الكفر وأنواعه


الحلقة مفرغة

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام:1-3].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحق الحق بكلماته ولو كره الكافرون، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، والبشير النذير، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

اللهم صل وسلم وبارك على هذا النبي الأمي الكريم، وعلى آله وأصحابه الذين عزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

أيها المسلمون عباد الله! فلا زال الكلام على الكفر وأنواعه سائلاً الله عز وجل أن يعيذني وإياكم من الكفر والفقر، وأن يعيذنا من عذاب القبر.

أيها المسلمون عباد الله! تقدم معنا الكلام أن الكفر هو الإنكار المتعمد لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، أو لبعض ما جاء به مما علم من دينه بالضرورة، وأنه كفران:

كفر أكبر مخرج من الملة، وهذا يشمل كفر الإباء والاستكبار، وكفر الجحود والإنكار، وكفر التكذيب، وكفر الشك والظن، وكفر النفاق، وكفر الإعراض.

وكفر أصغر لا يخرج من الملة، كالكفر بنعمة الله عز وجل، وعدم أداء واجب شكرها، وكتلك الذنوب التي سماها الشرع كفراً، كقول النبي صلى الله عليه وسلم في النساء: ( يكثرن اللعن ويكفرن العشير )، وكقوله: ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )، وكقوله: ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض )، وكقوله: ( ثنتان في أمتي هما بهم كفر: الطعن في الأنساب، والنياحة على الميت )، وكذلك أن الله عز وجل وصف قلوب الكفار في القرآن بعشر صفات، فوصفها بالانصراف والإنكار، والحمية والختم، والضيق والطبع، والمرض والموت، والقساوة، هذه هي صفات قلوبهم في كتاب الله عز وجل.

أيها المسلمون عباد الله! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا أن نكره الكفر، وأن نمقت الأسباب المؤدية إليه؛ فثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله )، فمطلوب منك أيها المسلم أن تكره الكفر، وأن تبتعد عن الأسباب المؤدية إليه.

واعلم أن كلمة الكافر تشمل ما يلي:

أولاً: الكافر الأصلي، كاليهود والنصارى، والمجوس والذين أشركوا، والملاحدة والدهريين، ومن يعبدون البقر، ومن يعبدون الشمس أو القمر، أو الوثن أو الحجر، كل هؤلاء داخلون تحت هذا الاسم البغيض، بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ [الحجرات:11].

ثانياً: تشمل من كان كافراً كفر ردة والعياذ بالله؛ كمن رجع عن الإسلام بعد أن دخل فيه بأي نوع من الأنواع الثلاثة؛ سواء ارتكب مكفراً اعتقادياً قلبياً، أو مكفراً قولياً لسانياً، أو مكفراً فعلياً بالجوارح، فالنوع الأول: من كفر كفر اعتقاد بأن أنكر وجود الله عز وجل بقلبه، أو أنكر صفة من صفاته جل جلاله، أو وصف ربنا بما لا يليق به كوصفه بالعجز، أو وصفه بالجهل، أو وصفه بالضعف، أو بغير ذلك من الصفات التي نزه ربنا سبحانه وتعالى نفسه عنها، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً. أو أنكر القيامة، أو أنكر بعض ما فيها؛ كمن أنكر الجنة والنار، أو أنكر الحساب أو الصراط أو الميزان، هذا كله والعياذ بالله كفر قلبي يخرج صاحبه من ملة محمد صلى الله عليه وسلم، يقطع الولاية بينه وبين المؤمنين، يوجب له الخلود في النار.

النوع الثاني: من كفر كفراً لسانياً؛ كمن تكلم بلسانه مستهزئاً بالله أو برسوله أو بآياته، أو أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، أو سب الله عز وجل، أو واحداً من الملائكة، أو واحداً من المرسلين؛ فهذا كله كفر قولي يخرج صاحبه من الملة.

ولا بد من التنبيه هاهنا عباد الله على مسألة مهمة وهي أن كثيراً ممن لا خلاق لهم، ولا يقدرون الله حق قدره، ولا يرجون الله واليوم الآخر، إذا أغضبهم واحد من الناس فإنهم يسارعون والعياذ بالله إلى سب الدين؛ فبعض الناس قد يسب الدين لزوجته، أو يسب الدين لولده، أو يسب الدين لمن يعمل معه، أو لمن ظلمه، أو جحده حقه، أو غير ذلك، مع أن سب الدين كفر بإجماع المسلمين، فمن سب دين الله كفر جاداً كان أو هازلاً، قال تعالى: أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] هذا قضاء الله في القرآن.

النوع الثالث: من ارتكب مكفراً عملياً؛ كمن مزق القرآن إهانة له، أو بصق عليه، أو سجد لصنم أو لشمس أو قمر؛ فهذا كله كفر عملي يخرج صاحبه من الملة.

أيها المسلمون عباد الله! هؤلاء جميعاً ممن يصدق عليهم قول ربنا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:6-7].

أيها المسلمون عباد الله! اعلموا أن الكفار شر خلق الله، قال تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [الأنفال:55] وقال: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:22-23]، هؤلاء كفار فجار، ذكر ربنا جل جلاله صفاتهم في القرآن، وجملة هذه الصفات لا تدل على خير، ولا تشي بنجاة، وصف الله جل في علاه الكفار الفجار في كتابه بأنهم ظالمون فاسقون خاسرون ملعونون، ممقوتون، ضالون، يائسون من رحمة الله، لا يرجون هداية، ولا مغفرة، ولا يحبون الخير للناس، يقول الله عز وجل: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]، هم أظلم الظالمين، هم الذين وضعوا الشيء في غير مواضعه، ويقول سبحانه: وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55]، الخارجون عن طاعة الله، النابذون لشرعه، المجانبون لصراطه المستقيم، ويقول سبحانه: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:31]، وقال وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ [غافر:85]، وقال: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [يونس:45]، الكافر خاسر في الدنيا بما يلقي الله في قلبه من ظلمة، وما يكسو وجهه من سواد، وبما يعيش به من قلق، وهو خاسر في الآخرة حين يدخل ناراً تلظى لا يصلاها إلا الأشقى.

الكفار ملعونون، قال الله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ [البقرة:161-162]، وقال: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا [الأحزاب:64].

الكافر مغرور، كما قال تعالى: إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ [الملك:20]، الكافر لا أمل له في رحمة الله، قال الله: إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87]، الكافر لا سبيل له إلى مغفرة، قال الله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا [النساء:137]، الكافر أضل الضالين، أضل من الأنعام، أضل من البهائم، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:167]، وهو لا يهتدي، ضلاله ملازم له، ضال في اعتقاده، ضال في تصوراته، ضال في أعماله وأفكاره، يقول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [المائدة:67]، ويقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3]، لا يقاد إلى هدى، ولا يهتدي سبيلاً أبداً، هذا هو حاله في الدنيا.

ثم بعد ذلك أعد الله له ناراً بحميمها وسعيرها، وعقاربها، وحياتها، وسلاسلها، وأغلالها، قال تعالى: جَزَاءً وِفَاقًا * إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا * فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [النبأ:26-30]، وقال: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا [الكهف:29] وقال: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِل وَأَغْلالًا وَسَعِيرًا [الإنسان:4] وقال: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131]، هذا جزاؤهم يوم الدين، هكذا كان جزاؤهم وهكذا هو عذابهم أبدياً سرمدياً، لم يعذبوا بقدر كفرهم فحسب، بل من كفر بالله في الدنيا ستين سنة أو سبعين، لا يعذب مثلها في النار فقط ثم يفنى؛ بل عذابه أبدي سرمدي، قال تعالى: لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا [فاطر:36]، وقال: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [النساء:56]، وقال: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء:97]؛ لأن الله جل جلاله يعلم أن الكفر قد صار طابعاً لهم، وأنهم لو رجعوا إلى الدنيا لرجعوا إلى الكفر، كما قال الله عز وجل: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:27-28]؛ فلو أذن الله لـأبي جهل وفرعون و هامان و قارون و أبي بن خلف أن يرجعوا إلى الدنيا بعدما عاينوا النار، ورأوها رأي عين لرجعوا إلى الكفر والعياذ بالله؛ لأن قلوبهم مطبوع عليها؛ لأن قلوبهم مختومة، لا ينفذ إليها هدى، ولا ترعوي بموعظة؛ بل هم في الكفر قائمون قاعدون، يمسون ويصبحون، ويرون أنهم مهتدون.

يا أيها المسلمون عباد الله! إن واجباً علينا أن نستعيذ بالله من الكفر، وأن نسأل الله أن يقينا أسبابه، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، واجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتوفنا وأنت راض عنا غير غضبان، توبوا إلى الله واستغفروه.

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله النبي الأمين، بعثه الله بالهدى واليقين لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، وآل كل وصحب كل أجمعين، وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين، وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين.

أما بعد:

توجيه للمواطنين الذين خرجوا

أيها المسلمون! اتقوا الله حق تقاته، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقد كان في الأسبوع الذي مضى ما كان من خروج بعض الناس معترضين على ما أصابهم من شظف العيش، وقلة الموارد، وعظم الفقر، ناس قد عضهم الجوع بنابه، خرجوا يعترضون وهم في ذلك محقون، فقد كاد الفقر أن يكون كفراً؛ فالفقر يدفع إلى ما لا تحمد عقباه، خرج هؤلاء الناس معترضين على ما أصابهم ولا غرابة، لكن الذي ينبغي أن ينكر، وينبغي أن يعترض عليه، وأن يؤخذ على يد فاعليه ما قام به بعضهم من تدمير للمنشآت، وإتلاف للممتلكات، وتخريب للسيارات، وإظهار للفساد في الأرض، هذا حرام أيها الناس، وما ينبغي أن يسمح به أبداً، فإن الله لا يحب المفسدين، وقد قال تعالى: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:205] وقال: إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:81]، وقد تجاوزت الشعوب هذه الأساليب، فما عاد الناس يخربون، ولا عاد الناس يحرقون، ولا يتلفون، ولا يدمرون عامراً، هذا كله مما عفا عليه الدهر، مما تجاوزته الشعوب؛ فنحن إخواننا خرجوا في بلاد أخرى فما خربوا عامراً، ولا أتلفوا ممتلكات، ولا دمروا منشآت؛ بل اعتراضهم اعتراض سلمي، وإنما كان التخريب من قبل الفراعنة، الذين لا يرجون لله وقاراً في تلك البلاد.

فالتخريب حرام أيها المسلمون، ما ينبغي أن نسمح به، ولا أن نصفق لفاعليه، ولا أن نفرح بمرتكبيه؛ بل نأخذ على أيديهم، فهذه الأموال إما أن تعود ملكيتها لخاصة المسلمين، ولا يحل لمسلم أن يضر مسلماً، ولا يحل لمسلم أن يروع مسلماً، ولا أن يعتدي على مسلم، وإما أن تكون ملكاً عاماً كهذه الباصات والسيارات الكبيرة التي ربما يكلف الواحد منها خمسمائة ألف جنيه عمدوا إلى إحراق بعضها، وهي في نهاية الأمر ملك للشعب، مال عام، ليس مالاً للحاكم ولا للوالي، ولا للوزير؛ فهذا حرام لا يرضاه الله.

توجيه للمسئولين

يا أيها الناس! كلمة أقولها للمسئولين: قولوا للناس حسناً، ما ينبغي أن تخرجوا على الناس فتسفهوا أحلامهم وآراءهم، وتتهموهم بما هم منه براء، وما ينبغي أن يخرج الكلام القاسي الذي يزيد الاحتقان، ليس موفقاً أبداً ذاك الوزير الذي خرج على الناس، وزير المالية يقول: ماضون في سياستنا الاقتصادية وإن عظم احتجاج الشارع أو كلمة نحوها، أقول: أيها الوزير!

لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال

إن كان بالناس فقر ومسغبة، وضيق وشظف فليسمعوا منك كلمة طيبة، منك ومن غيرك، الناس بحاجة إلى من يربت على أكتافهم، إلى من يستمع إلى همومهم، إلى من يعدهم بالخير، إلى من يؤملهم في الغد، لا من يقول لهم: هذه القرارات على رقابكم ورغم أنوفكم، اصنعوا ما بدا لكم؛ والله يقول: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148]، السوء من القول ممنوع، قال صلى الله عليه وسلم: ( الكلمة الطيبة صدقة )، وقال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء:53]، ( والبلاء موكل بالمنطق )، وكم من كلمة قالت لصاحبها: دعني، ما ينبغي أن يكون هذا هو الكلام الذي يخرج به المسئولون على الناس.

أيها المسلمون! اتقوا الله حق تقاته، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقد كان في الأسبوع الذي مضى ما كان من خروج بعض الناس معترضين على ما أصابهم من شظف العيش، وقلة الموارد، وعظم الفقر، ناس قد عضهم الجوع بنابه، خرجوا يعترضون وهم في ذلك محقون، فقد كاد الفقر أن يكون كفراً؛ فالفقر يدفع إلى ما لا تحمد عقباه، خرج هؤلاء الناس معترضين على ما أصابهم ولا غرابة، لكن الذي ينبغي أن ينكر، وينبغي أن يعترض عليه، وأن يؤخذ على يد فاعليه ما قام به بعضهم من تدمير للمنشآت، وإتلاف للممتلكات، وتخريب للسيارات، وإظهار للفساد في الأرض، هذا حرام أيها الناس، وما ينبغي أن يسمح به أبداً، فإن الله لا يحب المفسدين، وقد قال تعالى: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:205] وقال: إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:81]، وقد تجاوزت الشعوب هذه الأساليب، فما عاد الناس يخربون، ولا عاد الناس يحرقون، ولا يتلفون، ولا يدمرون عامراً، هذا كله مما عفا عليه الدهر، مما تجاوزته الشعوب؛ فنحن إخواننا خرجوا في بلاد أخرى فما خربوا عامراً، ولا أتلفوا ممتلكات، ولا دمروا منشآت؛ بل اعتراضهم اعتراض سلمي، وإنما كان التخريب من قبل الفراعنة، الذين لا يرجون لله وقاراً في تلك البلاد.

فالتخريب حرام أيها المسلمون، ما ينبغي أن نسمح به، ولا أن نصفق لفاعليه، ولا أن نفرح بمرتكبيه؛ بل نأخذ على أيديهم، فهذه الأموال إما أن تعود ملكيتها لخاصة المسلمين، ولا يحل لمسلم أن يضر مسلماً، ولا يحل لمسلم أن يروع مسلماً، ولا أن يعتدي على مسلم، وإما أن تكون ملكاً عاماً كهذه الباصات والسيارات الكبيرة التي ربما يكلف الواحد منها خمسمائة ألف جنيه عمدوا إلى إحراق بعضها، وهي في نهاية الأمر ملك للشعب، مال عام، ليس مالاً للحاكم ولا للوالي، ولا للوزير؛ فهذا حرام لا يرضاه الله.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
الختان 2638 استماع
الوفاء خلق أهل الإيمان 2609 استماع
التفاؤل 2601 استماع
الإسلام دين الفطرة 2527 استماع
اتفاقية دارفور 2363 استماع
التوحيد 2312 استماع
الرياح السود 2288 استماع
اللجوء إلى الله 2211 استماع
أعداء الدين 2157 استماع
الأخوة الإسلامية 2150 استماع