الروض المربع - كتاب الطهارة [21]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

اللهم علمنا ما ينفعنا! وانفعنا بما علمتنا! وزدنا علماً وعملاً يا كريم!

قال المؤلف رحمه الله: [ ومن غسل ميتاً مسلماً أو كافراً سن له الغسل؛ لأمر أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بذلك، رواه أحمد وغيره. أو أفاق من جنون أو إغماء بلا حلم -أي: إنزال- سن له الغسل؛ لأن ( النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الإغماء ) متفق عليه، والجنون في معناه بل أولى، وتأتي بقية الأغسال المستحبة في أبواب ما تستحب له ].

الاغتسال من غسل الميت

يقول المؤلف: (ومن غسل ميتاً سواء كان هذا الميت مسلماً أو كافراً سن له الغسل؛ لأمر أبي هريرة رضي الله عنه بذلك)، والحديث كما مر معنا يرويه ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، روي مرفوعاً وموقوفاً: ( من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ )، وقلنا: إن الحديث ضعيف؛ ضعفه الإمام أحمد و ابن المديني وقال: لا يصح في الباب شيء، وقال الزهري : لا يصح هذا الحديث، ولو ثبت للزمنا استعماله؛ ولكن بعض العلماء يرى أن الحديث موقوف على أبي هريرة ، والذي يظهر -والله تبارك وتعالى أعلم- أن أصح شيء في الباب هو ما رواه الدارقطني و الخطيب البغدادي في تاريخه، من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال: ( كنا نغسل الميت، فمنا من يغتسل، ومنا من لا يغتسل )، وهذا دليل على استحسان فعله فإذا فعل بعض الصحابة شيئاً من العبادات وخالف بعضهم قلنا: إن فعل فحسن، وأما أن يثبت بذلك سنة فلا؛ لأن السنة من قول النبي صلى الله عليه وسلم وتقريراته.

الاغتسال بعد الإفاقة من جنون أو إغماء

قال المؤلف رحمه الله: (أو أفاق من جنون أو إغماء بلا حلم، أي: بلا إنزال)، يعني: بلا احتلام؛ لأنه لو احتلم وجب عليه الغسل قولاً واحداً؛ لكنه لو أغمي عليه فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عائشة في مرض موته أغمي عليه، ثم أفاق، فقال: ( أصلى الناس؟ قلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله! قال: ضعوا لي ماء في المخضب، قالت عائشة : ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله! قال: ضعوا لي ماءً في المخضب ففعلنا، ثم اغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه )، الحديث، أغمي عليه ثلاث مرات، واغتسل أربع مرات.

على كل حال: يسن للمغمى عليه أن يغتسل؛ لحديث عائشة كما في الحديث المتفق عليه، والمجنون مثل المغمى عليه، فإذا ثبت أن المغمى عليه يغتسل، فالمجنون من باب أولى؛ لأن الجنون ذهاب لإدراك العقل بالكلية، بخلاف الإغماء، فهو حالة وسط بين الجنون وبين النوم.

الأغسال المستحبة عموماً

قال المؤلف رحمه الله: (وتأتي بقية الأغسال المستحبة في أبواب ما تستحب له).

سوف يذكر المؤلف بقيتها في أبواب ما يستحب له الاغتسال، وقد أوصلها بعض الحنابلة إلى ستة عشر غسلاً، وبعضها محل واستدراك، وقد أشار أبو العباس بن تيمية إلى أن بعضها لم يثبت، والأقرب -والله أعلم- أن بعضها لم يثبت، لا عن الصحابة بسند صحيح، ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها ثبت عن الصحابة، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، كغسل يوم عرفة فإنه ثبت عن علي و ابن عمر ، وغسل يوم العيدين ثبت عن علي رضي الله عنه بقوله: من السنة، كما سوف يأتي بيانه.

حكم التيمم عن الغسل المستحب

قال المؤلف رحمه الله: [ ويتيمم للكل ].

يعني: يتيمم لجميع الأغسال المستحبة، وهذا محل نظر، فإننا نقول: إن الأغسال تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أغسال مقصود بها رفع الحدث، فهذا يتيمم له؛ لأن التيمم بدل عن الماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة و أبي ذر : ( الصعيد الطيب طهور المؤمن، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجده، فليتق الله وليمسه بشرته ).

القسم الثاني: الأغسال المقصود بها التنظف، فهذا ذهب بعض الحنابلة كـأبي يعلى إلى استحباب التيمم، وذهب ابن قدامة إلى خلاف ذلك، ورأى أن التيمم ربما يزيد الشعث والغبرة في الوجه، والمقصود من الاغتسال هو النظرة والتجمل، والتيمم يمنعه، وعلى هذا فغسل يوم عرفة، وغسل يوم العيدين مقصود بهما التنظف، فلا يستحب فيه التيمم، والله تبارك وتعالى أعلم.

يقول المؤلف: [ ولما يسن له الوضوء لعذر ].

كقراءة القرآن، والأذان، أو الغضب، فهذا لا بأس؛ لأن المقصود من ذلك رفع الحدث، أو طرد الشيطان، ومن المعلوم أن الإنسان إذا توضأ فإن الشيطان يفر من المسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم، كما عند أبي داود وغيره من حديث ابن عمر : ( إني كرهت أن أذكر الله وأنا على غير طهر ).

يقول المؤلف: (ومن غسل ميتاً سواء كان هذا الميت مسلماً أو كافراً سن له الغسل؛ لأمر أبي هريرة رضي الله عنه بذلك)، والحديث كما مر معنا يرويه ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، روي مرفوعاً وموقوفاً: ( من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ )، وقلنا: إن الحديث ضعيف؛ ضعفه الإمام أحمد و ابن المديني وقال: لا يصح في الباب شيء، وقال الزهري : لا يصح هذا الحديث، ولو ثبت للزمنا استعماله؛ ولكن بعض العلماء يرى أن الحديث موقوف على أبي هريرة ، والذي يظهر -والله تبارك وتعالى أعلم- أن أصح شيء في الباب هو ما رواه الدارقطني و الخطيب البغدادي في تاريخه، من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال: ( كنا نغسل الميت، فمنا من يغتسل، ومنا من لا يغتسل )، وهذا دليل على استحسان فعله فإذا فعل بعض الصحابة شيئاً من العبادات وخالف بعضهم قلنا: إن فعل فحسن، وأما أن يثبت بذلك سنة فلا؛ لأن السنة من قول النبي صلى الله عليه وسلم وتقريراته.