الشباب والتحديات المعاصرة


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

الشباب المسلم أمام التحديات المعاصرة، الشباب، الفتيان، الرجال، كلمات متقاربة في العصور الأولى، حمل دين الإسلام الرجال والشباب، وبداية الدعوة حمل هذا الدين الشباب، وسوف يحمل هذا الدين الشباب، قال الله جل وعلا حاكياً قصة فتيانٍ سماهم أهل الكهف، كانوا يعيشون بين الملوك، وكانوا من أبناء الملوك، يعيشون في القصور على الحرير والديباج، يأكلون أفضل المأكولات ويلبسون أفضل اللباس، ويسكنون القصور، هؤلاء الشباب وأولئك الفتيان علموا أنهم لا يعبدون الإله الحق، ماذا قال الله جل وعلا عن حالهم؟: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ [الكهف:13] فتية، انظر كل كلمة في القرآن لها حكمة، الله عز وجل يريد أن يميزهم قال: فتية: فتيان صغار، لكن انظر كيف كان شأنهم؟ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً [الكهف:13-14] هربوا من قومهم وتوجهوا إلى الكهف فكان من شأنهم ما كان.

قصة أخرى:

غلام يعيش في قصر الملك، والقرآن والسنة يحدثانا بأنباء الشباب والفتيان الذين كان لهم شأن عظيم، اسمع إلى قصة هذا الغلام: أجبره الملك أن يذهب يتعلم السحر من ساحر كافر، وهذا الساحر وذلك الشعب لا يؤمن بالله، والساحر يعلمه السحر ليكون خليفة له في السحر، وكان الغلام الشاب الصغير يمر في طريقه على راهب يتعلم منه الإيمان والتوحيد، وكل يوم هذا حاله، يمر على راهب يعلمه الدين، وساحر يعلمه الكفر برب العالمين، لكن الغلام مؤمن، صادق الإيمان، انفضح أمره، وانكشف سره، فهدده الملك، أقتلك أو ترجع عن دينك؟

والقصة تعلمها، لكن أرجو منك أن تتخيلها: غلام صغير شاب أمام ملك طاغية جبار، قتل أمامه أناس، فقال الملك للغلام: ترجع عن دينك وإلا أقتلك؟

قال: لا أرجع عن ديني.

فأرسله مع الجنود ليرمى به في البحر فيغرق، فلما توسط البحر، -تخيل الموقف- فلما وصلوا به إلى البحر وأرادوا أن يرموه في البحر ليغرق، رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اكفنيهم بما شئت يا رب! أنت حسبي أتوكل عليك أن تكفيني هؤلاء الجنود، فاهتز المركب بالجنود وسقطوا وغرقوا جميعاً ولم يبق إلا الغلام.

من الذي نجاه؟ من الذي نصره مع أنه غلام صغير مربوط أمام جنود؟!

إنها سنة الله: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21].

هل تظنه هرب؟ لكنه رجع إلى الملك ولو كان أحدنا مكانه الآن فأقل شيء يفكر فيه الهرب، ولكن الغلام قضيته أكبر، قضيته أن يدعو إلى الله، أن يؤمن الناس برب العالمين وإن مات، رجع يمشي على رجليه إلى الملك مرة أخرى، فخاف الملك منه، وقال: ما الذي جاء بك؟ أين الجنود؟ كيف لم تمت؟ فأخبره بالخبر.

قال: الآن أقتلك حقيقة، وأرسله مع جنود آخرين يرفعونه إلى أعلى جبل ليرموه من هناك إلى الأرض فيهلك، والغلام مربوط مقيد، غلام صغير يكفي أن يقتله رجل واحد، ولكنه يرسل معه الجنود خوفاً ورعباً ووجلاً؛ لأن الكلمات التي يقولها تقذف في أنفسهم الرعب، فلما صعدوا به إلى أعلى الجبل -انظر إلى الغلام، انظر إلى الصفاء والنقاء، انظر إلى التوكل- قال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فما هي إلا ثلاث كلمات وإذا بالجبل يهتز، فيسقط الجنود ويبقى الغلام.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، إنها جنود من جنود الله، هذه الجبال، وتلك الرياح، وهذه البحار، كلها جنود لله جل في علاه: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31] سقط الجنود، ورجع الغلام يمشي على قدميه إلى الملك، أنا أريد أن أخبرك أن هذا غلام ليس رجلاً كبيراً هذا غلام صغير.

فلما دخل على الملك المرة الثالثة، خاف الملك منه واقتنع الملك أن في الأمر شيء غريب، فقال له الغلام: أتريد أن تقتلني؟ قال: نعم. قال: إذا أردت قتلي فاسمع ما أقوله لك.

قال: إذا أردت أن تقتلني فأنا أدلك، الغلام يريد أن يدعو إلى الله، وأن يدخل الناس في الدين لو على حساب موته.

قال: اجمع الناس على صعيد واحد وعلى أرض واحدة، كل الناس النساء والرجال -هو الآن يريد أن يعرف الناس التوحيد، يقيم عليهم الحجة أو يهتدوا- ثم اربطني في جذع شجرة، ثم خذ سهماً من كنانتي، لا تأخذ أي سهم، وإنما سهم من كنانتي أنا، ثم أنت الذي ترميني ليس غيرك، وقبل أن ترميني ترفع صوتك أمام الناس وتقول: بسم الله رب الغلام، ثم ترميني بالسهم وإنك بهذا قاتلي، وليس هناك طريقة أخرى لقتلي إلا هذه.

الملك الآن نسي كل شيء أهم شيء عنده أن يموت الغلام وأصبح تفكيره أقتل الغلام ثم أفعل بعد هذا ما أفعل، فجمع المك الناس في صعيد واحد، ويا له من منظر، الغلام يدل الملك على قتله، ويمكن البعض منا وقف أمام المقصلة أو المشنقة يريد أن يقتل إعداماً يسقط على الأرض ويغمى عليه قبل الموت وقبل الإعدام، وأناس يصرخون، وبعضهم من شدة خوفهم قد انتفخت بطنه ورأي هذا، وبعضهم مات قبل أن يعدم من الخوف، وهذا الشاب الصغير بكل ثقة وهدوء يربط على تلك الشجرة، والناس كلهم مجتمعون ينظرون، النساء والرجال والأطفال والجنود، والملك يأخذ سهماً من كنانة الغلام، ويريد أن يرمي بالسهم ثم يقول قبل أن يرمي بالسهم: بسم الله رب الغلام، ثم يرمي بالسهم فيأتي السهم على صدر الغلام ويسيل الدم ثم يموت الغلام.

فلما مات الغلام بدأ الناس كلهم يهللون: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله رب الغلام، لا إله إلا الله رب الغلام، فالتفت الملك ما الذي حدث؟ ما الذي جرى؟ انفجرت المدينة بالإيمان، انطلق التوحيد، الملك استغرب من الأمر، هذا الذي كان يخشاه، بدل الغلام صار الآن أمة كاملة، أراد أن يقضى على مؤمن صغير، فما علم أن أولئك الناس كلهم سيؤمنون، انطلق الناس بالإيمان.

قال لجنوده: مروهم بالكفر والردة، فما استطاعوا، قال: احفروا لهم الأخاديد والحفر، حُفروا لهم الحفر وأشعلوا فيها النيران، أخذوا الناس واحداً واحداً: ترتد عن دينك أو نرميك في النار؟ هو يرمي بنفسه في النار، كلما جاءوا لواحد يرمونه في النار وهو يقول: لا إله إلا الله رب الغلام، لا إله إلا الله رب الغلام، آمنت بالله رب الغلام، ويرمى الناس في تلك النيران، والملك يشاهد ويتعجب، شعبه كله يحترق، أي إيمان هذا؟ أي دين هذا؟ أي عقيدة تلك؟

حتى جاءوا بامرأة تحمل رضيعاً صغيراً، قالوا لها: ترتدين عن دينك وإلا رميناك في النار؟ قالت: ارموني في النار ولكن اتركوا الغلام يعيش، قالوا: بل نرميه معك، فترددت المرأة، هذا الغلام ترمونه معي في النار، ما ذنبه؟ ما جريمته؟

تخيل طفل صغير ترددت المرأة وكأنها أرادت الرجوع، ولكن الله أنطق الغلام في المهد فقال: يا أماه أثبتي فإنك على الحق، فرمت بنفسها ورضيعها في النار: قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ [البروج:8-7] كلهم شهود ينظرون إلى الناس يحترقون: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [البروج:8-9] هذه القصة العظيمة التي نقرؤها إلى قيام الساعة من بطلها؟ إنه غلام صغير، إنه شاب أيها الرجال! غلام صغير آمنت أمة كاملة بسببه!

محمد عليه الصلاة والسلام يبعث لهذه الأمة بشيراً ونذيراً، يأتي إلى خديجة ، تأخذ بيده إلى من؟ إلى ورقة بن نوفل ، فيقول له: يا بن أخي! أخبرني بالذي جرى لك؟ فيخبره بالقصة، فيقول له: هذا الناموس الذي أنزل على موسى وقال: يا ليتني كنت جذعاً -يعني شاباً قوياً لأنه كان شيخاً كبيراً- إذ يخرجك قومك، فتعجب النبي عليه الصلاة والسلام وقال: أومخرجي هم؟ -ما الذي فعلته لهم- قال: نعم، ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا أوذي.

بداية البلاء، فانطلقت الدعوة، ونشر الدين.

ومن أكثر الذين بدءوا الدخول في الإسلام الشباب.

هذا علي بن أبي طالب وذاك طلحة وهذا سعد ، والأرقم ذلك الشاب القوي المؤمن الذي فتح بيته لتكون مقراً للدعوة، قال: بيتي لكم. شباب آمنوا بالله جل وعلا، وأخذوا ينشرون هذا الدين. لـعلي وحده قصص وحكايات في الدعوة إلى الله جل وعلا: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً [الكهف:13].

انطلق عليه الصلاة والسلام في الدعوة، وبدأ يعلم الصحابة القرآن، فجاء الفتيان الصغار والشباب يحفظون كتاب الله جل وعلا.

سمعتم بالقراء الأربعة الذين تلقوا القرآن من محمد عليه الصلاة والسلام؟ ثلاثة من الأربعة من الشباب من الفتيان: معاذ بن جبل شاب، عبد الله بن مسعود شاب، سالم مولى أبي حذيفة شاب، ثلاثة شباب يحفظون كلام الله جل وعلا، ليكونوا نبراساً للأمة بعده.

ترجمان القرآن

فتىً صغير لا يتجاوز السابعة من العمر يتعلم الدين، ويحفظ القرآن، بل ويقرأ المفصل، بل ويسأل عن التفاسير، يموت عليه الصلاة والسلام وعمره عشر سنوات ويصير ترجمان القرآن، من هو؟

إنه ابن عباس رضي الله عنه، ترجمان القرآن، ما من آية إلا وتجد له فيها قول، إذا قال ابن عباس فكفى، مات أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام وعمره عشر سنين، إنهم الشباب، انطلقوا للجهاد معه عليه الصلاة والسلام فمن الذي كان يحمل الرايات؟ ومن الذي كان يقاتل، الشيوخ؟ لا. ولكن الشباب هم من حملوا هذا الدين على أعناقهم وعلى أكتافهم.

عبد الله بن عمر

ابن عمر في غزوة أحد: عبد الله بن عمر بن الخطاب أراد أن يقاتل فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أريد القتال، قال: أنت لا تقاتل، قال: أنا أستطيع حمل السلاح، قال: أنت لا تقاتل، وكان عمره ثلاثة عشر سنة، وكان يجادل النبي صلى الله عليه وسلم على القتال، فجاء الخندق قال: الآن تجيزيني يا رسول الله! وعمره خمسة عشر سنة، فأجازه صلى الله عليه وسلم القتال.

كان شباب وفتيان الصحابة يقفون على أصابعهم ليرتفعوا؛ حتى يجيزهم عليه الصلاة والسلام بالقتال، فإذا ردهم عن الموت والقتال بكوا: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ للجهاد، للموت، للسيوف، للدماء تتطاير: قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ [التوبة:92].

شبابهم يبكون على الموت في سبيل الله، وشباب هذا الزمن إلا من رحم الله يبكي لأن عشيقته لم تتصل به، يبكي لأنها فارقته، لا ينام أياماً وليالي ويصفَرُّ لونه ويضعف جسمه لما يا فلان؟ هل لأن فلسطين احتلت؟! هل لأن الشيشان تدمر؟! هل لأن المصحف يدنس؟! لا. لأن عشيقته تركته، لأن حبيبته لم تلتفت له، لأنه لم يحصل على تلك الحبوب أو لم يحصل على ذلك الشراب، يبكي أياماً وليالي.

عمير بن أبي وقاص

عمير بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص: في يوم من الأيام أراد الجهاد وأراد القتال فرده عليه الصلاة والسلام فبكى، حتى رق النبي صلى الله عليه وسلم له فأجازه.

يقول سعد: كنت أعقد له خمائل السيف، يعني: كان صغيراً فأربط السيف حتى يحمله، السيف قد ينزل على الأرض وهو يمشي من صغر، عمره ستة عشر سنة، يقول: فدخل المعركة فأصيب فقتل، وعمره ستة عشر سنة، أرأيت إلى الشباب؟ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً [الكهف:13].

علي بن أبي طالب

شاب من الشباب اسمه علي بن أبي طالب: كل مسلم يعلم من علي، علي الأسد الشجاع، هذا الشاب في معركة خيبر اصطف الصحابة في صف واليهود في صف ثانٍ، خرج من بين المسلمين، وكان من عادة القتال في السابق، أن يخرج المبارزين من هذا الصف ومن هذا الصف يتبارزون قبل المعركة؛ ليحمى الوطيس ولتشتعل المعركة، يخرج أحد الأبطال من المسلمين وخرج من جانب اليهود رجلٌ يقال له مرحب؛ وهو من أشجع الأبطال ويعرف عند العرب كلهم، لو يقف أمامه عشرة لا يقدرون عليه، ومدجج بالدروع والأسلحة، سيف، ورمح، كل شيء عنده، ورجل كبير صاحب جسم ضخم، مدرب على السلاح لا يجابهه أحد، خرج من بين الصفوف، قائلاً:

قد علمت خيبر أني مرحب     شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب

يعني: كلهم يعرفون من هو مرحب، ويعرفون شجاعة مرحب، ويعرفون بطولة مرحب

قد علمت خيبر أني مرحب     شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب

من الذي خرج لـمرحب؟ من الذي ظهر ليبارزه؟ إنه الشاب الشجاع القوي، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتخيل شاب أمام رجل، هذا ليس عنده من الأسلحة الشيء الكثير وذاك مدجج بالأسلحة، هذا معروف بخبرته في القتال وهذا شاب صغير، خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يرد عليه شعراً بشعر، فقال:

أنا الذي سمتني أمي حيدره     كليث غابات كريه المنظره

أكيلهم بالسيف كيل السندرة

وخرج المتبارزان وبدأت المبارزة والناس كلهم يتوجسون من الذي ينتصر؟ ضربة بضربة، وما هي إلا ضربة من علي يقسم به عدوه نصفين أمام الناس، فكبر الصحابة: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، إنها الشجاعة، وإنه الإيمان إذا دخل في القلوب.

انظر أيها الأخ العزيز! إلى الشباب كيف كانوا يتحملون الأذى.

خباب بن الأرت

فتىً صغير لا يتجاوز السابعة من العمر يتعلم الدين، ويحفظ القرآن، بل ويقرأ المفصل، بل ويسأل عن التفاسير، يموت عليه الصلاة والسلام وعمره عشر سنوات ويصير ترجمان القرآن، من هو؟

إنه ابن عباس رضي الله عنه، ترجمان القرآن، ما من آية إلا وتجد له فيها قول، إذا قال ابن عباس فكفى، مات أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام وعمره عشر سنين، إنهم الشباب، انطلقوا للجهاد معه عليه الصلاة والسلام فمن الذي كان يحمل الرايات؟ ومن الذي كان يقاتل، الشيوخ؟ لا. ولكن الشباب هم من حملوا هذا الدين على أعناقهم وعلى أكتافهم.

ابن عمر في غزوة أحد: عبد الله بن عمر بن الخطاب أراد أن يقاتل فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أريد القتال، قال: أنت لا تقاتل، قال: أنا أستطيع حمل السلاح، قال: أنت لا تقاتل، وكان عمره ثلاثة عشر سنة، وكان يجادل النبي صلى الله عليه وسلم على القتال، فجاء الخندق قال: الآن تجيزيني يا رسول الله! وعمره خمسة عشر سنة، فأجازه صلى الله عليه وسلم القتال.

كان شباب وفتيان الصحابة يقفون على أصابعهم ليرتفعوا؛ حتى يجيزهم عليه الصلاة والسلام بالقتال، فإذا ردهم عن الموت والقتال بكوا: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ للجهاد، للموت، للسيوف، للدماء تتطاير: قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ [التوبة:92].

شبابهم يبكون على الموت في سبيل الله، وشباب هذا الزمن إلا من رحم الله يبكي لأن عشيقته لم تتصل به، يبكي لأنها فارقته، لا ينام أياماً وليالي ويصفَرُّ لونه ويضعف جسمه لما يا فلان؟ هل لأن فلسطين احتلت؟! هل لأن الشيشان تدمر؟! هل لأن المصحف يدنس؟! لا. لأن عشيقته تركته، لأن حبيبته لم تلتفت له، لأنه لم يحصل على تلك الحبوب أو لم يحصل على ذلك الشراب، يبكي أياماً وليالي.

عمير بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص: في يوم من الأيام أراد الجهاد وأراد القتال فرده عليه الصلاة والسلام فبكى، حتى رق النبي صلى الله عليه وسلم له فأجازه.

يقول سعد: كنت أعقد له خمائل السيف، يعني: كان صغيراً فأربط السيف حتى يحمله، السيف قد ينزل على الأرض وهو يمشي من صغر، عمره ستة عشر سنة، يقول: فدخل المعركة فأصيب فقتل، وعمره ستة عشر سنة، أرأيت إلى الشباب؟ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً [الكهف:13].

شاب من الشباب اسمه علي بن أبي طالب: كل مسلم يعلم من علي، علي الأسد الشجاع، هذا الشاب في معركة خيبر اصطف الصحابة في صف واليهود في صف ثانٍ، خرج من بين المسلمين، وكان من عادة القتال في السابق، أن يخرج المبارزين من هذا الصف ومن هذا الصف يتبارزون قبل المعركة؛ ليحمى الوطيس ولتشتعل المعركة، يخرج أحد الأبطال من المسلمين وخرج من جانب اليهود رجلٌ يقال له مرحب؛ وهو من أشجع الأبطال ويعرف عند العرب كلهم، لو يقف أمامه عشرة لا يقدرون عليه، ومدجج بالدروع والأسلحة، سيف، ورمح، كل شيء عنده، ورجل كبير صاحب جسم ضخم، مدرب على السلاح لا يجابهه أحد، خرج من بين الصفوف، قائلاً:

قد علمت خيبر أني مرحب     شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب

يعني: كلهم يعرفون من هو مرحب، ويعرفون شجاعة مرحب، ويعرفون بطولة مرحب

قد علمت خيبر أني مرحب     شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب

من الذي خرج لـمرحب؟ من الذي ظهر ليبارزه؟ إنه الشاب الشجاع القوي، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتخيل شاب أمام رجل، هذا ليس عنده من الأسلحة الشيء الكثير وذاك مدجج بالأسلحة، هذا معروف بخبرته في القتال وهذا شاب صغير، خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يرد عليه شعراً بشعر، فقال:

أنا الذي سمتني أمي حيدره     كليث غابات كريه المنظره

أكيلهم بالسيف كيل السندرة

وخرج المتبارزان وبدأت المبارزة والناس كلهم يتوجسون من الذي ينتصر؟ ضربة بضربة، وما هي إلا ضربة من علي يقسم به عدوه نصفين أمام الناس، فكبر الصحابة: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، إنها الشجاعة، وإنه الإيمان إذا دخل في القلوب.

انظر أيها الأخ العزيز! إلى الشباب كيف كانوا يتحملون الأذى.

إن هذه التحديات المعاصرة هي واقعنا وعالمنا، وهذا الكلام أوجهه للشباب وللكبار وللشيوخ، كل منا متحدى بهذه التحديات، بل للرجال والنساء، بل حتى للأطفال.

نحن نعيش في عالم يسيطر عليه اليهود والنصارى، ولا ريب في هذا

يقضى الأمر حين تغيب تيم     ولا يستشهدون وهم شهود

نحن الآن لا نتصرف حتى في أمورنا الخاصة، أذكركم حتى لا تنسون وحتى يسجل التاريخ هذا، وحتى لا يوصف المسلمون بأنهم متخلفون أو بأنهم إراهبيون رجعيون، نذكركم بالواقع الذي نعيشه، قبل بضعة قرون دخل النصارى بيت المقدس ، وأول من استحله النصارى قبل اليهود، فذبحوا ما يقارب سبعين ألف مسلم، نحروهم مثل الشياه، وهم يستبيحون تلك الأرض المقدسة.

يقول أحد النصارى المستشرقين: كانوا يُكرهون العرب على إلقاء أنفسهم من أعلى الأبراج.

تخيل! يأتون بهم من فوق أعلى بناية وأعلى عمارة ويدفعونهم وهم أحياء، نساء، أطفال، رجال، تخيل هذا المنظر، يعني: يتفننون في قتل المسلمين، يقول: ويجعلونهم طعاماً للنار. يشعلون الحفر فيحرقون فيها المسلمين، بل يقتلون الجثث فوق الجثث.

ويقول الآخر وهو من المستشرقين: كان دم المقهورين -أي: المسلمين- يجري في الشوارع، حتى -انظر الوصف الدقيق البليغ- كان الفرسان يصيبهم رشاش الدم وهم راكبون. فارس على دابته وحصانه يمشي فإذا وطأت قدمه دم المسلمين يصيبه من دم المسلمين.

أرأيت كيف حقدهم! أرأيت ماذا يريدون منا! وما البوسنة والهرسك عنا ببعيد، وما الذي حصل في الشيشان ببعيد، وما المحرقة التي يحرقون بها لبنان ببعيد، حقد في القلوب: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] من ظن أنهم سوف يرضون عنا فإنه يخالف كتاب الله.

انتبه يا أخي العزيز فإن كلام الله حق: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122] ما كانوا يميزون بين طفل وشاب أو امرأة وشيخ، يقتلون الجميع.

أسمعت بـالأندلس ، وعرفت ما الذي حصل فيها؟

أمة أبيدت من على الأرض، هذه أسبانيا الآن كانت في حضارة إسلامية، بل أكثر العلماء تخرجوا من الأندلس ، ولو تذهب الآن إلى الأندلس لا تجد رائحة للإسلام، حولوا تلك المساجد إلى متاحف، كانوا يضعون الرجل في تابوت مخرق بالخناجر ويغلقونه بقوة، حتى يتعذب شيئاً فشيئاً فيموت.

كيف كانوا يعرفون المسلمين؟ المسلمين تنكروا لدينهم خوفاً على أنفسهم، فكان النصارى يأتون إلى الأطفال فيكشفون عن عوراتهم فإذا رأوه قد ختن علموا أن عائلته مسلمة فقتلوهم جميعاً: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً [التوبة:10] حقد على المؤمنين من اليهود والنصارى، ثم بعد هذا يقولون: المسلمون إرهابيون، المسلمون يقتلون.

قتل امرئٍ في غابة     جريمة لا تغتفر

وقتل شعب كامل     مسألة فيها نظر

انظروا إلى قضية الشيشان الآن، كم ألف قتل، وكم ألف فُجِّر، ومازالت المسألة فيها نظر، ومباحثات، وجولات، المسألة فيها زيارات، ثم لما أجلوا إلى تلك المخيمات وإلى تلك المعسكرات لم يسلموا، فرجالهم يعذبون صباح مساء، ونساءهم تغتصب على مرأى ومسمع من العالم كله، ولا يحرك أحد ساكناً.

أين الشباب؟

أيحق لنا بعد هذا أن ننام نومة هنيئة؟!

أيحق لنا بعد هذا أن ينادي ربنا للصلاة فنتولى؟!

أيحق لنا أن نهجر المصاحف بعد أن علمنا أن اليهود والنصارى الحاقدون يريدون القضاء على هذه الأمة؟!

أيحق لنا بعد هذا أن نرضى عنهم ونحبهم ونودهم؟!

إن النصر عند المسلمين في هذا الزمن ليس نصر الحروب والمجد، بل أصبح في بعض الأمور التافهة، مثل: لعب الكرة، والرياضة ليست بحرام، وأنا لا أحرم الرياضة، ولا لعب الكرة إذا كانت بقدر مباح، ولكن إذا تجاوز الأمر حتى صارت انتصارات المسلمين في ملاعب الكرة، وصار المسلمون يكرهون بعضهم بعضاً لأجل الكرة ولأجل الملاعب فحرام، أيها الأخ العزيز! ما الذي يحدث في ملاعبنا؟! وما الذي يجري في مبارياتنا؟! المسلمون يريدون الانتصار لكن ليس في المعارك بل في الكرة، وأخبرك أن اللعب ليس بحرام ولكنه بقدر، اسمع الشاعر كيف يصف أحوال المسلمين.

للأسف:

عربات تدفقت     تشبه الهائج الخضم

وعليها تكومت      زمرٌ طيشها احتدم

ماجت الأرض بالورود     وداء الضجيج عم

فتساءلت والأسى     ينبض القلب بالألم

هل فلسطين حررت     وقطاف العناء تم

أم بـكشمير دمرت      قوة الغاصب الأذم

قيل لا بل فريقنا     فاز في لعبة القدم

أي سخف مدمر     عن فساد الشعوب نم

وإلى أي خيبة     هبطت هذه الأمم

ألف مليون أصبحوا     كغثاء بشط يم

ومصلى نبيهم     بيد اللص يقتسم

أنا أقسمت بالذي     برأ الكون من عدم

وكسا ثوب عزة     كل من بالهدى اعتصم

إن ركنا لعزنا     وقنعنا بالنعم

فخطى الخصم ماضيات     من القدس للحرم

عندها يندم الجميع     يوم لا ينفع الندم

صار عزنا اليوم في المباريات، يقولون: نجم، على أي شيء صار نجماً أو صار بطلاً؟ لأنه غنى أغنية، أو لأنه مثل في مسلسل، حتى صار القدوات اليوم للشباب ليس صلاح الدين ، صار القدوات في هذا الزمن إما ممثل أو ممثلة، أو مطرب أو مطربة، أو مغني أو مغنية، أين صلاح الدين؟ أين سعد بن أبي وقاص أول رامٍ في الإسلام؟ أين علي بن أبي طالب أول فدائيٍ في الإسلام؟ أين الشيخان أبو بكر وعمر ، أين أولئك الأبطال؟ نسوا إلا ممن رحم الله جل وعلا، صار الشاب الصغير منذ صغره يعلق على فنيلته وعلى ملابسه بعض صور أعداء الله، صور أناس عرفوا بأنهم يتعاطون المخدرات أو ماتوا بتعاطي المخدرات.