مقدمة في تفسير القرآن الكريم [3]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

فهذا هو الدرس الأخير فيما يتعلق بأصول التفسير، وقد مضى معنا الكلام عن تعريف التفسير وأنه في اللغة بمعنى: الظهور والوضوح والبيان.

وأما في الاصطلاح: هو العلم الذي يعرف به معاني كلام الله المعجز المنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وأن العلم به واجب على الأمة على العموم؛ فلا يجوز أن تخلو الأمة من عالم بمعنى كلام الله عز وجل.

وهذا العلم يقسم بعدة اعتبارات من جهة علم الناس به، ومن جهة طرق الوصول إلينا، ومن جهة أساليب المفسرين فيه، ثم من جهة اتجاهاتهم.

أما من جهة العلم به فكما قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو على أربعة وجوه: وجه تعرفه العرب من كلامها؛ لأن القرآن قد نزل بلسانهم، ووفق الأسلوب الذي يتكلمون به.

ووجه يجب على كل إنسان مسلم أن يحيط به، وهو ما يتعلق بأصول العقائد والعبادات والأخلاق وقواعد الحلال والحرام، ثم وجه يختص به العلماء، ويخفى على عامة الناس.

ثم وجه لا يعلم تأويله إلا الله، وهو ما يتعلق بكيفية صفاته جل جلاله، وكذلك بالغيبيات المتعلقة بالقيامة ونحوها.

ثم باعتبار طرق الوصول إلينا إما أن يكون تفسيراً بالمأثور، أو تفسيراً بالرأي والاجتهاد.

ثم من جهة أساليب المفسرين فيه إما أن يكون تفسيراً إجمالياً يُعنى ببيان معنى الآية إجمالاً، وإما أن يكون تفسيراً تحليلياً يُعنى بتحليل التراكيب، وتفسير المفردات، وبيان وجوه الإعراب والبلاغة، ثم استنباط الأحكام والفوائد، وإما أن يكون تفسيراً مقارناً يؤتى بالأقوال المتعددة في الآية الواحدة، ثم يرجح منها الراجح، وإما أن يكون تفسيراً موضوعياً يأخذ لفظةً أو كلمة.

وسأذكر هنا عشر قواعد ينبغي العض عليها، والاهتمام بها في تفسير كلام الله عز وجل:

القاعدة الأولى: الآية المحتملة لأكثر من معنى تحمل على كل المعاني المحتملة

القاعدة الأولى: إذا كانت الآية تحتمل معانٍ متعددة كلها صحيحة؛ فينبغي حمل الآية على تلك المعاني جميعاً.

وبالمثال يتضح الحال، قال الله عز وجل عن الكفار: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ [التوبة:10]، وكلمة الإل هنا للمفسرين فيها عدة أقوال:

قال بعضهم: الإل هو الله بالعبرانية؛ ولذلك هذه الأسماء جبريل، إسرافيل، وميكائيل، ونحوها كلها بمعنى عبد الله، فالإل بالعبرانية الله.

قال بعضهم: الإل القرابة، لا يرقبون في مؤمن قرابةً، يعني: لا يعتبرون القرابة؛ ولذلك كانوا يعذبون أولادهم وأولاد إخوانهم، ويعذبون إخوانهم وما إلى ذلك، واستدلوا بقول القائل:

ألا أبلغ معاوية بن حرب مغلغلةً من الرجل اليماني

أتغضب أن يقال أبوك عف وترضى أن يقال أبوك زان

وأشهد أن إلك من قريش كإل الفيل من ولد الأتان

(وأشهد أن إلك)، أي: قرابتك، وهذا الكلام يتوجه به إلى زياد بن أبيه الذي استلحقه معاوية رضي الله عنه وسماه زياد بن أبي سفيان ، قال:

(وأشهد أن إلك من قريش)، إلكَ: قرابتك من قريش، (كإل الفيل من ولد الأتان)، الأتان: هي أنثى الحمار، لو قيل: بأن أتاناً ولدت فيلاً لن يصدق هذا أحد فقال له:

أشهد أن إلك من قريش كإل الفيل من ولد الأتان

وقال بعضهم: الإل بمعنى العهد، فيكون من عطف الشيء على مثله، لا يرقبون في مؤمن عهداً ولا ذمة، والذمة هي العهد، كما في قول القائل:

إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم

والآية يمكن أن تحمل على هذه المعاني كلها؛ فالكفار لا يرعون في المؤمن ربهم، أي: لا يرقبون الله، ولا يرقبون القرابة والرحم، ولا يرقبون العهد، فهذه هي القاعدة الأولى، إذا كانت الآية أو اللفظة تحتمل معانٍ متعددة كلها صحيح فينبغي حمل الآية عليها جميعاً.

القاعدة الثانية: كل ما أبهم في القرآن فلا فائدة من بحثه

القاعدة الثانية: كل ما أبهم في القرآن فلا فائدة في بحثه، ومعنى هذا الكلام أن في القرآن أشياء كثيرة مبهمة، ما عينها الله عز وجل، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، سواء كان في الأسماء، أو الأمكنة، أو الأزمنة؛ فلا فائدة في البحث من ورائها وتعيينها، مثل قوله تعالى: وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ [القصص:20]، فهذا الرجل ما ذكر في القرآن اسمه فلا فائدة في البحث عنه، ومثله: وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ [القصص:11]، فاسمها لا فائدة في البحث عنه، وكذلك المشاجرة التي حصلت بين الرجلين فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15]، أسماؤهما، ومكان هذه المشاجرة كله لا طائل من ورائه، ولا فائدة في البحث عنه، فكل ما أبهم في القرآن فلا فائدة في البحث عنه وتعيينه.

القاعدة الثالثة: تفسير الآية عن رسول الله يغني عن قول غيره

القاعدة الثالثة: إذا ثبت تفسير الآية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حاجة إلى قول غيره؛ لأن أعلم الناس بمراد الله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي نزل عليه القرآن عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك إذا جاء التفسير عنه انتهينا إليه؛ ومن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر (المغضوب عليهم) بأنهم اليهود، و(الضالين) بأنهم النصارى، وفسر بأن القوة الرمي، وفسر الزيادة في قول الله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، بأنها النظر إلى وجه الله عز وجل.

ومما يدل على تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن أنك لا تكاد تفتح كتاباً من كتب الحديث إلا وجدت باباً لتفسير القرآن، يذكرون فيه المرويات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير الكلمات، فمثلاً الرسول عليه الصلاة والسلام فسر الحساب اليسير بالعرض، قال عليه الصلاة والسلام: ( من نوقش الحساب عذب. فقالت له عائشة رضي الله عنها: أوليس الله يقول: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً [الانشقاق:8]؟ قال: إنما ذلك العرض )؛ فهذا تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم للحساب هنا بأن المقصود به العرض على الله عز وجل.

القاعدة الرابعة: تقديم تفسير الصحابة على غيرهم وإن لم يدل عليه ظاهر السياق

القاعدة الرابعة: قول الصحابة في تفسير الآية مقدم على قول غيرهم ممن جاء بعدهم، وإن كان ظاهر السياق لا يدل عليه.

مثل قول الله عز وجل: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ [الأحقاف:10]، هذه الآية في سورة الأحقاف، قال سعد بن أبي وقاص ، و عبد الله بن عباس ، و عبد الله بن سلام : والشاهد عبد الله بن سلام.

وهو رجل من علماء بني إسرائيل كان في المدينة، وأول ما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم انجفل إليه الناس، أي: أول ما وصل إلى المدينة أسرع الناس إليه، وكان عبد الله بن سلام فيمن أسرع، قال: فلما رأيته علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وسمعته يقول: ( أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام )، أسلم عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وصار رجلاً مسلماً شهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو رسول الله الذين يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة؛ فالله عز وجل يقول: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ [الأحقاف:10] أيها المشركون، وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأحقاف:10]، والشاهد هو عبد الله بن سلام ، هذا الكلام قاله سعد بن أبي وقاص وهو صحابي، و عبد الله بن عباس وهو صحابي، و عبد الله بن سلام نفسه، رضوان الله على الجميع، فإذا وجدنا قولاً لـمسروق بن الأجدع رحمه الله ورضي عنه، وهو من التابعين، يقول: والله ما نزلت إلا بمكة، وما أسلم عبد الله بن سلام إلا في المدينة، يقول الله - هذا كلام مسروق - التوراة والقرآن من عند الله، وموسى ومحمد كلاهما رسول الله، صلوات الله وسلامه عليهما، فآمن أولئك بموسى والتوراة، وكفرتم بمحمد والقرآن. كلام مسروق رحمه الله كلام مقنع بأن الآية في مكة، و عبد الله بن سلام أسلم في المدينة، قول الصحابي مقدم على قول غيره، و مسروق بن الأجدع ليس صحابياً، وإنما هو من التابعين، رضوان الله عليهم أجمعين.

إذاً: أكرر هذه القواعد الأربع مرةً أخرى:

القاعدة الأولى: إذا احتملت الآية أو اللفظة القرآنية معاني متعددة كلها صحيح فينبغي حمل الآية عليها جميعاً.

القاعدة الثانية: ما أبهم في القرآن فلا فائدة في تعيينه، ولا طائل في البحث عنه.

القاعدة الثالثة: إذا ثبت التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حاجة إلى قول غيره؛ لأنه أعلم الناس بمراد الله.

القاعدة الرابعة: إذا ثبت في تفسير الآية قول عن الصحابي فهو مقدم على قول غيره ممن جاء بعده رضوان الله على الجميع.

القاعدة الخامسة: إعراب القرآن بأحسن الوجوه وأتمها

القاعدة الخامسة: إعراب القرآن ينبغي أن يكون على أحسن الوجوه وأتمها، ولا يتطرق إلى ذلك بمجرد الاحتمال، والإعراب: هو معرفة أواخر الكلمات، من فتحة وضمة وكسرة، وهل هي معربة، أم مبنية، هذا هو الإعراب، ونحن نجد في القرآن كلمات يختلف المفسرون في إعرابها، مثل أول آية في سورة النساء: قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

هذه قراءة الجمهور: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1]، أي: اتقوا الله، واتقوا الأرحام أن تقطعوها، هذا المعنى واضح، وقراءة حمزة بن حبيب الزيات : (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحاِم) بالجر، فأكثر المفسرين يقولون: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) أي: تساءلون به وبالأرحام، وكان من عادة العرب أن يقول قائلهم: ناشدتك الله والرحم، فإذا جاء بعض الناس وقال: الواو واو القسم، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ [النساء:1]، ثم يقسم ربنا بالأرحام، نقول: هذا إعراب محتمل.

ومثله أيضاً الآية التي في أواخر النساء: لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً [النساء:162].

هنا قال الله عز وجل: الراسخون، والمؤمنون، والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر، وهناك قال: (والمقيمين)، أكثر المفسرين يقولون: منصوبة على المدح، ومنصوبة على الاختصاص، أي: وأخص المقيمين الصلاة، فإذا جاء من يقول: بأن الواو هنا واو القسم، نقول له: هذا أيضاً محتمل.

إذاً: من القواعد التي نعض عليها في تفسير القرآن أن إعرابه ينبغي أن يكون على أحسن الوجوه وأتمها، ولا يتطرق إلى ذلك بمجرد الاحتمال.

القاعدة السادسة: إفادة الجملة الاسمية التأكيد والاستقرار

القاعدة السادسة: الجملة الاسمية تفيد التأكيد والاستقرار، كقول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة:6]، هذه الجملة اسمية وهي تفيد بأن هذه سمة في الكفار والعياذ بالله، أنه يستوي عندهم الإنذار وعدمه؛ لأن الله قال: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171].

القاعدة السابعة: إفادة الجملة الفعلية التجرد والحدوث والاستمرار

القاعدة السابعة: الجملة الفعلية تفيد التجدد والحدوث والاستمرار، مثاله قول الله عز وجل: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]، يعني: هذا دأب الكفار أمس واليوم وغداً، وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]، والآية بدأت بالجملة الفعلية التي تفيد التجدد والحدوث والاستمرار.

القاعدة الثامنة: عد إنَّ المشددة من حروف التعليل

القاعدة الثامنة: (إنَّ) المشددة من حروف التعليل، مثاله قول الله عز وجل: اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1]، المعنى: اتقوا ربكم؛ لأن زلزلة الساعة شيء عظيم.

ومثله قول الله عز وجل: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً [فاطر:45].

ومثاله قول الله عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29]، أي: لا تقتلوا أنفسكم؛ لأن الله كان بكم رحيماً.

القاعدة التاسعة: عد الفاء من حروف التعليل

القاعدة التاسعة: الفاء من حروف التعليل، وهذا في القرآن كثير، مثل قول الله عز وجل: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، والفاء من حروف التعليل، إذاً سبب الجلد هو الزنا.

ومثله قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، إذاً سبب القطع هو السرقة، فالفاء من حروف التعليل.

القاعدة العاشرة: دخول الألف واللام على الأسماء والأوصاف يفيد الاستغراق

القاعدة الحادية عشرة: النكرة في سياق النهي أو النفي أو الشرط أو الاستفهام تفيد العموم

القاعدة الحادية عشرة: النكرة في سياق النهي أو النفي أو الشرط أو الاستفهام تفيد العموم، فالاستفهام مثل قول الله عز وجل: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ [فاطر:3]، و(خالق) هنا نكرة، إذاً: لا خالق غير الله يرزقنا فتفيد العموم.

وفي سياق الشرط مثل قول الله عز وجل: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ [النحل:53]، و(نعمة) هنا نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم.

وفي سياق النفي مثل قوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ [محمد:19]، (لا إله) نكرة في سياق النفي، فتفيد العموم.

القاعدة الأولى: إذا كانت الآية تحتمل معانٍ متعددة كلها صحيحة؛ فينبغي حمل الآية على تلك المعاني جميعاً.

وبالمثال يتضح الحال، قال الله عز وجل عن الكفار: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ [التوبة:10]، وكلمة الإل هنا للمفسرين فيها عدة أقوال:

قال بعضهم: الإل هو الله بالعبرانية؛ ولذلك هذه الأسماء جبريل، إسرافيل، وميكائيل، ونحوها كلها بمعنى عبد الله، فالإل بالعبرانية الله.

قال بعضهم: الإل القرابة، لا يرقبون في مؤمن قرابةً، يعني: لا يعتبرون القرابة؛ ولذلك كانوا يعذبون أولادهم وأولاد إخوانهم، ويعذبون إخوانهم وما إلى ذلك، واستدلوا بقول القائل:

ألا أبلغ معاوية بن حرب مغلغلةً من الرجل اليماني

أتغضب أن يقال أبوك عف وترضى أن يقال أبوك زان

وأشهد أن إلك من قريش كإل الفيل من ولد الأتان

(وأشهد أن إلك)، أي: قرابتك، وهذا الكلام يتوجه به إلى زياد بن أبيه الذي استلحقه معاوية رضي الله عنه وسماه زياد بن أبي سفيان ، قال:

(وأشهد أن إلك من قريش)، إلكَ: قرابتك من قريش، (كإل الفيل من ولد الأتان)، الأتان: هي أنثى الحمار، لو قيل: بأن أتاناً ولدت فيلاً لن يصدق هذا أحد فقال له:

أشهد أن إلك من قريش كإل الفيل من ولد الأتان

وقال بعضهم: الإل بمعنى العهد، فيكون من عطف الشيء على مثله، لا يرقبون في مؤمن عهداً ولا ذمة، والذمة هي العهد، كما في قول القائل:

إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم

والآية يمكن أن تحمل على هذه المعاني كلها؛ فالكفار لا يرعون في المؤمن ربهم، أي: لا يرقبون الله، ولا يرقبون القرابة والرحم، ولا يرقبون العهد، فهذه هي القاعدة الأولى، إذا كانت الآية أو اللفظة تحتمل معانٍ متعددة كلها صحيح فينبغي حمل الآية عليها جميعاً.