شرح كشف الشبهات [7]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

قال المؤلف رحمه الله: [فإن قال: أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها؟ فقل: لا أنكرها، ولا أتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع والمشفع وأرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاًً [الزمر:44] ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال عز وجل: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال عز وجل: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28] وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85] فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا بعد إذنه، ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره في أحدٍ حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد؛ تبين لك أن الشفاعة كلها لله، فأطلبها منه، فأقول: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه في، وأمثال ذلك].

هذه هي الشبهة الخامسة، وهي رجوع إلى موضوع الشفاعة، وقد ذكرنا لكم أن الشفاعة هي أعظم ما يعتمد عليه المشركون في تسويغ الشرك والوقوع فيه.

معنى الشفاعة

الشفاعة في اللغة: من الشفع وهو الزوج. وفي الاصطلاح: هي التوسط لجلب نفع أو دفع ضر عن الغير لأجله. أي: لأجل ذلك الغير. والشفاعة يثبتها أهل السُنّة والجماعة للنبي صلى الله عليه وسلم وللملائكة وللأنبياء وللصالحين وأعلى الخلق نصيباً في الشفاعة هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن أهل السُنّة والجماعة يثبتون له صلى الله عليه وسلم شفاعات لا يشرك فيها غيره، وشفاعات يشرك فيها غيره. والشفاعات التي يشارك فيها النبي صلى الله عليه وسلم له فيها النصيب الأعلى الأوفى، وهذا من أكبر الرد على هذا المبطل؛ إذ أنه شغّب على الموحدين بقوله: أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها؟

فالجواب: أن الموحدين لا ينكرون شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، بل يثبتون له أكمل الشفاعات، ويثبتون له صلى الله عليه وسلم شفاعات يشرك فيها غيره، وشفاعات لا يشرك فيها غيره. والشفاعات التي يشارك فيها النبي صلى الله عليه وسلم له فيها النصيب الأعلى الأوفى.

الشفاعة لله جميعاً وإثبات شفاعة النبي لا تسوغ التوسل به وصرف العبادة له

وأجاب الشيخ فقال رحمه الله: (فقل: لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع وأرجو شفاعته) هذا فيه إبطال لشبهته، والآن نأتي للرد على ما اعتمد عليه في وقوع الشرك، بعد أن قررنا أن الشفاعة ثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم نرد عليه من جهة تعلقه بهذه الشفاعة، وأن إثبات الشفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم لا يسوغ التوسل به، ولا صرف أنواع العبادة له صلى الله عليه وسلم.

قال رحمه الله: (لكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً [الزمر:44]) هذا فيه إثبات الشفاعة لله سبحانه وتعالى، وأنها ملكه، وأنها له دون غيره، وهذا يُبيّن لك أن الشفاعة محض فضل من الله سبحانه وتعالى على الشافع والمشفع فيه، لا كما يفهمها المشركون من أنها حق للشافع؛ ولذلك قال تعالى: (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً) فإذا كانت الشفاعة له سبحانه وتعالى، وهو الذي يشفع بنفسه إلى نفسه، فيأذن للشفيع ويأمره أن يشفع في المشفوع فيه؛ علمنا بذلك أنه لا وجه لسؤالها من الشفيع، بل الواجب أن تطلب وتسأل من الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك قال رحمه الله في بيان معنى أنها له سبحانه وتعالى: (ولا تكون إلا من بعد إذن الله) فهي لا تكون إلا من بعد إذنه وأمره كما قال الله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] فنفى الله سبحانه وتعالى أن يشفع عنده أحد إلا بإذنه، وهذا أحد شرطي الشفاعة، وهو: إذن الله سبحانه وتعالى، والثاني: لا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال الله تعالى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28] وهذا فيه الشرط الثاني من شروط الشفاعة، وهو: رضا الله سبحانه وتعالى عن الشافع والمشفع فيه.

ثم قال رحمه الله: (وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85]) وأظهر من هذه الآية في الدليل على أن الشفاعة لا تكون إلا لأهل التوحيد ما روي في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله، خالصاً من قلبه)، فيكون أسعد الناس وأحظهم بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم هم أهل التوحيد.

ثم قال رحمه الله: (فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا بعد إذنه، ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد تبين لك أن الشفاعة كلها لله) فبالتالي إذا كانت الشفاعة كلها لله تعالى فهل يسوغ طلبها من غيره؟ لا.

ثم قال رحمه الله: (فأطلبها منه، فأقول: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفِّعه فيَّ، وأمثال هذا) وفي هذا غاية التوحيد والإقبال على الله تعالى والإخلاص، فإن بيده الخير ولا يُسأل إلا منه.

إثبات شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام من الله يصاحبها نهيه عز وجل عن صرف الدعاء لغيره تعالى

قال رحمه الله: [فإن قال: النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه الله، فالجواب: أن الله أعطاه الشفاعة، ونهاك عن هذا فقال: فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجـن:18]) فإذا كنت تدعو الله أن يشفع نبيه فيك، فأطعه في قوله: (فلا تدعو مع الله أحداً) وأيضاً فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم، فصح أن الملائكة يشفعون، والأفراد يشفعون، والأولياء يشفعون، أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة فأطلبها منهم؟ فإن قلت هذا، رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه، وإن قلت: لا، بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله].

قوله رحمه الله: (فإن قال: النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه الله) الشبهة هي أنه زعم أن إعطاء الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم الشفاعة يُسوغ طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم كطلب أي شيء، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما كان حياً كان يطلبه الصحابة المال، والمال قد أعطاه الله إياه، وكذلك الشفاعة أعطاه الله إياها وأنا أطلبها منه.

والجواب على هذه الشبهة ما قاله الشيخ رحمه الله: (فالجواب أن الله أعطاه الشفاعة، ونهاك عن هذا) أعطاه الشفاعة ولا شك كما ثبت ذلك في الأحاديث الكثيرة، ونهاك عن هذا أي: نهاك عن سؤال الشفاعة من غيره فقال تعالى: (فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) وهذا يشمل النبي صلى الله عليه وسلم ويشمل غيره، فدعاء غير الله تعالى وطلب الشفاعة منه نهى الله سبحانه وتعالى عنه في هذه الآية (فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) و(أحداً) نكرة في سياق النهي، فتعم كل أحد، والدعاء الذي نهى عنه الله في هذه الآية هو دعاء العبادة المتضمن لدعاء المسألة، قال ابن تيمية رحمه الله: (كل دعاء ذكره الله سبحانه وتعالى عن المشركين لأوثانهم فإن المراد به دعاء العبادة المتضمن لدعاء المسألة). فقد نهى الله سبحانه وتعالى هنا عن الدعاء الذي كان يفعله الجاهليون وهو دعاء العبادة المتضمن لدعاء المسألة، فلا يجوز طلب الحوائج من غير الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز صرف العبادة لغيره سبحانه وتعالى، وأيضاً فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم. هذا الوجه الثاني في الجواب على هذه الشبهة.

ثم قال رحمه الله: (فصح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون، أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة فأطلبها منهم؟ فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه) فسؤال الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أعطيها سبيل لسؤال الملائكة وسبيل لسؤال الصالحين الذين أعطوا الشفاعة، وبالتالي يقع العبد فيما وقع فيه المشركون الأوائل الذين عبدوا الملائكة والجن والصالحين بدعوى: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، وبدعوى قولهم: هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18] وقد تقدم بطلان هذا، فدل عدم جواز سؤال الشفاعة من الملائكة مع أنهم أعطوها ومن الصالحين مع أنهم أعطوها أنه لا يجوز سؤال الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم مع إثباتنا أنه صلى الله عليه وسلم قد أعطيها.

ثم قال: (وإن قلت: لا. بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله). فيقر لنا بأنه لا تطلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم مع إثباتها له وأنه قد أعطيها، وهناك وجه أشار إليه شيخ الإسلام رحمه الله في الجواب على هذه الشبهة في القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة، فذكر رحمه الله أن الله سبحانه وتعالى أخبر أن الملائكة يشفعون ويدعون للمؤمنين الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [غافر:7] إلى الآيات التي تليها، ففي جميعها دعاء للذين تابوا، والدعاء للمؤمنين والاستغفار لهم، فإثبات دعاء الملائكة في هذه الآية لم يجعل سؤال الدعاء منهم مشروعاً، فلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن القرون المفضلة أنهم سألوا الملائكة الدعاء، فدل ذلك على عدم جواز سؤال الدعاء أو الشفاعة ممن أعطيها، بل لا يُسأل إلا الله سبحانه وتعالى. وبهذا تسقط هذه الشبهة. وننتقل إلى الشبهة التي بعدها.

الشفاعة في اللغة: من الشفع وهو الزوج. وفي الاصطلاح: هي التوسط لجلب نفع أو دفع ضر عن الغير لأجله. أي: لأجل ذلك الغير. والشفاعة يثبتها أهل السُنّة والجماعة للنبي صلى الله عليه وسلم وللملائكة وللأنبياء وللصالحين وأعلى الخلق نصيباً في الشفاعة هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن أهل السُنّة والجماعة يثبتون له صلى الله عليه وسلم شفاعات لا يشرك فيها غيره، وشفاعات يشرك فيها غيره. والشفاعات التي يشارك فيها النبي صلى الله عليه وسلم له فيها النصيب الأعلى الأوفى، وهذا من أكبر الرد على هذا المبطل؛ إذ أنه شغّب على الموحدين بقوله: أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها؟

فالجواب: أن الموحدين لا ينكرون شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، بل يثبتون له أكمل الشفاعات، ويثبتون له صلى الله عليه وسلم شفاعات يشرك فيها غيره، وشفاعات لا يشرك فيها غيره. والشفاعات التي يشارك فيها النبي صلى الله عليه وسلم له فيها النصيب الأعلى الأوفى.

وأجاب الشيخ فقال رحمه الله: (فقل: لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع وأرجو شفاعته) هذا فيه إبطال لشبهته، والآن نأتي للرد على ما اعتمد عليه في وقوع الشرك، بعد أن قررنا أن الشفاعة ثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم نرد عليه من جهة تعلقه بهذه الشفاعة، وأن إثبات الشفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم لا يسوغ التوسل به، ولا صرف أنواع العبادة له صلى الله عليه وسلم.

قال رحمه الله: (لكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً [الزمر:44]) هذا فيه إثبات الشفاعة لله سبحانه وتعالى، وأنها ملكه، وأنها له دون غيره، وهذا يُبيّن لك أن الشفاعة محض فضل من الله سبحانه وتعالى على الشافع والمشفع فيه، لا كما يفهمها المشركون من أنها حق للشافع؛ ولذلك قال تعالى: (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً) فإذا كانت الشفاعة له سبحانه وتعالى، وهو الذي يشفع بنفسه إلى نفسه، فيأذن للشفيع ويأمره أن يشفع في المشفوع فيه؛ علمنا بذلك أنه لا وجه لسؤالها من الشفيع، بل الواجب أن تطلب وتسأل من الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك قال رحمه الله في بيان معنى أنها له سبحانه وتعالى: (ولا تكون إلا من بعد إذن الله) فهي لا تكون إلا من بعد إذنه وأمره كما قال الله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] فنفى الله سبحانه وتعالى أن يشفع عنده أحد إلا بإذنه، وهذا أحد شرطي الشفاعة، وهو: إذن الله سبحانه وتعالى، والثاني: لا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال الله تعالى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28] وهذا فيه الشرط الثاني من شروط الشفاعة، وهو: رضا الله سبحانه وتعالى عن الشافع والمشفع فيه.

ثم قال رحمه الله: (وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85]) وأظهر من هذه الآية في الدليل على أن الشفاعة لا تكون إلا لأهل التوحيد ما روي في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله، خالصاً من قلبه)، فيكون أسعد الناس وأحظهم بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم هم أهل التوحيد.

ثم قال رحمه الله: (فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا بعد إذنه، ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد تبين لك أن الشفاعة كلها لله) فبالتالي إذا كانت الشفاعة كلها لله تعالى فهل يسوغ طلبها من غيره؟ لا.

ثم قال رحمه الله: (فأطلبها منه، فأقول: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفِّعه فيَّ، وأمثال هذا) وفي هذا غاية التوحيد والإقبال على الله تعالى والإخلاص، فإن بيده الخير ولا يُسأل إلا منه.

قال رحمه الله: [فإن قال: النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه الله، فالجواب: أن الله أعطاه الشفاعة، ونهاك عن هذا فقال: فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجـن:18]) فإذا كنت تدعو الله أن يشفع نبيه فيك، فأطعه في قوله: (فلا تدعو مع الله أحداً) وأيضاً فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم، فصح أن الملائكة يشفعون، والأفراد يشفعون، والأولياء يشفعون، أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة فأطلبها منهم؟ فإن قلت هذا، رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه، وإن قلت: لا، بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله].

قوله رحمه الله: (فإن قال: النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه الله) الشبهة هي أنه زعم أن إعطاء الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم الشفاعة يُسوغ طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم كطلب أي شيء، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما كان حياً كان يطلبه الصحابة المال، والمال قد أعطاه الله إياه، وكذلك الشفاعة أعطاه الله إياها وأنا أطلبها منه.

والجواب على هذه الشبهة ما قاله الشيخ رحمه الله: (فالجواب أن الله أعطاه الشفاعة، ونهاك عن هذا) أعطاه الشفاعة ولا شك كما ثبت ذلك في الأحاديث الكثيرة، ونهاك عن هذا أي: نهاك عن سؤال الشفاعة من غيره فقال تعالى: (فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) وهذا يشمل النبي صلى الله عليه وسلم ويشمل غيره، فدعاء غير الله تعالى وطلب الشفاعة منه نهى الله سبحانه وتعالى عنه في هذه الآية (فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) و(أحداً) نكرة في سياق النهي، فتعم كل أحد، والدعاء الذي نهى عنه الله في هذه الآية هو دعاء العبادة المتضمن لدعاء المسألة، قال ابن تيمية رحمه الله: (كل دعاء ذكره الله سبحانه وتعالى عن المشركين لأوثانهم فإن المراد به دعاء العبادة المتضمن لدعاء المسألة). فقد نهى الله سبحانه وتعالى هنا عن الدعاء الذي كان يفعله الجاهليون وهو دعاء العبادة المتضمن لدعاء المسألة، فلا يجوز طلب الحوائج من غير الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز صرف العبادة لغيره سبحانه وتعالى، وأيضاً فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم. هذا الوجه الثاني في الجواب على هذه الشبهة.

ثم قال رحمه الله: (فصح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون، أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة فأطلبها منهم؟ فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه) فسؤال الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أعطيها سبيل لسؤال الملائكة وسبيل لسؤال الصالحين الذين أعطوا الشفاعة، وبالتالي يقع العبد فيما وقع فيه المشركون الأوائل الذين عبدوا الملائكة والجن والصالحين بدعوى: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، وبدعوى قولهم: هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18] وقد تقدم بطلان هذا، فدل عدم جواز سؤال الشفاعة من الملائكة مع أنهم أعطوها ومن الصالحين مع أنهم أعطوها أنه لا يجوز سؤال الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم مع إثباتنا أنه صلى الله عليه وسلم قد أعطيها.

ثم قال: (وإن قلت: لا. بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله). فيقر لنا بأنه لا تطلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم مع إثباتها له وأنه قد أعطيها، وهناك وجه أشار إليه شيخ الإسلام رحمه الله في الجواب على هذه الشبهة في القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة، فذكر رحمه الله أن الله سبحانه وتعالى أخبر أن الملائكة يشفعون ويدعون للمؤمنين الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [غافر:7] إلى الآيات التي تليها، ففي جميعها دعاء للذين تابوا، والدعاء للمؤمنين والاستغفار لهم، فإثبات دعاء الملائكة في هذه الآية لم يجعل سؤال الدعاء منهم مشروعاً، فلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن القرون المفضلة أنهم سألوا الملائكة الدعاء، فدل ذلك على عدم جواز سؤال الدعاء أو الشفاعة ممن أعطيها، بل لا يُسأل إلا الله سبحانه وتعالى. وبهذا تسقط هذه الشبهة. وننتقل إلى الشبهة التي بعدها.