شرح لمعة الاعتقاد [8]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ومن صفات الله تعالى أنه فعال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يكون إلا عن تدبيره، ولا محيد عن القدر المقدور، ولا يتجاوز ما خط في اللوح المسطور، أراد ما العالم فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه، خلق الخلق وأفعالهم، وقدر أرزاقهم وآجالهم، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] ، وقال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] ، وقال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً [الفرقان:2] ، وقال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22] ، وقال تعالى: فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً [الأنعام:125].

روى عمر أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فقال جبريل: صدقت) متفق عليه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره)، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي علمه الحسن بن علي يدعو به في قنوت الوتر: (وقني شر ما قضيت).

ولا نجعل قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره وفعل نواهيه، بل يجب أن نؤمن ونعلم أن الله أنزل الحجة علينا بإنزال الكتب وبعثة الرسل، قال الله تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165] ونعلم أن الله سبحانه ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك، وأنه لم يجبر أحداً على معصية، ولا اضطره إلى ترك طاعة، قال الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286] ، وقال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ، وقال تعالى: الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ [غافر:17] فدل على أن للعبد فعلاً وكسباً يجزى على حسنه بالثواب وعلى سيئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره ].

الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب الإيمان بالقدر

هذا الفصل ذكر فيه المؤلف رحمه الله ما يتعلق بالإيمان بالقدر، والإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان الذي لا يتم إيمان أحد إلا بها، فلابد للمؤمن أن يؤمن بالقدر خيره وشره، وكل من كان غير مؤمن بالقدر فإنه لم يحقق الإيمان الذي تحصل به النجاة من النار.

وقد دلت الأدلة في الكتاب والسنة، وأجمع سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وأئمة الدين على وجوب الإيمان بالقدر، وأنه ما من شيء إلا بقضاء وقدر، وقد قال ابن عباس رضي الله عنه في بيان منزلة الإيمان بالقدر: (الإيمان بالقدر نظام التوحيد، فمن كذب بالقدر نقض تكذيبه توحيده)، وهذا يدل على أن كل من لم يؤمن بالقدر فقد انتقض توحيده؛ لأن الإيمان بالقدر أساس التوحيد، فهذا معنى قوله رحمه الله: (نظام التوحيد)، أي: به ينتظم.. وبه يستقيم.. وبه يستقر.. فمن لم يؤمن بالقدر لا توحيد له، ومن لم يؤمن بالقدر لا إيمان له، فالإيمان بالقدر أصل من أصول الدين، ومن أصول الإيمان وأركانه التي لا يتم إيمان أحد إلا بها.

وقد قال ابن عمر رضي الله عنه لما بلغه إنكار من ينكر الإيمان بالقدر ويقول: إن الأمر أنف، قال: (والذي نفس ابن عمر بيده، لو أنفق مثل جبل أحد ذهباً ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر)، وجاء مثل هذا عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم.

وقد أخرج الإمام أحمد وأصحاب السنن والدارقطني وابن حبان وابن خزيمة وغيرهم من أئمة أهل السنة حديث عبد الله بن فيروز بن الديلمي الذي جاء إلى أبي بن كعب فقال: إن في نفسي شيئاً من القدر، فحدثني لعل الله أن يذهبه عني، فقال له أبي رضي الله عنه: (إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو أنه رحم أهل سماواته وأهل أرضه لكانت رحمته لهم، وإنه لو أنفق أحد مثل جبل أحد ذهباً لم يتقبله الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم قال له: وائت ابن مسعود فاسأله). يقول ابن الديلمي : فأتيت ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت ، فكلهم حدثني بما حدثني به أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن الصحابة رضي الله عنهم مجمعون على الإيمان بالقدر، وأنه من لم يؤمن بالقدر مات على غير الإسلام.

ولذلك جاء في حديث عبادة بن الصامت في وصيته لابنه الوليد بن عبادة لما قال له: واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وفي رواية: (فمن مات على غير هذا أحرقه الله بالنار) فدل ذلك على وجوب الإيمان بالقدر.

وأمر القدر أمر خطير عظيم، إنكاره ينقض التوحيد كما ذكرنا في كلام ابن عباس رضي الله عنه، وهو تكذيب للقرآن وانتقاص لرب العالمين، ولذلك لما سئل الإمام أحمد رحمه الله عن القدر قال: القدر قدرة الله عز وجل؛ فمن أنكر القدر فقد أنكر قدرة الله جل وعلا.

وكل هذا يبين لنا منزلة الإيمان بالقدر، وأن الاختلال في الإيمان به اختلال في أصل الإيمان؛ ولذلك لا يخلو كتاب من كتب الاعتقاد من الحديث عن القدر وبيان منزلته، وبيان ما الذي يجب فيه.

تعريف القدر لغة وشرعاً

والقدر يطلق في اللغة على التقدير، والمراد به في كلام النبي صلى الله عليه وسلم في مثل قوله: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) المراد به: علم الله بالكائنات وحكمه فيها.

وعرفه جماعة من العلماء بأنه الحكم الكوني، يعني: الحكم وقضاء الله عز وجل في الكون، وعرفه آخرون بأنه علم الله وكتابته ومشيئته وخلقه، وهذا تعريف يسير سهل يجمع لك بيان القدر وبيان مراتب الإيمان بالقدر.

مراتب القدر

والإيمان بالقدر على مراتب:

أولها وثانيها: الإيمان بعلم الله عز وجل، وأنه ما من شيء إلا بعلمه، وأنه ما من شيء من علمه إلا وقد كتبه الله سبحانه وتعالى.

الثالث: مشيئته، فما من شيء إلا بمشيئته جل وعلا.

الرابع: خلقه، فما من شيء في الكون إلا وهو من خلقه سبحانه وتعالى.

وقد قال بعض العلماء في ذلك نظماً:

علم كتابة مولانا مشيئته وخلقه وهو إيجاد وتكوين

وهذا يجمع لك تعريف القدر.

قوله: (وهو إيجاد وتكوين) بيان معنى الخلق وأنه يطلق على الإيجاد، ويطلق أيضاً على التكوين.

هذا الفصل ذكر فيه المؤلف رحمه الله ما يتعلق بالإيمان بالقدر، والإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان الذي لا يتم إيمان أحد إلا بها، فلابد للمؤمن أن يؤمن بالقدر خيره وشره، وكل من كان غير مؤمن بالقدر فإنه لم يحقق الإيمان الذي تحصل به النجاة من النار.

وقد دلت الأدلة في الكتاب والسنة، وأجمع سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وأئمة الدين على وجوب الإيمان بالقدر، وأنه ما من شيء إلا بقضاء وقدر، وقد قال ابن عباس رضي الله عنه في بيان منزلة الإيمان بالقدر: (الإيمان بالقدر نظام التوحيد، فمن كذب بالقدر نقض تكذيبه توحيده)، وهذا يدل على أن كل من لم يؤمن بالقدر فقد انتقض توحيده؛ لأن الإيمان بالقدر أساس التوحيد، فهذا معنى قوله رحمه الله: (نظام التوحيد)، أي: به ينتظم.. وبه يستقيم.. وبه يستقر.. فمن لم يؤمن بالقدر لا توحيد له، ومن لم يؤمن بالقدر لا إيمان له، فالإيمان بالقدر أصل من أصول الدين، ومن أصول الإيمان وأركانه التي لا يتم إيمان أحد إلا بها.

وقد قال ابن عمر رضي الله عنه لما بلغه إنكار من ينكر الإيمان بالقدر ويقول: إن الأمر أنف، قال: (والذي نفس ابن عمر بيده، لو أنفق مثل جبل أحد ذهباً ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر)، وجاء مثل هذا عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم.

وقد أخرج الإمام أحمد وأصحاب السنن والدارقطني وابن حبان وابن خزيمة وغيرهم من أئمة أهل السنة حديث عبد الله بن فيروز بن الديلمي الذي جاء إلى أبي بن كعب فقال: إن في نفسي شيئاً من القدر، فحدثني لعل الله أن يذهبه عني، فقال له أبي رضي الله عنه: (إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو أنه رحم أهل سماواته وأهل أرضه لكانت رحمته لهم، وإنه لو أنفق أحد مثل جبل أحد ذهباً لم يتقبله الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم قال له: وائت ابن مسعود فاسأله). يقول ابن الديلمي : فأتيت ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت ، فكلهم حدثني بما حدثني به أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن الصحابة رضي الله عنهم مجمعون على الإيمان بالقدر، وأنه من لم يؤمن بالقدر مات على غير الإسلام.

ولذلك جاء في حديث عبادة بن الصامت في وصيته لابنه الوليد بن عبادة لما قال له: واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وفي رواية: (فمن مات على غير هذا أحرقه الله بالنار) فدل ذلك على وجوب الإيمان بالقدر.

وأمر القدر أمر خطير عظيم، إنكاره ينقض التوحيد كما ذكرنا في كلام ابن عباس رضي الله عنه، وهو تكذيب للقرآن وانتقاص لرب العالمين، ولذلك لما سئل الإمام أحمد رحمه الله عن القدر قال: القدر قدرة الله عز وجل؛ فمن أنكر القدر فقد أنكر قدرة الله جل وعلا.

وكل هذا يبين لنا منزلة الإيمان بالقدر، وأن الاختلال في الإيمان به اختلال في أصل الإيمان؛ ولذلك لا يخلو كتاب من كتب الاعتقاد من الحديث عن القدر وبيان منزلته، وبيان ما الذي يجب فيه.

والقدر يطلق في اللغة على التقدير، والمراد به في كلام النبي صلى الله عليه وسلم في مثل قوله: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) المراد به: علم الله بالكائنات وحكمه فيها.

وعرفه جماعة من العلماء بأنه الحكم الكوني، يعني: الحكم وقضاء الله عز وجل في الكون، وعرفه آخرون بأنه علم الله وكتابته ومشيئته وخلقه، وهذا تعريف يسير سهل يجمع لك بيان القدر وبيان مراتب الإيمان بالقدر.