التسهيل في الفقه - كتاب الطهارة [2]


الحلقة مفرغة

كيفية غسل وتطهير عين النجاسة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وأعنا على اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

قال المؤلف رحمه الله: [وتغسل كل نجاسة سبعاً إحداهن بالتراب] فإذا وقعت نجاسة على مكان فإنه يجب غسلها سبع مرات، ولو تنقى المكان في غسلة أو غسلتين، فلو افترضنا أن نجاسة وقعت في ثوب فلا بد -لأجل أن يكون الثوب طاهراً- أن يغسل الثوب أو البقعة التي وقعت فيها النجاسة سبع مرات، فلو غسلنا الغسلة الأولى ثم الثانية فزالت النجاسة، فإن الحنابلة يقولون: ما زالت النجاسة الحكمية باقية حكماً ولو زالت عيناً؛ فيجب أن يزيد ثالثة ورابعة وخامسة وسادسة وفي السابعة يصير المغسول طاهراً، والغسالة التي بعدها طاهرة، هذه السبع غسلات إحداهن بالتراب.

ما دليلهم على هذا؟ قالوا: قياساً على نجاسة الكلب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب )، وفي حديث عبد الله بن المغفل : ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعاً وعفروه الثامنة بالتراب )، وقد جاء عند الترمذي من حديث أبي هريرة في زيادة: ( إحداهن بالتراب )، وهذه الرواية منكرة تفرد بها رجل يقال له: علي بن المسهر وأخطأ في ذلك، والصحيح: أن الرواية المشهورة الصحيحة الثابتة هي رواية: ( أولاهن بالتراب ) من حديث أبي هريرة ، وأما الرواية في حديث عبد الله بن المغفل : ( وعفروه الثامنة بالتراب )، فإن الجمع بينهما أن نقول: إن قوله: ( وعفروه الثامنة بالتراب ) هو أنه جعل الغسلات جزءاً، والتراب جزءاً، ولم يعين الأولى أو الثانية، بل إنه نظر إلى مجموع عدد الغسلات الثمان ولم يعين أيهما أولاً، أما في رواية: ( أولاهن )، فإنها ابتدأت بالتراب، وهذا هو الأظهر، فيغسله بالتراب، يعني: في نجاسة ولوغ الكلب، ثم بعد غسله بالتراب يفيض عليه سبع غسلات بالماء؛ ليكون الإناء بعد ذلك طاهراً ونظيفاً.

أما رواية: ( إحداهن ) فهي وإن كانت لم تخالف من حيث المخالفة المعنوية، لكنها رواية غير مشهورة، هذا في غسل الكلب.

وأما القياس على غسل الكلب في سائر النجاسات فقد مر أن قياس الخنزير على الكلب محل نظر؛ لأن ذلك من باب الأمر الذي قد علم علته، وهي أن للكلب في ولوغه أضرار ثبتت بخلاف سائر النجاسات، أما بعضهم فيقول: إن تخصيص ذلك بالكلب أمر تعبدي، والقاعدة: أن التعبد لا يقاس عليه، ولكن الواقع أنه ليس ثمة تعبد في هذا، ولكنها حكمة مقصودة لأجل تيقن إزالة الخبث الذي في ولوغ الكلب.

والقاعدة الفقهية: أن المظنة تقام مقام الحقيقة حين عدم العلم بها، فأنت إذا ولغ الكلب في الإناء لا تدري: هل يزال بأربع أو بست أو بسبع أو بواحدة؟ فهذه المظنة وهي من شدة ضرر ولوغ الكلب أقامت السبع مقام اليقين في الإزالة، وصارت المظنة في هذا الأمر تقام مقام الحقيقة، فنجاسة ولوغ الكلب باقية، فالمظنة بقاؤها ولو زالت في أربع أو خمس أو ست، لكن غالب الناس ربما لا يحسن الغسل، فأقيمت المظنة مقام الحقيقة؛ لعلة أن النجاسة باقية.

أما قياس نجاسة الكلب على غيره فمحل نظر، وقد جاءوا بحديث عن ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تزال النجاسة بسبع غسلات )، ذكر ذلك ابن قدامة في المغني، ولكن هذا الحديث ليس له إسناد ولا خطام ولا زمام، وعلى هذا فالحديث لا يصح.

والراجح: هو القول الثاني في المسألة، وهو مذهب جماهير السلف والخلف وهو أن النجاسة عين خبيثة متى ما زال أثرها زالت، والحنابلة حينما جاءت أحاديث تبين أن النجاسة متى ما زال أثرها بغير سبع غسلات زالت، قالوا: هذا مستثنى كما سوف يأتي، والراجح عدم الاستثناء، وأن النجاسة عين خبيثة متى ما زال أثرها زالت.

ولا فرق بين وجود النجاسة في الأرض أو وجودها في غير الأرض، وقد قال صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين من حديث أسماء في الدم: ( دم الحيض يقع في الثوب؟ قال: تحكه ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه )، ولم يأمر صلى الله عليه وسلم بأن يغسل سبع غسلات، وهذا يدل على أن الراجح أن النجاسة عين خبيثة متى ما زال أثرها زالت ولو بواحدة.

إذا ثبت هذا فإن المؤلف يقول: (فإن كانت على الأرض أو نحوها فمرة)، يعني: إن كانت النجاسة على الأرض فيكفي غسل الأرض مرة واحدة إذا علمنا زوال النجاسة، واستدل المؤلف على هذا بما جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تزرموه، ثم دعا بذنوب من ماء فأفرغه عليه )، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم طهر المكان بالإضافة والغمر، فدل ذلك على أن طهارة الأرض تجزئ ولو بمرة واحدة، وهذا هو الراجح، وهو قول عامة السلف والخلف، ولا فرق في ذلك بين الأرض وغيرها، وقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر : ( كانت الكلاب تقبل وتدبر -زاد أبو داود : وتبول في المسجد- ولم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك )، وجه الدلالة: أن النجاسة عين خبيثة متى ما زال أثرها بالريح أو بالشمس أو بالماء زال حكمها، وهذا هو مذهب أبي حنيفة ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله.

الغسالة التي تتساقط من الشيء المتنجس

قال المؤلف رحمه الله: [وغسالة كل مرة إن لم تتغير كمغسولها].

يعني: أنك إذا أردت أن تغسل الثوب فالغسالة -وهي الماء المتساقط من الشيء المتنجس- حكمها كحكم مغسولها، فإن كان المغسول طاهراً صارت الغسالة طاهرة، وإن كان المغسول نجساً حكماً أو عيناً كانت الغسالة نجسة حكماً أو عيناً، وعلى هذا -فعلى المذهب وهو أن تغسل سبع مرات- فلو أزيلت النجاسة مرة أو مرتين أو ثلاثاً، فالغسالة الرابعة التي سقطت من الثوب نجسة؛ لأنه على المذهب أن المغسول نجس حكماً، وعلى الراجح تكون طاهرة؛ لأننا نقول: إن النجاسة عين خبيثة متى ما زال أثرها زالت.

كيفية التطهر من بول الغلام الذي لم يطعم

قال المؤلف رحمه الله: [ويرش بول غلام لم يطعم].

أجمع العلماء على أن البول نجس، وهذا الإجماع مستصحب في بول الغلام الذي لم يطعم، والراجح أن بول الغلام نجس، إلا أنه خفف في طريقة تطهيره.

والمقصود بالغلام عند جمهور الفقهاء هو الذي لم يفطم بعد، ولم يشته الطعام، وعلى هذا فالذي فطم وبدأ يتلهف على الطعام غير الحليب فإن بوله يغسل، وإذا كان الطفل يعطى الكسرة من الخبز فيأخذها ويتلمظها فهذا لا يقال عنه: إنه أكل الطعام حتى يشتهيه وتتلهف نفسه عليه، والمقصود بغير الطعام هو الحليب، سواء كان الحليب الصناعي أو الحليب الطبيعي، فإذا كان لا يأكل أو لا يشرب إلا حليب الأم أو الحليب الصناعي فإنه يرش بوله، فأما إذا كان يشرب السيريلاك، وهو مثل الحليب لكنه من البسكوت الذي يصنع من القمح، فإذا كان الطفل يتلهف لشرب مثل هذا فإنه يكون طعاماً، فلا فرق بين أن يتلهف لشرب السيريلاك أو أن يتلهف لأكل الكسرة من الخبز، كل ذلك يعد طعاماً، هذا هو مذهب جماهير أهل العلم.

ودليل رشه ما جاء عند أهل السنن من حديث أبي السمح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يرش من بول الغلام ويغسل من بول الجارية )، وجاء أيضاً في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عن الجميع أنه قال: ( ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية، قال قتادة : هذا إذا لم يطعما، فإذا طعما غسل جميعاً ).

ودليل اشتراط عدم أكل الغلام للطعام ما جاء في الصحيحين من حديث أم قيس بنت محصن : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بغلام لم يأكل الطعام فوضعه في حجره فبال، فدعا بماء فنضح ثوبه، ولم يغسله )، فدل ذلك على أن الغلام إذا لم يطعم فإن بوله يرش، وأما إذا طعم فلا فرق بين الغلام والجارية، وقد جاء عن ابن حزم رحمه الله أن الغلام يرش بوله حتى يبلغ، ولو كان ابن اثنتي عشرة سنة، يقول: لأن الغلام في لغة العرب هو اسم لمن لم يبلغ، فالمراهق الذي لم يبلغ يرش بوله؛ لأنه لا عبرة بأكل الطعام من عدمه، يقول: ليس في هذا نص ظاهر؛ لأن حديث أم قيس إنما حكت واقعة حال، ولكن الظاهر أنه لا بد من اشتراط عدم أكل الطعام، والله أعلم.

الدم اليسير وما تولد منه كالقيح والصديد

قال المؤلف رحمه الله: [ويعفى في الصلاة عن يسير دم طاهر].

قلنا: إن الدم الخارج من غير السبيلين الراجح: أنه نجس، ولكن يعفى عن يسيره، ودليل العفو عن اليسير منه ما يلي: أولاً: ما جاء في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا وجدت على ثوبها دماً نصعته بريقها ثم صلت فيه )، وجه الدلالة: أن النصع للنجاسة بالريق لا يزيلها، وقد قالت عائشة : ( ثم صلت فيه ) وكان ذلك على مرأى ومسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن أثر النجاسة باق في الثوب، لكنه لما كان يسيراً عفي عنه.

ثانياً: مما يدل على ذلك ما رواه ابن أبي شيبة وغيره من حديث بكر بن عبد الله المزني عن ابن عمر أنه عصر بثرة في وجهه فخرج منها الدم، ثم صلى ولم يتوضأ، وهذا هو الراجح والله أعلم، وهو مذهب جمهور الفقهاء القائلين بنجاسة الدم، فإنهم قالوا: يعفى عن يسيره.

إذا ثبت هذا فإنه قد ثبت أيضاً عن بعض الصحابة أنه مج دماً من فمه فصلى ولم يتوضأ، وهذا قول الصحابة مثل: عائشة و ابن عمر ، وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، فدل ذلك على أنه يعفى عن يسيره.

وما هو ما حد اليسير؟

قال بعضهم حد اليسير: شبر في شبر، كما جاء عن أحمد في رواية، والراجح أن أحمد عندما قال: شبر في شبر؛ لأجل أن يوضح ذلك في حق من فعله، وإلا فإن الراجح هي الرواية الثانية: أن معرفة اليسير من القليل إنما هي بالعرف، فما تعارف وفحش في حق أوساط الناس فإنه صار كثيراً، وما قل في حق أوساط الناس فإنه يكون قليلاً.

وقول المؤلف: (وما تولد منه) يعني: أنه يعفى في الصلاة عن دم يسير وما تولد من الدم اليسير، والذي يتولد من الدم اليسير هو القيح والصديد والماء الذي يخرج بعد أو مع الجرح، فهذا المتولد يعتبر عند الجمهور نجساً، ويعفى عن يسيره؛ لحديث ابن عمر .

وقول المؤلف: (يسير دم طاهر)، ليس المقصود أن المكان يكون طاهراً، ولا أن الدم نفسه طاهر، ولكن المقصود أن الدم خارج من حيوان طاهر، والحيوان الطاهر نوعان: مأكول اللحم، وإنسان، فمأكول اللحم خرج بالإجماع؛ لأن فضلات مأكول اللحم كلها طاهرة، فمادام أن بوله وروثه طاهر، فكذلك دمه، ما عدا الدم المسفوح، فهذا يعفى عن يسيره، وأما الإنسان فإن دمه نجس خرج من السبيلين أم لا، ويعفى عن يسيره، وكذلك ما تولد من هذا الدم.

ثم قال المؤلف: (وهو ما لا يفحش في النفس) كأن المؤلف يقول: إن اليسير في العرف هو ما لا يفحش في النفس، يعني: في أوساط الناس، وإلا فإنه ليس المقصود في نفس كل مكلف؛ لأن بعض الناس يوسوس، فلو قلت له: شبر في شبر قال: لعله أنملة في أنملة، وهذا ليس بصحيح، فإن أهل العراق سألوا ابن عمر عن يسير الدم فقال: يسألون عن دم البعوض ويقتلون الحسين ! فبعض الناس عنده وسوسة، يخرج من الحمام ويقول: أخشى أن رذاذ البول قد سقط على ثيابي، فيغسل ثوبه كله، فإن سألته لماذا غسلت ثوبك؟ قال: لأنه ربما يكون قد سقط عليه شيء من رذاذ البول، فإذا سألته: هل رأيته؟ قال: لا، إذاً: لماذا غسلت الثوب؟ قال: لإقامة المظنة مقام الحقيقة، أعوذ بالله! هذا كله من الوسوسة ولا يجوز، وأما ما يقع من ذلك فإن هذا معفو عنه كما هو قول جمهور العلماء؛ لأن ذلك مما تعم به البلوى، والله أعلم.

المذي الخارج من الإنسان وكيفية التطهر منه

قال المؤلف رحمه الله: [وكذا المذي].

لما كان المذي نجساً بالإجماع لم يعف عنه، إلا أنه خفف في طريقة غسله، وهو النضح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن المذي، فقال: (اغسل ذكرك وتوضأ)، وأما غسل الثوب فقال: كما في حديث سهل رضي الله عنه: ( ينضحه ) أو قال: ( انضح فرجك )، فدل على أن ذلك معفو عنه، والمقصود بالنضح هو: أن يرش الماء على مكان المذي، فإن كان ثمة جرم فيجب إزالة الجرم، فإذا زال الجرم ثم نضح الماء على البقعة حتى غمرها فإن ذلك يعد نوعاً من النضح، ولا يلزم الغسل وهو الفرك، وعلى هذا فإذا أخذ كفاً من ماء ثم وضعه على مكان ثيابه الداخلية فإنه يكون بإذن الله طاهراً ولا يلزم فركه، ولكن إذا كان لا يزال ركداً فلا بد من إزالة ذلك الجرم، والله أعلم.

دم الاستحاضة وما يعفى منه

قال المؤلف رحمه الله: [وأثر الاستحاضة].

الاستحاضة دمها نجس، لكن يعفى عن الأثر الموجود فيها؛ لأن الدم قد يكون متجمعاً في فرج المرأة فيعفى عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لـحمنة بنت جحش عندما قالت: ( يا رسول الله! إني أستحاض فلا أطهر، قال: أنعت لك الكرسف، قالت: يا رسول الله! إنه أكثر من ذلك؟ قال: فتلجمي )، والتلجم أن تضع ثوباً أو قطنة أو كرسفاً على مكان الدم ثم تلفه، فيكون كالحفاظة، ومن المعلوم أن المرأة إذا تلجمت فإنه يبقى أثر الدم في الصلاة الثانية، فدل ذلك على أن هذا معفو عنه.

وأما استدلال الشوكاني رحمه الله على هذا بأن دم الاستحاضة طاهر فهذا قول ضعيف، والله أعلم.

إذا علم هذا فإنه لا يلزم -على الراجح والله أعلم- أن تغير المرأة القطن في كل صلاة؛ لأن هذا مما يشق، وكذلك من به سلس بول إذا كان قد وضع على ذكره قطنة فإنه لا يلزم أن يغيرها في كل صلاة؛ والله أعلم.

ما يبقى بعد الاستجمار من أثر الخارج من السبيلين

قال المؤلف رحمه الله: [أثر الاستجمار].

فإن الإنسان إذا استجمر من أثر الخارج من السبيلين كما لو تغوط مثلاً فأزال النجاسة بثلاثة أحجار؛ -لأنه لا بد من ثلاثة أحجار، ولو أنقى المحل بأقل من ذلك كما هو مذهب الشافعية والحنابلة كما سوف يأتي- فإن الشيء الموجود الباقي يعفى عنه إذا صعب إزالته بالحجارة، فأثر ذلك معفو عنه، والله أعلم.

وهذه قاعدة عند العلماء يقولون: ما تعم به البلوى يعفى عنه، الآن يا إخوان! الذين يعملون في الحراثة تجد أن تحت أظفارهم وسخاً، ومن المعلوم أنه لو توضأ فإن ما تحت هذا الوسخ لن يصل إليه الماء، فهذا يعفى عنه، وكذلك الخبازين الذين يعجنون، إذا صلوا فإنه أحياناً يبقى بعض العجين متناثراً في أيديهم، ومن المعلوم أن ما كان تحت من الجلد فيه عجين لم يصبه الماء، فهذا معفو عنه؛ لأن هذا مما تعم به بلوى مثل هذا العمل، والقاعدة: أن ما تعم به البلوى يعفى عنه، وأقول: هذا هو مذهب أبي حنيفة اختاره أبو العباس بن تيمية .

وكذلك يعفى عن يسير نجاسة يشق إزالتها كما في أثر الاستجمار، ويقال مثل ذلك إذا وضعت المرأة الطلاء الذي يوضع على الأظفار، فإنها إذا أرادت أن تتوضأ فإنها مأمورة بإزالته، فما يتبقى في أطراف الظفر مما يشق إزالته، فهذا مما يعفى عنه، كما يبقى في أيدي الخبازين من أثر العجين، والله أعلم.

ملاقاة الخف والذيل للنجاسة وكيفية تطهيرها

قال المؤلف رحمه الله: [والخف].

فإن الخف إذا وطئ النجاسة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدلكه بالتراب، وقال: كما ورد عند أهل السنن من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه فإن وجد بهما الأذى فليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهور )، ومن المعلوم أن الإنسان إذا دلك خفه بالتراب فلا بد أن يعلق بعض الشيء من النجاسة في الخف، فدل ذلك على أن هذا مما يعفى عنه، والله أعلم.

وهذا من سماحة الإسلام ويسر الشريعة، وهذا فرق بين تساهل النصارى وشدة اليهود، فقد كانت اليهود إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض والعياذ بالله، كما جاء في الصحيح من حديث أبي موسى ، وأما النصارى فإن عندهم رهبانية ليست عند اليهود، لكنهم لا يتوقون من النجاسة، فاليهود عندهم شدة في الطهارة أشد من النصارى؛ ولهذا لا تكاد تجد يهودياً يبول في المراحيض التي يكون فيها الناس، بخلاف النصارى فإنهم يتساهلون في البول، فاليهود أنظف من النصارى؛ ولهذا حتى في الذبائح تجد أن اليهود أشد نظافة من النصارى، والله أعلم.

ثم قال المؤلف: (والذيل بعد دلكه)، والأولى أن يقول المؤلف: والخف والذيل بعد دلكهما؛ حتى يعود الدلك إلى الذيل والخف، مع أن الذيل لا يدلك، ولكن المؤلف أراد أن يقول: والخف بعد دلكه والذيل بعد مروره بأرض طاهرة، هذا مراد المؤلف، وهذا يسمى عند علماء البلاغة: لف ونشر، وإلا فإن الأولى أن يقول المؤلف: وأثر الاستجمار والخف بعد دلكه والذيل بعد مروره بأرض طاهرة، وإنما قال: إن الذيل يطهر بمروره بأرض طاهرة؛ لما جاء في حديث أم إبراهيم بنت عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة تصيب النجاسة ذيلها؟ فقال: يطهره ما بعده )، وهذا الحديث تكلم في إسناده؛ وذلك لأن أم إبراهيم بنت عبد الرحمن بن عوف مجهولة، ولكننا نقول: إن هذا الجهالة معفو عنها، يقول الإمام الذهبي : لا تكاد تعرف بعض النساء الموجودات اللاتي يروين عن الصحابيات ولا أعلم فيهن قادح، والله أعلم.

وإذا ثبت هذا فإن الحديث -أيضاً- له شاهد آخر من حديث أبي هريرة يقويه، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وأعنا على اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

قال المؤلف رحمه الله: [وتغسل كل نجاسة سبعاً إحداهن بالتراب] فإذا وقعت نجاسة على مكان فإنه يجب غسلها سبع مرات، ولو تنقى المكان في غسلة أو غسلتين، فلو افترضنا أن نجاسة وقعت في ثوب فلا بد -لأجل أن يكون الثوب طاهراً- أن يغسل الثوب أو البقعة التي وقعت فيها النجاسة سبع مرات، فلو غسلنا الغسلة الأولى ثم الثانية فزالت النجاسة، فإن الحنابلة يقولون: ما زالت النجاسة الحكمية باقية حكماً ولو زالت عيناً؛ فيجب أن يزيد ثالثة ورابعة وخامسة وسادسة وفي السابعة يصير المغسول طاهراً، والغسالة التي بعدها طاهرة، هذه السبع غسلات إحداهن بالتراب.

ما دليلهم على هذا؟ قالوا: قياساً على نجاسة الكلب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب )، وفي حديث عبد الله بن المغفل : ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعاً وعفروه الثامنة بالتراب )، وقد جاء عند الترمذي من حديث أبي هريرة في زيادة: ( إحداهن بالتراب )، وهذه الرواية منكرة تفرد بها رجل يقال له: علي بن المسهر وأخطأ في ذلك، والصحيح: أن الرواية المشهورة الصحيحة الثابتة هي رواية: ( أولاهن بالتراب ) من حديث أبي هريرة ، وأما الرواية في حديث عبد الله بن المغفل : ( وعفروه الثامنة بالتراب )، فإن الجمع بينهما أن نقول: إن قوله: ( وعفروه الثامنة بالتراب ) هو أنه جعل الغسلات جزءاً، والتراب جزءاً، ولم يعين الأولى أو الثانية، بل إنه نظر إلى مجموع عدد الغسلات الثمان ولم يعين أيهما أولاً، أما في رواية: ( أولاهن )، فإنها ابتدأت بالتراب، وهذا هو الأظهر، فيغسله بالتراب، يعني: في نجاسة ولوغ الكلب، ثم بعد غسله بالتراب يفيض عليه سبع غسلات بالماء؛ ليكون الإناء بعد ذلك طاهراً ونظيفاً.

أما رواية: ( إحداهن ) فهي وإن كانت لم تخالف من حيث المخالفة المعنوية، لكنها رواية غير مشهورة، هذا في غسل الكلب.

وأما القياس على غسل الكلب في سائر النجاسات فقد مر أن قياس الخنزير على الكلب محل نظر؛ لأن ذلك من باب الأمر الذي قد علم علته، وهي أن للكلب في ولوغه أضرار ثبتت بخلاف سائر النجاسات، أما بعضهم فيقول: إن تخصيص ذلك بالكلب أمر تعبدي، والقاعدة: أن التعبد لا يقاس عليه، ولكن الواقع أنه ليس ثمة تعبد في هذا، ولكنها حكمة مقصودة لأجل تيقن إزالة الخبث الذي في ولوغ الكلب.

والقاعدة الفقهية: أن المظنة تقام مقام الحقيقة حين عدم العلم بها، فأنت إذا ولغ الكلب في الإناء لا تدري: هل يزال بأربع أو بست أو بسبع أو بواحدة؟ فهذه المظنة وهي من شدة ضرر ولوغ الكلب أقامت السبع مقام اليقين في الإزالة، وصارت المظنة في هذا الأمر تقام مقام الحقيقة، فنجاسة ولوغ الكلب باقية، فالمظنة بقاؤها ولو زالت في أربع أو خمس أو ست، لكن غالب الناس ربما لا يحسن الغسل، فأقيمت المظنة مقام الحقيقة؛ لعلة أن النجاسة باقية.

أما قياس نجاسة الكلب على غيره فمحل نظر، وقد جاءوا بحديث عن ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تزال النجاسة بسبع غسلات )، ذكر ذلك ابن قدامة في المغني، ولكن هذا الحديث ليس له إسناد ولا خطام ولا زمام، وعلى هذا فالحديث لا يصح.

والراجح: هو القول الثاني في المسألة، وهو مذهب جماهير السلف والخلف وهو أن النجاسة عين خبيثة متى ما زال أثرها زالت، والحنابلة حينما جاءت أحاديث تبين أن النجاسة متى ما زال أثرها بغير سبع غسلات زالت، قالوا: هذا مستثنى كما سوف يأتي، والراجح عدم الاستثناء، وأن النجاسة عين خبيثة متى ما زال أثرها زالت.

ولا فرق بين وجود النجاسة في الأرض أو وجودها في غير الأرض، وقد قال صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين من حديث أسماء في الدم: ( دم الحيض يقع في الثوب؟ قال: تحكه ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه )، ولم يأمر صلى الله عليه وسلم بأن يغسل سبع غسلات، وهذا يدل على أن الراجح أن النجاسة عين خبيثة متى ما زال أثرها زالت ولو بواحدة.

إذا ثبت هذا فإن المؤلف يقول: (فإن كانت على الأرض أو نحوها فمرة)، يعني: إن كانت النجاسة على الأرض فيكفي غسل الأرض مرة واحدة إذا علمنا زوال النجاسة، واستدل المؤلف على هذا بما جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تزرموه، ثم دعا بذنوب من ماء فأفرغه عليه )، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم طهر المكان بالإضافة والغمر، فدل ذلك على أن طهارة الأرض تجزئ ولو بمرة واحدة، وهذا هو الراجح، وهو قول عامة السلف والخلف، ولا فرق في ذلك بين الأرض وغيرها، وقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر : ( كانت الكلاب تقبل وتدبر -زاد أبو داود : وتبول في المسجد- ولم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك )، وجه الدلالة: أن النجاسة عين خبيثة متى ما زال أثرها بالريح أو بالشمس أو بالماء زال حكمها، وهذا هو مذهب أبي حنيفة ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله.

قال المؤلف رحمه الله: [وغسالة كل مرة إن لم تتغير كمغسولها].

يعني: أنك إذا أردت أن تغسل الثوب فالغسالة -وهي الماء المتساقط من الشيء المتنجس- حكمها كحكم مغسولها، فإن كان المغسول طاهراً صارت الغسالة طاهرة، وإن كان المغسول نجساً حكماً أو عيناً كانت الغسالة نجسة حكماً أو عيناً، وعلى هذا -فعلى المذهب وهو أن تغسل سبع مرات- فلو أزيلت النجاسة مرة أو مرتين أو ثلاثاً، فالغسالة الرابعة التي سقطت من الثوب نجسة؛ لأنه على المذهب أن المغسول نجس حكماً، وعلى الراجح تكون طاهرة؛ لأننا نقول: إن النجاسة عين خبيثة متى ما زال أثرها زالت.

قال المؤلف رحمه الله: [ويرش بول غلام لم يطعم].

أجمع العلماء على أن البول نجس، وهذا الإجماع مستصحب في بول الغلام الذي لم يطعم، والراجح أن بول الغلام نجس، إلا أنه خفف في طريقة تطهيره.

والمقصود بالغلام عند جمهور الفقهاء هو الذي لم يفطم بعد، ولم يشته الطعام، وعلى هذا فالذي فطم وبدأ يتلهف على الطعام غير الحليب فإن بوله يغسل، وإذا كان الطفل يعطى الكسرة من الخبز فيأخذها ويتلمظها فهذا لا يقال عنه: إنه أكل الطعام حتى يشتهيه وتتلهف نفسه عليه، والمقصود بغير الطعام هو الحليب، سواء كان الحليب الصناعي أو الحليب الطبيعي، فإذا كان لا يأكل أو لا يشرب إلا حليب الأم أو الحليب الصناعي فإنه يرش بوله، فأما إذا كان يشرب السيريلاك، وهو مثل الحليب لكنه من البسكوت الذي يصنع من القمح، فإذا كان الطفل يتلهف لشرب مثل هذا فإنه يكون طعاماً، فلا فرق بين أن يتلهف لشرب السيريلاك أو أن يتلهف لأكل الكسرة من الخبز، كل ذلك يعد طعاماً، هذا هو مذهب جماهير أهل العلم.

ودليل رشه ما جاء عند أهل السنن من حديث أبي السمح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يرش من بول الغلام ويغسل من بول الجارية )، وجاء أيضاً في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عن الجميع أنه قال: ( ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية، قال قتادة : هذا إذا لم يطعما، فإذا طعما غسل جميعاً ).

ودليل اشتراط عدم أكل الغلام للطعام ما جاء في الصحيحين من حديث أم قيس بنت محصن : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بغلام لم يأكل الطعام فوضعه في حجره فبال، فدعا بماء فنضح ثوبه، ولم يغسله )، فدل ذلك على أن الغلام إذا لم يطعم فإن بوله يرش، وأما إذا طعم فلا فرق بين الغلام والجارية، وقد جاء عن ابن حزم رحمه الله أن الغلام يرش بوله حتى يبلغ، ولو كان ابن اثنتي عشرة سنة، يقول: لأن الغلام في لغة العرب هو اسم لمن لم يبلغ، فالمراهق الذي لم يبلغ يرش بوله؛ لأنه لا عبرة بأكل الطعام من عدمه، يقول: ليس في هذا نص ظاهر؛ لأن حديث أم قيس إنما حكت واقعة حال، ولكن الظاهر أنه لا بد من اشتراط عدم أكل الطعام، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ويعفى في الصلاة عن يسير دم طاهر].

قلنا: إن الدم الخارج من غير السبيلين الراجح: أنه نجس، ولكن يعفى عن يسيره، ودليل العفو عن اليسير منه ما يلي: أولاً: ما جاء في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا وجدت على ثوبها دماً نصعته بريقها ثم صلت فيه )، وجه الدلالة: أن النصع للنجاسة بالريق لا يزيلها، وقد قالت عائشة : ( ثم صلت فيه ) وكان ذلك على مرأى ومسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن أثر النجاسة باق في الثوب، لكنه لما كان يسيراً عفي عنه.

ثانياً: مما يدل على ذلك ما رواه ابن أبي شيبة وغيره من حديث بكر بن عبد الله المزني عن ابن عمر أنه عصر بثرة في وجهه فخرج منها الدم، ثم صلى ولم يتوضأ، وهذا هو الراجح والله أعلم، وهو مذهب جمهور الفقهاء القائلين بنجاسة الدم، فإنهم قالوا: يعفى عن يسيره.

إذا ثبت هذا فإنه قد ثبت أيضاً عن بعض الصحابة أنه مج دماً من فمه فصلى ولم يتوضأ، وهذا قول الصحابة مثل: عائشة و ابن عمر ، وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، فدل ذلك على أنه يعفى عن يسيره.

وما هو ما حد اليسير؟

قال بعضهم حد اليسير: شبر في شبر، كما جاء عن أحمد في رواية، والراجح أن أحمد عندما قال: شبر في شبر؛ لأجل أن يوضح ذلك في حق من فعله، وإلا فإن الراجح هي الرواية الثانية: أن معرفة اليسير من القليل إنما هي بالعرف، فما تعارف وفحش في حق أوساط الناس فإنه صار كثيراً، وما قل في حق أوساط الناس فإنه يكون قليلاً.

وقول المؤلف: (وما تولد منه) يعني: أنه يعفى في الصلاة عن دم يسير وما تولد من الدم اليسير، والذي يتولد من الدم اليسير هو القيح والصديد والماء الذي يخرج بعد أو مع الجرح، فهذا المتولد يعتبر عند الجمهور نجساً، ويعفى عن يسيره؛ لحديث ابن عمر .

وقول المؤلف: (يسير دم طاهر)، ليس المقصود أن المكان يكون طاهراً، ولا أن الدم نفسه طاهر، ولكن المقصود أن الدم خارج من حيوان طاهر، والحيوان الطاهر نوعان: مأكول اللحم، وإنسان، فمأكول اللحم خرج بالإجماع؛ لأن فضلات مأكول اللحم كلها طاهرة، فمادام أن بوله وروثه طاهر، فكذلك دمه، ما عدا الدم المسفوح، فهذا يعفى عن يسيره، وأما الإنسان فإن دمه نجس خرج من السبيلين أم لا، ويعفى عن يسيره، وكذلك ما تولد من هذا الدم.

ثم قال المؤلف: (وهو ما لا يفحش في النفس) كأن المؤلف يقول: إن اليسير في العرف هو ما لا يفحش في النفس، يعني: في أوساط الناس، وإلا فإنه ليس المقصود في نفس كل مكلف؛ لأن بعض الناس يوسوس، فلو قلت له: شبر في شبر قال: لعله أنملة في أنملة، وهذا ليس بصحيح، فإن أهل العراق سألوا ابن عمر عن يسير الدم فقال: يسألون عن دم البعوض ويقتلون الحسين ! فبعض الناس عنده وسوسة، يخرج من الحمام ويقول: أخشى أن رذاذ البول قد سقط على ثيابي، فيغسل ثوبه كله، فإن سألته لماذا غسلت ثوبك؟ قال: لأنه ربما يكون قد سقط عليه شيء من رذاذ البول، فإذا سألته: هل رأيته؟ قال: لا، إذاً: لماذا غسلت الثوب؟ قال: لإقامة المظنة مقام الحقيقة، أعوذ بالله! هذا كله من الوسوسة ولا يجوز، وأما ما يقع من ذلك فإن هذا معفو عنه كما هو قول جمهور العلماء؛ لأن ذلك مما تعم به البلوى، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [وكذا المذي].

لما كان المذي نجساً بالإجماع لم يعف عنه، إلا أنه خفف في طريقة غسله، وهو النضح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن المذي، فقال: (اغسل ذكرك وتوضأ)، وأما غسل الثوب فقال: كما في حديث سهل رضي الله عنه: ( ينضحه ) أو قال: ( انضح فرجك )، فدل على أن ذلك معفو عنه، والمقصود بالنضح هو: أن يرش الماء على مكان المذي، فإن كان ثمة جرم فيجب إزالة الجرم، فإذا زال الجرم ثم نضح الماء على البقعة حتى غمرها فإن ذلك يعد نوعاً من النضح، ولا يلزم الغسل وهو الفرك، وعلى هذا فإذا أخذ كفاً من ماء ثم وضعه على مكان ثيابه الداخلية فإنه يكون بإذن الله طاهراً ولا يلزم فركه، ولكن إذا كان لا يزال ركداً فلا بد من إزالة ذلك الجرم، والله أعلم.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
التسهيل في الفقه - كتاب الطهارة [1] 1859 استماع
التسهيل في الفقه - كتاب الطهارة [4] 1339 استماع
التسهيل في الفقه - كتاب الطهارة [3] 1286 استماع