خطب ومحاضرات
الروض المربع - كتاب الصلاة [2]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويقضي من شرب محرماً حتى زمن جنون طرأ متصلاً به تغليظاً عليه، ولا تصح الصلاة من مجنون وغير مميز لأنه لا يعقل النية، ولا تصح من كافر لعدم صحة النية منه، ولا تجب عليه، بمعنى أنه لا يجب عليه القضاء إذا أسلم، ويعاقب عليها وعلى سائر فروع الإسلام ].
من زال عقله بنوم أو إغماء
وأما الإغماء فذكرنا أن الراجح في المغمى عليه أنه لا يلزمه أن يصلي الصلاة التي خرج وقتها إلا إذا كانت مما يُجمع معها لعذر، فإن كان قد أُغمي عليه قبل الظهر ثم أفاق بعد العصر فإن أكثر أهل العلم يقولون في وقت الأعذار في حق المسلم: إنه يجمع بين الظهر والعصر، أما لو لم يفق إلا بعد الغروب فلا يلزمه أن يصلي الظهر ولا العصر.
وقلنا: إن هذا هو مذهب مالك و الشافعي فقد روى مالك في موطئه عن نافع عن ابن عمر : أنه أُغمي عليه يوماً وليلة ثم أفاق ولم يقضِ، وفي رواية عند البيهقي : أُغمي عليه ثلاثاً، كما في رواية أيوب عن نافع . وهذا يدل على عدم القضاء؛ لأنه يكون حكمه كحكم المجنون.
وأما حديث عمار فقد ذكرنا أن في سنده إسماعيل السُدي ، ثم إن أكثر الروايات عن عمار : أنه أُغمي عليه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم أفاق نصف الليل، وليس فيه أنه أغمي عليه ثلاثاً، بل المعروف والمحفوظ من أقوال الصحابة أن ابن عمر هو الذي أُغمي عليه ثلاثاً فلم يقضِ.
من زال عقله بسكر متعمداً
وهذه قاعدة طرد عليها أبو العباس ابن تيمية ، فمن أفطر في نهار رمضان متعمداً من غير عذر فإنه لا ينفعه أن يقضيه في يوم آخر.
ومن ترك الصلاة متعمداً بسُكر أو نوم قاصداً خروج الوقت كالذي يوقت منبه ساعته على الساعة الثامنة وهو ناو ألا يقوم للفجر, فإن أبا العباس بن تيمية يقول: يتوب إلى الله ويستغفر ولكن لا يصح منه القضاء؛ لأنهم قالوا: إن من خالف المأمور متعمداً ليس له قضاء إلا التوبة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنهم أمروا بالقضاء.
والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم هو قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين وهو أن عليه القضاء؛ وذلك لأمور:
الأمر الأول: أنه صح عن أبي هريرة و ابن عمر رضي الله عنهما: ( أن من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء عمداً فليقض )، ومن المعلوم أن من استقاء عمداً: سواء كان عمداً لعذر، أو عمداً لغير عذر قد أمر بالقضاء، فدل ذلك على أنه أخل في وقت هذه العبادة ومع ذلك أُمر بالقضاء.
وقد نقل الخطابي إجماع أهل العلم على هذا الحكم.
وقلت: صح عن أبي هريرة ؛ لأنه لا يصح مرفوعاً: ( من ذرعه القيء ) فالصواب أنه موقوف، وقد أخطأ فيه هشام بن حسان أو عيسى بن يونس على خلاف عند أهل العلم, وقد ضعفه مرفوعاً أحمد و أبو داود وغيرهما.
الأمر الثاني: نقول: إن الله أمرنا بالعبادة وأمرنا أن نفعلها في وقت, فالأمر حقيقته أمران: أداء العبادة، وأداؤها في وقتها، فإذا أخطأ المسلم أحد الواجبين وهو أداؤها بوقت، فلا يخطئ الواجب الآخر وهو أداؤها مطلقاً.
الأمر الثالث: أن القول: إن القضاء يلزم منه أمر جديد لم يكن معروفاً عند السلف كالصحابة وغيرهم، بل المعروف أن القضاء يحكي الأداء من حيث الأمر به، وهذا هو الراجح، ولسنا بحاجة إلى أن نضعف حديث أبي هريرة : (من أفطر في نهار رمضان متعمداً لم يقضه ولو صام الدهر كله )، كما رواه البيهقي وغيره وهو حديث ضعيف.
وعلى هذا فإن من شرب المسكر متعمداً صار حكمه كحكم من ترك العبادة متعمداً، ومن ترك العبادة متعمداً حتى خرج وقتها فإنه يلزمه التوبة والقضاء.
ولعل من أدلة ذلك أيضاً: أن الله أمر في الحج بإجماع أهل العلم خلافاً لـابن حزم أن من أفسد حجه متعمداً يجب عليه المضي فيه، ويجب عليه القضاء، أما المضي فيه فهو مستثنى في الحج؛ لأن الأصل أن الفاسد لا يجوز الاستمرار فيه إلا في الحج، لكن أن يؤمر بأداء العبادة مرة ثانية دليل على الأصل عند السلف, وهو أن القضاء يحكي الأداء.
من زال عقله بسكر مكرهاً أو مخطئاً
وعلى هذا فالذين يصابون بالحوادث ويُغمى عليهم وتجرى عليهم عمليات جراحية فإنه لا يلزمهم قضاء الصلوات إلا الصلاة التي أفاقوا في وقتها.
دليل ذلك: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، يقول ابن تيمية : هذا دليل على أن من ترك الصلاة من غير تعمد يقضي, وأما المتعمد فلا، من باب مفهوم المخالفة.
لكننا نقول: إن هذا الحديث إنما ذُكر لبيان أنه لا يأثم بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا كفارة لها إلا ذلك ).
من زال عقله بجنون أثناء سكره
والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم أنه لا يلزمه القضاء؛ لأن الجنون مانع وضعي وليس حُكماً تكليفياً، كما لو أن امرأة شربت دواء لنزول الحيض متعمدة فإنها تقضي، ولا قائل بذلك.
ولأن قولكم: (تغليظ) يُفهم منه أن ذلك عقوبة, ومن المعلوم أن العقوبات مقدرة, والتعزيرات مقدرة، ولم يُحفظ عن السلف أنهم عزروا في العبادة إلا في الزكاة، ( إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا ).
وبالمناسبة الآن هناك بحوث يقول أصحابها: هل للقاضي إذا أراد أن يعاقب الإنسان بدلاً من أن يعاقبه بالسجن أو بالجلد يأمره بأن ينظف المساجد التي على طريق مكة والرياض؛ فإنها أنفع للأمة وأصلح له؟ وإذا أرادوا أن يعاقب الشباب الذين يبقون في الشوارع يعاقبهم بتنظيف بعض المساجد الكبيرة، أو بأن يصوموا شهراً.
وهذه المسألة ربما تكون من ضمن أدلة من يرى ذلك؛ لأنهم قالوا: تغليظاً عليه حيث أنه سكر وجن وأفاق فعاقبوه بزيادة العبادة عليه، ولكن الراجح عدم ذلك.
ذكرنا أنه تجب الصلاة على من زال عقله بنوم، وقلنا: إن عبارة المؤلف في قوله: (زال عقله بنوم) فيها نوع تجوز؛ لأن النوم لا يزول به عقل الإنسان وإن كان يذهب إحساسه، وذكرنا إجماع أهل العلم على هذا.
وأما الإغماء فذكرنا أن الراجح في المغمى عليه أنه لا يلزمه أن يصلي الصلاة التي خرج وقتها إلا إذا كانت مما يُجمع معها لعذر، فإن كان قد أُغمي عليه قبل الظهر ثم أفاق بعد العصر فإن أكثر أهل العلم يقولون في وقت الأعذار في حق المسلم: إنه يجمع بين الظهر والعصر، أما لو لم يفق إلا بعد الغروب فلا يلزمه أن يصلي الظهر ولا العصر.
وقلنا: إن هذا هو مذهب مالك و الشافعي فقد روى مالك في موطئه عن نافع عن ابن عمر : أنه أُغمي عليه يوماً وليلة ثم أفاق ولم يقضِ، وفي رواية عند البيهقي : أُغمي عليه ثلاثاً، كما في رواية أيوب عن نافع . وهذا يدل على عدم القضاء؛ لأنه يكون حكمه كحكم المجنون.
وأما حديث عمار فقد ذكرنا أن في سنده إسماعيل السُدي ، ثم إن أكثر الروايات عن عمار : أنه أُغمي عليه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم أفاق نصف الليل، وليس فيه أنه أغمي عليه ثلاثاً، بل المعروف والمحفوظ من أقوال الصحابة أن ابن عمر هو الذي أُغمي عليه ثلاثاً فلم يقضِ.
وإن زال عقله بسُكر فقد نقل ابن المنذر الإجماع على أن من زال عقله بسُكر إن كان متعمداً للشرب فإنه يقضي، ولا شك أن الراجح إن شاء الله أن من زال عقله بسكر متعمداً حتى خرج الوقت أنه يلزمه القضاء، ولكن ليس ذلك محل إجماع, فقد خالف الحسن البصري و أبو العباس بن تيمية رحمهما الله حيث إنهما يريان أن العبد إذا لم يفعل العبادة في وقتها المحدد شرعاً حتى خرج وقتها فإنها لا تصح منه قضاءً.
وهذه قاعدة طرد عليها أبو العباس ابن تيمية ، فمن أفطر في نهار رمضان متعمداً من غير عذر فإنه لا ينفعه أن يقضيه في يوم آخر.
ومن ترك الصلاة متعمداً بسُكر أو نوم قاصداً خروج الوقت كالذي يوقت منبه ساعته على الساعة الثامنة وهو ناو ألا يقوم للفجر, فإن أبا العباس بن تيمية يقول: يتوب إلى الله ويستغفر ولكن لا يصح منه القضاء؛ لأنهم قالوا: إن من خالف المأمور متعمداً ليس له قضاء إلا التوبة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنهم أمروا بالقضاء.
والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم هو قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين وهو أن عليه القضاء؛ وذلك لأمور:
الأمر الأول: أنه صح عن أبي هريرة و ابن عمر رضي الله عنهما: ( أن من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء عمداً فليقض )، ومن المعلوم أن من استقاء عمداً: سواء كان عمداً لعذر، أو عمداً لغير عذر قد أمر بالقضاء، فدل ذلك على أنه أخل في وقت هذه العبادة ومع ذلك أُمر بالقضاء.
وقد نقل الخطابي إجماع أهل العلم على هذا الحكم.
وقلت: صح عن أبي هريرة ؛ لأنه لا يصح مرفوعاً: ( من ذرعه القيء ) فالصواب أنه موقوف، وقد أخطأ فيه هشام بن حسان أو عيسى بن يونس على خلاف عند أهل العلم, وقد ضعفه مرفوعاً أحمد و أبو داود وغيرهما.
الأمر الثاني: نقول: إن الله أمرنا بالعبادة وأمرنا أن نفعلها في وقت, فالأمر حقيقته أمران: أداء العبادة، وأداؤها في وقتها، فإذا أخطأ المسلم أحد الواجبين وهو أداؤها بوقت، فلا يخطئ الواجب الآخر وهو أداؤها مطلقاً.
الأمر الثالث: أن القول: إن القضاء يلزم منه أمر جديد لم يكن معروفاً عند السلف كالصحابة وغيرهم، بل المعروف أن القضاء يحكي الأداء من حيث الأمر به، وهذا هو الراجح، ولسنا بحاجة إلى أن نضعف حديث أبي هريرة : (من أفطر في نهار رمضان متعمداً لم يقضه ولو صام الدهر كله )، كما رواه البيهقي وغيره وهو حديث ضعيف.
وعلى هذا فإن من شرب المسكر متعمداً صار حكمه كحكم من ترك العبادة متعمداً، ومن ترك العبادة متعمداً حتى خرج وقتها فإنه يلزمه التوبة والقضاء.
ولعل من أدلة ذلك أيضاً: أن الله أمر في الحج بإجماع أهل العلم خلافاً لـابن حزم أن من أفسد حجه متعمداً يجب عليه المضي فيه، ويجب عليه القضاء، أما المضي فيه فهو مستثنى في الحج؛ لأن الأصل أن الفاسد لا يجوز الاستمرار فيه إلا في الحج، لكن أن يؤمر بأداء العبادة مرة ثانية دليل على الأصل عند السلف, وهو أن القضاء يحكي الأداء.
أما إن شرب المسكر كُرهاً كالذي أُكره على ذلك، أو شربه وهو يظن أنه غير مُسكر أو نحوه كمن شرب دواءً، أو أجرى عملية جراحية فأُغمي عليه وقت أو وقتان فحينئذ نقول: هذا في حُكم المُغمى عليه، والمُغمى عليه الراجح أنه لا يقضي إلا إن أفاق في وقت أحد الصلاتين التي يُجمع بينهما له، كمن أفاق في العصر فإنه يصلي الظهر والعصر، وكما لو أفاق قبل منتصف الليل فإنه يصلي المغرب والعشاء، كما هو رأي أكثر الصحابة، وأكثر الأئمة الأربعة وغيرهم.
وعلى هذا فالذين يصابون بالحوادث ويُغمى عليهم وتجرى عليهم عمليات جراحية فإنه لا يلزمهم قضاء الصلوات إلا الصلاة التي أفاقوا في وقتها.
دليل ذلك: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، يقول ابن تيمية : هذا دليل على أن من ترك الصلاة من غير تعمد يقضي, وأما المتعمد فلا، من باب مفهوم المخالفة.
لكننا نقول: إن هذا الحديث إنما ذُكر لبيان أنه لا يأثم بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا كفارة لها إلا ذلك ).
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] | 2629 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] | 2587 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] | 2546 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] | 2543 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] | 2522 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [22] | 2451 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] | 2386 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [20] | 2373 استماع |
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] | 2357 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] | 2355 استماع |