خطب ومحاضرات
التسهيل في الفقه - كتاب الطهارة [4]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم.
وبعد:
قال المؤلف رحمه الله: [ باب الغسل.
وموجبه: خروج مني بلذة وتدفق، ودخول حشفة أو قدرها فرجاً أصلياً، وموت، وحيض، ونفاس، وإسلام ].
قول المؤلف: (باب الغُسل)، وهو بضم الغين، اسم مصدر بمعنى الاغتسال، والمقصود به: تعميم البدن بالماء، ويطلق بالفتح والضم فتقول: الغُسل، وتقول: الغَسل، إلا أن الفتح أشهر عند علماء اللغة، والضم أكثر استعمالاً عند الفقهاء.
والغسل في الشرع التعبد لله في تعميم سائر البدن على صفة مخصوصة.
وقولنا: في الشرع يعني: ما يقصد به التعبد، وإلا فإن تعميم سائر البدن بقصد التبرد لا يلزم منه نية.
قول المؤلف رحمه الله: (موجبه)، يعني: الذي يوجب الاغتسال أمور:
الموجب الأول: خروج مني بلذة وتدفق
فإن من موجبات الوضوء عند الحنابلة: خروج النجس الفاحش من غير السبيلين، وقال الأئمة الثلاثة أبو حنيفة و مالك و الشافعي : إن خروج النجس من غير السبيلين لا يوجب الوضوء.
فعلى مذهب الحنابلة الذين يقولون: إن خروج النجس من غير السبيلين يوجب الوضوء، يقولون: في هذه الصورة: ليس عليه شيء؛ لأنهم يرون أن هذا خرج من غير السبيلين لكنه طاهر، وبالتالي لا يجب عليه شيء، وعلى مذهب مالك و أبي حنيفة أن المني نجس، فإنهم يرون أن خروج النجس من غير السبيلين لا يوجب شيئاً، فعلى القولين ليس فيه شيء.
قول المؤلف: (خروج المني بلذة وتدفق)، هذا أمر مجمع عليه، إلا أن بعض الفقهاء قال: إن قولهم (بلذة) لا معنى له؛ لأنه لا يكون التدفق إلا بلذة، وهذا في حال اليقظة، فخروج المني بتدفق إنما كان ذلك في حال اليقظة، ويجب فيه الغسل بإجماع الفقهاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الماء من الماء ) يعني: إنما ماء الاغتسال من ماء المني، أما في حال النوم فإن هذا مستثنى، فمجرد خروجه ولو لم يكن بتدفق فإنه يجب الاغتسال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الماء من الماء )، ولما جاء في الصحيحين من حديث أم سليم أنها قالت: ( يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم، إذا هي رأت الماء ).
الموجب الثاني: دخول حشفة أو قدرها فرجاً أصلياً
إذاً تغييب الحشفة الأصلية؛ ليخرج بذلك حشفة الخنثى الذي له آلتان آلة ذكر وآلة أنثى، ولم يعلم أهو ذكر أم أنثى؟ فإذا غيب حشفة في فرج أصلي فيجب الغسل.
قول المؤلف: (قدرها) يعني: المجبوب المقطوع الذكر إذا غيب بعض ذكره فإن ذلك يوجب عليه الاغتسال، وعلى هذا فإن قوله: (فرجاً أصلياً) في الذكر، وفي فرج المرأة.
ثم قال المؤلف: وهو أمر مجمع عليه، ودليله ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة ( إذا جلس بين شعبها الأربع فقد وجب الغسل )، ومعنى (شعبها الأربع) فيه خلاف عند أهل العلم، والأقرب أنه إذا جلس بين يديها ورجليها، وفي حديث عائشة : ( إذا التقى الختان )، أو ( إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل )، والحديث في الصحيح.
الموجب الثالث: الموت
يعني: أن الموت يوجب الاغتسال، لكن لما كان الميت غير مخاطب صار المكلفون الأحياء مخاطبين، وهذا موجب ثالث.
فإذا مات الإنسان وجب على المسلمين الذين أدركوا وفاته أن يغسلوه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في قصة بنته أم كلثوم كما في حديث أم عطية : ( اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إذا رأيتن ذلك )، وقال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث ابن عباس في قصة الرجل الذي وقصته ناقته: ( اغسلوه بماء وسدر )، وظاهر هذا أنه لا فرق بين أن يكون الميت صغيراً أو كبيراً، بشرط أن يكون قد نفخ فيه الروح؛ لأن ما لم ينفخ فيه الروح لا يصدق عليه أن يقال عنه: إنه مات، فلو أنه خرج من بطن أمه وله يد أو يدان ورجلان لكن ليس له عين، وهو ما لم يتم له مائة وعشرون يوماً، فإنا نجزم أنه لم ينفخ فيه الروح؛ لأن نفخ الروح إنما يكون فيمن كان له مائة وعشرون يوماً، وهو ما له أربعة أشهر، وقد نقل النووي الإجماع على ذلك، لما في الصحيحين من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يؤمر فينفخ فيه الروح ... )، الحديث، وأما إذا لم ينفخ فيه الروح، فإنه ليس بإنسان، وإن كان شبيهاً بالإنسان، ولأنه لا يصدق عليه أنه مات لأنه لم ينفخ فيه الروح، وعلى هذا فإذا أسقطت المرأة جنينها وفيه بعض الأعضاء، وهو ما له أقل من أربعة أشهر فإنه يؤخذ ويدفن في الصحراء، ولا يعق عنه ولا يسمى، ولا يصلى عليه، ولا يغسل.
وأما حال المرأة هل تكون نفاساً أم لا؟
فالجواب: تكون نفاساً؛ لأنه إذا تخلق الجنين، ولو لم ينفخ فيه الروح فإنها تكون نفساء، والله أعلم.
الموجب الرابع: الحيض أو النفاس
الحيض والنفاس حكمهما واحد من حيث وجوب الغسل، وعدم الصلاة، وعدم الصوم.
ودليل الاغتسال ما جاء في الصحيحين من حديث فاطمة بنت حبيش أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي )، وهذا يدل على أنها مأمورة بالاغتسال، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم كذلك أم حبيبة وأمر حمنة بنت جحش وغيرهن كما عند الترمذي .
وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم كـابن المنذر و النووي و ابن جرير وغيرهم على أن المرأة النفساء إذا طهرت من نفاسها يجب عليها أن تغتسل.
الموجب الخامس: الإسلام
يعني: أن الكافر الأصلي، أو المرتد الذي أسلم يجب عليهما الاغتسال للإسلام، هذا هو مذهب الحنابلة والمالكية واختاره ابن المنذر كما في الأوسط.
واستدلوا على ذلك بأن ثمامة بن أثال أسلم، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل، وهذا الأمر بالاغتسال إنما رواه عبد الرزاق ، وإلا فقد رواه البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة ، وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك، والأقرب أن رواية عبد الرزاق في أمر النبي صلى الله عليه وسلم لـثمامة بن أثال فيها نظر.
نكتفي بهذا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
التسهيل في الفقه - كتاب الطهارة [1] | 1863 استماع |
التسهيل في الفقه - كتاب الطهارة [2] | 1366 استماع |
التسهيل في الفقه - كتاب الطهارة [3] | 1289 استماع |