سلسلة شرح صحيح البخاري [19]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد.

قال البخاري رحمه الله: [ باب ما جاء في قاتل النفس ].

أي: ما جاء في شأن قاتل النفس، وقاتل النفس إما أن يكون قتل غيره أو نفسه.

ولم يجزم البخاري رحمه الله فيه بحكم؛ لأن ابن عباس من الصحابة كان يرى أن قاتل النفس مخلد في جهنم، وخالف بذلك جمهور الصحابة، ودليله: أن الله عز وجل قال: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] وليس في القرآن وعيد كهذا الوعيد، فقد جمع بين كل أنواع الوعيد، فقال: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ، هذا الجزاء الأول، والثاني وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، ثم وَلَعَنَهُ ، فجمع له بين الغضب واللعن، ثم وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ، وهذا لبيان شدة إثم هذا الفعل، وهو قتل النفس، وأول جريمة قتل وقعت على ظهر الأرض ارتكبها أحد ابني آدم، كما قال عز وجل في سورة المائدة: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ [المائدة:27] فهذه أو جريمة قتل وقعت على الأرض، وفي حديث البخاري قال صلى الله عليه وسلم: (لا تُقتل نفس ظلماً) يعني: أي نفس تُقتل بظلم على الأرض، (إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل). فكل نفس تُقتل مظلومة في ميزان ابن آدم، فهو يحمل وزر قتلها على اعتبار أنه ابتدع بدعة سيئة، وكل أوزار المتبرجات في مصر في كفة قاسم أمين الذي أراد أن يحرر المرأة من الحجاب والحشمة إلى العري والخلاعة، فهذا في ميزانه إن شاء الله إلى يوم القيامة؛ لأن المرأة في مصر كانت إلى عهد قبل الثورة ترتدي النقاب إلى أن جاء قاسم أمين والثورة فحررت المرأة بزعمهم، وكان التحرر هو أن تكشف عن محاسنها، وسمي ذلك بتحرير المرأة المسلمة، وكان ميدان التحرير يسمى ميدان الإسماعيلية، ثم سُمي بميدان التحرير؛ لأن فيه تحررت المرأة، ولا أدري من أي شيء حررت. نسأل الله العافية.

ثم أورد البخاري الحديث الأول: [ من طريق ثابت بن الضحاك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بحديدة عُذِّب بها في نار جهنم) ].

ومن صنيع البخاري رحمه الله أن يأتي بالحديث في أكثر من باب، والذي يهمنا هنا هو المقطع الأخير؛ لأن له علاقة بالتبويب، وسنعود إلى المقطع الأول في كتب أخرى.

تنازع قوم في البخاري ومسلم لدي وقالوا أي ذين تقدم

فقلت لقد فاق البخاري صحة كما قد فاق في حسن الصياغة مسلم

والمعنى: أن البخاري في الصحة أعلا من مسلم ، وأما في التبويب فـمسلم لا يأتي بالحديث إلا في موضع واحد، والبخاري يأتي به في أكثر من موضع، لعلة في السند أو في المتن، أي: أن البخاري لا يكرر الأحاديث عبثاً، وإنما يكررها لعلة في سنده أو في متنه، فإن أعاده بنفس المتن فانظر إلى السند، فستجد خلافاً في سند الرجال.

بيان أن الكلام إذا خرج مخرج الغالب فليس له مفهوم مخالفة

وإن قال قائل: أنا لن أقتل نفسي بحديدة، وسأقتلها غرقاً، والوعيد إنما جاء لمن قتل نفسه بحديدة، قلنا له: افهم مقصود الكلام؛ لأن الكلام له منطوق ومفهوم.

فالمنطوق: هو ما دل عليه اللفظ في محل النطق. والمفهوم: ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، وهو قسمان: مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة.

ومفهوم الموافقة يسمى لحن الخطاب، وفحوى الخطاب، وهو مثل قول الله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10]. فهذه الآية نص في منطوقها، وهي تدل على حرمة أكل مال اليتيم. فلو قال رجل: أنا لن آكل مال اليتيم وإنما سأتلفه بحرقه، والله إنما نهاني عن أكله ولم ينهني عن حرقه. قلنا: إن الله ينهى عن الأكل وعما ساوى الأكل، سواء بالحرق أو بالإتلاف أو بالإغراق، فالكلام له منطوق ومفهوم، فمنطوقه عدم أكل مال اليتيم، ومفهومه عدم إتلافه بأي طريقة.

وإذا قال قائل: أنا أصلي -والحمد لله- الفجر بوضوء العشاء، فمنطوق الكلام أنه يصلي بوضوء العشاء، ونفهم من الكلام أنه لا ينام؛ لأنه ما أحدث، فهو يحافظ على وضوئه من العشاء إلى الفجر.

وحينما يقول قائل: أنا لم أر قفا مصل في حياتي. نفهم منه: أنه يصلي دائماً في الصف الأول، فالكلام له منطوق ومفهوم، وحينما قال صلى الله عليه وسلم كما في مسلم : (اليد تزني وزناها اللمس) مفهوم الكلام أن لمس اليد أحد أسباب الزنا. وهذا مفهوم الكلام.

إذا قتل نفسه بسُمّ أو غرقاً فهو كمن قتل نفسه بحديدة، وإنما نص على الحديدة في قوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بحديدة) لأن الحديدة هي غالب المعدن الذي يستخدم في قتل الإنسان، فخرج الكلام مخرج الغالب، وإذا خرج الكلام مخرج الغالب فليس له مفهوم مخالفة.

ولو قال قائل في قول الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ [الأنعام:151]، أي: من فقر، فالآية تحرم قتل الولد من الفقر فأنا سأقتل ولدي من غنى. قلنا له: إن الكلام خرج مخرج الغالب، فغالب الفعل أنهم كانوا يقتلون أولادهم من فقر، وليس له مفهوم مخالفة.

وكذلك في قول الله تعالى: لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130] إذا قال قائل: إن الله حرم الربا أضعافاً مضاعفة، فأنا لن آكل الربا المضاعف أضعافاً مضاعفة، وسآكل قليلاً. قلنا له: إن الكلام خرج مخرج الغالب.

وكذلك إذا خرج الكلام لبيان واقع، ليس له مفهوم مخالفة، مثل قوله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء:23]. فإذا تزوجت امرأة لها بنت فهذه البنت تسمى ربيبة، وهذه الربيبة تحرم على زوج الأم بمجرد أن يدخل بأمها، كما قال تعالى: مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ . وكلمة في حجوركم بمعنى أنها تتربى مع الرجل في بيته، فلو أن ربيبة تقيم في القاهرة وتزوجت أمها في الإسكندرية فإنها تحرم على الزوج، فكلمة في حجوركم لبيان الواقع، أي: أن الربيبة تكون في الواقع مع أمها، ونادراً ما تبعد عن أمها، فلا يشترط أن تكون في الحجر حتى تحرم، ولا يفهم من الكلام أن الربيبة إن لم تكن في الحجر أنها تجوز.

كما لا يفهم من قوله تعالى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [النور:33] على أن الشريعة الإسلامية لم تحرم الزنا إذا كان برضا المرأة؛ لأن الله قال: وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ [النور:33] وإذا لم تكره فلها أن تزني كيفما شاءت، بل إن الكلام خرج لبيان واقع، فالواقع أنهم كانوا يكرهون فتياتهم على البغاء، فقال: وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ، وليس معنى ذلك أنه يجوز برضاها.

وإن قال قائل: أنا لن أقتل نفسي بحديدة، وسأقتلها غرقاً، والوعيد إنما جاء لمن قتل نفسه بحديدة، قلنا له: افهم مقصود الكلام؛ لأن الكلام له منطوق ومفهوم.

فالمنطوق: هو ما دل عليه اللفظ في محل النطق. والمفهوم: ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، وهو قسمان: مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة.

ومفهوم الموافقة يسمى لحن الخطاب، وفحوى الخطاب، وهو مثل قول الله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10]. فهذه الآية نص في منطوقها، وهي تدل على حرمة أكل مال اليتيم. فلو قال رجل: أنا لن آكل مال اليتيم وإنما سأتلفه بحرقه، والله إنما نهاني عن أكله ولم ينهني عن حرقه. قلنا: إن الله ينهى عن الأكل وعما ساوى الأكل، سواء بالحرق أو بالإتلاف أو بالإغراق، فالكلام له منطوق ومفهوم، فمنطوقه عدم أكل مال اليتيم، ومفهومه عدم إتلافه بأي طريقة.

وإذا قال قائل: أنا أصلي -والحمد لله- الفجر بوضوء العشاء، فمنطوق الكلام أنه يصلي بوضوء العشاء، ونفهم من الكلام أنه لا ينام؛ لأنه ما أحدث، فهو يحافظ على وضوئه من العشاء إلى الفجر.

وحينما يقول قائل: أنا لم أر قفا مصل في حياتي. نفهم منه: أنه يصلي دائماً في الصف الأول، فالكلام له منطوق ومفهوم، وحينما قال صلى الله عليه وسلم كما في مسلم : (اليد تزني وزناها اللمس) مفهوم الكلام أن لمس اليد أحد أسباب الزنا. وهذا مفهوم الكلام.

إذا قتل نفسه بسُمّ أو غرقاً فهو كمن قتل نفسه بحديدة، وإنما نص على الحديدة في قوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بحديدة) لأن الحديدة هي غالب المعدن الذي يستخدم في قتل الإنسان، فخرج الكلام مخرج الغالب، وإذا خرج الكلام مخرج الغالب فليس له مفهوم مخالفة.

ولو قال قائل في قول الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ [الأنعام:151]، أي: من فقر، فالآية تحرم قتل الولد من الفقر فأنا سأقتل ولدي من غنى. قلنا له: إن الكلام خرج مخرج الغالب، فغالب الفعل أنهم كانوا يقتلون أولادهم من فقر، وليس له مفهوم مخالفة.

وكذلك في قول الله تعالى: لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130] إذا قال قائل: إن الله حرم الربا أضعافاً مضاعفة، فأنا لن آكل الربا المضاعف أضعافاً مضاعفة، وسآكل قليلاً. قلنا له: إن الكلام خرج مخرج الغالب.

وكذلك إذا خرج الكلام لبيان واقع، ليس له مفهوم مخالفة، مثل قوله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء:23]. فإذا تزوجت امرأة لها بنت فهذه البنت تسمى ربيبة، وهذه الربيبة تحرم على زوج الأم بمجرد أن يدخل بأمها، كما قال تعالى: مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ . وكلمة في حجوركم بمعنى أنها تتربى مع الرجل في بيته، فلو أن ربيبة تقيم في القاهرة وتزوجت أمها في الإسكندرية فإنها تحرم على الزوج، فكلمة في حجوركم لبيان الواقع، أي: أن الربيبة تكون في الواقع مع أمها، ونادراً ما تبعد عن أمها، فلا يشترط أن تكون في الحجر حتى تحرم، ولا يفهم من الكلام أن الربيبة إن لم تكن في الحجر أنها تجوز.

كما لا يفهم من قوله تعالى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [النور:33] على أن الشريعة الإسلامية لم تحرم الزنا إذا كان برضا المرأة؛ لأن الله قال: وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ [النور:33] وإذا لم تكره فلها أن تزني كيفما شاءت، بل إن الكلام خرج لبيان واقع، فالواقع أنهم كانوا يكرهون فتياتهم على البغاء، فقال: وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ، وليس معنى ذلك أنه يجوز برضاها.

هناك جريدة شيوعية حمراء تصدر في السوق، كتب مؤسسها المعروف بشيوعيته مقالاً يقول فيه: إن السلفيين يريدون أن يعودوا إلى عصور الظلام، فيركبون الحمير والجمال، ويمزقون الشهادات الجامعية، ويأكلون على الأرض، ويسافرون على الخيول، ويحاربون بالسيوف، ويفهمون الآيات فهماً عقيماً. ويقول في قوله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11]: يقول: حدّث معناها .. ابتكر، فالتحديث هنا بمعنى الابتكار. ثم قال في قوله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً) معناه: أنه بدأ غريباً بأن نبيه أمي، وتكلم وكتب وهو لا يجيد القراءة ولا الكتابة، (وسيعود غريباً) بفتوى علماء السعودية مهبط الوحي في فتواهم الغريبة. فقد تمخّض الجبل فولد فأراً. فهؤلاء القوم أصحاب علمانية قذرة نتنة، يقطرون حقداً وحسداً على الموحدين.

وحفاظ الأمة من السلف كـالطبري وابن كثير والسيوطي من علماء التفسير لم يقل أحد منهم بهذا القول، ثم جاء هذا الجهبذ فتمخض وفهم الآية والحديث فهماً جديداً، وهذه مصيبة ما بعدها مصيبة!

وكتب أحد العلمانيين أن الأصل في المرأة في الإسلام أن تتبرج، ويستدل بقوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، يقول: كيف أغض بصري إذا كانت المرأة محجبة؟ فلا بد أن تتعرى المرأة لأغض بصري.

فهؤلاء عقولهم قد تعفّنت، وأنت لست حراً في أن تفهم القرآن بفهمك، فهناك ضوابط لفهم القرآن، ولم يفهم هذا المعنى الصحابة ولا التابعين ولا المفسرين، فالقرآن والسنة يفسران بفهم سلف الأمة.

وفي مجمع البحوث الإسلامية قال أحد أعضائه: إن حد الردة في الإسلام لا أصل له، وأنه يجب أن يلغى، وقدم هذا الاقتراح الدكتور عبد الصبور شاهين ، مستدلاً بقول الله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217] . قال: وهذا معناه: أنه يترك حتى يموت كافراً لا أن يقتل. وقال: إن حديث البخاري (من بدّل دينه فاقتلوه)، وحديث (لا تحل نفس امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة) خبر آحاد، وأن حديث معاذ بن جبل مع أبي موسى الذي في البخاري أنهما قتلا مرتداً في اليمن لا يُعمل به. فليس عنده اعتبار للسنة، وأخبار الآحاد لا يعمل بها في العقيدة، وهذه طامة ومصيبة، فقد قال علماء الأمة الشافعي ومالك وأبو حنيفة وابن حنبل والأوزاعي والثوري وغيرهم من علماء الأمة الأفذاذ بقتل المرتد ثم جئت أنت لتأتي بحكم جديد، فلا بد أن يكون لك سلف في قولك، فأنت لست حراً. والدكتور أحمد وافي في دار العلوم قام ببحث طيب، فقد جمع آراء ابن تيمية التي خالف فيها المذاهب الأربعة وحققها ونسبها إلى عصر الصحابة، وأثبت أن ابن تيمية لم ينفرد بقول، وإنما له سلف في هذه الأقوال، فلا بد أن يكون لك سلف في قولك من الصحابة أو التابعين أو أتباع التابعين، فأنت لست حراً في أن تبتكر فهماً جديداً في النصوص الشرعية.

ونحن لا نريد أن نتتبع كل ما يُكتب، فإن الكتابة الآن قد فتحت على مصراعيها، ويسمونها حرية فكر، ونحن نسميها حرية كفر، وفرق بين حرية الفكر وحرية الكفر، فهم الآن يكتبون ما يشاءون، ويطعنون في القرآن وفي السنة، وفي الصحابة وفي الأشخاص، وفي الثوابت وفي كل شيء، لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً [التوبة:10].

الحديث الثاني: [ حديث جندب رضي الله عنه في هذا المسجد فما نسينا وما نخاف أن يكذب جندب على النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان برجل جراح فقتل نفسه، فقال الله: بدرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة) ].

فهذا النص يبين أن المنتحر يخلد في جهنم، ولا بد أن نفهم النصوص فهماً صحيحاً، فقد انحرفت فرقة التكفير بأخذ بعض النصوص دون بعض، وكذلك انحرف من خرج على الحكام وأصل للمسائل البدعية بأخذ بعض النصوص دون بعض، ففهم النصوص على غير وجهها هو الذي فرق الأمة.

فقوله: (حرمت عليه الجنة) لها معان عند العلماء: فإما أن يكون حرمت عليه الجنة إن استحل أن يقتل نفسه، وإما أن يكون (حرمت عليه الجنة) ابتداءً، يعني: أنه يدخل النار أول الأمر ولكنه يخرج من النار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال (شفاعتي لأهل الكبائر). وهذه النصوص تُفهم عند الفرق الضالة أفهاماً عقيمة وشاذة، ومن الفقه في الدين أن تجمع النصوص في المسألة الواحدة، والله يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]. فكل من لم يشرك بالله فهو في مشيئة الله، إلا ما جاء مقيداً ومنصوصاً عليه.

قال البخاري رحمه الله : [ حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار) ].

أي: أن من قتل نفسه فإنما يقودها إلى النار ويتردى في جهنم، كما قال صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث أيها الأحباب: زجر ووعيد لقاتل نفسه إن استحل ذلك، وأما إن لم يستحل ذلك فيدخل جهنم للتطهير لا للخلود، ومنهج السلف يقول: لا يدخل الجنة مشرك ولا يخلد في النار موحد. وفي الحديث القدسي: (أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله، وعمل من الخير ما يزن ذرة، برة، شعيرة).

قال البخاري رحمه الله: [ باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين ].

والنفاق المقصود به هنا: النفاق الاعتقادي.

ثم جاء بحديث عمر رضي الله عنه أنه قال: (لما مات عبد الله بن أبي بن سلول)، وعبد الله بن أبي هو رأس المنافقين في المدينة.

وقد ظهر النفاق في المدينة بعد غزوة بدر، فمكة لم يكن فيها نفاق، فقد كان المؤمنون في مكة يؤذون ويضطهدون ويخرجون ويعذبون، ثم بعد غزوة بدر ظهر النفاق في المدينة، وقد حذر ربنا عز وجل من أهل النفاق في القرآن الكريم، وكان عبد الله بن أبي بن سلول رأس النفاق وصاحب حادثة الإفك، وهو الذي قال: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ [المنافقون:8]، ويقصد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، أي: ليخرج من المدينة الأعز ذليلاً، فلما وصلت هذه الكلمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له ولده عبد الله بن عبد الله رضي الله عنه فابنه صحابي كـأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط صحابية وأبوها كافر: (يا رسول الله! مرني أن أقتل أبي إن شئت، حتى لا يقتله غيري فأعيّر به فأقتله، فأكون قد قتلت مسلماً بكافر). فإن أردت أن تقتله فمرني أنا فآتيك برأسه، وهذا ولاء وبراء. (قال: لا نريد أن نقتله. قال: يا رسول الله! والله لن يدخلها -أي: المدينة- حتى يعلم من الأعز ومن الأذل). ثم وقف على باب المدينة إلى أن جاء أبوه، فقال: دعني أدخلها. قال: لن تدخل المدينة إلا أن تقول: أنا الأذل ورسول الله الأعز. فقال عبد الله بن أبي : أنا الأذل ورسول الله الأعز، فسمح له بدخولها. وموقف الابن هنا عزة وكرامة للإسلام، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8]. واليوم العزة والكرامة ضاعت في بلاد المسلمين؛ لأنهم تخلوا عن دينهم وعن عقيدتهم، وقد نشرت جريدة الجمهورية امرأة أمريكية كافرة تشير إلى مقتول عراقي وهي فرحة كأنها حققت نصراً بقتله، قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118]. ففيهم حقد دفين وحسد على الإسلام والمسلمين، وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة:109]. وهؤلاء لا يمكن أن يرقبوا في مؤمن إلاً ولا ذمة.

وقال بوش في آخر تصريحاته: لن يهدأ لي بال إلا باختفاء اللحية والنقاب من جميع البلاد الإسلامية. فالأصولية هذه لا بد أن تنعدم، والمظهر الإسلامي يقلق مضجعه؛ لأنه يعرف التاريخ، ويعرف أنه إن استيقظ هذا المارد فسيدخل هو وأتباعه إلى الجحر: فهم كالنمل، يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:18].

ولما مات عبد الله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه قال عمر : (فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه -أي: أن عمر قفز بين يديه- فقلت: يا رسول الله! أتصلي على ابن أُبي وقد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا؟ وأعدد عليه قوله، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أخر عني يا عمر ! إني خيرت فاخترت) أي: في قول الله سبحانه: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ [التوبة:80]، (ولو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها).

فالعدد في قوله تعالى: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة:80] ليس مقصوداً لذاته ولا مفهوم له، وإنما هو لبيان الكثرة، فالعدد لا مفهوم له إلا في نصوص قليلة توضح أن له مفهوماً.

فهنا لو أن النبي صلى الله عليه وسلم استغفر له إحدى وسبعين مرة فلن يُغفر له، فالسبعون ليست مقصودة بذاتها، وإنما مقصودة لكثرتها. (فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف). وانظروا إلى هذا الحلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى على رجل قال عن زوجته: إنها وقعت في الزنا، وادعى أنه الأعز ورسول الله صلى الله عليه وسلم الأذل، وعاد بثلث الجيش في أحد، وأحدث بين الصحابة ما أحدث، وفعل كذا وكذا في بداية الإسلام. (فمكث النبي صلى الله عليه وسلم يسيراً فنزلت الآيتان من براءة: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84])؛ لأنه مكث على قبره وجلس فوق قبره، وألبسه قميصه وتفل عليه، لعل الله يغفر له رحمة لولده، وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، وهذا نهي من الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم والأمة من بعده من الصلاة على المشركين والمنافقين.

قال البخاري رحمه الله: [ باب ثناء الناس على الميت:

وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (مرت جنازة فأثنوا عليها خيراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت. ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال: وجبت. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض) ].

وهذا الحديث في فضل أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وليس معنى ذلك أن من ذُكر بخير في أي مجتمع وجبت له الجنة، فالراقصون يُذكرون بخير في مجتمع الراقصين، والممثلون يُذكرون بخير في مجتمع الممثلين، ولاعبو الكرة يُذكرون بخير في مجتمع اللاعبين، وليس معنى هذا أنهم وجبت لهم الجنة.

ويوم أن مات سراج الدين رئيس حزب الوفد خرجت صحيفة الوفد في اليوم التالي تقول: إلى جنة الخلد يا سراج ! وإنا لله وإنا إليه راجعون، فهل جزمتم أن له الجنة؟ وكان الأصل أن يقال: نسأل الله له الجنة، وأما الجزم بأن له الجنة فهذه مصيبة. ويحدث هذا كثير جداً، فعندما يموت لاعب الكرة في الملعب، قالوا: فلان شهيد الكرة! وإذا مات المطرب الخليع وهو يرقص قالوا: مات شهيداً، فهو يؤدي عملاً وطنياً وواجباً قومياً، ويوم أن تموت الراقصة وهي ترقص أيضاً يقولون عنها: شهيدة الفن والطرب والإغراء، ولا شك أن هذا مصيبة. نسأل الله العافية.

فالحديث في فضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

فإذا مرت جنازة فلنقل: رحمك الله، كم كنت تصلي معنا، كم كنت تصوم، كم كنت تقرأ القرآن، كم كنت تصلح بين الناس، ونذكره بخير. ومن حسن خاتمة المسلم ومن عاجل شراه: أن يثني عليه أهل الصلاح، ولذلك قال الإمام أحمد : بيننا وبينكم الجنائز، وهذه الكلمة يفهمها الكثير خطأً، فـابن حنبل يقول للظلمة: بيننا وبينكم الجنائز.

وقد يفهم البعض أن معنى بيننا وبينكم الجنائز كثرة عدد المشيعين في جنازة الموحدين، وقلة العدد في جنازة غير الموحدين، ولكن ليس هذا هو المقصود، وإنما بيننا وبينكم الجنائز، معناها أن تنظر في جنازة الصالح فلا تجد إلا الصالح، وأن تنظر في جنازة الظالم فلا تجد إلا الظالم، يعني: لا يشيع جنازة الصالح إلا أهل الصلاح، وليس المقصود العدد؛ لأنه يوم أن مات العندليب الأسمر شيّع جنازته مائتي ألف أو ثلاثمائة ألف، وكلهم يبكي، ولكن الذي مشى خلفه هم الملحنون والهابطون والراقصون والممثلون، وكل أهل الظلم والفسق، وما وجدت رجلاً ملتحياً صالحاً يسير خلفه، وهذه مصيبة كبيرة جداً، ويوم أن يموت العالم تجد في جنازته العلماء والأئمة وأهل القرآن والصلاح، فجنازة أهل الصلاح لا يسير فيها إلا أهل الصلاح، وجنازة الظلمة لا يسير فيها إلا الظلمة، فليس المقصود كثرة العدد، وهناك جنازات كبيرة للظلمة يسير فيها الملايين، ولكن الذين يشيعونها لا علاقة لهم بالدين من بعيد ولا من قريب.

قال البخاري رحمه الله: [ من حديث بريدة عن أبي الأسود قال: (قدمت المدينة وقد وقع بها مرض، فجلست إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فمرت بهم جنازة فأثني على صاحبها خيراً فقال عمر : وجبت) ].

ففي الحديث الأول الذي قال وجبت هو النبي صلى الله عليه وسلم، والذي قال هنا هو عمر . (ثم مر بأخرى فأثني على صاحبها خيراً فقال عمر : وجبت، ثم مر بالثالثة فأثني على صاحبها شراً فقال: وجبت، فقال أبو الأسود : فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟! قال: قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة، فقلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة، فقلنا: واثنان؟ قال: واثنان، ثم لم نسأله عن الواحد). فهذا إذا أثنى عليه أربعة من السلف وأصحاب العقيدة والتقوى، وأما أن يشهد أحد الحزبيين لحزبي أو أحد أهل البدع والأهواء لآخر أو أحد الأقطاب والأوتاد فهذه شهادة لأهل البدعة، وشهادة أهل البدع مردودة عند الناس وعند الله، فالقرآن والسنة بفهم سلف الأمة دون حزبية ولا تعصب.

قال البخاري رحمه الله: [ باب ما جاء في عذاب القبر ].

وهذا الباب نجعله في وجوه أهل الضلال الذين ينكرون عذاب القبر، حتى كتب أحدهم يقول: خدعوك عندما قالوا: عذاب القبر. حتى استهزأ بعضهم من عذاب القبر. أسأل الله أن يريه عذاب القبر، فهذا استهزاء بالشرع، ولذلك بوب البخاري في صحيحه ما جاء في عذاب القبر، ولفقهه العام جاء بآيات من القرآن قبل الأحاديث ليبين أن عذاب القبر ثبت بالقرآن، وهؤلاء يقولون: لا يوجد في القرآن عذاب القبر، ونحن نؤمن إيماناً جازماً بقول نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد كان يستعيذ في كل صلاة من عذاب القبر.

قال البخاري رحمه الله: [ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ [الأنعام:93]، قال: هو الهوان، سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ[التوبة:101] ].

قال المفسرون: سنعذبهم مرتين، مرة في الدنيا ومرة في القبر، ثم يردون إلى عذاب عظيم في الآخرة.

قال البخاري رحمه الله: [ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:45-46] ].

ولم يأت البخاري هنا بقوله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[السجدة:21]. و(من) بمعنى البعض، فهنا سيذوقون بعض العذاب الأدنى، والبعض الآخر في القبر، وسيكون العذاب الأكبر في الآخرة، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من فتنة المحيا، ومن فتنة الممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال

، ومن عذاب جهنم وعذاب القبر). فكان يستعيذ في كل صلاة من عذاب القبر، وقد مر على قبرين فقال: (هذان يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة بين الناس). وقال: (لولا ألا تدافنوا -أي: يدفن بعضكم بعضاً- لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر). فالأدلة على عذاب القبر لا حصر لها من القرآن والسنة. وهؤلاء الذين يكتبون في إنكار عذاب القبر كتبهم تباع في الأسواق، ولقد رأيت كتاباً يباع مع موزع الأهرام عنوانه: هذا عذاب القبر خرافة. والأمة لا ترد على هذا الكتاب، وكيف أعطي ترخيصاً بالطبع وهذا الكلام يناقض القرآن والسنة وأقوال العلماء من سلف الأمة؟ ولكن مؤلف الكتاب يفهم بطريقته الخاصة.

قال البخاري رحمه الله: [ من حديث البراء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أُقعد المؤمن في قبره، أوتي ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ[إبراهيم:27]).

وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (اطّلع النبي صلى الله عليه وسلم على أهل القليب فقال: هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فقيل له: تدعو أمواتاً؟ فقال: وما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون).

ومن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم ليعلمون الآن أن ما كنت أقوله حق، وقد قال الله: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى[النمل:80]) ].

ومن حديث عائشة رضي الله عنها: (أن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة

رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر؟ فقال: نعم عذاب القبر. قالت عائشة

رضي الله عنها: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما يصلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر
).

زاد غندر : (عذاب القبر حق) ].

أي أن امرأة يهودية قالت لـعائشة : أعاذك الله من عذاب القبر، فقد كانت اليهودية تعلم أن في القبر عذاباً وعائشة لا تعلم أن في القبر عذاباً، فسألت عائشة رسول الله عن عذاب القبر. فقال: عذاب القبر حق. قالت عائشة : (فما رأيته صلى صلاة إلا واستعاذ بالله من عذاب القبر). صلى الله عليه وسلم.

اللهم إنا نسألك أن تؤمننا من عذاب القبر يا رب العالمين!


استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة شرح صحيح البخاري [20] 2721 استماع
سلسلة شرح صحيح البخاري [5] 2702 استماع
سلسلة شرح صحيح البخاري [11] 2338 استماع
سلسلة شرح صحيح البخاري [4] 2202 استماع
سلسلة شرح صحيح البخاري [9] 2174 استماع
سلسلة شرح صحيح البخاري [10] 2037 استماع
سلسلة شرح صحيح البخاري [1] 1779 استماع
سلسلة شرح صحيح البخاري [2] 1706 استماع
سلسلة شرح صحيح البخاري [18] 1678 استماع
سلسلة شرح صحيح البخاري [14] 1659 استماع