تفسير سورة الكهف [20-22]


الحلقة مفرغة

قال الله جل جلاله: إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا [الكهف:20].

لما استيقظ أصحاب الكهف من نومهم وأخذوا يتساءلون، كما قال تعالى: قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا [الكهف:19].

فقد ظنوا أنهم قد ناموا يوماً أو بعض يوم، وشعروا بالجوع، وكلفوا أحدهم وقد أعطوه دراهم أن ينزل للسوق ويأتيهم بما يسد جوعتهم، ويشبع حاجتهم، وأخذ كبيرهم ينصحه ويوجهه ويرشده، ويقول له: تلطف في حديثك، وإياك أن يبدر منك ما يشعرهم بك إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ [الكهف:20] أي: إنهم إن يطّلعوا عليكم يعرفوكم فيرجموكم.

فأصحاب الكهف لا زلوا يتحدثون عما مضى عليه ثلاثمائة سنة وتسع سنوات، وهم يظنون أنهم فارقوا البلدة بالأمس، فقال هذا لمن أرسله ليأتي بالطعام والشراب: إياك أن يبدر منك ما يعرفون به حالك، وأنك من أولئك الذين تركوا الأمة على شركها ووثنيتها، وفروا بالتوحيد كافرين بأوثان دقيانوس وشعبه، فإنهم إن يطلعوا عليكم ويعرفوا حقيقتكم، يلقوا القبض عليكم، ثم يرجموكم بالحجارة حتى الموت، على عادتهم في قتل الموحدين والبطش بالمؤمنين، وإن لم يفعلوا فلعلهم يطمعون فيكم ليعيدوكم في ملتهم، أي: في كفرهم وشركهم ووثنيتهم، وإن أنتم استجبتم لهم فلن تفلحوا إذاً أبداً، إذ تصبحون ضلالاً تعودون للوثنية والشرك ويذهب عنكم الفلاح والصلاح والإيمان والتقى، فنزل هذا الشاب المؤمن وإذا به يرى كما يقول الشاعر:

أما الديار فإنها كديارهم وأرى رجال الحي غير رجاله

فرأى البلدة قد تغيرت واندثرت، ورأى نفسه غريباً بينهم، ولم ير أحداً في الأزقة والطرقات يعرفه لا من الصغار ولا من الكبار، بل لم يجد البنيان باقياً على شكله، فحصل له من الذهول والغرابة ما جعله يشك في نفسه، هل جن؟ هل فقد عقله؟

هل هو لا يزال نائماً أم قد استيقظ؟ وبينما هو في حركته هذه أراد أن يستعجل الأحداث فوقف عند أول دكان يبيع الخبز، فمد يده إليه وهو مضطرب ومستغرب، وإذا بصاحب الدكان عندما رأى دراهمه تعجب منها، فقد كانت من الدراهم التي مضى عليها دهر سحيق، فيها اسم دقيانوس الذي مضى على حكمه وملكه في هذه الديار قرون.

وأمسك به صاحب الدكان وقال له: من أين لك هذه الدراهم؟ هل وجدت كنزاً؟ أخبرني، فأخذ يضطرب، ولا يدري ما يقول له، وبماذا يجيبه؛ لأن كل ما في ذهنه أنه ما فارق البلدة إلا بالأمس، نام يوماً أو بعض يوم، فاجتمع الناس حوله وهكذا قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف:21].

يقول جل جلاله: وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ [الكهف:21] أي: كما أنمناهم وأدخلناهم الكهف وأيقظناهم وهم يتساءلون، كذلك أعثرنا عليهم، يقال: فلان عثر على كذا، أي: وجده من غير إعداد سابق، كأنه وجده اتفاقاً.

فقوله: (أعثرنا عليهم) أي: الله جل جلاله قدر الأسباب في العثور على هؤلاء الشباب المؤمنين الموحدين الذين أقاموا في الكهف قروناً.

فقوله: وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ [الكهف:21] أي: كشفنا أمرهم، وعرفوا بما لديهم من دراهم أنه قد مضى عليها قرون، وتجمع حوله الناس، وأخذ يقص قصتهم مضطرباً.

وهكذا علم بخبره ملك البلاد، وكانت الأمة كلها قد آمنت وأصبحت على التوحيد.

فعندما بلغ الملك أمرهم، وكان قد سمع بهم في التاريخ، ذهب مع الأفواج من الخلق، وأخذهم هذا الشاب إلى الكهف ودخلوا الكهف ورأوا الرقيم: فلان ابن فلان، سنة كذا تاريخ كذا أيام دقيانوس ، وإذا بالملك يحمد الله ويشكره.

وكان صالحاً موحداً، فحاول دخول الكهف فرأوا وجوهاً مرعبة ومخيفة، رأوا شعوراً قد طالت وأظافر قد طالت مع ما ألبسهم الله به من رداء الخوف والهيبة والرعب، والكلب باسط ذراعيه بالباب.

فأخذوا يتنازعون فيما بينهم، وبينما هم في هذه الحال مات أصحاب الكهف موتاً حقيقياً.

والحكمة في ذلك أن الله جعل لكل زمن ولكل نبي معجزة من المعجزات، من أجلها آمن من آمن وصدق من صدق، وكانت بمثابة أن يقول: هذه معجزتي وعلامة صدقي، فآمنوا بالله ولن أكذبكم، ولا يكذب الرائد قومه.

فكان هؤلاء ورثة للأنبياء ودعاة لله والتوحيد بحالهم قبل مقالهم.

إذاً: عندما سقطوا موتى فعلاً أخذوا يتنازعون شأنهم، بعد أن وجدوهم من غير بحث سابق ولا طلب فتأكدوا وتيقنوا، أن هؤلاء أصحاب الكهف، وأصحاب الرقيم أي: اللوحة التي فيها أسماؤهم، وقد أكدنا أن المعنى كذلك، بخلاف من زعم أن الرقيم اسم لمكان قرب أيلة، أو قرب البلقان أو قرب نينوى، فالرقيم: كتاب مرقوم، أي: مكتوب، والكتابة رقم.

قال تعالى: ليَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [الكهف:21] أي: وعد الله بالبعث يوم القيامة، وأن الله يحيي الإنسان بعد أن يموت ويعيده إليه، وذلك لنحاسب على ما قدمت أيدينا، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

وجعل الله هذا في الدنيا مثالاً لما هو أكبر من ذلك في يوم القيامة الذي لا ريب فيه ولا شك.

فقوله: لِيَعْلَمُوا [الكهف:21].

أي: ليعلم قومهم، وليعلم الناس الذين رأوهم، وعلموا حقيقتهم وأمر كتابهم المكتوب فيه أسماؤهم، والزمن المذكور فيه.

وقوله: أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا [الكهف:21] أي: وعد الله في إرسال أنبيائه والبعث بعد الموت، ووعد الله في قيام الساعة الذي لا ريب فيه ولا شك، ولا يرتاب فيه إلا مشرك، ولا يشك فيه إلا كافر.

قال تعالى: إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ [الكهف:21].

في هذه الحال، والله قد أعثرهم عليهم أخذوا يتنازعون: كم عددهم؟ وهابوا أن يدخلوا إلى الداخل، إذ رأوا منهم أفراداً، وكأنهم تنقلوا من جنب إلى جنب، فأخذوا يتنازعون الكلام والقول، هذا يقول قولاً والآخر ينازعه، وعلى هذا الاعتبار فإنهم قد ماتوا، مع الهيبة التي ألبسهم الله تعالى إياها رداءً، وهي هيبة المؤمن الواثق بربه.

قال تعالى: فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا [الكهف:21].

لما ماتوا أمامهم، ولم يأكلوا ولم يشربوا، ولم يطل بهم الزمن، وقالوا: ابنوا عليهم بناءً، أي: قبةً مثلاً أو بناء حائط، حتى نقصدهم بالزيارة.

وعندما اختلفوا فيهم وفي أسمائهم والزمن الذي كانوا فيه وفي آبائهم وأجدادهم، قال الله عنهم: رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ [الكهف:21] فلا حاجة للتفاصيل.

إذ إن المراد العبرة والحكمة، وأنهم قوم في دار الدنيا، ناموا ثلاثمائة سنة وتسع سنوات، ولم يبلوا ولم يندثروا ولم يفنوا، ثم أحياهم الله بعد كل هذا الزمن الطويل، والرقيم هو الذي أكد لهم تاريخهم بالأسماء وتاريخ الملك الوثني الذي طاردهم.

وبينما هم في هذا العجب قالوا: لا فائدة من النزاع، ربهم أعلم بهم، أي: بعددهم وأسمائهم وأزمانهم، وبكل ما يتعلق بهم، فقالت طائفة ممن عثروا عليهم: ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا [الكهف:21] أي: اجعلوا عليهم أثر بناء لنقصدهم بالزيارة ولنترحم عليهم وندعو لهم.

قال تعالى: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ [الكهف:21].

ولا شك أن الذي غلب على أمرهم هو الملك الحاكم، وكان مؤمناً، وسموه تيدوسيس ، قال تعالى: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف:21].

وما ذكر المسجد إلا للمؤمنين الموحدين (لنتخذن) أي: أقسموا بالله، فهذه اللام موطئة للقسم، ومؤكدة بنون التوكيد الثقيلة.

كأنهم قالوا: والله لنتخذن عليهم مسجداً، وكأنهم تنازعوا في البناء، ويظهر أنهم كان معهم وثنيون جاءوا للاستغراب والتعجب، فقال هؤلاء الذين غلبوا على أمرهم وأصبح أمرهم بيدهم (لنتخذن عليهم مسجداً)، ولا يكون هذا عادة إلا للسلطان، وكان الملك حاضراً ومعه كبار من قومه ورجاله.

فقوله: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف:21].

أي: مكاناً للعبادة، نسجد فيه لله.

يقول عبد الله بن عباس : ذهبت في حرب في بلاد الروم وإذ بهم يذكرون كهفاً، وأن فيه بقايا من عظام، فدخل ودخل معه آخرون وقالوا له: هؤلاء هم أ صحاب الكهف، وهذا هو الكهف الذي ذكره الله في القرآن.

وقال ابن عباس : وكان قد مضى من الزمن ثلاثمائة عام.

ولكن هذا يخالف ما قلناه من قبل، فالنبي عليه الصلاة والسلام أرسل بالنسبة للتاريخ الميلادي سنة 640م وكون ابن عباس يخبرنا عن ذلك في أواخر القرن السابع الميلادي، فمعناه: أنهم كانوا نصارى من أتباع عيسى، وبما أننا قد علمنا من قبل أن الذين دلوا كفار قريش على أن يسألوا عنهم النبي عليه الصلاة والسلام هم يهود المدينة، واليهود لا يؤمنون بعيسى فضلاً عن اتباعه، أو أن يعطوهم هذا الاعتبار ويعترفوا بهم، وهذا مما يؤكد أنهم كانوا قبل عيسى، وكانوا من الشعوب المؤمنة السابقة.

ولم يكن الذي حكي عن ابن عباس إلا ظناً: وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [النجم:28].

حكم بناء المساجد على قبور الموتى

ذكر الله عن هؤلاء اتخاذهم المساجد على القبور، وهذا في شريعة الإسلام لا يجوز، فقد روى الجمَّ الغفير عن نبي الله عليه الصلاة والسلام أنه قال عند موته: (لعن الله اليهود والنصارى، كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا عليه مسجداً، أولئكِ شرار الخلق) .

يقول رواة الحديث: يحذر مما صنعوا، والحديث متواتر.

وقال صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب) .

وقد هاجرت أم حبيبة بنت أبي سفيان هجرتها الأولى إلى أرض الحبشة، وكانت زوجة لـعبيد الله بن جحش فارتد، نسأل الله اللطف والسلامة، فبقيت هي ثابتة على إيمانها، فخطبها عليه الصلاة والسلام من النجاشي ، وكذلك كانت هناك أم سلمة مع زوجها مهاجرة، ولما مات زوج أم سلمة تزوجها صلى الله عليه وسلم، فأصبحتا معاً من أمهات المؤمنين: فقالتا: يا رسول الله! عندما كنا في الحبشة رأينا كنيسة للنصارى فيها تصاوير وتماثيل وأصناماً، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لعن الله اليهود والنصارى كانوا إذا مات أنبياؤهم وصالحوهم بنوا عليهم مسجداً، أولئك شرار الخلق عند الله) فكان هذا من آخر قول النبي عليه الصلاة والسلام.

وهذا ليس موضع جدال عند المسلمين، فالمسجد لا يجوز أن يدفن فيه ميت، ولا أن يتخذ مقبرة، ولا يجوز أن يصلى إلى قبر أو عليه، كل كذلك قد حرمه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأكد تحريمه، وما ذكر هنا قد يكون جائزاً لمن قبلنا.

إذا قيل: هل ما ذكر في القرآن مما هو شريعة لمن قبلنا يعتبر شرعاً لنا أو لا؟

فالجواب: أجمع العلماء على أنه إذا ورد ما يخالف شرعنا فليس شرعاً لنا، واختلفوا فيما لم يخالف سنة نبي الله صلى الله عليه وسلم أو القرآن هل يصبح شرعاً لنا؟ فالحق أنه ليس بشرع إلا ما قاله الله لنبينا صلى الله عليه وسلم أو أخبرنا به الله جل جلاله أنه شرع لنا.

وقد نص النبي عليه الصلاة والسلام وأكد على حرمة بناء المساجد على القبور، أو إدخال القبور إلى المساجد، روي ذلك عن الجمع الغفير من الأصحاب، وأن القبر لا يقصد بالصلاة ولا يصلى إليه ولا يصلى عليه، وكل هذا ليس موضع جدال بين المسلمين.

ولم يرد في القرآن هل بنوا المسجد فعلاً أم لم يبنوه؟ إنما أخبرنا عن مقولتهم، وكونهم قالوا ذلك لا يدل على أنهم فعلوه.

ذكر الله عن هؤلاء اتخاذهم المساجد على القبور، وهذا في شريعة الإسلام لا يجوز، فقد روى الجمَّ الغفير عن نبي الله عليه الصلاة والسلام أنه قال عند موته: (لعن الله اليهود والنصارى، كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا عليه مسجداً، أولئكِ شرار الخلق) .

يقول رواة الحديث: يحذر مما صنعوا، والحديث متواتر.

وقال صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب) .

وقد هاجرت أم حبيبة بنت أبي سفيان هجرتها الأولى إلى أرض الحبشة، وكانت زوجة لـعبيد الله بن جحش فارتد، نسأل الله اللطف والسلامة، فبقيت هي ثابتة على إيمانها، فخطبها عليه الصلاة والسلام من النجاشي ، وكذلك كانت هناك أم سلمة مع زوجها مهاجرة، ولما مات زوج أم سلمة تزوجها صلى الله عليه وسلم، فأصبحتا معاً من أمهات المؤمنين: فقالتا: يا رسول الله! عندما كنا في الحبشة رأينا كنيسة للنصارى فيها تصاوير وتماثيل وأصناماً، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لعن الله اليهود والنصارى كانوا إذا مات أنبياؤهم وصالحوهم بنوا عليهم مسجداً، أولئك شرار الخلق عند الله) فكان هذا من آخر قول النبي عليه الصلاة والسلام.

وهذا ليس موضع جدال عند المسلمين، فالمسجد لا يجوز أن يدفن فيه ميت، ولا أن يتخذ مقبرة، ولا يجوز أن يصلى إلى قبر أو عليه، كل كذلك قد حرمه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأكد تحريمه، وما ذكر هنا قد يكون جائزاً لمن قبلنا.

إذا قيل: هل ما ذكر في القرآن مما هو شريعة لمن قبلنا يعتبر شرعاً لنا أو لا؟

فالجواب: أجمع العلماء على أنه إذا ورد ما يخالف شرعنا فليس شرعاً لنا، واختلفوا فيما لم يخالف سنة نبي الله صلى الله عليه وسلم أو القرآن هل يصبح شرعاً لنا؟ فالحق أنه ليس بشرع إلا ما قاله الله لنبينا صلى الله عليه وسلم أو أخبرنا به الله جل جلاله أنه شرع لنا.

وقد نص النبي عليه الصلاة والسلام وأكد على حرمة بناء المساجد على القبور، أو إدخال القبور إلى المساجد، روي ذلك عن الجمع الغفير من الأصحاب، وأن القبر لا يقصد بالصلاة ولا يصلى إليه ولا يصلى عليه، وكل هذا ليس موضع جدال بين المسلمين.

ولم يرد في القرآن هل بنوا المسجد فعلاً أم لم يبنوه؟ إنما أخبرنا عن مقولتهم، وكونهم قالوا ذلك لا يدل على أنهم فعلوه.