، والصلاة في المكان النجس، أما الصلاة في الثوب النجس ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن الصلاة في الثوب النجس لا تصح؛ لأن طهارة الثوب من شروط الصلاة، وذهب مالك رحمه الله -وهو اختيار الشوكاني - إلى أن طهارة الثوب في الصلاة واجب وليس بشرط، قالوا: لأن الأدلة الصحيحة دلت على وجوب طهارة الثوب في الصلاة، ولم تأت أدلة تفيد أن من صلى في الثوب النجس لا تصح صلاته، بخلاف الطهارة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )، قالوا: فهذا دليل على شرطية الطهارة، لكنه لم يأت دليل يفيد عدم صحة الصلاة في الثوب النجس، بل جاء ما يفيد أن الصلاة صحيحة، كما روى أهل السنن من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه يوماً، فخلع نعليه، فخلع الصحابة نعالهم، فلما سلم قال: ما شأنكم خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما أذى، فإذا جاء أحدكم المسجد فلينظر في نعليه، فإن وجد فيهما أذى فليمررهما في التراب؛ فإن التراب لهما طهور )، فهذا يدل على أن الصلاة في الثوب النجس مثل الصلاة في النعلين النجسين، وهذا القول في الواقع قول قوي.

وعلى هذا فمن صلى بالثوب النجس جاهلاً أو ناسياً فإن صلاته صحيحة.

إعادة الصلاة لمن صلى بثوب نجس

قال المؤلف رحمه الله: [أو صلى في ثوب نجس أعاد، ولو لعدم غيره، لا من حبس في محل غصب أو نجس، ويركع ويسجد إن كانت النجاسة يابسة، ويومئ برطبة غاية ما يمكنه، ويجلس على قدميه، ويصلي عرياناً مع ثوب مغصوب لم يجد غيره، وفي حرير ونحوه؛ لعدم غيره، ولا يصح نفل آبق].

قول المؤلف: (أو صلى في ثوب نجس أعاد، ولو لعدم غيره)، يعني: أن من صلى في ثوب نجس أعاد، سواء كان جاهلاً أم ناسياً أم عالماً، وسواء وجد غيره أم لم يجد، فإن وجد غيره فإن الإعادة ظاهرة عند الحنابلة؛ لمخالفته الشرط، وأما إن كان لم يجد غيره قالوا: فإنه يصلي في الثوب النجس؛ لأن الصلاة في الثوب النجس آكد من الصلاة عرياناً، ويؤمر أيضاً بالإعادة إن وجد غيره؛ وعللوا ذلك قالوا: استدراكاً للخلل الحاصل بترك هذا الشرط، وهذه قاعدة عند الحنابلة: أن كل من أخل بشرط ولم يجد غيره فإنه يفعله، فإذا أمكن وجوده بعد ذلك أعاد.

والراجح -والله تبارك وتعالى أعلم- أننا إن قلنا: إنه يصلي في هذا الثوب النجس حيث لم يمكنه غيره فلا يؤمر بالإعادة؛ لأن الله إذا أمر عبداً بعبادة فلا يؤمر أن يعيدها مرةً أخرى؛ لما جاء عند أهل السنن من حديث ابن عمر : ( إن الله لم يأمرنا أن نصلي الصلاة مرتين )، وإذا فعل العبد ما أمر به فقد برئت ذمته.

حكم صلاة من حبس في مكان مغصوب أو نجس

وهناك فرق بين الصلاة في الثوب المغصوب، والصلاة في الثوب النجس، ومن حبس في مكان مغصوب، أو في مكان نجس، فالحنابلة قالوا: إن حبس في محل مغصوب، أو في مكان نجس صلى على حاله، ولا يؤمر بالإعادة بعد ذلك؛ لأن كونه محبوساً في المكان المغصوب لا يعد غاصباً، ألم نقل نحن: إن الذي يصلي في الثوب المغصوب، أو في المكان المغصوب وهو يعلم أنه مغصوب يكون كأنه غاصب؟ فكذلك يقال العكس: فإن حبس في مكان مغصوب من غير إرادته فلا يعد غاصباً، فصحت صلاته، وكذلك إن حبس في مكان نجس صحت صلاته، ولا إعادة عليه؛ لأنه لم يفعل محرماً؛ وهذا بناءً على مذهب الحنابلة وهو أنهم لا يفرقون بين النهي العائد على ماهية العبادة، أو على وصفها الذي لا ينفك عنها، وبين ما كان خارج العبادة، فإنهم يقولون: إن النهي يقتضي الفساد، والراجح أن صلاته في الثوب المغصوب متعمداً صحيحة ولكن مع الإثم، فإن حبس في مكان مغصوب فصلاته صحيحة من غير إثم؛ لأنه لم يكن منه إرادة، وقل مثل ذلك في النجس.

كيفية صلاة من حبس في مكان نجس

الحنابلة قالوا: إن حبس في مكان نجس فلا تخلو النجاسة من أن تكون يابسة أو أن تكون رطبة، فإن كانت يابسة فإنه يجب عليه أن يركع ويسجد، قالوا: لأن النجاسة حينئذٍ لا تنتقل انتقالاً كالرطبة، فيؤمر بالسجود؛ لأن السجود والركوع مقصود لذاته في الصلاة، ومجمع على فرضيته.

فإن كانت رطبة فإنه يومئ في السجود ما أمكنه قبل أن يصل إلى النجاسة؛ لئلا يسجد على مكان نجس رطب فيتأذى ويصيب البدن، فيجمع بين نجاسة البدن ونجاسة الأرض، هذا هو مذهب الحنابلة.

والرواية الأخرى عن الإمام أحمد ، وهي اختيار ابن قدامة رحمه الله: أنه لا يلزمه أن يسجد سواء كانت النجاسة رطبة أم يابسة؛ لئلا يباشر النجاسة، ولكنه يومئ إيماءً؛ لأنه فعل بعض الواجب؛ فإن إيماءه هنا بمثابة من عجز عن القيام فصلى قاعداً، فإيماؤه هنا بمثابة البدل عن السجود.

والراجح أنه إن حبس في مكان نجس صحت صلاته ويومئ في سجوده، أما الركوع فيركع؛ لأنه لا إشكال فيه، لكن في سجوده يومئ؛ لئلا يباشر النجاسة؛ ولأن إيماءه هنا بمثابة البدل عن السجود، فيكون كأنه سجد.

إذاً المحبوس في مكان نجس عند الحنابلة عليه أن يسجد على المكان النجس إذا كانت النجاسة يابسة، لكن الراجح أنه لا يسجد؛ لأنه لو سجد باشر النجاسة، سواء كانت يابسة أو رطبة، وإيماؤه هنا بمثابة البدل عن السجود، فهو كأنه سجد، فكما أن من عجز عن القيام جلس، فيكون الجلوس بمثابة البدل عن القيام، فيكون كأنه قام، فيقال هنا: إن إيماءه بمثابة البدل عن السجود فيكون كأنه سجد.

قال المؤلف رحمه الله: (ويجلس على قدميه)، يعني: لا يضع بدنه وإليته على الأرض تقليلاً من مباشرة النجاسة، ولكنه يجلس جلوس المتحفز الذي يجلس على رجليه فقط، ولا يلصق بإليته الأرض، بل يضع رجليه على الأرض، ثم يضع عضلة الفخذ بعضلة الساق، ولا يجلس على إليته، فهذا يسمى جلوساً، ولكنه ليس جلوساً كاملاً؛ والغرض منه ألا يباشر النجاسة، وهذا القول قوي. والله أعلم.

صلاة العريان بالثوب المغصوب إذا لم يجد غيره

قال المؤلف رحمه الله: (ويصلي عرياناً مع ثوب مغصوب لم يجد غيره)، يعني: إذا لم يكن عنده إلا ثوب واحد، ولكنه مغصوب، فإن الحنابلة يقولون: يصلي عرياناً، ويعيد إن وجد، ولا يصلي في هذا الثوب المغصوب.

والراجح صحة الصلاة في الثوب المغصوب، وإذا لم يجد غيره فهذا مما يبذل ولو من غير إذن؛ لأن العارية إن احتاج إليها المسلم وجب على غيره بذله له؛ لقوله تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7] ، وهو كل مالٍ يحتاجه الإنسان أن يعيره إلى صاحبه إن احتاج إليه.

إذاً على مذهب الحنابلة الصلاة في الثوب المغصوب لا تصح، لكن الذي يظهر والله أعلم صحة الصلاة.

وأما أمره بالإعادة بعد ذلك فليس له وجه؛ لأنكم أمرتموه بأن يصلي عرياناً، فإذا صلى بما أمر العبد به فلا يؤمر أن يعيدها مرةً ثانية، والله أعلم.

وهنا فائدة أن الحنابلة فرقوا بين الصلاة في الثوب المغصوب والصلاة في الثوب الحرير، فقالوا: وأما الصلاة في الثوب الحرير فإن لم يجد غيره صلى في الثوب الحرير، ولا إعادة عليه، وعللوا ذلك قالوا: لأن الثوب الحرير يجوز لبسه للحاجة، فيكون مأذوناً له في بعض الأحوال، فإذا جاز لبسه في بعض الأحوال فهذا منها، فالحرير أذن الشارع بلبسه في حق الرجال لمن به حكة، بخلاف المغصوب فلم يأذن الشارع به؛ لأنه ملك غيره، والله أعلم.

فقد قال المؤلف رحمه الله: [أو صلى في ثوب نجس أعاد].

وصلنا إلى هنا ولم نذكر مسألة حكم الصلاة في الثوب النجس؛ لأن العلماء يفرقون بين الصلاة بالثوب النجس وستر العورة، والصلاة في المكان النجس، أما الصلاة في الثوب النجس ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن الصلاة في الثوب النجس لا تصح؛ لأن طهارة الثوب من شروط الصلاة، وذهب مالك رحمه الله -وهو اختيار الشوكاني - إلى أن طهارة الثوب في الصلاة واجب وليس بشرط، قالوا: لأن الأدلة الصحيحة دلت على وجوب طهارة الثوب في الصلاة، ولم تأت أدلة تفيد أن من صلى في الثوب النجس لا تصح صلاته، بخلاف الطهارة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )، قالوا: فهذا دليل على شرطية الطهارة، لكنه لم يأت دليل يفيد عدم صحة الصلاة في الثوب النجس، بل جاء ما يفيد أن الصلاة صحيحة، كما روى أهل السنن من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه يوماً، فخلع نعليه، فخلع الصحابة نعالهم، فلما سلم قال: ما شأنكم خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما أذى، فإذا جاء أحدكم المسجد فلينظر في نعليه، فإن وجد فيهما أذى فليمررهما في التراب؛ فإن التراب لهما طهور )، فهذا يدل على أن الصلاة في الثوب النجس مثل الصلاة في النعلين النجسين، وهذا القول في الواقع قول قوي.

وعلى هذا فمن صلى بالثوب النجس جاهلاً أو ناسياً فإن صلاته صحيحة.

قال المؤلف رحمه الله: [أو صلى في ثوب نجس أعاد، ولو لعدم غيره، لا من حبس في محل غصب أو نجس، ويركع ويسجد إن كانت النجاسة يابسة، ويومئ برطبة غاية ما يمكنه، ويجلس على قدميه، ويصلي عرياناً مع ثوب مغصوب لم يجد غيره، وفي حرير ونحوه؛ لعدم غيره، ولا يصح نفل آبق].

قول المؤلف: (أو صلى في ثوب نجس أعاد، ولو لعدم غيره)، يعني: أن من صلى في ثوب نجس أعاد، سواء كان جاهلاً أم ناسياً أم عالماً، وسواء وجد غيره أم لم يجد، فإن وجد غيره فإن الإعادة ظاهرة عند الحنابلة؛ لمخالفته الشرط، وأما إن كان لم يجد غيره قالوا: فإنه يصلي في الثوب النجس؛ لأن الصلاة في الثوب النجس آكد من الصلاة عرياناً، ويؤمر أيضاً بالإعادة إن وجد غيره؛ وعللوا ذلك قالوا: استدراكاً للخلل الحاصل بترك هذا الشرط، وهذه قاعدة عند الحنابلة: أن كل من أخل بشرط ولم يجد غيره فإنه يفعله، فإذا أمكن وجوده بعد ذلك أعاد.

والراجح -والله تبارك وتعالى أعلم- أننا إن قلنا: إنه يصلي في هذا الثوب النجس حيث لم يمكنه غيره فلا يؤمر بالإعادة؛ لأن الله إذا أمر عبداً بعبادة فلا يؤمر أن يعيدها مرةً أخرى؛ لما جاء عند أهل السنن من حديث ابن عمر : ( إن الله لم يأمرنا أن نصلي الصلاة مرتين )، وإذا فعل العبد ما أمر به فقد برئت ذمته.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] 2626 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] 2583 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] 2542 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] 2541 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] 2516 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [22] 2448 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] 2382 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [20] 2370 استماع
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] 2351 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] 2349 استماع