شرح لمعة الاعتقاد [19]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فيقول المؤلف رحمه الله تعالى:

[ ومن السنة: السمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين، برهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله، فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، أو غلبهم بسيفه حتى صار الخليفة وسمي (أمير المؤمنين)، وجبت طاعته، وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين ].

عاد المؤلف رحمه الله إلى ذكر ما يجب لولاة الأمر من أئمة المسلمين، وقد بينا أن قوله رحمه الله: (من السنة) أي: من الطريقة التي سار عليها أهل السنة والجماعة، وسلكها أئمة هذا الدين من الصحابة فمن بعدهم.

قوله: (السمع والطاعة لأئمة المسلمين) السمع معناه: القبول، والطاعة معناها: الامتثال، وليس المراد بالسمع هنا إدراك الأصوات، إنما المراد بالسمع في مثل هذا المقام القبول، والطاعة: التنفيذ والامتثال، ومنه قول القائل في صلاته: سمع الله لمن حمده، أي: أجاب الله من حمده، فالسمع ليس المراد منه في مثل هذه الموارد إدراك الأصوات، بل المراد به ما هو أكثر من ذلك من قبول ما يقول وامتثال ما يأمر.

والأئمة جمع إمام، والإمام هو من يؤتم ويقتدى به ويجتمع عليه.

وقوله رحمه الله: (لأئمة المسلمين) أي: الذين يأتم بهم أهل الإسلام ويجتمعون عليهم.

قال: (وأمراء المؤمنين) أي: من تأمروا على أهل الإيمان، فحقهم أن يسمع لهم وأن يطاع لهم، وأدلة هذا أكثر من أن تحصى، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] فأمر الله عز وجل بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر الذين لهم ولاية، وهذه الآية لا تختص بمن له الولاية العليا فحسب، بل هي شاملة لمن له الولاية العليا ومن كان دونه من أصحاب الولايات، فإنه يطاع كل ولي فيما له فيه ولاية، هذا هو الواجب، وهذا هو الذي دلت عليه الآية.

وأما السنة فقد جاء ذلك في أحاديث كثيرة ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على المرء المسلم السمعُ والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا طاعة، أو فلا سمع ولا طاعة) وهذا يدل على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر، وقد قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه في بيان ما بايع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والسمع والطاعة، والنصح لكل مسلم) ، وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر على أثرة علينا، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم) .

كل هذه الأدلة وغيرها كثير في سنة النبي صلى الله عليه وسلم تدل على السمع والطاعة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوجوب السمع والطاعة عند الاختلاف والتفرق كما في حديث العرباض بن سارية : (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين..) الحديث.

ومن سنته صلى الله عليه وسلم: السمع والطاعة، ولو كان المتأمر عبداً حبشياً، أي: ممن لا يرى له العرب حقاً في الولاية، هذا هو المقصود من التمثيل بالعبد الحبشي، وليس ذماً له أو انتقاصاً له، لكن لما كانت العرب تأبى نفوسهم في ذلك الوقت أن يتأمر عليهم مثل هذا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: حتى ولو كان على هذه الصفة.

حكم الطاعة في المعصية

ولما أخبر صلى الله عليه وسلم باختلاف الأمور بعده كما في صحيح الإمام مسلم لما قالوا له: (أفلا ننابذهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) ، وفي حديث عبادة : (وألا ننازع الأمر أهله.. قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان).

فهذا كله يدل على وجوب السمع والطاعة في المعروف فيما فيه مصلحة العباد والبلاد، أما إذا كان الأمر في معصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية كائناً من كان، لأن الله فرض طاعة ولاة الأمر وجعلها فرعاً عن طاعته، وهذا هو السر في أن الله لم يُعد ذكر الأمر في الطاعة في ذكر طاعة ولاة الأمر؛ لأن طاعتهم ليست طاعة مستقلة بل هي طاعة تابعة، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لم يقل: وأطيعوا أولي الأمر منكم، وإنما قال: وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] فلم يذكر فعل الطاعة في حق ولاة الأمر؛ لأنها تابعة لطاعة الله ورسوله، أما طاعة الله فهي واجبة استقلالاً، وطاعة النبي واجبة استقلالاً كما قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].

وهذه مسألة تميز بها أهل السنة والجماعة عن غيرهم، وإذا راقبت وتأملت خيرة سلف الأمة من الصحابة فمن بعدهم وجدتهم على هذه السنة الظاهرة المشتركة بينهم رحمهم الله ورضي الله عنهم، لتضافر الأدلة عليها.

ولا يعني هذا ألا يأمر الإنسان بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، بل الواجب هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن على ما تقتضيه الشريعة.

يقول رحمه الله: ( برهم وفاجرهم ) أي: تجري الطاعة لمن كان براً ولمن كان فاجراً، سواء كان براً في خاصة نفسه وولايته أو كان فاجراً في خاصة نفسه وولايته، ما لم يبلغ الفجور إلى الكفر، فإذا بلغ فلا طاعة لكافر، ومما حكى القاضي عياض إجماع المسلمين عليه أنه لا طاعة للكافر إذا تولى على المسلمين.

قال رحمه الله: (ما لم يأمروا بمعصية الله فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله)، لا إشكال في هذا، والأدلة على هذا الأمر واضحة وجلية.

المقصود بالولاية

قال رحمه الله: ( ومن ولي الخلافة ) أي: من تولى الأمر.

والخلافة المقصود بها الولاية سواء كانت الخلافة متسعة الرقعة كخلافة الراشدين وخلافة بني أمية وبني العباس في أولها، أو كانت الخلافة ضيقة، كالحال في أواخر الدولة العباسية، فإن حال الناس في آخر الخلافة الإسلامية -خلافة بني العباس- تقسمت بلاد المسلمين وأصبح لكل جهة ولاية وولي، بل إن هذا الأمر كان في عهد الصحابة رضي الله عنهم، فكان معاوية على الشام وكان علي رضي الله عنه على العراق ومصر واليمن والحجاز، فهذا التقسم ليس أمراً حادثاً، ومع هذا يجب طاعة كل من ولي أمر المسلمين في تلك الجهة التي هو فيها.

طرق الولاية

قال رحمه الله: ( ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وجبت طاعته، أو غلبهم بسيف حتى صار خليفة وجبت طاعته ) وهذا فيه بيان طريقة الولاية:

منها: ما تكون عن اجتماع ورضاً.

ومنها: ما يكون عن غلبة وظهور، والواجب في الولايتين من حيث السمع والطاعة واحد؛ لأنه يجب السمع والطاعة لمن اجتمع عليه أهل الإسلام ورضوا به ونصبوه خليفة عليهم أو إماماً لهم، وكذلك يجب طاعة من تغلب وظهر بقوة على المسلمين، جمعاً للكلمة ودفعاً للشر الذي يحصل بالفرقة والاختلاف والمنازعة وإراقة الدماء.

فائدة ولاة الأمر

قال رحمه الله: (وسمي أمير المؤمنين وجبت طاعته، وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين) كل هذا مما يجب لولاة الأمر، وبه تنتظم مصالح الدنيا ومصالح الآخرة، ففي هذا الأصل تنتظم مصالح الناس في دينهم وفي دنياهم فإنه لا استقامة للناس في دنياهم بلا ولاة، ولا يمكن أن يقوم الدين بلا ولاية، وهذا أمر لا إشكال فيه، ولذلك جاءت الشريعة بالتأمير في الاجتماع العارض، فإذا سافر ركب من ثلاثة فأكثر أمروا عليهم أميراً كما جاء ذلك في السنة، فكيف بالاجتماعات الدائمة القائمة؟! فالإمارة والولاية فيها من باب أولى، ومن باب آكد ولا خلاف في هذا، وقد قال الشاعر:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا

وأمثلة وشواهد هذا في حال غياب الولاية وما يحصل من فساد بين الناس موجودة في التاريخ الحديث والتاريخ القديم؛ لأن الناس إذا لم يكن لهم سلطان يردعهم ويصلح شئونهم ويدير أمورهم -ولو كان في سلطته جور وظلم وتعد ومعصية- فسدت أحوالهم ومعيشتهم.

ولما أخبر صلى الله عليه وسلم باختلاف الأمور بعده كما في صحيح الإمام مسلم لما قالوا له: (أفلا ننابذهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) ، وفي حديث عبادة : (وألا ننازع الأمر أهله.. قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان).

فهذا كله يدل على وجوب السمع والطاعة في المعروف فيما فيه مصلحة العباد والبلاد، أما إذا كان الأمر في معصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية كائناً من كان، لأن الله فرض طاعة ولاة الأمر وجعلها فرعاً عن طاعته، وهذا هو السر في أن الله لم يُعد ذكر الأمر في الطاعة في ذكر طاعة ولاة الأمر؛ لأن طاعتهم ليست طاعة مستقلة بل هي طاعة تابعة، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لم يقل: وأطيعوا أولي الأمر منكم، وإنما قال: وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] فلم يذكر فعل الطاعة في حق ولاة الأمر؛ لأنها تابعة لطاعة الله ورسوله، أما طاعة الله فهي واجبة استقلالاً، وطاعة النبي واجبة استقلالاً كما قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].

وهذه مسألة تميز بها أهل السنة والجماعة عن غيرهم، وإذا راقبت وتأملت خيرة سلف الأمة من الصحابة فمن بعدهم وجدتهم على هذه السنة الظاهرة المشتركة بينهم رحمهم الله ورضي الله عنهم، لتضافر الأدلة عليها.

ولا يعني هذا ألا يأمر الإنسان بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، بل الواجب هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن على ما تقتضيه الشريعة.

يقول رحمه الله: ( برهم وفاجرهم ) أي: تجري الطاعة لمن كان براً ولمن كان فاجراً، سواء كان براً في خاصة نفسه وولايته أو كان فاجراً في خاصة نفسه وولايته، ما لم يبلغ الفجور إلى الكفر، فإذا بلغ فلا طاعة لكافر، ومما حكى القاضي عياض إجماع المسلمين عليه أنه لا طاعة للكافر إذا تولى على المسلمين.

قال رحمه الله: (ما لم يأمروا بمعصية الله فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله)، لا إشكال في هذا، والأدلة على هذا الأمر واضحة وجلية.

قال رحمه الله: ( ومن ولي الخلافة ) أي: من تولى الأمر.

والخلافة المقصود بها الولاية سواء كانت الخلافة متسعة الرقعة كخلافة الراشدين وخلافة بني أمية وبني العباس في أولها، أو كانت الخلافة ضيقة، كالحال في أواخر الدولة العباسية، فإن حال الناس في آخر الخلافة الإسلامية -خلافة بني العباس- تقسمت بلاد المسلمين وأصبح لكل جهة ولاية وولي، بل إن هذا الأمر كان في عهد الصحابة رضي الله عنهم، فكان معاوية على الشام وكان علي رضي الله عنه على العراق ومصر واليمن والحجاز، فهذا التقسم ليس أمراً حادثاً، ومع هذا يجب طاعة كل من ولي أمر المسلمين في تلك الجهة التي هو فيها.

قال رحمه الله: ( ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وجبت طاعته، أو غلبهم بسيف حتى صار خليفة وجبت طاعته ) وهذا فيه بيان طريقة الولاية:

منها: ما تكون عن اجتماع ورضاً.

ومنها: ما يكون عن غلبة وظهور، والواجب في الولايتين من حيث السمع والطاعة واحد؛ لأنه يجب السمع والطاعة لمن اجتمع عليه أهل الإسلام ورضوا به ونصبوه خليفة عليهم أو إماماً لهم، وكذلك يجب طاعة من تغلب وظهر بقوة على المسلمين، جمعاً للكلمة ودفعاً للشر الذي يحصل بالفرقة والاختلاف والمنازعة وإراقة الدماء.

قال رحمه الله: (وسمي أمير المؤمنين وجبت طاعته، وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين) كل هذا مما يجب لولاة الأمر، وبه تنتظم مصالح الدنيا ومصالح الآخرة، ففي هذا الأصل تنتظم مصالح الناس في دينهم وفي دنياهم فإنه لا استقامة للناس في دنياهم بلا ولاة، ولا يمكن أن يقوم الدين بلا ولاية، وهذا أمر لا إشكال فيه، ولذلك جاءت الشريعة بالتأمير في الاجتماع العارض، فإذا سافر ركب من ثلاثة فأكثر أمروا عليهم أميراً كما جاء ذلك في السنة، فكيف بالاجتماعات الدائمة القائمة؟! فالإمارة والولاية فيها من باب أولى، ومن باب آكد ولا خلاف في هذا، وقد قال الشاعر:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا

وأمثلة وشواهد هذا في حال غياب الولاية وما يحصل من فساد بين الناس موجودة في التاريخ الحديث والتاريخ القديم؛ لأن الناس إذا لم يكن لهم سلطان يردعهم ويصلح شئونهم ويدير أمورهم -ولو كان في سلطته جور وظلم وتعد ومعصية- فسدت أحوالهم ومعيشتهم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح لمعة الاعتقاد [17] 2746 استماع
شرح لمعة الاعتقاد [1] 2102 استماع
شرح لمعة الاعتقاد [18] 2032 استماع
شرح لمعة الاعتقاد [10] 1997 استماع
شرح لمعة الاعتقاد [5] 1838 استماع
شرح لمعة الاعتقاد [8] 1787 استماع
شرح لمعة الاعتقاد [16] 1779 استماع
شرح لمعة الاعتقاد [3] 1712 استماع
شرح لمعة الاعتقاد [4] 1645 استماع
شرح لمعة الاعتقاد [12] 1484 استماع