شرح سنن أبي داود [009]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في البول في المستحم.

حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل والحسن بن علي قالا: حدثنا عبد الرزاق قال أحمد حدثنا معمر أخبرني أشعث وقال الحسن : عن أشعث بن عبد الله عن الحسن عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه)، قال أحمد : (ثم يتوضأ فيه؛ فإن عامة الوسواس منه).

أورد أبو داود رحمه الله باب البول في المستحم، والمستحم هو: مكان الاستحمام، أي: مكان الاغتسال، وقيل له: استحمام لأنه مأخوذ من الحميم وهو الماء الحار؛ فإنه يغتسل بالماء الحار لاسيما في الشتاء.

وقوله: (يستحم) يعني: يغتسل، وسواء كان الماء حاراً أو بارداً.

وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه)، وقال أحمد : (ثم يتوضأ فيه).

و أحمد هو أحد الشيخين اللذين روى عنهما أبو داود وهو الإمام أحمد بن حنبل .

والحديث يدل على النهي عن أن يبول الإنسان في المستحم ثم يتوضأ ويغتسل فيه، وقيل: إن المنع إنما هو في المكان الذي يستحم فيه إذا كان أرضاً سهلة، بمعنى: أنه يمسك البول ويمسك النجاسة.

ومن العلماء من قال: إن المقصود به إذا كان صلباً بحيث إن الإنسان إذا بال يتطاير البول على الإنسان فيلحقه الضرر، وكذلك إذا كان المكان مكاناً صلباً ينحبس فيه البول ويتجمع فيه البول فإنه يحصل بذلك تعرض للوقوع في النجاسة، أما إذا كان له مجرى يمشي فيه كالأماكن الموجودة في البيوت في هذا الزمان من كون الماء له مسالك يذهب فيها فقالوا: إنه لا بأس ولا مانع من الاغتسال فيها.

قوله: [ (فإن عامة الوسواس منه) ]، يعني: أن الإنسان إذا بال في مكان يستحم فيه ثم وقع البول على أرض ترابية فإن النجاسة يمسكها التراب وتبقى في التراب، والإنسان قد يطأ على هذا المكان النجس ورجله مبلولة إذا كان قد يبس، وإذا كانت الأرض صلبة فإنه يترتب على ذلك أن يتطاير عليه رشاش البول، فيؤدي ذلك إلى الوسواس، ويظل يقول: هل حصلت نجاسة أو لم تحصل نجاسة؟ هل علقت نجاسة أو لم تعلق نجاسة؟ فيكون في ذلك وسواس.

فهذا هو معنى الحديث، وهذا هو التعليل للنهي عن الاغتسال أو البول في المستحم، لكن إذا كان مثل ما هو موجود في هذا الزمان من وجود أماكن يبول الناس ويستحمون فيها والنجاسة تذهب ولا يبقى لها أثر فإن ذلك لا محذور فيه ولا مانع عنه، وإنما النهي فيما إذا لم يكن هناك مجرى والأرض ترابية ويبقى البول على التراب ويطأ الإنسان عليه ويكون منه ملامسة للنجاسة أو كانت الأرض صلبة فيجتمع الماء والبول فيها فيؤدي ذلك إلى الوطء عليه أو كونه يبقى وينشف وتكون الأرض نجسة، أما إذا كان البول يمشي والماء يلحقه فإنه لا يحصل بذلك الذي يحصل في هذه الأحوال.

إذاً: النهي فيما إذا ترتب على ذلك مساسه، فإذا لم يترتب عليه مساسه بأن النجاسة تذهب والبول يذهب والماء يتبعه ولا يبقى شيء يؤثر فإنه لا بأس ويجوز البول في مكان الاستحمام.

والحديث ورد لأوله طرق أخرى، وأما قوله: (فإن عامة الوسواس منه) فما جاء إلا من طريق واحدة والطريق هذه فيها كلام، لكن أوله إذا ضمت الطرق بعضها إلى بعض يكون ثابتاً، وأما ما جاء من ذكر الوسواس الذي جاء من طريق واحدة فهذا هو الذي يضعف.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه)

قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ].

أحمد بن محمد بن حنبل الإمام الجليل المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهو آخر الأئمة الأربعة؛ والأئمة الأربعة هم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة توفي سنة (150هـ) وتوفي مالك سنة (179هـ) وتوفي الشافعي سنة (204هـ) وتوفي أحمد سنة (241هـ).

فالإمام أحمد هو آخر الأئمة الأربعة وفاة، وهو الذي اشتهر بكثرة الحديث، وكتابه المسند يبلغ أربعين ألف حديث، فهو موسوعة ضخمة واسعة، وله مؤلفات أخرى غير المسند، لكن المسند كتاب جامع وواسع. وهو محدث فقيه وإمام مشهور وأحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.

[ والحسن بن علي ].

الحسن بن علي هو الحلواني الهذلي ، وهو ثقة حافظ أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا النسائي ولم يمر بنا ذكره في النسائي؛ لأنه ليس من رجاله، ويقال له: الحلواني نسبة إلى بلد، ويقال له: الهذلي نسبة إلى قبيلة.

[ حدثنا عبد الرزاق ].

عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني محدث مشهور مصنف، صاحب المصنف وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ قال أحمد : حدثنا معمر ]

يعني: أن عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، والمصنف هنا أراد أن يبين اختلاف شيخيه بالتعبير فيما بعد عبد الرزاق ؛ لأنهما اتفقا على قولهما: حدثنا عبد الرزاق ، ثم افترقا؛ فواحد ذكر صيغة التحديث وواحد جاء بالعنعنة.

و أحمد قال في روايته: أخبرني أشعث فقط، وأما الحسن بن علي الحلواني فقال: عن أشعث بن عبد الله فأتى بعن بدل أخبرني وأتى بالنسب؛ لأن ذاك ذكره مهملاً غير منسوب، يعني: في إسناد أحمد ، وأما في إسناد الحسن بن علي فجاء مسمى منسوباً، حيث قال: عن أشعث بن عبد الله .

فإذاً: الفرق بين الاثنين هو: أن هذا عبر بالإخبار ولم ينسبه وهذا عبر بعن ونسبه.

و معمر هو ابن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو شيخ عبد الرزاق ، وعبد الرزاق أكثر من الرواية عنه وصحيفة همام بن منبه التي تبلغ مائة وأربعين حديثاً روايات مسلم التي أوردها في صحيحه هي من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام .

فهو من شيوخ عبد الرزاق الذين أكثر عنهم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أشعث ].

هو ابن عبد الله وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن الأربعة.

[ عن الحسن ].

الحسن هو ابن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن مغفل ].

عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

والحديث فيه الحسن وهو مدلس وقد روى بالعنعنة، ولكن الحديث الذي سيأتي والطريق الآخر فيه ما يشهد للجملة الأولى التي هي النهي عن البول في المغتسل.

وأما قوله: (فإن عامة الوسواس منه) فهذه ما جاءت إلا من طريق الحسن وهو مدلس ولم يصرح بالسماع، فتكون غير ثابتة، لكن أول الحديث قد جاء ما يشهد له وما يدل عليه من طريق أخرى وهي التي ذكرها أبو داود رحمه الله بعد ذلك.

وقوله: [ وقال الحسن : عن أشعث ].

يعني: عن عبد الرزاق عن معمر عن أشعث بن عبد الله .

وهذا الحديث فيه زيادة في نسخة ابن الأعرابي : [ وروى شعبة وسعيد عن قتادة عن عقبة بن صهبان قال: سمعت عبد الله بن مغفل يقول: (البول في المغتسل يؤخذ منه الوسواس) وحديث شعبة أولى ].

وهذا ما دام أنه ما نسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يكون موقوفاً.

قال: [ ورواه يزيد بن إبراهيم عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن عن ابن مغفل قوله ].

يعني: أنه موقوف.

شرح حديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن داود بن عبد الله عن حميد الحميري -وهو ابن عبد الرحمن - قال: لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وآله سلم كما صحبه أبو هريرة قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم صحبه كما صحبه أبو هريرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمتشط أحدنا كل يوم)، يعني: يوماً بعد يوم، (وأن يبول في مغتسله)، وهذا يوافق الجزء الأول من الحديث المتقدم فيكون شاهداً له.

وقوله: (نهى أن يمتشط أحدنا كل يوم)، المقصود بذلك: الإشارة إلى الابتعاد عن الترفه وعن كون الإنسان يشغل نفسه دائماً وأبداً في حاله وتجمله وما إلى ذلك، وإنما يكون الإنسان متوسطاً لا مهملاً ولا متوسعاً وشاغلاً وقته في إظهار نفسه بمظهر أحسن؛ لأن ذلك الشغل يكون فيه ترفه ويكون فيه أيضاً اشتغال عن أمور أخرى يكون بحاجة إليها.

فعلى الإنسان ألا يكون شاغلاً باله في نفسه وفي هيئته وفي شكله وفي لباسه وفي شعره وعنايته به وما إلى ذلك، لكن إذا كان الأمر يحتاج إلى ذلك بأن يكون شعثاً ويكون كثيفاً أو يكون هناك أشغال تؤدي إلى أن يكون شعثاً فلا بأس بإصلاحه وترجيله، وقد سبق أن ذكرنا ما يدل على ذلك في شرح كتاب الزينة في آخر سنن النسائي ، فيكون المنع إنما هو في الذي لا تدعو إليه حاجة ولا تدعو إليه ضرورة، أما إذا كان الإنسان صاحب عمل وصاحب شغل ويصيبه الشعث ويصيبه التراب ويصيبه كذا وكذا فهذا لا بأس أن يعنى بشعره كل يوم.

تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ].

أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

الملقي: [ حدثنا زهير ].

زهير بن معاوية، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن داود بن عبد الله ].

داود بن عبد الله ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.

[ عن حميد الحميري -وهو ابن عبد الرحمن - ].

حميد بن عبد الرحمن الحميري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهنا قال: هو ابن عبد الرحمن يعني: أن هذا من زيادات من دون التلميذ من أجل توضيح هذا الراوي.

وكما ذكرت سابقاً هناك عبارتان لهذا الغرض: إحداهما: (يعني) والثانية: (هو) والذي هنا هو لفظ (هو) وليس لفظ (يعني ).

عدالة الصحابة وما جاء في تحديد مدة صحبة بعضهم للنبي

قوله: [ قال: لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة ].

هذا فيه ذكر الرجل بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي الصحبة دون أن يسميه، ولكن أثبت صحبته وأنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة ، وأبو هريرة معروفة صحبته للرسول صلى الله عليه وسلم.

ويحتمل أن يكون المراد بالصحبة الملازمة، ويحتمل أن يكون المراد بالصحبة التي أشار إليها وأضافها إلى أبي هريرة التحقق من أنه صحابي، فكما أن أبا هريرة محقق أنه صحابي فهذا محقق أنه صحابي، فيحتمل أن يكون ذكر أبي هريرة المقصود منه: التحقق من أنه صحابي كما أن أبا هريرة حقيقة صحابي أو أن المقصود به كثرة ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه لازم النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد ذكر الحافظ ابن عبد الهادي في (المحرر في الحديث) عند حديث حميد الحميري ، قال: لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة. قال: الرجل المبهم قيل: هو الحكم بن عمرو وقيل: عبد الله بن سرجس ، وقيل: عبد الله بن مغفل .

وتحديد مدة الصحبة بأربع سنين جاء في سنن أبي داود في باب النهي عن وضوء الرجل بفضل المرأة ووضوء المرأة بفضل الرجل حيث قال: ( حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن داود بن عبد الله ح وحدثنا مسدد قال: حدثنا أبو عوانة عن داود بن عبد الله عن حميد الحميري قال: لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة ).

فالإسناد هو الإسناد الأول إلا أن له طريقاً أخرى تنتهي إلى داود بن عبد الله ، وعلى هذا فكون المجهول فلان أو فلان أو فلان هذا يتوقف على معرفة أن كل واحد منهم صحبه أربع سنين.

وعلى كل -سواء عرف أو لم يعرف- فالصحابة رضي الله عنهم المجهول فيهم في حكم المعلوم سواء سمي أو لم يسم، ولا تؤثر جهالة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فكل تؤثر جهالته إلا الصحابة، وكل يحتاج إلى البحث عنه إلا الصحابة؛ لأن الصحابة عدلوا من الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يحتاجون إلى تعديل أحد، وغيرهم هو الذي يحتاج إلى أن تعرف أفعاله فيعدل أو يجرح.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في البول في المستحم.

حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل والحسن بن علي قالا: حدثنا عبد الرزاق قال أحمد حدثنا معمر أخبرني أشعث وقال الحسن : عن أشعث بن عبد الله عن الحسن عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه)، قال أحمد : (ثم يتوضأ فيه؛ فإن عامة الوسواس منه).

أورد أبو داود رحمه الله باب البول في المستحم، والمستحم هو: مكان الاستحمام، أي: مكان الاغتسال، وقيل له: استحمام لأنه مأخوذ من الحميم وهو الماء الحار؛ فإنه يغتسل بالماء الحار لاسيما في الشتاء.

وقوله: (يستحم) يعني: يغتسل، وسواء كان الماء حاراً أو بارداً.

وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه)، وقال أحمد : (ثم يتوضأ فيه).

و أحمد هو أحد الشيخين اللذين روى عنهما أبو داود وهو الإمام أحمد بن حنبل .

والحديث يدل على النهي عن أن يبول الإنسان في المستحم ثم يتوضأ ويغتسل فيه، وقيل: إن المنع إنما هو في المكان الذي يستحم فيه إذا كان أرضاً سهلة، بمعنى: أنه يمسك البول ويمسك النجاسة.

ومن العلماء من قال: إن المقصود به إذا كان صلباً بحيث إن الإنسان إذا بال يتطاير البول على الإنسان فيلحقه الضرر، وكذلك إذا كان المكان مكاناً صلباً ينحبس فيه البول ويتجمع فيه البول فإنه يحصل بذلك تعرض للوقوع في النجاسة، أما إذا كان له مجرى يمشي فيه كالأماكن الموجودة في البيوت في هذا الزمان من كون الماء له مسالك يذهب فيها فقالوا: إنه لا بأس ولا مانع من الاغتسال فيها.

قوله: [ (فإن عامة الوسواس منه) ]، يعني: أن الإنسان إذا بال في مكان يستحم فيه ثم وقع البول على أرض ترابية فإن النجاسة يمسكها التراب وتبقى في التراب، والإنسان قد يطأ على هذا المكان النجس ورجله مبلولة إذا كان قد يبس، وإذا كانت الأرض صلبة فإنه يترتب على ذلك أن يتطاير عليه رشاش البول، فيؤدي ذلك إلى الوسواس، ويظل يقول: هل حصلت نجاسة أو لم تحصل نجاسة؟ هل علقت نجاسة أو لم تعلق نجاسة؟ فيكون في ذلك وسواس.

فهذا هو معنى الحديث، وهذا هو التعليل للنهي عن الاغتسال أو البول في المستحم، لكن إذا كان مثل ما هو موجود في هذا الزمان من وجود أماكن يبول الناس ويستحمون فيها والنجاسة تذهب ولا يبقى لها أثر فإن ذلك لا محذور فيه ولا مانع عنه، وإنما النهي فيما إذا لم يكن هناك مجرى والأرض ترابية ويبقى البول على التراب ويطأ الإنسان عليه ويكون منه ملامسة للنجاسة أو كانت الأرض صلبة فيجتمع الماء والبول فيها فيؤدي ذلك إلى الوطء عليه أو كونه يبقى وينشف وتكون الأرض نجسة، أما إذا كان البول يمشي والماء يلحقه فإنه لا يحصل بذلك الذي يحصل في هذه الأحوال.

إذاً: النهي فيما إذا ترتب على ذلك مساسه، فإذا لم يترتب عليه مساسه بأن النجاسة تذهب والبول يذهب والماء يتبعه ولا يبقى شيء يؤثر فإنه لا بأس ويجوز البول في مكان الاستحمام.

والحديث ورد لأوله طرق أخرى، وأما قوله: (فإن عامة الوسواس منه) فما جاء إلا من طريق واحدة والطريق هذه فيها كلام، لكن أوله إذا ضمت الطرق بعضها إلى بعض يكون ثابتاً، وأما ما جاء من ذكر الوسواس الذي جاء من طريق واحدة فهذا هو الذي يضعف.

قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ].

أحمد بن محمد بن حنبل الإمام الجليل المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهو آخر الأئمة الأربعة؛ والأئمة الأربعة هم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة توفي سنة (150هـ) وتوفي مالك سنة (179هـ) وتوفي الشافعي سنة (204هـ) وتوفي أحمد سنة (241هـ).

فالإمام أحمد هو آخر الأئمة الأربعة وفاة، وهو الذي اشتهر بكثرة الحديث، وكتابه المسند يبلغ أربعين ألف حديث، فهو موسوعة ضخمة واسعة، وله مؤلفات أخرى غير المسند، لكن المسند كتاب جامع وواسع. وهو محدث فقيه وإمام مشهور وأحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.

[ والحسن بن علي ].

الحسن بن علي هو الحلواني الهذلي ، وهو ثقة حافظ أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا النسائي ولم يمر بنا ذكره في النسائي؛ لأنه ليس من رجاله، ويقال له: الحلواني نسبة إلى بلد، ويقال له: الهذلي نسبة إلى قبيلة.

[ حدثنا عبد الرزاق ].

عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني محدث مشهور مصنف، صاحب المصنف وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ قال أحمد : حدثنا معمر ]

يعني: أن عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، والمصنف هنا أراد أن يبين اختلاف شيخيه بالتعبير فيما بعد عبد الرزاق ؛ لأنهما اتفقا على قولهما: حدثنا عبد الرزاق ، ثم افترقا؛ فواحد ذكر صيغة التحديث وواحد جاء بالعنعنة.

و أحمد قال في روايته: أخبرني أشعث فقط، وأما الحسن بن علي الحلواني فقال: عن أشعث بن عبد الله فأتى بعن بدل أخبرني وأتى بالنسب؛ لأن ذاك ذكره مهملاً غير منسوب، يعني: في إسناد أحمد ، وأما في إسناد الحسن بن علي فجاء مسمى منسوباً، حيث قال: عن أشعث بن عبد الله .

فإذاً: الفرق بين الاثنين هو: أن هذا عبر بالإخبار ولم ينسبه وهذا عبر بعن ونسبه.

و معمر هو ابن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو شيخ عبد الرزاق ، وعبد الرزاق أكثر من الرواية عنه وصحيفة همام بن منبه التي تبلغ مائة وأربعين حديثاً روايات مسلم التي أوردها في صحيحه هي من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام .

فهو من شيوخ عبد الرزاق الذين أكثر عنهم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أشعث ].

هو ابن عبد الله وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن الأربعة.

[ عن الحسن ].

الحسن هو ابن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن مغفل ].

عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

والحديث فيه الحسن وهو مدلس وقد روى بالعنعنة، ولكن الحديث الذي سيأتي والطريق الآخر فيه ما يشهد للجملة الأولى التي هي النهي عن البول في المغتسل.

وأما قوله: (فإن عامة الوسواس منه) فهذه ما جاءت إلا من طريق الحسن وهو مدلس ولم يصرح بالسماع، فتكون غير ثابتة، لكن أول الحديث قد جاء ما يشهد له وما يدل عليه من طريق أخرى وهي التي ذكرها أبو داود رحمه الله بعد ذلك.

وقوله: [ وقال الحسن : عن أشعث ].

يعني: عن عبد الرزاق عن معمر عن أشعث بن عبد الله .

وهذا الحديث فيه زيادة في نسخة ابن الأعرابي : [ وروى شعبة وسعيد عن قتادة عن عقبة بن صهبان قال: سمعت عبد الله بن مغفل يقول: (البول في المغتسل يؤخذ منه الوسواس) وحديث شعبة أولى ].

وهذا ما دام أنه ما نسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يكون موقوفاً.

قال: [ ورواه يزيد بن إبراهيم عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن عن ابن مغفل قوله ].

يعني: أنه موقوف.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2890 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2842 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2731 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2702 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2693 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2686 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2679 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2654 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2649 استماع