خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
تفسير سورة الفرقان [60-67]
الحلقة مفرغة
قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا [الفرقان:60].
هذه السجدة اتفق عليها جميع العلماء، والرحمن اسم من أسماء الله جل جلاله، وفي صلح الحديبية أمر صلى الله عليه وسلم بكتابة الصلح مع أعدائه، فأمر علياً -وكان الكاتب لهذا الصلح- فقال: (اكتب باسم الله الرحمن الرحيم) فقال سفير قريش: ما الرحمن؟! لا نعرف الرحمن ولا الرحيم. اكتب ما كنت تكتب قبل: باسمك اللهم. وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد قال قبل ذلك: (لا يسألونني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها)و(باسمك اللهم) معناها: باسمك يا الله، فليس فيها وثنية، فأمر علياً بكتابتها.
وكانوا يقولون لـمسيلمة الكذاب : رحمان اليمامة، ولا أدري ما هذه الكلمة؛ فقد عرفت في أيام دعوى النبوة، ولذلك قالوا للنبي عليه الصلاة والسلام: لا نعلم ما الرحمن، لا نعلم إلا رحمان اليمامة.
وكانوا لذلك يشنعون عليه، فيقولون: كان محمد يدعونا إلى إله واحد، فأصبح يدعونا إلى إلهين: الله والرحمن، فنزل قوله تعالى منكراً ذلك ومزيلاً لجهالاتهم: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، وقوله: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء:110].
فأسماء الله كلها حسنة، وكلها تدل على الله جل جلاله، فإذا قلنا: يا رحمن، يا رحيم، فذلك يعني: يا الله، وإذا قلنا: يا مجيب، أو يا عفو، أو يا غفور، فمعنى ذلك: يا الله.
يقول تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ [الفرقان:60] أي: اعبدوا الرحمن، ومن تمام العبادة السجود؛ لأنه جزء من الصلاة، وهو وضع الجبهة والأنف واليدين والركبتين وأصابع الرجلين على الأرض لله، وهي صفة لا يجوز أن تكون لأحد إلا لله، بل الركوع وطأطأة الرءوس لا يجوز إلا لله وحده.
يقول تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا [الفرقان:60]، فهم لا يزالون على كفرهم، حيث قالوا لرسول الله: أنطيعك بالسجود لهذا؟!
قال تعالى: وَزَادَهُمْ نُفُورًا [الفرقان:60] أي: ازدادوا نفوراً لكفرهم، ولإصرارهم، وازدادوا بهذا كفراً على كفر، فقد عصوا الله، ثم عصوا نبيه، ثم أنكروا أسماء الله الحسنى، ثم امتنعوا عن السجود.
ولذلك اتفق الفقهاء الأربعة على مشروعية السجود عند هذا الموضع، لأن هذه الآية دعي فيها الكفار إلى السجود لله فأبوا، فكيف يدعى المؤمن ولا يسجد؟!
قال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا [الفرقان:61].
يلفت الله جل جلاله أنظارنا ويرينا قدرته، ويرينا خلقه، ويرينا أنه القادر والخالق لكل شيء، ويعمم ثم يخصص، فهو تعالى الذي خلق السماوات العلى، وخلق الأرضين، وخلق مابين ذلك.
ثم عاد فقال: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا [الفرقان:61]، فعظم نفسه، ونزه نفسه، وقدس نفسه، وهو الأهل لذلك، وهو الجدير بذلك، وبذلك يأمرنا، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
والبروج: هي هذه الكواكب الكبيرة: كعطارد، والقمر، والمشتري، والزهرة.
وقال البعض: البروج هي منازل الكواكب، وذكروا الجدي والعقرب والحمل، وقالوا: هي اثنا عشر برجاً، ولكن لا شيء يدل على هذا من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
يقول تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا [الفرقان:61] أي: في العلو، وإلا فهذه البروج هي خلق الله بين السماء والأرض وليست داخل السماء كالقمر، ليس داخل السماء ونحن نراه، بل هي ما قال الله عنه: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ [الملك:5]، فهذه المصابيح التي نرى مصابيح زين بها السقف، والسقف هو السماء، فزينها الله بذلك، وجعلها علامات الاهتداء في الذهاب والإياب.
وكان بدو الجزيرة العربية أعلم الناس بذلك، فهم يستطيعون السير في الصحاري التي لا علامة فيها على شرق ولا غرب ولا جنوب ولا شمال، فبالأنجم يعلمون الطرق شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، ومن لا يعلم ذلك يهلك في الصحاري عطشاً أو ضلالاً.
وقل مثل هذا الآن في الطائرات وفي السفن، إذ السماء لا علامة فيها، والبحار عندما تدخلها السفن لا علامة فيها، فيهتدون بإشارات الرادار ونحوه، ولكن كل ذلك مبني على النجوم، فهذه الإشارة تكون في الشرق، وهذه تكون في الغرب، وهذه تكون في الشمال، وهذه تكون في الجنوب، وهكذا.
قال تعالى: وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا [الفرقان:61] أي: شمساً سراجاً، والسراج: المصباح، وهي كما قال تعالى: وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا [نوح:16]، فجعل الشمس سراجاً أضاء الدنيا، فالضوء الذي نراه في النهار ناشئ عن الشمس، والعتمة التي تأتي في الليل نتيجة غيبوبة ضياء الشمس، فإذا أشرقت أو قاربت تجد الضياء قد شع والنهار قد سطع والأنوار ظهرت.
كذلك أنار الله تعالى القمر، وقد قالوا: إن نور القمر من غير نور الشمس، وذلك يحتمل، والآية لا تؤكده، فقد يكون نور القمر مستمداً من الشمس، وقد يكون للقمر نور خاص به، فالله ذكر القمر منيراً، ونحن نراه كذلك عندما يصبح بدراً، أما إذا كان هلالاً فإن نوره يتضاءل، ولكنه نور على كل حال، وإنما يكون أضوء ما يكون عندما يصبح بدراً منيراً في الليالي الإضحيانية كما سمتها السنة المطهرة، والليالي الإضحيانية هي ليلة الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62].
جعل الله الليل والنهار خلفة، وقد اختلفوا في تفسير الخلفة، وكل ما قالوه يصح في تفسيرها.
فقد قيل: (خلفة): أي: عوضاً وبدلاً، فالنهار عوض عن الليل، والليل عوض عن النهار في العبادة والطاعة، ولذلك روي عن عمر رضي الله عنه أنه صلى يوماً في الضحى بركعات أطالهن، فقيل له: يا أمير المؤمنين! رأيناك تصلي صلاة ما رأيناك تصلي مثلها! قال: فاتتني ركعات من الليل، فأنا أريد أن أخلفها.
ومعناه: أن من فاتته عبادته في النهار أخلفها في الليل، ومن فاتته عبادته في الليل أخلفها في النهار، وهذا يؤكد قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن لله تعالى مغفرة يغفرها لتائب النهار في الليل، ومغفرة يغفرها لتائب الليل في النهار) أي: أن يقوم عبد في الليل فيتهجد، ويبكي ويتضرع، ويقول: يا رب! أذنبت، يا رب! أسأت، يا رب! ندمت على ما صدر مني، يا رب! اغفر ذنوبي، ويكون قد أذنب في النهار وتاب في الليل، فيغفر الله ذنوبه، فيكون قد عوض ذنوب النهار بالطاعة والدعاء في الليل.
وكذلك العكس، فحيث يذنب في الليل يصبح في النهار وقد ندم، وقد تاب، فيقول: يا رب! اغفر لي، يا رب! ارحمني. فيغفر الله له، فيتوب على ماد يده بالليل، فيغفر ذنبه في النهار، وماد يده بالنهار يغفر ذنبه بالليل.
وقيل: المراد بقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً [الفرقان:62] أن الله تعالى أدخل الليل في النهار وأدخل النهار في الليل، فالليل عتمة لا ضياء فيه، والنهار نور لا ظلمة فيه، وكلاهما متعاقبان يخلف أحدهما الآخر في نظام وترتيب، فهذا للنشور والمعاش والعمل، وهذا للسكون والنوم والراحة، فمن الذي خلق ذلك؟! ومن الذي نظم ذلك؟! ومن الذي رتب ذلك؟! إنه الله جل جلاله.
يقول تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62].
فالله جعل للإنسان في اليوم أربعاً وعشرين ساعة، منها نهار ومنها ليل، فقد يطول النهار إلى ست عشرة ساعة، وقد يقصر إلى بضع ساعات، والليل والنهار أربع وعشرون ساعة، فجعل الله تعالى كل ذلك زمناً ووقتاً للاستغفار، وللشكر، وللذكر، وللعبادة.
وختم الآية بقوله: لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62] وهذا يؤكد المعنى الأول، وهو أن من فاتته عبادة الليل قضاها في النهار، ومن فاتته عبادة النهار قضاها في الليل.
وقوله تعالى: لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ [الفرقان:62] أي: أن يعتبر، وقرئ في السبع: (أن يَذْكُر) أي: أن يذكر الله قائماً وقاعداً وساجداً باللسان وبالجنان وبالأركان.
وقوله تعالى: أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62] أي: أراد أن يشكر الله على كثرة ما أنعم عليه، فيقول: أشكرك يا رب! على نعمك وآلائك التي لا تحصى، وأول ما يشكر عليه تعالى هو هذه الهداية التي هدانا بها إلى دينه، واتباع نبيه، وإلى القيام بالإسلام.
ثم بعد ذلك الهداية إلى عمل الخير والطاعة، ثم يأتي الشكر بعد ذلك على الطعام والشراب، ومن جعل شكره مقصوراً على الطعام والشراب فهو كما قال الحسن البصري : لا يعد من النعم إلا الطعام والشراب، فهو كالدابة، فأعظم من الطعام والشراب الدين، والطاعة، والأخلاق، والامتثال، والدعوة إلى الله، والتحلي بمكارم الأخلاق، والتخلي عن مساوئها، فكل ذلك يشكر الله تعالى عليه وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18].
قال تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان:63].
هذه بداية سلسلة من الآيات الكريمة في صفة عباد الله المؤمنين التي يجب أن يطيل الاعتبار بها المؤمن، فيزن نفسه بميزانها، فإن وجد نفسه متخلقاً بها فهو مؤمن، وإذا وجد نفسه غير متخلق بها فهو مؤمن ناقص الإيمان بمقدار ما نقص من هذه الصفات.
قال تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:63-64].
إن عباد الرحمن هم جميع خلقه، ولكن المراد هنا عباد الرحمن الذين يعبدونه بصدق، فهم عباد في الخلقة، وهم عباد كذلك في العمل، وهي صفة لا تكون إلا للمؤمنين.
يقول تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان:63] فهؤلاء تجد صفتهم في مشيتهم، وبعضنا تجده يمشي في الطريق وهو يترنح يميناً وشمالاً، فيمشي وكأن الأرض لا تحمله، ويكاد يشق الأرض والجبال، وهو أعجز عن ذلك، فيرفع رأسه كأنما يريد أن يطير!
فإن قيل له: لم كل ذلك؟ يقول: أنا غني، أنا شاب، أنا جميل، أنا ابن فلان، وهذه صفة الكفار وليست صفة المسلمين.
وقوله تعالى: (الذين يمشون) أي: يعيشون، فحياتهم تمشي على هذا الأساس، وليس المراد المشي فقط.
وقوله تعالى: يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان:63] الهون: الرفق واللين، فيعاملون الناس برفق، ويعاملونهم بلين، وإذا مشوا مشوا وعليهم السكينة والوقار، لا بالذل؛ إذ لا يليق الذل بمؤمن، فقد رأى عمر بن الخطاب يوماً شاباً يمشي متباطئاً، فقال له: ما بالك، أمريض أنت؟ قال: لا. فقال: ولم تمشي هكذا؟! ارفع رأسك؛ فإن الإسلام عزيز منيع، وضربه بالدرة.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا مشى فكأنما ينحط من صبب، وكأنما يقلع من الأرض قلعاً، فإذا رفع رجله رفعها كلها بقوة، ولا يمشي وهو يسحب برجله على الأرض كما يفعل كثير من الناس، فإذا رفعها رفعها باقتلاع، وإذا وضعها فكأنما ينزل من صبب، وهذه هي مشية الرجولة.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا مشى أسرع في خطاه، وهذا كله مع الوقار ومع السكينة ومع التواضع لله جل جلاله.
وقد قص الله علينا قصة لقمان مع ولده وهو يأمره وينهاه، حيث قال له: وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا [لقمان:18]، ثم قال له: إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا [الإسراء:37]، فلا الأرض ستخرقها ولا الجبال ستدخل فيها، فيجب أن تمشي برفق وبلين وتواضع وعبودية، أما مشية الخيلاء فهي مشية من لا يؤمن بالله.
ولما دخل النبي عليه الصلاة والسلام مكة معتمراً بعد صلح الحديبية كان معه الشيخ والمرأة والمريض والصحيح، وقد قطعوا الطريق ومنهم الراجل ومنهم الراكب، فلما دخلوها قال الكفار: جاءكم محمد وأصحابه قد وهنتهم حمى يثرب، وهم عجزة يجرون أرجلهم جراً لا يكادوا يتحركون، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه: (رحم الله امرءاً أراهم من نفسه قوة)، وأمرهم بالرمل، وهذا سبب مشروعية الرمل عند الطواف، فلما رأى ذلك كفار قريش أسقط في أيديهم.
وبقي ذلك مشروعاً، ولذا جاء عمر حاجاً أو معتمراً في خلافته، فقال: كان الرمل لإظهار القوة على الكفار، وليس هنا كافر، ثم عاد فرمل وقال: شيء صنعناه مع رسول الله لا نتركه.
فالرمل بقي ذكرى لذلك اليوم، وهو اليوم الذي دخل فيه الإسلام ضعيفاً، وكانت مكة بيد الكفار، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغيض الكفار ولو بهذا، فانتهت بعد ذلك تلك العلة، ولكن بقي الرمل، كالسعي بين الصفاء والمروة، وكرمي الجمار، فلكل ذلك معنىً ولكل ذلك مغزىً ولكل ذلك سبب سبق وقته.
يقول تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان:63]، فعباد الرحمن الصادقون هم الذين يمشون على الأرض هوناً برفق ولين، فيمشون بالأقدام، ويمشون في السيرة مع الناس برفق وبلين، بلا عنف وجبروت، ولا طغيان وتكبر؛ إذ لا يليق ذلك بالمؤمن، ومن نازع الله كبرياءه كسره، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.
معنى قوله تعالى: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً)
فمن نبلهم ومن رفعة أخلاقهم أنهم إذا جاء الجاهل إلى أحدهم فشتمه وصاح في وجهه قال له: سلام، أي: سداداً فيقولون قولاً لا شتم فيه، ولا سب فيه، ولا خبث فيه، فيجب على المسلم أن يعيش بلين المعاملة، وطيب اللسان، فلا ينطق بلسانه ما يقوله السفيه، حتى ولو قال له ذلك، فلا يقول إلا سلاماً، أي: سداداً.
وقد قال الله تعالى في مثل هذا: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34]، فذاك العدو عندما يشتمك، وعندما يقول عنك ما يقول ادفعه بالكلمة الطيبة اللطيفة، وبالحركة البشوشة، فيصبح وكأنه أخ حميم وصديق مخلص.
قال تعالى: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35]، فلا يتحمل هذا ولا يطيقه ولا يصبر عليه المؤمن الصادق الواعي القوي الإرادة، أما عامة الناس فالواحد منهم بأقل حركة يثور، وبأقل حركة يشتعل.
وهكذا كانت سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد كانت قريش تشتمه وتهجره وتقول فيه وتقول، ومع ذلك لم يكن صلى الله عليه وسلم سباباً ولا صخاباً في الأسواق، ولا رافعاً صوته، ولا يجيب هؤلاء على شتائمهم، وقد كانوا يقولون عنه: مذمم، وهو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيقول: (انظروا كيف يصرف الله عني شتائم قريش ولعنهم، يشتمون مذمماً ويلعنون مذمماً وأنا محمد) أي: أنا لست مذمماً، فليبحثوا عن المذمم الذي يشتمونه، بل أنا محمد، وسماني الله محمداً، فصلى الله عليه وعلى آله.
قال تعالى: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان:63].
فمن نبلهم ومن رفعة أخلاقهم أنهم إذا جاء الجاهل إلى أحدهم فشتمه وصاح في وجهه قال له: سلام، أي: سداداً فيقولون قولاً لا شتم فيه، ولا سب فيه، ولا خبث فيه، فيجب على المسلم أن يعيش بلين المعاملة، وطيب اللسان، فلا ينطق بلسانه ما يقوله السفيه، حتى ولو قال له ذلك، فلا يقول إلا سلاماً، أي: سداداً.
وقد قال الله تعالى في مثل هذا: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34]، فذاك العدو عندما يشتمك، وعندما يقول عنك ما يقول ادفعه بالكلمة الطيبة اللطيفة، وبالحركة البشوشة، فيصبح وكأنه أخ حميم وصديق مخلص.
قال تعالى: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35]، فلا يتحمل هذا ولا يطيقه ولا يصبر عليه المؤمن الصادق الواعي القوي الإرادة، أما عامة الناس فالواحد منهم بأقل حركة يثور، وبأقل حركة يشتعل.
وهكذا كانت سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد كانت قريش تشتمه وتهجره وتقول فيه وتقول، ومع ذلك لم يكن صلى الله عليه وسلم سباباً ولا صخاباً في الأسواق، ولا رافعاً صوته، ولا يجيب هؤلاء على شتائمهم، وقد كانوا يقولون عنه: مذمم، وهو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيقول: (انظروا كيف يصرف الله عني شتائم قريش ولعنهم، يشتمون مذمماً ويلعنون مذمماً وأنا محمد) أي: أنا لست مذمماً، فليبحثوا عن المذمم الذي يشتمونه، بل أنا محمد، وسماني الله محمداً، فصلى الله عليه وعلى آله.
قال تعالى: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:64].
قال الحسن البصري : تلك صفتهم في النهار، يعيشون مع الناس هوناً لا يشتمون ولا يسبون، وأما في الليل فيبيتون لربهم سجداً وقياماً.
ومعنى (بات): دخل عليه وقت البيات، وليس من الضروري أن يكون نائماً، أي: إذا جاء الليل كانوا بين قائم وساجد، فتجد الواحد منهم قائماً ثم راكعاً ثم ساجداً، أي: تجده عابداً لله متهجداً يرجو رحمة ربه، ويستغفر من ذنبه، ويشكر إلهه، ويذكر أسماءه الحسنى ويدعوه بها، فهذه صفة المؤمن.
و(سجداً) جمع ساجد، و(قياماً) جمع قائم، و(سجداً) صيغة مبالغة، أي: كثيروا السجود، فيبيتون يقومون ويركعون ويسجدون، متضرعين إلى ربهم ينادون في جوف الليل والناس نيام: يا رب! سجد لك جبهتي وأنفي ويداي وقدماي وجميع أعضائي، عبادة لك خالصة لا تصرف لغيرك، فاغفر ذنبي واكشف كربي، واستر عني عوراتي وآمن روعاتي، وهذه صفة المؤمن.
قال تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [الفرقان:65].
يبيتون لربهم سجداً وقياماً وهم يدعون ربهم فيقولون: يا ربنا! اصرف عنا عذاب جهنم، وأبعدها عنا، ولا تقربنا منها ولا تقربها منا، واجعل بيننا وبينها حجاباً، ولا تجعلنا من سكانها.
وقوله تعالى: إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [الفرقان:65] أي: إن عذابها كان ملازماً، يقولون: فلان غريم فلان، أي: ملازمه لا يتركه حتى يعطيه حقه.
وقيل: شديداً، وقيل: دائماً.
فعذاب جهنم كان ملازم دائم ومقيم، ثم هو ثقيل لا تحتمله جسومنا، فنحن قد آمنا بك، فنطقت ألسنتنا بتوحيدك، واعتقدت قلوبنا بالإيمان بك والتوحيد، فلا تعذبنا واصرف عنا جهنم، واصرف عنا عذابها.
فالمؤمن باستمرار داع لربه قائماً وراكعاً وساجداً.
قال تعالى: إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:66] أي: جهنم، فما أسوأها مقاماً، وما أشد سوءها ومحنتها وقبحها للمقيم فمقامها سيء، والاستقرار فيها سيء.
فهؤلاء يدعون ربهم قائلين: أبعدها عن أن تكون مستقراً لنا ومنزلاً، وعن أن تكون لنا مقاماً وموئلا، وأبعد عنا عذابها.
فهؤلاء يبيتون الليل ركعاً وسجداً وهم يدعون ربهم بما يوصلهم إلى الجنة ويدفع النار عنهم، وإنما يكون دفع النار بتوالي الطاعات، وبفعل الحسنات، وبترك السيئات، وبالدعاء في الليل والناس نيام بأن يوفق الله العبد المؤمن ويلهمه الله العمل الصالح الذي يبعده عن جهنم ويصرفها عنه.