خطب ومحاضرات
تفسير سورة الفرقان [48-55]
الحلقة مفرغة
قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا [الفرقان:48-49].
أنزل الله تعالى هذا الماء من السماء ليتطهر به من ليس على وضوء للصلاة وللطواف ونحوهما، ويقول تعالى: لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا [الفرقان:49] أي: وليحيي الله به بلدة ميتاً، ولم يقل: (بلدة ميّتة) على اعتبار أن البلدة مكان، أي: مكاناً ميتاً، وموضعاً ميتاً.
ومعنى موتها أن تجدها قاحلة وجافة لا تنبت شيئاً، أو فيها نبت وشجر وقد ذبل وأخذ ييبس ويضعف، فلو ترك على حاله لكان ميتاً، فإذا بنا نرى الماء قد نزل من السماء وإذا بالأرض تهتز، وإذا بالأرض التي قد كانت قاحلة جدباء قد أخذت تخضر وتينع بأنواع الثمار والفواكه والزهور والورود، فمن الذي أحيا ذلك؟! إنه الله جل جلاله، وبم أحياه جل جلاله؟! أحياه بهذا الماء الذي أنزله من السماء.
والإشارة بهذا إلى الإنسان الذي يتساءل: كيف سنحيا بعد أن نموت؟ فنحن نرى ذلك كل سنة، نرى الشجرة قد يبست وسقطت أوراقها ولم يبق إلا أغصان لا ورق فيها، ونرى الأرض قد أجدبت، وإذا بالمطر ينزل يغيثها فنرى الأرض -كما وصفها الله- تهتز وتربو، فنرى آثار الحياة في هذه النبتة وهذه الزهرة وهذه الثمرة وهذه الشجرة.
وهكذا الإنسان، فنحن نموت، ولابد من أن نموت، ولكن الله جل جلاله سيحيينا بعد الموت كما أحيا النبتة وأحيا الشجرة وأحيا الأرض الميتة وأحيا الثمرة والأوراق التي تحاتت، فهو جل جلاله الذي أحيا الأرض من بعد موت، وسيحيي الإنسان بعد الموت.
معنى قوله تعالى: (ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسي كثيراً)
يسقي الله بهذا الماء من خلقه أنعاماً كثيرين وأناساً كثيرين، والأناسي: جمع إنسان وإنسي، وهو كالناس، فالله تعالى يسقي بهذا الماء من لا يستطيع أن يعيش بلا ماء من الأنعام الكثيرة التي خلقها الله على كثرة أنواعها وكثرة أشكالها، وكذلك الإنسان، فالإنسان في الأرض منذ خلق آدم إلى يوم النفخ في الصور لولا هذا الماء لمات، وقد يصبر الإنسان على الطعام أياماً، ولا يصبر على العطش إن اشتد، فإذا جفّ الحلق وقف الريق، وانقطع النفس ومات، ولذلك نجد بعض الأعراب والبدو يحرصون في رمضان على الصيام، وهم يزرعون أو يحرثون، وهم يسكنون في الصحاري، فتقول للواحد منهم: أنت الآن في عمل مهدد به بالموت، فأفطر إن كان لا غنى لك عن هذا العمل في شهر رمضان، فيصر على أن يصوم، وإذا به يعطش ويشتد عطشه عند الظهيرة، فلا يكاد يصله الماء حتى يموت.
وقد حدث هذا كثيراً؛ لأن الإنسان لا يصبر على الماء ويصبر على الجوع؛ لأن البدن فيه شحم، فهذا الشحم عند الجوع ينقلب إلى غذاء داخلي يتغذى به الإنسان، ولذلك إذا جاع يضعف ويهزل، فهذا الهزال والضعف يكون نتيجة ذوبان الشحم الذي فيه، فهو سيغذيه في تلك الأيام.
وأما الماء إذا نفد وجفّ حلقه ودمه فذلك الموت المحقق، ولذلك نحتاج في العطش إلى الماء الكثير، فنشرب صباحاً وظهراً ومساءاً، وعندما يكون الصوم في الأيام الحارة يشتد ويصعب، ولكن المؤمن يرتب حاله، فيتم صومه بإذن الله.
يقول تعالى: وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا [الفرقان:49] أي: من خلق الله، و(من) هذه ليست التبعيضية، يعني: لكل خلقه.
وقوله: أَنْعَامًا [الفرقان:49] جمع نعم، والنعم جمع لا مفرد له، ويصدق على البقر وعلى الغنم وعلى بقية المخلوقات من الحيوانات مطلقاً.
يقول تعالى: وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا [الفرقان:49] فهذا الماء يحتاج إليه كل حي، كما قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30]، والأرض لا تنبت إلا به.
فمن الذي أكرم الإنسان بكل ذلك؟! إنه الله جل جلاله، ومع هذه النعم المستفيضة المتتابعة في كل حياتنا تجد الكافر يكفر بالله ويصر على الكفر، فلا يشكر الله على نعمة، ولا يؤمن بربه، ولذا كان الكفرة كالأنعام، بل هم أضل كما وصفهم الله جل جلاله.
قال تعالى: لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا [الفرقان:49].
يسقي الله بهذا الماء من خلقه أنعاماً كثيرين وأناساً كثيرين، والأناسي: جمع إنسان وإنسي، وهو كالناس، فالله تعالى يسقي بهذا الماء من لا يستطيع أن يعيش بلا ماء من الأنعام الكثيرة التي خلقها الله على كثرة أنواعها وكثرة أشكالها، وكذلك الإنسان، فالإنسان في الأرض منذ خلق آدم إلى يوم النفخ في الصور لولا هذا الماء لمات، وقد يصبر الإنسان على الطعام أياماً، ولا يصبر على العطش إن اشتد، فإذا جفّ الحلق وقف الريق، وانقطع النفس ومات، ولذلك نجد بعض الأعراب والبدو يحرصون في رمضان على الصيام، وهم يزرعون أو يحرثون، وهم يسكنون في الصحاري، فتقول للواحد منهم: أنت الآن في عمل مهدد به بالموت، فأفطر إن كان لا غنى لك عن هذا العمل في شهر رمضان، فيصر على أن يصوم، وإذا به يعطش ويشتد عطشه عند الظهيرة، فلا يكاد يصله الماء حتى يموت.
وقد حدث هذا كثيراً؛ لأن الإنسان لا يصبر على الماء ويصبر على الجوع؛ لأن البدن فيه شحم، فهذا الشحم عند الجوع ينقلب إلى غذاء داخلي يتغذى به الإنسان، ولذلك إذا جاع يضعف ويهزل، فهذا الهزال والضعف يكون نتيجة ذوبان الشحم الذي فيه، فهو سيغذيه في تلك الأيام.
وأما الماء إذا نفد وجفّ حلقه ودمه فذلك الموت المحقق، ولذلك نحتاج في العطش إلى الماء الكثير، فنشرب صباحاً وظهراً ومساءاً، وعندما يكون الصوم في الأيام الحارة يشتد ويصعب، ولكن المؤمن يرتب حاله، فيتم صومه بإذن الله.
يقول تعالى: وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا [الفرقان:49] أي: من خلق الله، و(من) هذه ليست التبعيضية، يعني: لكل خلقه.
وقوله: أَنْعَامًا [الفرقان:49] جمع نعم، والنعم جمع لا مفرد له، ويصدق على البقر وعلى الغنم وعلى بقية المخلوقات من الحيوانات مطلقاً.
يقول تعالى: وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا [الفرقان:49] فهذا الماء يحتاج إليه كل حي، كما قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30]، والأرض لا تنبت إلا به.
فمن الذي أكرم الإنسان بكل ذلك؟! إنه الله جل جلاله، ومع هذه النعم المستفيضة المتتابعة في كل حياتنا تجد الكافر يكفر بالله ويصر على الكفر، فلا يشكر الله على نعمة، ولا يؤمن بربه، ولذا كان الكفرة كالأنعام، بل هم أضل كما وصفهم الله جل جلاله.
قال تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا [الفرقان:50].
قوله تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ [الفرقان:50] أي: قسمناه ووزّعناه، فتجد السحب وهي في السماء تمطر هذه الجهة ولا تُمطر الأخرى، وتُمطر هذه البلدة ولا تُمطر الأخرى، وتجد هذا البستان قد أُمطر والذي بجانبه لم يُمطر، وحين تسافر ترى ذلك، حيث تجد أرضاً لا مطر فيها، وتذهب يسيراً فتجد أرضاً قد أُمطرت.
وقد قالوا: هذا يكون من صنع الله جل جلاله عقوبة لذاك الذي لم يُمطر، حيث لم يزك ماله، ولم ينفق منه، ولم يعبد ربه، بل عصى ربه وأذنب في حقه، وقد يُمطر الكافر أكثر من المسلم أحياناً؛ ليكون ذلك حجة عليه ومحنة له واختباراً وابتلاء، حتى إذا حوسب يوماً عندما يموت فقيل له: ألم يرزقك ربك؟ ألم يرسل لك نبياً؟ ألم ينزل معه كتاباً؟ فلم لم تؤمن؟ فلا يستطيع جواباً، وإذا به تحل عليه نقمة الله وعذابه.
والمؤمن قد يحصل له الجفاف، ولكنه إذا ابتلي صبر، وإذا أُنعم عليه شكر، وهو على كلتا الحالتين في خير، ففي صبره هو لله عابد، وفي شكره هو لله عابد، ويؤجر على كل الأحوال.
يقول تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا [الفرقان:50] أي: ليأخذوا من ذلك ذكرى وعبرة، إذ السماء واحدة، والسحب واحدة، وتمطر هذه الأرض ولا تُمطر الأخرى، فما السبب؟ إن الله قسم بيننا الأرزاق كما قسم بيننا العقول، والله جل جلاله قد يبتلي الكافر؛ ليستدرجه بكثرة النعم، وليزداد عذابه وعقابه، وقد يبتلي المؤمن؛ ليزيده رفعة، وليكفّر عنه سيئاته، وقد يكون ذلك من الله جل جلاله لمنفعة للبشر والخلق، فهذه الأرض تُسقى بالآبار وتُسقى بالعيون الجارية، فلو نزل المطر في هذا الحالة لأفسد زرعها، فيكفيها ما تسقى به، وتلك علوية لا يصل إليها الماء إلا إذا نزل من السماء، فمن مصلحتها أن ينزل عليها المطر، وهكذا يرزق الله تعالى من شاء كيف شاء جل جلاله، فلا مكره له ولا معقّب لأمره.
قال تعالى: فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا [الفرقان:50] مع هذا الرزق والنعم المتوالية المتتابعة أبى أكثر الناس إلا الكفور، والكفور: صيغة مبالغة من كثرة الكفر وكثرة الشرك والجحود.
وقد نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية حين منعه كفار مكة من دخول مكة، وفي ليلة من الليالي أصبحت الأرض كلها غيثاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للصحب الذين كانوا معه: (أتدرون ماذا يقول ربنا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: قال الله تعالى: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال: أمطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، ومن قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب).
أي: قال كما يقول الطبائعيون والملاحدة: تحصل الأمطار نتيجة بخار يخرج من البحر فيتكثف في شكل سحب، فلا علاقة لها بأمر ولا نهي، ولا خلق ولا قدرة! فهذا كان نتيجة هذا الكوكب، وذاك كان نتيجة ذاك الكوكب!
وهذا ما كان يقوله الجاهليون في جاهليتهم، حيث يقولون: مطرنا اليوم بنوء كذا وكوكب كذا، فمن قال ذلك فهو كافر بالله مؤمن بالكوكب، فقد اتخذ الكوكب إلهه من دون الله.
ومن قال: مطرنا برحمة الله وبإكرام الله فقد أصبح مؤمناً بالله كافراً بالكوكب، وفسّر به النبي عليه الصلاة والسلام هذه الآية: فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا [الفرقان:50].
قال تعالى: وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا [الفرقان:51].
أي: لو شئنا أن نخفف عنك ثقل الرسالة والمهمة والنبوة فنرسل لكل قرية وكل مدينة وكل قطر رسولاً يتولى شئونهم ودعوتهم وهدايتهم لفعلنا، ولكنا أردنا تشريفك، وأردنا تخصيصك وتكليفك بكل المدن والقرى، وبكل الأقاليم، وبجميع العالم شرقه وغربه، وشماله وجنوبه، وعربيه وعجميه، فذلك تشريف لك لتقوم بالمهمة مختصاً بها دون غيرك.
وفي الصحيح (بُعثت إلى الأحمر والأسود)، وقال عليه الصلاة والسلام: (وكان الأنبياء يبعثون إلى أقوامهم، وبُعثت إلى الناس كافة)، وقال الله له: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، وقال له: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].
فكان جميع الأنبياء السابقين يرسلون إلى عشائرهم وإلى أقومهم، وأما محمد عليه الصلاة والسلام فقد كان رسولاً إلى الإنس والجن منذ أن بُعث إلى قيام الساعة، ولذلك يقول الله له: وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا [الفرقان:51] والنذير: المنذر، أي: الرسول والنبي الذي ينذر قومه، فيخوفهم من أن يكفروا، ويخوفهم من أن يجحدوا، ويخوفهم من أن يعصوا ربهم ونبيهم، ويدعوهم إلى الإيمان بالله وحده، فهو نذير بذلك ومخوّف لهم بين يدي عذاب شديد، ويبشّر المطيع المؤمن بالرضا والجنة، ويبشّره برضوان الله.
قال تعالى: فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا [الفرقان:52].
يقول تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: قد أرسلتك وحدك إلى الناس، ولو شئت لأرسلت إلى كل قرية رسولاً ونبياً وخففت عنك من ثقل المهمة والرسالة. فالله شاء تشريفه وتكريمه وتعظيمه، فأرسله إلى كل القرى وكل المكلفين من البشر والجن منذ أُرسل وإلى يوم القيامة، ولذلك يقول الله له: فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ [الفرقان:52] أي: لا تقبل من الكافرين قولاً في خلاف هذا، ولقد قال له اليهود: إنما أُرسلت إلى الوثنيين، ولم تُرسل إلى أهل الكتاب، فنحن على دين، وقال له النصارى مثل ذلك، ولا يزال البعض يقول هذا إلى الآن، وقال له البعض من الكفار: لم تُرسل إلا إلى العرب، ودينك لم يصلح عليه إلا العرب، فظن هؤلاء الكفار أن دين الإسلام هو دين البشر وليس دين الله ورسالة الله وأمر الله، ولذا بدل الحاخامات والأحبار والرُهبان وغيروا إلى أن كانت النتيجة تحريف الديانة اليهودية، فحُرّفت ثم نُسخت، وهكذا الديانة النصرانية يُكثر تلاعب علمائها بها، فقد بُدّلت وحُرّفت ثم نُسخت، وجاء على أنقاضها دين الإسلام دين محمد عليه الصلاة والسلام للناس كافة، فتحولت الديانتان إلى الوثنية، فهؤلاء يعبدون عيسى ومريم، وأولئك يعبدون عزيزاً كما عبدوا العجل، ومن يقل منهم: إنه لا يعبد ذلك فإنه يعبد ذواتاً، فيعبد الطبيعة ويعبد الإنسان.
وبذلك انتقلت التوراة والإنجيل عن التوحيد والدعوة إلى الله إلى الدعوة إلى الوثنية وعبادة البشر، على ما فيهما من افتراء على الأنبياء وقذف لهم، وافتراء على الله وقلة أدب معه جل جلاله.
معنى قوله تعالى: (وجاهدهم به جهاداً كبيراً)
فالله أمر نبيه ويأمر أتباعه تبعاً له عليه الصلاة والسلام بأن يكون القرآن أداة للجهاد، فعلى أساسه يكون الأمر والنهي والحرب والدعوة، وعلى أساسه تكون الحضارة، وعلى أساسه يكون المكسب، وتكون الدولة، ويكون التعليم، ويكون المجتمع، فإذا خرج الناس عن ذاك فإن كانوا مسلمين فمعناه أنهم ارتدوا، وإن كانوا كافرين فلا يجوز أن تُبقيهم على ذلك.
أما المرتد فليس له إلا مراجعة الإسلام أو القتل، وهذا هو الذي حصل عندما مات النبي عليه الصلاة والسلام وذهب إلى الرفيق الأعلى، وولي الخلافة أبو بكر الصديق ، فقد ارتد قوم في أول خلافته، وامتنع قوم عن أداء الزكاة، فذهب ينفذ قوله تعالى لنبيه: فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ [الفرقان:52]، فذهب يجاهد بالقرآن، فجاهد المرتدين إلى أن عادوا إلى الإسلام ومات من مات منهم على الكفر، وجاهد الممتنعين عن الزكاة إلى أن أدوا الزكاة صاغرين راغمين، وبعد تمام ذلك جمعهم وأخرجهم عن حدود البلاد لنشر الإسلام في خارج جزيرة العرب في أرض فارس وأرض الروم.
ثم جاء عمر الفاروق فتمم المهمة، وقد كانت خلافته عشر سنوات، فما كاد يموت رضوان الله عليه حتى ضم بلاداً كثيرة إلى الرقعة الإسلامية، فهدى الناس إلى ربهم، وأما القتال الذي لا يكون للقرآن ولا لإعلاء كلمة الله، بل لوطنية وثنية، أو لقومية وثنية؛ فليس بجهاد، وليس هو إلا نزاعاً دنيوياً على مناصب وعلى أموال، وقد جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام من سأله عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليرى مكانه، ويقاتل لإعلاء كلمة الله، فأي ذلك في سبيل الله؟! قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)، أما من قاتل للدنيا فإنه إن حصل عليها فله ما حصله، وإن لم يحصّل عليها فقد خسر دينه ودنياه، والأعمال بالنيات، وقد وجد من هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مسلم، وكان في ظاهر أمره أنه هاجر رغبة في دين الله، وابتعاداً عن أرض الكفر، إذ كانت مكة لم تحرر بعد، حيث كانت في وثنية وجاهلية، فعلم النبي بحال هذا المهاجر، وكان النبي عليه الصلاة والسلام في الدعوة إلى الله على غاية ما يكون من اللطف والنبل، فلا يفضح أحداً، ولا يشوه ويشهّر بأحد، فلا يقول: يا فلان! لم فعلت كذا وكذا؟! ولكن يقول وهو في المجلس: ما بال أقوام يقولون؟ وما بال أقوام يفعلون؟ ومن فعل أو قال ذلك علم أنه المقصود، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
وكان الذين هاجروا إلى المدينة قد خرج بعضهم مع المهاجرين للزواج، وخرج بعضهم للتجارة، فليس لهم إلا ما خرجوا له إن حصلوه، وأما الهجرة لله فليست نيتهم، وإذا لم تكن هناك نية فليس هناك أجر ولا ثواب.
يقول تعالى: فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا [الفرقان:52]، كما قال تعالى: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً [التوبة:36]، والقتال فرض على كل مسلم ومسلمة فيما إذا هجم العدو على ديار الإسلام، وكان العدو على رمي حجرة منا، كما هو حال اليهود في فلسطين، فحمل السلاح والقتال في هذه الساعة فرض على كل قادر على حمل السلاح، فإن لم نفعل أثمنا جميعاً، ومن هنا ذل المسلمون على كثرة أموالهم وسعة أرضهم، وفي الحديث: (ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا)، فإذا جاء العدو إلى جزء من الأرض الإسلامية واستولى عليه فالجهاد العيني يجب على من جاوره، فإن استطاعوا قتاله فذاك، وإلا فيجب على من يليهم إلى أن يجب على كل المسلمين.
فالعدو اليوم قد استباح حرمات الله، وأخذ المسجد الفاضل الثالث، والمسلمون يذلون، ويقتّلون، وتُهتك أعراضهم، وتُزهق أرواحهم، وتسيل الدماء منهم أنهاراً، وإخوانهم المسلمون ينظرون، وذلك هو البلاء، وذلك هو الخزي والعار، ويوشك أن يزيد الله في البلاء والمحنة إذا بقي المسلمون على هذه الحالة.
يقول تعالى: فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ [الفرقان:52] في كل ما يقولونه لك بخلاف ما أوحيناه إليك وأنزلناه عليك، وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا [الفرقان:52] أي: جاهد الكفار بهذا القرآن، واجعل القرآن أداة جهادك، وأداة كفاحك، وأداة حربك، فحرّم حرامه، وأحل حلاله، والتزم أوامره فالقرآن يأمرك بأن تجاهد الكفار وتُقاتلهم حتى يُعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ولا تتأخر في ذلك، وأجر على المسلمين حدوده من قطع ورجم وجلد وغير ذلك، وحكّم فيهم كتاب الله، فمن خرج عنه من الكفار فليس له إلا السيف بعد ذلك، فإن أبى إلا الكفر والإصرار على الكفر فلا إكراه في الدين، وحينئذ لابد من أن يُعطي الجزية عن يد وهو صاغر، فيعيش ذليلاً، كما قال عمر : (أذلّوهم ولا تظلموهم). يعني: أهل الذمة.
فالله أمر نبيه ويأمر أتباعه تبعاً له عليه الصلاة والسلام بأن يكون القرآن أداة للجهاد، فعلى أساسه يكون الأمر والنهي والحرب والدعوة، وعلى أساسه تكون الحضارة، وعلى أساسه يكون المكسب، وتكون الدولة، ويكون التعليم، ويكون المجتمع، فإذا خرج الناس عن ذاك فإن كانوا مسلمين فمعناه أنهم ارتدوا، وإن كانوا كافرين فلا يجوز أن تُبقيهم على ذلك.
أما المرتد فليس له إلا مراجعة الإسلام أو القتل، وهذا هو الذي حصل عندما مات النبي عليه الصلاة والسلام وذهب إلى الرفيق الأعلى، وولي الخلافة أبو بكر الصديق ، فقد ارتد قوم في أول خلافته، وامتنع قوم عن أداء الزكاة، فذهب ينفذ قوله تعالى لنبيه: فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ [الفرقان:52]، فذهب يجاهد بالقرآن، فجاهد المرتدين إلى أن عادوا إلى الإسلام ومات من مات منهم على الكفر، وجاهد الممتنعين عن الزكاة إلى أن أدوا الزكاة صاغرين راغمين، وبعد تمام ذلك جمعهم وأخرجهم عن حدود البلاد لنشر الإسلام في خارج جزيرة العرب في أرض فارس وأرض الروم.
ثم جاء عمر الفاروق فتمم المهمة، وقد كانت خلافته عشر سنوات، فما كاد يموت رضوان الله عليه حتى ضم بلاداً كثيرة إلى الرقعة الإسلامية، فهدى الناس إلى ربهم، وأما القتال الذي لا يكون للقرآن ولا لإعلاء كلمة الله، بل لوطنية وثنية، أو لقومية وثنية؛ فليس بجهاد، وليس هو إلا نزاعاً دنيوياً على مناصب وعلى أموال، وقد جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام من سأله عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليرى مكانه، ويقاتل لإعلاء كلمة الله، فأي ذلك في سبيل الله؟! قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)، أما من قاتل للدنيا فإنه إن حصل عليها فله ما حصله، وإن لم يحصّل عليها فقد خسر دينه ودنياه، والأعمال بالنيات، وقد وجد من هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مسلم، وكان في ظاهر أمره أنه هاجر رغبة في دين الله، وابتعاداً عن أرض الكفر، إذ كانت مكة لم تحرر بعد، حيث كانت في وثنية وجاهلية، فعلم النبي بحال هذا المهاجر، وكان النبي عليه الصلاة والسلام في الدعوة إلى الله على غاية ما يكون من اللطف والنبل، فلا يفضح أحداً، ولا يشوه ويشهّر بأحد، فلا يقول: يا فلان! لم فعلت كذا وكذا؟! ولكن يقول وهو في المجلس: ما بال أقوام يقولون؟ وما بال أقوام يفعلون؟ ومن فعل أو قال ذلك علم أنه المقصود، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
وكان الذين هاجروا إلى المدينة قد خرج بعضهم مع المهاجرين للزواج، وخرج بعضهم للتجارة، فليس لهم إلا ما خرجوا له إن حصلوه، وأما الهجرة لله فليست نيتهم، وإذا لم تكن هناك نية فليس هناك أجر ولا ثواب.
يقول تعالى: فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا [الفرقان:52]، كما قال تعالى: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً [التوبة:36]، والقتال فرض على كل مسلم ومسلمة فيما إذا هجم العدو على ديار الإسلام، وكان العدو على رمي حجرة منا، كما هو حال اليهود في فلسطين، فحمل السلاح والقتال في هذه الساعة فرض على كل قادر على حمل السلاح، فإن لم نفعل أثمنا جميعاً، ومن هنا ذل المسلمون على كثرة أموالهم وسعة أرضهم، وفي الحديث: (ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا)، فإذا جاء العدو إلى جزء من الأرض الإسلامية واستولى عليه فالجهاد العيني يجب على من جاوره، فإن استطاعوا قتاله فذاك، وإلا فيجب على من يليهم إلى أن يجب على كل المسلمين.
فالعدو اليوم قد استباح حرمات الله، وأخذ المسجد الفاضل الثالث، والمسلمون يذلون، ويقتّلون، وتُهتك أعراضهم، وتُزهق أرواحهم، وتسيل الدماء منهم أنهاراً، وإخوانهم المسلمون ينظرون، وذلك هو البلاء، وذلك هو الخزي والعار، ويوشك أن يزيد الله في البلاء والمحنة إذا بقي المسلمون على هذه الحالة.
قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ [الفرقان:53].
من عجيب قدرة ربنا خلق الماء في الأرض، ثم جعل من الماء ماءاً عذباً فراتاً، أي: ماءاً حلواً عذباً، وماءاً آخر ملحاً لا يُشرب، ولا تستطيع أن تغسل به بدنك، وإلا أصبح بدنك كله كما لو ذر عليه شيء من الملح.
ومع ذلك أرسل تعالى المياه العذبة آباراً وأنهراً جارية وأمطاراً وغيثاً، كما أرسل مياه البحر، فلا المياه البحرية اختلطت بالمياه الحلوة العذبة، ولا المياه العذبة الحلوة اختلطت بالمياه الملحة.
يقول تعالى: وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ [الفرقان:53] والمرج يتضح معناه في قولنا: قد أرسل فلان دوابه في المرج، أي: أعطاها ساحة كبيرة تسرح فيها وترعى، وترك لها الحرية في الرعي، فهي ترعى هنا وهناك، وهكذا أطلق الله تعالى المياه وأرسلها في الأرض، ومرجها في الأرض، فبعضها داخل التراب، وهو المياه الجوفية، وبعضها على سطح الأرض، والأرض يتصل بعضها ببعض، فلا هذه فسدت وأصبحت ملحة، ولا تلك زال عنها ملحها بهذا الاختلاط والمرج، فذاك من قدر الله وإرادة الله التي انفرد بها جل جلاله وعز مقامه.
معنى قوله تعالى: (وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً)
وكثيراً ما نسمع أن الأجواء في المحلات الفلانية اختلطت وفسدت، لكثرة المعامل وكثرة المداخن، فيتسمم الجو، فيحتاج الإنسان إلى الانتقال عن ذلك المكان أو يمرض، وكثيراً ما تنتشر الأمراض في العاملين في تلك الأماكن نتيجة هذا الذي يحدث في الجو.
فمياه البحر كثيرة، وهي محيطة بالأرض بملوحتها، فتنقي الأرض من نتنها وأوساخها وقاذوراتها، فالإنسان في حاجة شديدة إليها، وكذلك سائر خلق الله.
يقول تعالى: وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا [الفرقان:53] البرزخ: الحاجز والمانع، فهو يمنعهما من الاختلاط وَحِجْرًا مَحْجُورًا [الفرقان:53] أي: مانعاً وحاجزاً يمنع اختلاط هذا بهذا، فهذا في عذوبته إلى الأبد، وذاك في ملوحته إلى الأبد، وذاك من قدرة الله التي انفرد بها وحده جل جلاله.
استمع المزيد من الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة الفرقان [1-3] | 2464 استماع |
تفسير سورة الفرقان [56-59] | 2368 استماع |
تفسير سورة الفرقان [40-44] | 1930 استماع |
تفسير سورة الفرقان [5-8] | 1840 استماع |
تفسير سورة الفرقان [67-71] | 1834 استماع |
تفسير سورة الفرقان [45-47] | 1817 استماع |
تفسير سورة الفرقان [27-32] | 1783 استماع |
تفسير سورة الفرقان [32-38] | 1663 استماع |
تفسير سورة الفرقان [60-67] | 1442 استماع |
تفسير سورة الفرقان [17-22] | 1271 استماع |