شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الحيض - حديث 149-150


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

نبتدئ إن شاء الله تعالى بكتاب الحيض.

الحديث الأول: هو حديث عائشة رضي الله عنها في قصة فاطمة بنت أبي حبيش .

والحديث الثاني: هو حديث أسماء في قصة فاطمة بنت أبي حبيش أيضاً.

هذان الحديثان هما حصة هذه الليلة، وهما أول حديثين في باب الحيض؛ ولذلك لابد من الوقوف عند الحيض وتعريفه وما يتعلق به، فأقول:

تعريف الحيض لغةً وشرعاً

الحيض: مأخوذ من مادة الحاء والياء والضاد.

يقول ابن فارس في معجمه : يُقال: حاضت السمرة، إذ خرج منها ماء أحمر؛ ولذلك سميت النفساء حائضاً؛ تشبيهاً لها بتلك السمرة.

ويقول العرب: حاض السيل إذ فاض، ومنه سمي الحوض؛ لأن الماء يحيض إليه، أي: يسيل إليه ويجري إليه.

وللحيض أسماء كثيرة عند العرب تزيد على العشرة، كما ذكر ابن خالويه يقال: حاضت المرأة، ونفِست، ونفُست، وعركت، وأعصرت، ودرست، وأقرأت، وضحكت، وصامت، وكادت، وأكبرت، وطمثت.

هذه بعض أسماء الحيض عند العرب.

وأما تعريف الحيض شرعاً فهو كما ذكر الفقهاء: دم طبيعة وجبلّة ترخيه الرحم عند بلوغ الأنثى ثم يعتادها بعد ذلك. هذا هو الحيض.

الحيض كتبه الله على بنات آدم

وهو أمر كتبه الله تعالى على بنات آدم، كما في حديث عائشة في الصحيحين في حجتها، لما حاضت فرآها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال لها: ( إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم )، وقد ذكر بعض أهل العلم في أول ما كتب الحيض على النساء: ما رواه ابن المنذر والحاكم .. وغيرهما بسند صحيح، كما يقول الحافظ ابن حجر، عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن آدم لما أكل من الشجرة فعاتبه الله تعالى على ذلك. قال: يا رب حواء زينتها لي، فقال الله عز وجل: إني قد أعقبتها ألا تحمل إلا كرهاً، ولا تضع إلا كرهاً، وأدميتها في كل شهر مرتين)، وهذا الأثر كما تلاحظون عن ابن عباس رضي الله عنه، وهو يتعلق بقصص قديمة، فيحتمل أن يكون من روايات بني إسرائيل، والله تعالى أعلم.

ولكن يؤكد حديث عائشة : ( إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم )، أن الحيض موجود في الأنثى منذ أول، ولم يكن أمراً حادثاً في زمن بني إسرائيل أو غيرهم، كما يظنه أو يقوله البعض، ومع أن الحيض أمر كتبه الله على بنات آدم، فإن العرب كانت تعتقد أن بعض الحيوانات تحيض، فـالجاحظ مثلاً في كتاب الحيوان يقول: يحيض من الحيوان أربع وذكر: المرأة، والضبع، والأرنب، والخفاش.

بل إن منهم من كان أكثر جوداً وكرماً من الجاحظ، فعدَّ من يحيض ثمانياً، كما في البيت المنظوم المعروف عند طلاب العلم، يقول الناظم فيه:

إن اللواتي يحضن الكل قد جمعت في ضمن بيت فكن ممن لهن يعي

امرأة ناقة مع أرنب وزغ وكلبة فرس خفاش مع ضبع

فهذه ثمان، وهذا ما كان يعتقده العرب أو بعضهم في الحيوانات أنها تحيض، ولكن العلم الحديث علماء الأحياء والحيوان، ينكرون ذلك، ويقولون: إن هذه الحيوانات كلها لا تحيض، وما الدم الذي يراه الناس من بعضها، الذي يسبب تهيجها بعد الجماع، فيخرج من رحمها شيء يسير من الدم، يظنه من يلاحظها حيضاً، وما هو بحيض، وذلك عكس الأنثى من بني آدم، فإنه ينزل منها البويضة المعروفة التي تخرج أو تنزل من المرأة في طهرها، وليس في حيضها، وهي لا علاقة لها بالجماع من قريب ولا من بعيد، كما هو معروف، هذا فيما يتعلق بالإناث من بنات آدم.

وأما العلم الحديث أيضاً فيقول: إن هناك حيوانات تحيض، وهي ما يسمونها بالثدييات العليا، كالقرد، والشمبانزي كما يسمونه، والغوريلا .. ونحوها.

المهم: أن قوله عليه الصلاة والسلام: ( إن أمر كتبه الله على بنات آدم )، لا ينفي أن يكون الحيض موجوداً في غير بنات آدم من الحيوانات، سواء من إناث القردة ..أو من غيرها.

فائدة الحيض والحكمة منه

وللحيض فائدة عظيمة وحكمة بالغة؛ وذلك أن الأنثى إذا حملت، تحول الحيض بإذن الله تعالى إلى غذاء لهذا الجنين في رحم أمه، حيث يقيض الله تعالى له هذا الغذاء، الذي يتغذى به؛ ولذلك لا تحيض الحامل، عند بعض العلماء لا تحيض مطلقاً، وعند بعضهم يقل ويندر حيضها؛ ولذلك قال الإمام أحمد : إنما يعرف الحمل بانقطاع الحيض، وعلمياً وطبياً يقول الأطباء: إن الحيض مستبعد للحامل، خاصة بعد مُضي الأشهر الثلاثة الأولى؛ لكنه ممكن أن يقع ولو نادراً أو قليلاً، فإذا وضعت المرأة حملها، تحول هذا الحيض بإذن الله تعالى إلى لبن سائغ في فم الصبي، يرضعه من ثدي أمه؛ ولذلك قلما تحيض المرضع أيضاً، خاصة في أيام وشهور رضاعها الأولى، وإن كان هذا يقع، وهو أكثر بكثير من حيض الحامل، فإذا لم يكن ثم حمل ولا إرضاع، فإن هذا الدم ينتهي إلى مستقر، ثم يخرج من الأنثى في أيام محددة حوالي ستة أيام أو سبعة غالباً، وقد تقل أو تكثر، يعني: تزيد أو تنقص بحسب ما ركب الله سبحانه وتعالى في طباع النساء، كما هو معروف؛ ولذلك للعلماء أقوال في أقل الحيض وأكثره معروفة، ما بين دفعة واحدة، ويوم وثلاثة أيام.. إلى غير ذلك، وكذلك فيما يتعلق بأكثر الحيض.

المهم: أن هذا الدم -دم الحيض- له حكمة بالغة ظاهرة معروفة.

ذكر بعض الأحكام المتعلقة بالحيض إجمالاً

وأحكام الحيض كثيرة جداً، تزيد على عشرين حكماً:

منها: أن الحائض لا تجوز منها الصلاة ..ولا الصيام ..ولا الطواف بالبيت ..ولا المكوث في المسجد ..ويحرم جماعها وطلاقها.

ومنها: أن الحيض يعرف به البلوغ، والبلوغ تترتب عليه أحكام كثيرة، كما هو معروف.

ومنها: أن الحيض تحتسب به العدة في الطلاق ..ونحوه، كما في قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228].

ومنها: أن الحائض يجب عليها الاغتسال عقبه ..إلى غير ذلك من الأحكام، وهي كثيرة، منها المجمع عليه ومنها المختلف فيه.

أسباب اضطراب الدورة عند المرأة الحائض

والحاجة إلى معرفة أحكام الحيض، وما يعد حيضاً وما لا يعد مُلِحة؛ لما يوجد من فرق بين الحائض والطاهرة، وفي هذا العصر، بل وفي كل عصر يوجد اضطراب عند الناس في مسألة الحيض، وأحكامه، وتميزه، ويوجد اضطراب عند النساء أيضاً في حيضهن وطهرهن، وقد ذكر الأطباء: أن سبب الاضطراب في دورة المرأة يعود إلى أسباب عديدة:

منها: الحالة النفسية التي تكون عليها المرأة، فإن الاضطرابات النفسية، التي تنزل بالمرأة تسبب اضطراباً في حيضها، وهذا موجود؛ ولذلك كثير من النساء إذا نزلت بهن أزمات أو مشاكل نفسيه أو أُسرية، وكذلك بعد الزواج، يقع لها شيء من الاضطراب في العادة.

ومنها: حالتها الصحية العامة، فإن الصحة العامة في الجسم تؤثر في الحيض.

ومنها: الحالة الخاصة لجهاز المرأة التناسلي، وسلامته من الأمراض، أو إصابته، فهي تؤثر أيضاً في اضطراب العادة وعدم اضطرابها.

وهذا الاضطراب أيضاً في الحيض عند المرأة يحدث آثاراً:

منها: أن يكون سبباً في العقم أحياناً.

ومنها: أنه قد يكون سبباً في إسقاط وإجهاض الجنين إذا حملت.

ولذلك فإن كثرة تعاطي النساء لما يُسمى بحبوب منع الحمل، أو منع العادة، لها آثار سيئة على هذا الأمر، وعلى صحة المرأة في كثير من الأحيان.

الحيض: مأخوذ من مادة الحاء والياء والضاد.

يقول ابن فارس في معجمه : يُقال: حاضت السمرة، إذ خرج منها ماء أحمر؛ ولذلك سميت النفساء حائضاً؛ تشبيهاً لها بتلك السمرة.

ويقول العرب: حاض السيل إذ فاض، ومنه سمي الحوض؛ لأن الماء يحيض إليه، أي: يسيل إليه ويجري إليه.

وللحيض أسماء كثيرة عند العرب تزيد على العشرة، كما ذكر ابن خالويه يقال: حاضت المرأة، ونفِست، ونفُست، وعركت، وأعصرت، ودرست، وأقرأت، وضحكت، وصامت، وكادت، وأكبرت، وطمثت.

هذه بعض أسماء الحيض عند العرب.

وأما تعريف الحيض شرعاً فهو كما ذكر الفقهاء: دم طبيعة وجبلّة ترخيه الرحم عند بلوغ الأنثى ثم يعتادها بعد ذلك. هذا هو الحيض.

وهو أمر كتبه الله تعالى على بنات آدم، كما في حديث عائشة في الصحيحين في حجتها، لما حاضت فرآها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال لها: ( إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم )، وقد ذكر بعض أهل العلم في أول ما كتب الحيض على النساء: ما رواه ابن المنذر والحاكم .. وغيرهما بسند صحيح، كما يقول الحافظ ابن حجر، عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن آدم لما أكل من الشجرة فعاتبه الله تعالى على ذلك. قال: يا رب حواء زينتها لي، فقال الله عز وجل: إني قد أعقبتها ألا تحمل إلا كرهاً، ولا تضع إلا كرهاً، وأدميتها في كل شهر مرتين)، وهذا الأثر كما تلاحظون عن ابن عباس رضي الله عنه، وهو يتعلق بقصص قديمة، فيحتمل أن يكون من روايات بني إسرائيل، والله تعالى أعلم.

ولكن يؤكد حديث عائشة : ( إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم )، أن الحيض موجود في الأنثى منذ أول، ولم يكن أمراً حادثاً في زمن بني إسرائيل أو غيرهم، كما يظنه أو يقوله البعض، ومع أن الحيض أمر كتبه الله على بنات آدم، فإن العرب كانت تعتقد أن بعض الحيوانات تحيض، فـالجاحظ مثلاً في كتاب الحيوان يقول: يحيض من الحيوان أربع وذكر: المرأة، والضبع، والأرنب، والخفاش.

بل إن منهم من كان أكثر جوداً وكرماً من الجاحظ، فعدَّ من يحيض ثمانياً، كما في البيت المنظوم المعروف عند طلاب العلم، يقول الناظم فيه:

إن اللواتي يحضن الكل قد جمعت في ضمن بيت فكن ممن لهن يعي

امرأة ناقة مع أرنب وزغ وكلبة فرس خفاش مع ضبع

فهذه ثمان، وهذا ما كان يعتقده العرب أو بعضهم في الحيوانات أنها تحيض، ولكن العلم الحديث علماء الأحياء والحيوان، ينكرون ذلك، ويقولون: إن هذه الحيوانات كلها لا تحيض، وما الدم الذي يراه الناس من بعضها، الذي يسبب تهيجها بعد الجماع، فيخرج من رحمها شيء يسير من الدم، يظنه من يلاحظها حيضاً، وما هو بحيض، وذلك عكس الأنثى من بني آدم، فإنه ينزل منها البويضة المعروفة التي تخرج أو تنزل من المرأة في طهرها، وليس في حيضها، وهي لا علاقة لها بالجماع من قريب ولا من بعيد، كما هو معروف، هذا فيما يتعلق بالإناث من بنات آدم.

وأما العلم الحديث أيضاً فيقول: إن هناك حيوانات تحيض، وهي ما يسمونها بالثدييات العليا، كالقرد، والشمبانزي كما يسمونه، والغوريلا .. ونحوها.

المهم: أن قوله عليه الصلاة والسلام: ( إن أمر كتبه الله على بنات آدم )، لا ينفي أن يكون الحيض موجوداً في غير بنات آدم من الحيوانات، سواء من إناث القردة ..أو من غيرها.