تفسير سورة الكهف [1-8]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلوات الله وسلامه وبركاته على سيدنا محمد سيد العرب والعجم، وعلى آله الأطهار، وصحابته الأبرار، أما بعد:

فيقول الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا [الكهف:1-3] .

سورة الكهف سورة مكية، فيها مائة آية وعشر آيات، وقد نزلت على نبينا صلوات الله وسلامه عليه بمكة المكرمة.

وقد ورد في تلاوتها وقراءتها يوم الجمعة أجر وثواب، وورد أن من قرأ عشر آيات من أولها، وعشر آياتها من آخرها، لا يضره الدجال، وورد أن قراءتها تنزل معها السكينة من السماء.

وورد أن من قرأها يوم الجمعة حفظ من الدجال، ويؤجر ويثاب بتكفير سيئاته من الجمعة إلى الجمعة.

وسبب نزول هذه السورة أن كفار مكة أرسلوا إلى علماء يهود في المدينة فقالوا لهم: أنتم أهل كتاب، ومحمد يزعم أنه أوحي إليه بكتاب، فأخبرونا عنه، فقال لهم اليهود: اسألوه عن ثلاث، فإن هو أجابكم عنها فهو نبي، وإن لم يجبكم فهو متقول، اسألوه عن فتية ذهبوا في الزمن الأول، واسألوه عن رجل طاف المشارق والمغارب، واسألوه عن الروح.

فعادوا فاجتمعوا بالنبي عليه الصلاة السلام فقالوا: يا محمد! إنا سائلون أسئلة إن أنت أحسنت الجواب عنها علمنا أنك نبي، وإن لم تجب فأنت متقول، ما قصة فتية ذهبوا في الزمن الأول؟ وأخبرنا عن رجل طاف المشارق والمغارب؟ وما الروح؟ فقال لهم: غداً أجيبكم.

وإذا بالغد يأتي، ثم يأتي اليوم الثاني والثالث إلى أن مضى خمسة عشر يوماً، ولم يأته الوحي بجواب هؤلاء، فانزعج صلى الله عليه وسلم جداً، وأخذ الكفار يقولون: ها نحن سألنا محمداً فافتضح عندنا ولم يحسن الجواب.

وفي اليوم الخامس عشر جاءه جبريل بالوحي، وعاتبه ربه في قوله: أجيبكم غداً، ولم يقل: إن شاء الله، وكان قد نسيها صلى الله عليه وسلم، وذاك قوله تعالى في السورة: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24].

ثم تداركه الله بلطفه ورحمته فأوحى إليه بالجواب عن الفتية وعن الرجل الطواف، وأخبره بجواب سؤالهم عن الروح في قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85].

فكان الجواب عن الروح أنه لا جواب، وأن علم الروح من أمر الله تعالى؛ لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وجاء الجواب في سورة الكهف عن الفتية الذين ذهبوا في الدهر الغابر، وعن قصة الرجل الذي طاف الآفاق.

يقول تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا [الكهف:1] .

يحمد الله جل جلاله نفسه، وقد ابتدأ تعالى الخلق بالحمد، وأنهاه بالحمد، وافتتح كتابه القرآن الكريم بقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، وختم أمر الجنة بقوله تعالى عن أهلها: وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس:10].

وابتدأ هاتين القصتين بحمد نفسه جل جلاله، فله الحمد كله، وإليه يرجع الحمد كله، وإذا حمدنا زيداً من الناس أو عمراً فإنما نحمده ظاهراً ومجازاً، وإنما الحمد لله الذي شرح قلب هذا الذي عمل عملاً يخدمك به، أو يقدم خدمة للناس، أو للإسلام، أو في أي شيء كان، فالحمد الخالص الكامل لله، فنحمده على أن هدانا للإسلام، ونحمده على أن وفقنا لاتباع نبيه عليه الصلاة السلام، ونحمده على أن عافانا في أبداننا وأرواحنا، ونحمده على أن أكرمنا بأن أغنانا عن الناس، فلم يُرق ماء وجوهنا لأحد سواه، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، فالحمد لا ينقطع، والنعم لا تنقطع، وبالحمد والشكر تزداد النعم، والكفران يسلبها.

فالله تعالى هنا يحمد نفسه ويعلمنا أن نحمده وأن نشكره، وأن نؤدي الحق لأهله، فيقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَاب [الكهف:1].

وعبده هنا هو محمد سيد الخلائق، سيد الأولين والآخرين، خاتم الأنبياء والرسل، عليه صلوات الله وسلامه.

فالله يحمد نفسه، ويعلمنا أن نحمده على أن أنزل هذا الكتاب المهيمن على كل الكتب، الجامع لكل ما مضى من خيرات وافرات، وهداية دائمة، وصلاح في الدنيا والآخرة، فهو الذي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت:42]، وهو الكتاب المعجز الذي فيه خبر من قبلنا وخبر من بعدنا.

فهذا الكتاب الذي جعله الله خاتم كتبه خص به عبده وسيد عبيده محمداً صلى الله عليه وسلم.

والكتاب إذا أطلق يراد به القرآن الكريم، فهو كتاب جميع المسلمين، وكتاب جميع العلماء، وهو الكتاب الذي فيه ما ينفعنا معاشاً، وما ينفعنا معاداً، وهو الذي جمع كل العلوم.

وإذا أطلق الكتاب بين أهل اللغة والأدب والنحو فالمراد به كتاب سيبويه في النحو وقواعد العربية.

قال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا [الكهف:1]، فلم يجعله ناقصاً، ولم يجعله مخالفاً، ولم يجعله غير معجز، ولم يجعل فيه تناقضا.

والعوج يكون في المحسوسات والمعاني، يقال: فلان أعوج الخلق، أي: فيه اعوجاج عن الحق، واعوجاج عن الطريق المستقيم، ويقال: البناء فيه عوج، أي: فيه اعوجاج في هندسته وفي نظامه.

وهذه الآية كقوله تعالى: قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ [الزمر:28]، أي: فلا نقص فيه، ولا شين، ولا تناقض.

قال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا [الكهف:1-2].

فهو القيم والقائم والمهيمن على ما سبقه من كتب سماوية، والقيم على كل كتب الناس وعلومهم، فما وافقه فهو الحق، وما خالفه فهو الباطل.

قال تعالى: قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا [الكهف:2] .

أنزل الله هذا القرآن القيم المهيمن المستقيم الكامل الذي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت:42] على البشير النذير ليتخذه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أداة في الخطابة وفي الدعوة وفي العلم، وفي مخاطبة الأعداء وفي مخاطبة الأنصار، وفي دعوة الناس إلى الحق والهدى والنور.

وقوله تعالى: لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا [الكهف:2] أي: لينذر الناس الذين لم يؤمنوا وأصروا على الشرك والكفر البأس الشديد، والغضب الشديد، والقوة الشديدة، والعذاب من الله والطرد من الرحمة والخلود في النار، إن هم أصروا على الكفر، وأبوا إلا الشرك، وحادوا عن الإيمان والتوحيد.

وقوله تعالى: لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ [الكهف:2] أي: من لدن الله، ومن عند الله، لا من عند محمد صلى الله عليه وسلم ولا من عند أحد من الخلق، فالله عندما يريد أن ينزل بأسه بالناس يسلط رسله على من يشاء من عباده المشركين والكافرين، وقد سلط نبيه صلى الله عليه وسلم على الكفار والمشركين من العرب والفرس والروم، إلى أن دانوا لله، وذلوا للحق، وقالوا كلمة التوحيد، وحادوا عن الشرك، ومن لم يستجيبوا ذهبوا بين شريد وطريد وقتيل، وما عند الله أشد وأنكى.

فهذا البأس وهذه النذارة الشديدة وهذا التخويف بالعذاب هو من لدن الله، ولكن الله يسلط عباده بأمره وببأسه على من يشاء من الكافرين الجاحدين.

قال تعالى: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ [الكهف:2] .

أي: يبشر الذين آمنوا بالله واحداً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماماً، وبالكعبة قبلة، فهؤلاء المؤمنون ضموا إلى الإيمان بالقلب العمل بالجوارح، فقاموا بالأركان الخمسة من قول الشهادتين والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، كما تحلوا بالأخلاق الفاضلة، وتخلوا عن الأخلاق الرذيلة السافلة.

فهؤلاء المؤمنون يبشر منهم من مضى، ويبشر من يأتي، وهي بشرى قائمة إلى يوم القيامة بأن من آمن بالله وبرسول الله، وعمل صالحاً كان له الأجر الحسن، والأجر هنا هو الجنة.

قال تعالى: مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا [الكهف:3] أي: مقيمين خالدين أبد الآباد.

قال تعالى: وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا [الكهف:4].

فالإنذار بالسوء هنا في أعظم أنواع الكفر، وهو الشرك بالله، بزعم أن لله ولدا.

والذين قالوا ذلك هم العرب، قالوا: إن الملائكة بنات الله، وكذلك اليهود، حيث قالوا: عزير ابن الله، وكذلك النصارى حيث قالوا: عيسى ابن الله، ومريم صاحبته، تعالى الله عن كل هذا الإفك علواً كبيرا.

قال تعالى: وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ [الكهف:4-5].

فليس لهم علم ولا دليل ولا برهان ولا حجة ولا سلطان من الله على أن لله ولداً، فلم ينزل بذلك كتاب، ولم ير أحد هذا الولد، بل إنهم لم يتفقوا على هذا الولد، فقالوا: هو عزير، وقالوا: الملائكة، وقالوا: عيسى.

فمن قال: إن الله اتخذ ولداً فقد قال كذباً وبهتاناً على الله، ولم يأت بذلك برهان ولا دليل.

قال تعالى: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ [الكهف:5].

فهم يقولون: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23].

فلقد كانوا هم وآباؤهم ضالين مضلين، كذبة على الله مفترين.

قال تعالى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [الكهف:5] .

(كلمة) تمييز، أي: كبرت هذه الكلمة وهذه المقالة، وهي أن الله اتخذ ولداً، وأن الله اتخذ صاحبة أماً لهذا الولد، فهذه الكلمة عظيمة تكاد السموات أن تتفطر منها.

فهؤلاء لم يقتصروا على الكذب على رسول الله، وعلى أصحاب رسول الله، وعلى الصالحين، بل كذبوا على الخالق جل جلاله بما لم يأت به سلطان ولا دليل ولا برهان.

يقول تعالى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [الكهف:5]، والأفواه: جمع (فو)، وهو من الأسماء الخمسة، فيرفع بالواو، وينصب بالألف، ويجر بالياء.

قال تعالى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا [الكهف:5] .

فلم يقولوا ما قالوا وما نطقوا إلا بالكذب وبالبهتان وبالافتراء وبما ليس لهم عليه دليل ولا برهان، فكل ذلك من إفكهم ومخترعاتهم التي خلت عن الدليل والبرهان.

قال تعالى يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [الكهف:6] .

فما ستقصه على قومك مما سألوك عنه ووجههم إليه يهود المدينة سيكذبونك فيه، ولن يصدقوك، فقد سألوك وأجبت، فما آمنوا ولا صدقوا، فلم يسألوك رغبة في العلم، ولا سعياً في معرفة الحقيقة، وما ذلك إلا التحدي، وما هو إلا التعجيز، وما هو إلا العناد، فأرح نفسك، ولا تهلكها ولا تتعبها.

يقول تعالى: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ [الكهف:6] أي: مهلك نفسك، وقاض عليها، ومميتها؛ حرصاً على قومك وهدايتهم، وأسفاً على قومك حيث لم يؤمنوا بالحق مع الأدلة القاطعة التي تأتيهم بها مساء وصباحا، وليلاً ونهارا، فما تلك مهمتك، ولم تطالب بذلك، وإنما عليك البلاغ، وليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء.

فنبينا عليه الصلاة والسلام هو كما وصفه ربه: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ [التوبة:128].

فكان عزيزاً عليه وصعباً عنت قومه، وعناد قومه، وإصرارهم على الكفر، بل عنت جميع الناس، فقد كان حريصاً على هدايتهم، فالله يقول له: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [الكهف:6].

فلعلك مهلك نفسك أسفاً وحزناً عليهم وموجعها ومؤلمها؛ لأنهم لم يؤمنوا ولم يصدقوا، وليس عليك هداهم، فمن سبق في علم الله ضلاله وكفره فسيبقى كذلك، ولن تفيده موعظة، ولن تفيده دعوة، ولن تفيده معجزة.

قال تعالى: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الكهف:7].

يقول الله جل جلاله: إنه جعل ما على الأرض زينة لها؛ ليختبر بها عباده، وليختبر بها الناس، وليختبر بها الجن والإنس، فزين الأرض بما فيها من أشجار ومياه وثمار، وأنواع من الحيوانات التي تمشي على أربع، والتي تطير في الهواء، والتي تعيش في البحار، فكل ذلك جعله الله للإنسان ابتلاء من الله واختبارا، ليظهر الذي يرى ذلك، فيعمل بمقتضاه، ويشكر الله عليه، ولا يتخذ ذلك نكراناً وجحوداً وكفرانا.

يقول تعالى: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الكهف:7].

فما على الأرض من جبال راسيات، وبحار متلاطمات، ونسيم وخضرة زين الله به الأرض وجملها؛ ليبلو عباده أيهم أحسن عملا، فيظهر الذي سيكون أحسن عملاً بالطاعة وبالتوحيد، وبالامتثال لأمر الله، ولأمر رسوله.

قال تعالى: وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا [الكهف:8].

فهذه الدنيا التي زينت وزخرفت سيأتي عليها يوم وكأن لم تكن، فإذا بالأرض تصبح صعيداً جرزاً، أي: أرضاً قاحلة، لا شجر فيها ولا نبات، ولا طائر يطير، ولا دابة تسير، ولا إنسان يتحرك، إذ يذهب الله بكل ما فيها وما عليها، بعد أن ظن الناس أن هذه الأرض التي زينوها وتعبوا فيها منذ آلاف السنين قديماً وحديثا، وأوصلوها إلى ما لم تكن عليه يوما لن تزول، وإذا بكل ذلك يدمر، فتصبح صعيداً زلقا وجرزاً لا ينبت، فليس فيها نبات ولا زهر، ولا نعيم، ولا ما يشرب ولا ما يؤكل، وتجف البحار والأنهار، وتنقطع العيون.

وهذه بداية الفناء، وإلا فبعد ذلك لا تبقى الأرض نفسها ولا السماء، قال تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88]، وقال تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27].