خطب ومحاضرات
جلسة تكريم
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الأحبة في الله! يسرنا ويسعدنا أن نعيش مع طلبة العلم دقائق وإن كنا مشغولين، لكن من باب قول القائل:
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة |
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة |
يأيها الأحبة! تعلمون أن هذه الحياة عبارة عن سفينة يركبها المجتمع كله، وهي تمخر عباب البحر -وأنتم أهل البحر يا أهل جدة - لا تكاد تهدأ حتى تضطرب، تتقاذفها الأمواج من ناحية إلى ناحية، ولن يكتب الله السلامة لمن هم على ظهرها حتى يكون كل واحدٍ منهم على يقظةٍ مما يفعل وحذرٍ مما يريد.
السفينة -كما قلت- يركبها المجتمع كله، بره وفاجره، طائعه وعاصيه، المصلح والفاسد، الذي يخرق في السفينة والذي يصلح في السفينة، والذي يطارد أفراداً على ظهر السفينة، والذي يرقب الجميع ولا يحرك ساكناً.
هاهم أفراد السفينة، هم هذا المجتمع، هناك من يخرق، وهناك وراءه من يحاول إصلاح هذه الخروق، وهناك من يمنعه لئلا يحدث شيئاً في السفينة؛ لأنه بسقوط السفينة يهلك الكل.
فأقول لك يأيها الحبيب: أي فردٍ أنت على هذه السفينة؟ ماذا تفعل على ظهر السفينة؟
هذا يخرق والماء يدخل إلى داخل السفينة، وذاك يحاول الإصلاح وقد لا يصلح.
يأيها الحبيب: لا بد أن تكون ممن يحاول إنقاذ السفينة؛ لأنها إن هلكت هلك الجميع، وإن سقطت سقط الجميع.
فأقول لكم يا أيها الأحبة: إن الذي يريد أن يصلح في السفينة لا بد له من عدة يقوم بها، الذي يريد إصلاح خرق معين في جدارٍ معين، لا بد له من مؤونة معينة، لا بد له من قطعة مناسبة، يسد بها هذا الخرق، لا بد له من خياطة معينة، لا بد من هذه الأشياء كلها.
أقول لك يا طالب العلم: أنت على ظهر السفينة انتبه وجد واجتهد، ثم اجعل العلم هو أول هذه الأشياء بعد الإيمان بالله عز وجل، بل إن الإيمان بالله عز وجل لا يكون إلا بعد علم، وأنتم طلبة علم، كل إنسانٍ منا ما لم يكن لديه العلم سيحاول إصلاح خرق من الخروق هذه فيزيد في اتساعه؛ لأنه يفسد من حيث يريد الإصلاح، لا بد أن تكون إيجابياً، وأن تجاهد في الإصلاح، وليكن من سلاحك العلم كما قلت لك أيها الحبيب!
يقول حافظ الحكمي عليه رحمة الله:
يا طالب العلم لا ترض به بدلاً فقد ظفرت ورب اللوح والقلمِ |
عندما تأخذ العلم في يدك فاعلم أنك بحاجة إلى أمرٍ آخر مع هذا العلم، وهو أن تعمل.
أنا عندي علم بأن أصلح هذا الخرق في هذه السفينة، لكني ما عملت شيئاً، ستغرق السفينة مهما كان، إذاً لا بد أن تقوم وتعمل شيئاً:
وعالم بعلمه لم يعملن معذب من قبل عباد الوثن |
الحسن البصري عليه رحمة الله يحاول إنقاذ السفينة في عهدٍ من العهود، ويتكلم ويصدع بكلمة الحق، فيقولون: نخشى عليك من فلان قال: لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم ليبيننه للناس ولا يكتمونه: (من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار).
إذا جاهدت وحاولت بالإصلاح ثم سقطت السفينة، ما الفرق بينك وبين غيرك؟
شتان ما بين غريقٍ وغريق!
غريق قد جاهد فإلى جناتٍ ونهر شهيداً بإذن الله سبحانه وتعالى، وغريق آخر بقي ينظر للسفينة حتى هلكت أو ساهم في إغراق السفينة فهذا إلى جهنم وبئس القرار.
نسأل الله أن تكون من الجاهدين الذين يجاهدون أنفسهم أولاً، ثم يجاهدون في إصلاح سفينة الأمة لتمخر عباب البحر، فلا تقف إلا في الموقف الذي يجب أن تقف فيه على شاطئ الأمان، لا تقف إلا في جناتٍ ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
مزايا طالب العلم
الأولى: الخيرية: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه}.
كل واحد منا يريد أن يكون خير الناس.
تعلم القرآن وعلمه تفز بهذه الخيرية.
أما الثانية: فهي النضارة والوضاءة في الدنيا والآخرة.
إنك لتجد على وجوه المؤمنين العاملين بعلمهم آثار الإيمان، ووضاءته في الدنيا، حتى وإن كان الواحد أسمر، فإنك تجد عليه وضاءة الإيمان والعمل بالعلم.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها؛ فرب مبلغٍ أوعى من سامع}.
أما الثالثة: فإن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى الحيتان في قاع البحر ليصلون على معلم الناس الخير -يدعون لمعلم الناس الخير- وهذه مرتبة عظيمة تجعل الإنسان يتفانى في أخذ العلم والعمل به.
أما المرتبة الأخيرة: فهي لا تقل عن الأولى، وهي أنك تكون معدلاً، والذي يعدلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين}.
أربع خصال، يحتاج الإنسان أن يفني وقته وجهده فيها.
وأقول لك وأنت تأخذ هذا العلم وتعمل به: اعلم أن الله خصك بأربع مزايا:
الأولى: الخيرية: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه}.
كل واحد منا يريد أن يكون خير الناس.
تعلم القرآن وعلمه تفز بهذه الخيرية.
أما الثانية: فهي النضارة والوضاءة في الدنيا والآخرة.
إنك لتجد على وجوه المؤمنين العاملين بعلمهم آثار الإيمان، ووضاءته في الدنيا، حتى وإن كان الواحد أسمر، فإنك تجد عليه وضاءة الإيمان والعمل بالعلم.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها؛ فرب مبلغٍ أوعى من سامع}.
أما الثالثة: فإن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى الحيتان في قاع البحر ليصلون على معلم الناس الخير -يدعون لمعلم الناس الخير- وهذه مرتبة عظيمة تجعل الإنسان يتفانى في أخذ العلم والعمل به.
أما المرتبة الأخيرة: فهي لا تقل عن الأولى، وهي أنك تكون معدلاً، والذي يعدلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين}.
أربع خصال، يحتاج الإنسان أن يفني وقته وجهده فيها.
أيها الحبيب: وأنت تطلب العلم أقول لك: ارجع إلى سلفك فإن لكل إنسان سلفاً، وسلفنا بإذن الله عز وجل هم خير القرون، قرن النبي صلى الله عليه وسلم ثم القرن الذي يليه، ثم القرن الذي يليه، وارجع إليهم كيف كان حالهم.
الإمام الشافعي عليه رحمة الله يجتمع به بعض طلبة العلم فيقولون: يا إمام ما شهوتك في طلب العلم؟ قال: إني لأسمع بالكلمة مما لم أسمع، فتود أعضائي أن يكون لها آذان، فتستمع لما استمعت له أذني -أي أن كل عضو يتمنى أن له أذنين ليستمع إلى هذه الفائدة- قالوا: فما حرصك عليه؟ قال: حرص الجموع المنوع على ماله -حرص البخيل على ماله- قالوا: فما طلبك له؟ قال: طلب المرأة المضلة لولدها ليس لها ولدٌ غيره -امرأة ما معها إلا واحد وضاع منها فهي تطلبه في كل مكان بكل ما أوتيت من قوة- ثم يقول بعد ذلك:
ولست بمدركٍ ما فات مني بلهف ولا بليت ولا لو اني |
يقول أحمد فارس اللغوي:
إذا كان يؤذيك حر المصيف ويبس الخريف وبرد الشتا |
ويلهيك حسن زمان الربيع فأخذك للعلم قل لي متى |
إذا كان كلما جاء وقت قلت: نؤجله للوقت الثاني، يأتي الخريف بيبوسته فتقول: نؤجله للشتاء، يأتي الشتاء ببرده فتقول: نؤجله إلى الصيف، يأتي الصيف فتقول: نؤجله إلى الربيع، يأتي الربيع فتقول: نطلع ونتمشى ونذهب ونأتي.
كيف إذاً تطلب العلم؟! متى تأخذ العلم إن لم تأخذه في كل وقت، وتجند من وقتك جزءاً عظيماً للعلم؟!
إن الدعوة بلا علم توقع الإنسان في البدع.
إن المبتدعة عندما وقعوا في بدعتهم دعوا إلى الله بلا علم، والسلاح الأول لكم -أيها الدعاة- هو طلب العلم، ولذلك خذوا أمثلة على ذلك أيضاً، لأن الإنسان إذا نظر إلى قدوة حية أمامه -أو قدوة ميتة أيضاً- قد يحاول أن يقلدها لأنه تعجبه خصالها.
الإمام النووي عليه رحمة الله: ما كان يأكل إلا أكلة واحدة في اليوم، ويشرب شربة واحدة وقت السحر، ولا يأكل الفاكهة يقول: ترطب جسمي فتجلب لي النوم، ووالله إن أحب ما إلي أن أطالع في الكتب، ثم يلقي في اليوم الواحد أحد عشر درساً، ومنكم من هو يدرس الخمس الحصص ويراها تقض المضاجع، فما بالك بأحد عشر درساً في اليوم الواحد؟!
الإمام المنذري عليه رحمة الله: يقول أحد تلاميذه: جاورته اثنتي عشر سنة، والله ما قمت في ليلة من الليالي في أول الليل أو في آخره إلا وهو مضيء سراجه وهو يقلب كتب العلم.
شهوتهم في العلم، اشتهوا العلم، فعملوا لهذا العلم، فأنتجوا ما أنتجوا.
الإمام أحمد عليه رحمة الله: يقول عن أمه: كانت توقظني قبل صلاة الفجر، فأصلي الفجر في المسجد، وتذهب معي وعمره عشر سنوات قد حفظ القرآن، ثم بعد أن بلغت السادسة عشرة -انظروا إلى الأم، يا ليت الأمهات يسمعن مثلما نسمع من أم أحمد ، ويا ليتهم يعرفون سيرة أم أحمد ليربوا الشباب على طلب العلم وعلى الدعوة إلى الله عز وجل- يقول: عندما بلغت السادسة عشرة قالت لي: يا بني هاجر في طلب الحديث؛ فإن طلب الحديث هجرةٌ في سبيل الله، ثم زودته ببعض أرغفة من الشعير، وقالت له: اذهب إلى المدينة وإلى مكة وإلى صنعاء واطلب العلم، وعندما أراد أن يذهب قالت: إن الله إذا استودع شيئاً حفظه، وأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، ويذهب إلى مكة وإلى المدينة وإلى صنعاء ليعود الإمام أحمد ، وهو الآن بعد هذه السنين كلها حيٌ بين أيدينا بعلمه، ما تدخل مكتبة من المكتبات إلا وتجد الإمام أحمد أمامك
يا رُبَّ حَيٍّ رُغامُ القبر مسكنه ورُبَّ مَيْتٍ على أقدامه انتصبا |
استمع المزيد من الشيخ علي بن عبد الخالق القرني - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
صور وعبر | 2803 استماع |
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا | 2674 استماع |
هلموا إلى القرآن | 2497 استماع |
الإكليل في حق الخليل | 2496 استماع |
أرعد وأبرق يا سخيف | 2410 استماع |
هكذا علمتني الحياة [2] | 2408 استماع |
أين المفر | 2328 استماع |
اسألوا التاريخ | 2276 استماع |
حقيقة الكلمة | 2243 استماع |
الأمر بالمعروف | 2202 استماع |