أدب السؤال


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن موضوع حديثي إليكم هو عن (أدب السؤال).

واعني بالسؤال: سؤال أهل العلم عما أشكل من أمور الدين وهو مأمور به كما قال الله عز وجل:

فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] في موضعين من كتابه تعالى، فأمر الله عز وجل أن نسأل أهل الذكر وهم أهل العلم، العارفون بالكتاب عن ما أشكل علينا من أمور الدين والأحكام ونحوها، فكل من لا يعلم فهو مخاطب بهذه الآية، فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] أما الذي يعلم فإنه من أهل الذكر الذين يسألون.

أصناف السائلين

إذاً بمقتضى هذه الآية فالناس صنفان:

الأول: أهل الذكر: وهم أهل العلم والمعرفة المفتون، الذين يُسألون عن الحرام والحلال وباقي الأحكام. والصنف الثاني: هم العوام: الذين لا يعلمون ولا يعرفون، فيحتاجون أن يعلموا ويعرفوا ويسألوا، فمن يسألون؟ يسألون أهل الذكر: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] وهذا ماأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس وجابروغيرهما في قصة صاحب الشجة أن رجلاً من الصحابة كان في غزوةٍ فأصابته جراحة (شجة في رأسه) فاحتلم ليلاً وأراد أن يغتسل- احتلم وخاف إن اغتسل أن يتضرر- فسأل فقالوا له: لا نرى لك إلا أن تغتسل، فاغتسل فمات، فلما علم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: {قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال} فالذي فيه عي وجهل شفاؤه أن يسأل، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يعلموا أن يسألوا من يعلم، فإن السؤال هو شفاء العي والعجز والجهل.

وهكذا في الحديث الصحيح في قصة الرجل الذي كان له غلام يعمل عند رجل عسيف فزنى بامرأته، فافتدى من زوج المرأة -أخذ الزوج من هذا الرجل مائة شاة ووليدة- مقابل ما فعله ولده بزوجته، يقول أبو الولد: فسألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {لأقضين بينكم بكتاب الله، الوليدة والغنم رد عليك- التي افتديت بها من زوج المرأة رد عليك- وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغدُ يا أنيس على امرأة هذا؛ فإن اعترفت فارجمها فغدا إليها فاعترفت فرجمها أنيس رضي الله عنه } والمقصود أن الرجل قال: فسألت أهل العلم فأخبروني، وقال هذا لسيد المفتين وإمام المعلمين عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك أقره على ذلك- صلى الله عليه وسلم- ولم ينكر عليه أنه سأل أهل العلم حتى والرسول -صلى الله عليه وسلم -حاضر بين ظهرانيه.

إقبال الناس على العلماء

وإن من النعم التى يشكر الله عز وجل عليها، إقبال المسلمين عامتهم وخاصتهم على العلماء في مثل هذه الأزمنة، والأوقات، عامتهم، وخاصتهم يسألونهم ويستفتونهم، وهذه -في الواقع- نعمة تجددت بعد أن ركن العلماء في عدد من البلدان زماناً طويلاً، فقد مضى زمان غير يسير في عدد من البلاد الإسلامية، وأحمد الله أن لم تكن هذه البلاد منها -وإن حاول بعض المغرضين- لكن في كثير من البلاد الأخرى صار العلماء زمناً طويلاً مركونين لا يُستخدمون إلا للسخرية بهم والتندر عليهم في أجهزة الإعلام وفى غيرها، حتى إنهم يضعون الكاريكاتيرات أحياناً التي هي (الرسوم الساخرة) والتي يهدفون منها النيل من العلماء والحط من كرامتهم؛ بل حتى من الهيئات والمؤسسات العلمية، ووالله لقد قرأنا في بعض الصحف في بعض البلاد المجاورة وغير المجاورة كلاماً يعلم الله أنه يستحى أن يذكر مما فيه من تنقص العلماء وازدرائهم، فمنَّ الله تعالى على هذه الأمة، ورد عليها حقيقتها ومعنويتها، فصارت تحترم العلماء، وتعظمهم وتقدرهم وتقبل عليهم من العامة والخاصة.

أما العامة فحدث ولا حرج، قد انجفلوا إلى العلماء يسألونهم عن كل ما يشكل عليهم، حتى من أمور دنياهم، وأما الخاصة فإنك تجد الطبيب يشكل عليه الأمر من أمر الطب فيسأل العالم والفقيه، وتجد المهندس يشكل عليه الأمر فيسأل العالم، وتجد العالم بالاقتصاد والمال يشكل عليه الأمر فيسأل العالم، وتجد الإداري يشكل عليه الأمر فيسأل العالم، حتى الأمراء والزعماء والملوك يقبلون على العلماء ويسألونهم؛ لأنهم يعلمون أن الأمة لا تقبل بالعلماء بديلاً، ولا ترضى إلا قول العالم، وهذا يدل على أن هذه الأمة قد وجدت طريقها بإذن الله تعالى، هذا أمر نحمد الله عليه، ونقول: إنه أمر يسر في هذه الأمة وإن لم يكن بالأمر الغريب، بل هو الأمر الطبيعي، والغريب غيره، فإن الأمة أصلاً من لدن محمد عليه الصلاة والسلام لا معنى لكونها أمة مسلمة إلا لأنها ترجع إلى العلماء، بحيث إن الإسلام هو الضابط الذي تضبط به كل أمور الأمة من صغيرها إلى كبيرها، ليس هناك شيء لا يحتاج إلى سؤال، اللهم إلا القضايا المفروغ منها المعروفة عند العامة والخاصة أن الدين يبيحها ولا يعترض عليها، أما ما سوى ذلك فإنه لابد من أخذ حكم الدين فيها، وحكم الدين لا يسأل فيه من هب ودب، إنما يسأل فيه أهل الذكر، وأهل العلم، وكما أننا لا نسمح مثلاً للبقال أن يكون طبيباً يعالج الناس ويصف الوصفات الطبية، ولا نسمح مثلاً لمن يشتغل بالتبليط أو التلييس أن يقوم بوضع الحسابات التجارية والمالية للمؤسسات، كذلك لا نسمح لكل من هب ودب؛ من أديب أو شاعر أو عامي أو حتى لو كان مثقفاً وغير عالم بالشرع، لا يسمح له أن يتكلم في القضايا الشرعية.

ومن خلال مجالسة بعض الشيوخ من أساتذتي ومن زملائي وأشياخي الذين يسألهم الناس استقرأت بعض الأخطاء وبالتالي بعض الآداب التي يجب أن يراعيها أولئك الذين يسألون وكلنا سائلون، وكلنا ممن يسألون العلماء، حتى لو كان الواحد منا عنده بعض العلم في الشرع، وبعض المعرفة بالأحكام فهو بالتأكيد محتاج إلى أن يسأل، وعمر رضى الله عنه نفسه كان يسأل، وربما أشكلت عليه المسألة فجمع لها أهل بدر وسألهم عنها.

إذاً بمقتضى هذه الآية فالناس صنفان:

الأول: أهل الذكر: وهم أهل العلم والمعرفة المفتون، الذين يُسألون عن الحرام والحلال وباقي الأحكام. والصنف الثاني: هم العوام: الذين لا يعلمون ولا يعرفون، فيحتاجون أن يعلموا ويعرفوا ويسألوا، فمن يسألون؟ يسألون أهل الذكر: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] وهذا ماأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس وجابروغيرهما في قصة صاحب الشجة أن رجلاً من الصحابة كان في غزوةٍ فأصابته جراحة (شجة في رأسه) فاحتلم ليلاً وأراد أن يغتسل- احتلم وخاف إن اغتسل أن يتضرر- فسأل فقالوا له: لا نرى لك إلا أن تغتسل، فاغتسل فمات، فلما علم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: {قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال} فالذي فيه عي وجهل شفاؤه أن يسأل، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يعلموا أن يسألوا من يعلم، فإن السؤال هو شفاء العي والعجز والجهل.

وهكذا في الحديث الصحيح في قصة الرجل الذي كان له غلام يعمل عند رجل عسيف فزنى بامرأته، فافتدى من زوج المرأة -أخذ الزوج من هذا الرجل مائة شاة ووليدة- مقابل ما فعله ولده بزوجته، يقول أبو الولد: فسألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {لأقضين بينكم بكتاب الله، الوليدة والغنم رد عليك- التي افتديت بها من زوج المرأة رد عليك- وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغدُ يا أنيس على امرأة هذا؛ فإن اعترفت فارجمها فغدا إليها فاعترفت فرجمها أنيس رضي الله عنه } والمقصود أن الرجل قال: فسألت أهل العلم فأخبروني، وقال هذا لسيد المفتين وإمام المعلمين عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك أقره على ذلك- صلى الله عليه وسلم- ولم ينكر عليه أنه سأل أهل العلم حتى والرسول -صلى الله عليه وسلم -حاضر بين ظهرانيه.

وإن من النعم التى يشكر الله عز وجل عليها، إقبال المسلمين عامتهم وخاصتهم على العلماء في مثل هذه الأزمنة، والأوقات، عامتهم، وخاصتهم يسألونهم ويستفتونهم، وهذه -في الواقع- نعمة تجددت بعد أن ركن العلماء في عدد من البلدان زماناً طويلاً، فقد مضى زمان غير يسير في عدد من البلاد الإسلامية، وأحمد الله أن لم تكن هذه البلاد منها -وإن حاول بعض المغرضين- لكن في كثير من البلاد الأخرى صار العلماء زمناً طويلاً مركونين لا يُستخدمون إلا للسخرية بهم والتندر عليهم في أجهزة الإعلام وفى غيرها، حتى إنهم يضعون الكاريكاتيرات أحياناً التي هي (الرسوم الساخرة) والتي يهدفون منها النيل من العلماء والحط من كرامتهم؛ بل حتى من الهيئات والمؤسسات العلمية، ووالله لقد قرأنا في بعض الصحف في بعض البلاد المجاورة وغير المجاورة كلاماً يعلم الله أنه يستحى أن يذكر مما فيه من تنقص العلماء وازدرائهم، فمنَّ الله تعالى على هذه الأمة، ورد عليها حقيقتها ومعنويتها، فصارت تحترم العلماء، وتعظمهم وتقدرهم وتقبل عليهم من العامة والخاصة.

أما العامة فحدث ولا حرج، قد انجفلوا إلى العلماء يسألونهم عن كل ما يشكل عليهم، حتى من أمور دنياهم، وأما الخاصة فإنك تجد الطبيب يشكل عليه الأمر من أمر الطب فيسأل العالم والفقيه، وتجد المهندس يشكل عليه الأمر فيسأل العالم، وتجد العالم بالاقتصاد والمال يشكل عليه الأمر فيسأل العالم، وتجد الإداري يشكل عليه الأمر فيسأل العالم، حتى الأمراء والزعماء والملوك يقبلون على العلماء ويسألونهم؛ لأنهم يعلمون أن الأمة لا تقبل بالعلماء بديلاً، ولا ترضى إلا قول العالم، وهذا يدل على أن هذه الأمة قد وجدت طريقها بإذن الله تعالى، هذا أمر نحمد الله عليه، ونقول: إنه أمر يسر في هذه الأمة وإن لم يكن بالأمر الغريب، بل هو الأمر الطبيعي، والغريب غيره، فإن الأمة أصلاً من لدن محمد عليه الصلاة والسلام لا معنى لكونها أمة مسلمة إلا لأنها ترجع إلى العلماء، بحيث إن الإسلام هو الضابط الذي تضبط به كل أمور الأمة من صغيرها إلى كبيرها، ليس هناك شيء لا يحتاج إلى سؤال، اللهم إلا القضايا المفروغ منها المعروفة عند العامة والخاصة أن الدين يبيحها ولا يعترض عليها، أما ما سوى ذلك فإنه لابد من أخذ حكم الدين فيها، وحكم الدين لا يسأل فيه من هب ودب، إنما يسأل فيه أهل الذكر، وأهل العلم، وكما أننا لا نسمح مثلاً للبقال أن يكون طبيباً يعالج الناس ويصف الوصفات الطبية، ولا نسمح مثلاً لمن يشتغل بالتبليط أو التلييس أن يقوم بوضع الحسابات التجارية والمالية للمؤسسات، كذلك لا نسمح لكل من هب ودب؛ من أديب أو شاعر أو عامي أو حتى لو كان مثقفاً وغير عالم بالشرع، لا يسمح له أن يتكلم في القضايا الشرعية.

ومن خلال مجالسة بعض الشيوخ من أساتذتي ومن زملائي وأشياخي الذين يسألهم الناس استقرأت بعض الأخطاء وبالتالي بعض الآداب التي يجب أن يراعيها أولئك الذين يسألون وكلنا سائلون، وكلنا ممن يسألون العلماء، حتى لو كان الواحد منا عنده بعض العلم في الشرع، وبعض المعرفة بالأحكام فهو بالتأكيد محتاج إلى أن يسأل، وعمر رضى الله عنه نفسه كان يسأل، وربما أشكلت عليه المسألة فجمع لها أهل بدر وسألهم عنها.