Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

ثلاثة مواقف إيمانية


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

أيها الإخوة الكرام: العنوان كما سمعتم: (مواقف إيمانية)، وسوف أقتصر في هذا المجلس على ثلاثة مواقف إيمانية، وقد ذكرها الله عزَّ وجلَّ كلها في القرآن، ولعلك قد قرأتها من قبل أو استمعت إليها، ولكن أرجو منك أن تعيش معي هذه المواقف الثلاثة، فإنها مواقف عظيمة رهيبة، إذا وقرت في القلب أثمرت الإيمان واليقين بالله تعالى، وإن تدبرت هذه الآيات التي تتلى، وتلك المواقف التي تذكر، سوف تصبر على كل طاعة، وتترك كل معصية بإذنه جل وعلا؛ ذلك لأنه كلام الله الذي إذا ذكر على المؤمنين وجلت القلوب، وذرفت العيون، وازداد الإيمان .. كيف لا وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لصار هذا الجبل من تأثره بالقرآن خاشعاً متصدعاً من خشية الله.

ولكن بعض القلوب لا تتأثر بكلام الله جل وعلا، ولهذا يقول الله تبارك وتعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] ما بال هذه القلوب أقفلت وكأن عليها أقفال لا تتأثر ولا تتدبر ولا تتعظ، ولا يوجل القلب، ولا ترجف الأعضاء، ولا يقشعر الجلد، ولا تدمع العين؟! وكأنه يسمع كلام بشر لا كلام رب البشر جل وعلا، يقول الله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد:16]، قال ابن مسعود: [أربع سنوات أسلمنا فعاتبنا الله].

إلى متى؟ ألم يحن الوقت الذي تخشع القلوب فيه لذكر الله؟! إلى متى الواحد منا عُمِّر في الإسلام بل وَشَابَ فيه؟! وبعضنا -للأسف إلا من رحم الله- لا يخشع من كلام الله جل وعلا.

الموقف الأول: موقف أبينا إبراهيم عليه السلام، أبو الأنبياء، وإمام الموحدين عليه الصلاة والسلام، وخليل الرحمن.. إبراهيم عليه السلام الذي امتلأ قلبه بالإيمان منذ الصغر، فكان رجلاً شجاعاً في ذات الله، كسر الأصنام وفتتها حتى جعلها جذاذاً فتاتاً.

ولما كبر وهجر قومه ولم يبق له بعد الله عزَّ وجلَّ إلا زوجته، أراد أن تكون له ذرية، فما قضى الله له بالذرية، حتى كبر في السن وشاب شعر رأسه، فإذا به يدعو الله تبارك وتعالى فيقول: وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ [الصافات:99] ترك قومه وترك أباه، رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات:100].

يا رب! هب لي ذرية، قد كبر في السن وطعن حتى أوشك على الوفاة، ولم يعطه الله الذرية، وكم من الرجال اليوم الذين كبرت بهم الأعمار وهو عقيم يتمنى لو أنفق كل أمواله، بل يتمنى لو أنه قطع من جسمه عضواً ويعطيه الله عز وجل الولد، فإن أحلى كلمة عنده في الوجود أن ينادى: يا أبتِ أو يا أبتاه.

إبراهيم عليه السلام يرزق ولداً

يرفع إبراهيم عليه السلام يديه إلى الله ويقول: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات:100] وإذا به يبشَّر فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ [الصافات:101] فأنعم الله جلَّ وعلا عليه بالولد، من هو هذا الولد؟ إنه إسماعيل نبي ابن نبي .. إسماعيل عليه السلام، ويا لله كم فرح واستبشر إبراهيم بهذا الولد! وهل تظن أن إبراهيم عليه السلام يحب في الدنيا شيئاً أكثر منه؟ لا أظن هذا.. لقد جاءه بعد كبر، وجاءه بعد شيخوخه، فرباه على عينيه، وتعب عليه، حتى بلغ معه السعي، وبدأ إسماعيل يعمل مع أبيه .. إنها أحلى لحظات الحياة، أن ترى ابنك الذي ربيته على يديك، وخرج من ظهرك وتعبت عليه، تراه وأنت قد كبرت في السن يتعب ويسهر على راحتك، ويساعدك في العمل، ويقوم بأعباء الوظيفة، وأعباء البيت والمنزل، وأنت جالس مرتاح، والابن بار يقوم على راحتك.

أمر الله لإبراهيم بذبح ابنه إسماعيل

نام إبراهيم عليه السلام ليلة من الليالي فإذا به يرى في المنام أمراً مفزعاً.. ما الأمر الذي رآه إبراهيم؟! وتخيل ذلك الموقف! يرى إبراهيم في المنام أنه يحمل سكيناً، ويأتي إلى ابنه إسماعيل فيذبحه بهذا السكين .. إنا لله وإنا إليه راجعون! ورؤيا الأنبياء وحي من الرحمن جلَّ وعلا .. فإذا بإبراهيم يقوم فزعاً، ولكنه كان مستسلماً لأمر الله جلَّ وعلا، فإنه وحي من الله: يا إبراهيم! اذبح ابنك الذي ظالما انتظرته، ولطالما اشتقت إليه وتعلق قلبك به! لم يقل الله: أرسله للجهاد ليموت، ولم يخبره الله أنه سوف يموت بمرض أو بقتل قاتل، لا. بل قال: يا إبراهيم! احمل سكيناً واذبح ابنك بيديك! ماذا تظنه سيفعل؟ هل سيسلِّم أمره لله جل وعلا؟ إنه أمر من الله عز وجل.

قال سبحانه: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ [الصافات:102] انظر إلى الأسلوب! الأب يكلم ابنه ويقول: يا بني! وقد كان صغيراً في السن يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ [الصافات:102] ورؤيا الأنبياء حق ووحي من الرحمن جل وعلا.

ماذا ترى يا أبي؟ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى [الصافات:102] يا أبي! ماذا تقول؟ فيقول: أمرني الله في المنام أن أضجعك على الأرض وأحمل سكيناً فأنحرك بيدي.

الأمر صعب -يا أخي- وقد تقول: إنه لابد من الاستسلام لله جل وعلا، ولكن لو وقع عليك الأمر فهل تستسلم؟

قال سبحانه: قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى [الصافات:102] فكر وابحث في الأمر.. شاور نفسك.. اجلس بينك وبين نفسك .. لكن إسماعيل عليه السلام كان باراً بأبيه، ومسلماً لله جل وعلا، فقد سلَّم أمره لله تبارك وتعالى، وانظر إلى الأدب وإلى الاستسلام لله جل وعلا! قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ [الصافات:102] انظر إلى الأسلوب! قال: يا أبت! يذكره بالأبوة، أنت أبي وأنا ابنك، ومهما فعلت فأنت أبي، ثم يقول له: افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ، إنني ابنك وأنت أبي، لكنها طاعة الرب جلَّ وعلا، والاستسلام له سبحانه وتعالى.

قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ [الصافات:102] يأمر الله تعالى بذبحه وعلى يد أبيه، وهو يقول: إن شاء الله.. انظر إلى الأدب مع الله عز وجل، وانظر إلى الاستسلام الكامل لله تبارك وتعالى، يقول: سوف أصبر، لكن ليس بحولي ولا بقوتي ولا بشجاعتي، فالقضية ليست شجاعة، ولا قوة، وليست جرأة؛ إن القضية إيمان بالله جلَّ وعلا، وتوكل على الرحمن تبارك وتعالى .. قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات:102] وبعض الناس -للأسف- لا يصبر على أموال يتركها، أو على وظيفة يدعها لله جل وعلا، ولا يتحمل ألماً لأولاده أو بكاءً لصبيانه عندما يخرج التلفاز من البيت، أو يمنع ذلك الدش أو البث المباشر عنهم، يقول: لا أصبر على بكائهم وحنينهم، ولا أصبر على طلباتهم؛ فيأتي بالتلفاز بيده إلى البيت، أو يأتي بذلك الستلايت (البث المباشر) ليضعه في البيت فيدمر أخلاق أهله وأولاده .. يقول: لا أصبر، وهذا إسماعيل الصغير يقول: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات:102].

وهل كان هذا ادعاء؟ وهل كانت فقط كلمات وألفاظ يتلفظ بها إسماعيل وأبوه؟ لا.

قال الله تعالى: فَلَمَّا أَسْلَمَا [الصافات:103] لا تقل: إنني مسلِّم، ثم لا تستسلم لله جل وعلا، فلما أسلما، أي: سلَّما أمرهما لله جل وعلا.. جاء إبراهيم بابنه إسماعيل وكان شاباً صغيراً يعمل مع والده، فحمله ووضعه على جنبه على الأرض وأكبه على وجهه، وجاء بالسكين لينفذ أمر الله جل وعلا، وهو مستسلم لله تبارك وتعالى .. انظروا الإسلام! انظروا الصبر على طاعة الله! وجعل وجهه في مقابله حتى لا يراه؛ لأنه لا يتحمل هذا المنظر، ولكن حباً لله جل وعلا، ورضىً بأوامر الله تبارك وتعالى .. فجاء بالسكين ووضعها على نحر إسماعيل عليه السلام: فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ [الصافات:103] تله أي: وضعه وأكبه على وجهه، ووضع السكين على رقبته وكاد أن ينحره.

فداء إسماعيل بالكبش

العظة والعبرة من قصة إبراهيم مع انبه

هل ستصبر يا عبد الله؟! وهل ستصبري يا أمة الله؟! وهل سنصبر -أيها الإخوة- على ذبح أولادنا؟ مع أن الله لم يأمرنا بهذا، فإن بعض الناس أمره الله أن يخرج من كل ألف خمسة وعشرين ديناراً، فلا يمتثل، ويقول: أموالي جمعتها بيدي فكيف أخرجها لمن لم يتعب عليها؟

ويأمره الله جلَّ وعلا أن يخرج من هذه الوظيفة؛ لأنها حرام، وموردها وأموالها حرام، فلا يصبر على هذا ولا يتحمل، ويقول: كيف أعيش؟ كيف أنفق على أولادي؟ كيف أرزق نفسي وأهل بيتي؟

انظر إلى الإسلام عند إبراهيم وانظر إلى الإسلام عندنا! قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن هذا القرض من الربا آخذه مرابٍ، ومعطيه مرابٍ، وكاتبه مرابٍ، والشاهد عليه.. كلهم سواء في لعنة الله جلَّ وعلا، فهل أنت مستسلم لأمر الله تبارك وتعالى؟! أم أنك تقول: أنا محتاج للقرض، أريد أن أثث بيتي، وأريد أتزوج، وأريد أشتري سيارة، فتأخذ القرض من الربا .. فهل أنت مستسلم لله جلَّ وعلا، أم أن هذه القصة وهذا الموقف يمر علينا وكأننا لا شأن لنا به؟! يخبرنا الله جلَّ وعلا بهذه القصص في القرآن لنعتبر ولنتأثر بذلك النبي الذي وصل به الحال إلى أن يذبح ابنه لله جل وعلا! فهل نحن فاعلون ومستجيبون لله تبارك وتعالى؟!

يرفع إبراهيم عليه السلام يديه إلى الله ويقول: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات:100] وإذا به يبشَّر فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ [الصافات:101] فأنعم الله جلَّ وعلا عليه بالولد، من هو هذا الولد؟ إنه إسماعيل نبي ابن نبي .. إسماعيل عليه السلام، ويا لله كم فرح واستبشر إبراهيم بهذا الولد! وهل تظن أن إبراهيم عليه السلام يحب في الدنيا شيئاً أكثر منه؟ لا أظن هذا.. لقد جاءه بعد كبر، وجاءه بعد شيخوخه، فرباه على عينيه، وتعب عليه، حتى بلغ معه السعي، وبدأ إسماعيل يعمل مع أبيه .. إنها أحلى لحظات الحياة، أن ترى ابنك الذي ربيته على يديك، وخرج من ظهرك وتعبت عليه، تراه وأنت قد كبرت في السن يتعب ويسهر على راحتك، ويساعدك في العمل، ويقوم بأعباء الوظيفة، وأعباء البيت والمنزل، وأنت جالس مرتاح، والابن بار يقوم على راحتك.

نام إبراهيم عليه السلام ليلة من الليالي فإذا به يرى في المنام أمراً مفزعاً.. ما الأمر الذي رآه إبراهيم؟! وتخيل ذلك الموقف! يرى إبراهيم في المنام أنه يحمل سكيناً، ويأتي إلى ابنه إسماعيل فيذبحه بهذا السكين .. إنا لله وإنا إليه راجعون! ورؤيا الأنبياء وحي من الرحمن جلَّ وعلا .. فإذا بإبراهيم يقوم فزعاً، ولكنه كان مستسلماً لأمر الله جلَّ وعلا، فإنه وحي من الله: يا إبراهيم! اذبح ابنك الذي ظالما انتظرته، ولطالما اشتقت إليه وتعلق قلبك به! لم يقل الله: أرسله للجهاد ليموت، ولم يخبره الله أنه سوف يموت بمرض أو بقتل قاتل، لا. بل قال: يا إبراهيم! احمل سكيناً واذبح ابنك بيديك! ماذا تظنه سيفعل؟ هل سيسلِّم أمره لله جل وعلا؟ إنه أمر من الله عز وجل.

قال سبحانه: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ [الصافات:102] انظر إلى الأسلوب! الأب يكلم ابنه ويقول: يا بني! وقد كان صغيراً في السن يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ [الصافات:102] ورؤيا الأنبياء حق ووحي من الرحمن جل وعلا.

ماذا ترى يا أبي؟ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى [الصافات:102] يا أبي! ماذا تقول؟ فيقول: أمرني الله في المنام أن أضجعك على الأرض وأحمل سكيناً فأنحرك بيدي.

الأمر صعب -يا أخي- وقد تقول: إنه لابد من الاستسلام لله جل وعلا، ولكن لو وقع عليك الأمر فهل تستسلم؟

قال سبحانه: قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى [الصافات:102] فكر وابحث في الأمر.. شاور نفسك.. اجلس بينك وبين نفسك .. لكن إسماعيل عليه السلام كان باراً بأبيه، ومسلماً لله جل وعلا، فقد سلَّم أمره لله تبارك وتعالى، وانظر إلى الأدب وإلى الاستسلام لله جل وعلا! قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ [الصافات:102] انظر إلى الأسلوب! قال: يا أبت! يذكره بالأبوة، أنت أبي وأنا ابنك، ومهما فعلت فأنت أبي، ثم يقول له: افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ، إنني ابنك وأنت أبي، لكنها طاعة الرب جلَّ وعلا، والاستسلام له سبحانه وتعالى.

قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ [الصافات:102] يأمر الله تعالى بذبحه وعلى يد أبيه، وهو يقول: إن شاء الله.. انظر إلى الأدب مع الله عز وجل، وانظر إلى الاستسلام الكامل لله تبارك وتعالى، يقول: سوف أصبر، لكن ليس بحولي ولا بقوتي ولا بشجاعتي، فالقضية ليست شجاعة، ولا قوة، وليست جرأة؛ إن القضية إيمان بالله جلَّ وعلا، وتوكل على الرحمن تبارك وتعالى .. قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات:102] وبعض الناس -للأسف- لا يصبر على أموال يتركها، أو على وظيفة يدعها لله جل وعلا، ولا يتحمل ألماً لأولاده أو بكاءً لصبيانه عندما يخرج التلفاز من البيت، أو يمنع ذلك الدش أو البث المباشر عنهم، يقول: لا أصبر على بكائهم وحنينهم، ولا أصبر على طلباتهم؛ فيأتي بالتلفاز بيده إلى البيت، أو يأتي بذلك الستلايت (البث المباشر) ليضعه في البيت فيدمر أخلاق أهله وأولاده .. يقول: لا أصبر، وهذا إسماعيل الصغير يقول: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات:102].

وهل كان هذا ادعاء؟ وهل كانت فقط كلمات وألفاظ يتلفظ بها إسماعيل وأبوه؟ لا.

قال الله تعالى: فَلَمَّا أَسْلَمَا [الصافات:103] لا تقل: إنني مسلِّم، ثم لا تستسلم لله جل وعلا، فلما أسلما، أي: سلَّما أمرهما لله جل وعلا.. جاء إبراهيم بابنه إسماعيل وكان شاباً صغيراً يعمل مع والده، فحمله ووضعه على جنبه على الأرض وأكبه على وجهه، وجاء بالسكين لينفذ أمر الله جل وعلا، وهو مستسلم لله تبارك وتعالى .. انظروا الإسلام! انظروا الصبر على طاعة الله! وجعل وجهه في مقابله حتى لا يراه؛ لأنه لا يتحمل هذا المنظر، ولكن حباً لله جل وعلا، ورضىً بأوامر الله تبارك وتعالى .. فجاء بالسكين ووضعها على نحر إسماعيل عليه السلام: فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ [الصافات:103] تله أي: وضعه وأكبه على وجهه، ووضع السكين على رقبته وكاد أن ينحره.