كيف نفهم المراهقين [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله كثيراً كما أنعم علينا كثيراً، وصلى الله على نبينا محمد الذي أرسله شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى آله الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وعلى جميع المؤمنين الذين أمر الله نبيه أن يبشرهم بأن لهم من الله فضلاً كبيراً، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ ثم أما بعد:

فعن الأسود بن سريع رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، وهذا الحديث رواه الطبراني في المعجم الكبير، والبيهقي في سننه، ورمز له السيوطي بالصحة.

قوله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود) يعني: كل مولود من بني آدم يبقى على هذه الفطرة، ويولد سليماً نقياً مستعداً لتوحيد الله سبحانه وتعالى؛ ولو افترضنا أن هناك طفلاً ولد في مكان بحيث تهيأت له أسباب الحياة دون أن يخالط أي مخلوق من البشر؛ لنطق هذا الطفل إذا شب وبلغ بالتوحيد، ولاهتدى بفطرته التي غرسها الله فيه إلى توحيد الله سبحانه وتعالى والإيمان به.

فالفطرة السليمة هي الأصل، ثم يطرأ بعد ذلك الانحراف بسبب عوامل منها: عوامل البيئة، والوالدين، وهما من أقواها؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)؛ ففي هذا إشارة إلى خطر تأثير الأبوين في اتجاه ومستقبل أولادهما.

فإذا كانت التربية فاشلة، أو كان الوالدان كافران؛ فهذا الطفل سوف يقلد أبويه، وتفسد فطرته بهذه العوامل، أما إذا بقي على الفطرة السليمة النقية، ثم جاء الأبوان يقويان هذه الفطرة؛ حينئذ ينظر فيما نصب من الدلائل الجلية على التوحيد وفقه الرسول صلى الله عليه وسلم نظراً صحيحاً يوصله إلى الحق والرشد، ويعرف الصواب ويلزم ما طبع عليه في الأصل من هذه الفطرة.

أما إذا كان أبواه يهوديين أو نصرانيين فهما اللذان يهودانه أو ينصرانه ويكونا السبب في الانحراف عن هذه الفطرة.

وقوله: (أو يمجسانه) أي: يدخلانه المجوسية، بأن يصداه عما ولد عليه، ويبينا له الملة المبدلة والنحلة الزائفة، وهذا لا ينافيه قوله تعالى: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30]؛ لأن المراد به: لا ينبغي أن تبدل تلك الفطرة، وحق هذه الفطرة أن تبقوا عليها؛ لأنها صبغة الله سبحانه وتعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً [البقرة:138]، أو قوله تعالى: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30]: خبر يراد به نهي الناس عن أن يتسببوا في تبديل فطرة الله، وفي مسخ عقائد الناس، فهو خبر بمعنى النهي كما قال البيضاوي .

والفطرة تدل على نوع من الفطر، وهو الابتداء والاختراع، فقد تنازع أعرابي مع آخر على بئر فقال أحدهما للآخر: أنا الذي فطرتها، يعني أنا الذي ابتدأت حفرها، والمعني بها هنا: تمكن الناس من الهدى في أصل الجبلة؛ إذ ليس المقصود قطعاً فطرة الإسلام، وليس المقصود أن المولود إذا ولد يكون عالماً بالإسلام والإيمان والإحسان، ومتعلماً قضايا التوحيد بدلائلها وغير ذلك؛ لأن الواقع غير ذلك، لكن المقصود التهيؤ والاستعداد لقبول الحق، وهذه الفطرة لا تلبث أن تنمو رويداً رويداً إلى أن تصل أقصاها في سن البلوغ الذي جعله الله سبحانه وتعالى سن التكليف؛ فحينئذ تفصح عن نفسها، ويعرب هذا الإنسان عما رسخ في فطرته من الاعتقاد في حقائق الوجود؛ لأن أقوى دليل على وجود الله سبحانه وتعالى هو الفطرة نفسها؛ فكل إنسان يشعر بهذه الحقيقة الإيمانية الكبرى؛ فالإنسان إذا ترك على ما فطر عليه، واستمر على لزوم هذه الفطرة، ولم يفارقها ولم يغيرها؛ فلسوف يبقى على هذه الفطرة وسيقبل الإسلام ويستقيم على دين الله سبحانه وتعالى؛ وإنما يعدل عنه بآفة من الآفات البشرية والتقليد، فالفاء في قوله: (فأبواه)، للتعقيب أو للتسبب، أي: إذا تقرر ذلك فمن تغير عن هذه الفطرة فإنما يكون ذلك بسبب أبويه.

والحاصل أن الإنسان مفطور على التهيؤ لأن يدين بالإسلام بالفعل؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا [النحل:78]، فنحن نُخلَق ولا نعلم شيئاً، لكن هذه البذرة موجودة في قلب الإنسان بعوامل متعددة، ويبدأ يستيقظ فيه هذا الشعور ويتنامى ويكثر في وقت من الأوقات، ذلك حينما تكثر أسئلة الطفل عن الوجود والسماء والشمس والقمر، ويبدأ يسأل أسئلة ليستكشف بدافع من هذه الفطرة الكامنة فيه حقائق الوجود، حتى إذا ما وصل سن التكليف فإنه يكون ناضجاً لدرجة تؤهله أن يكون مكلفاً -كما سنبين إن شاء الله تعالى- فهو مهيأ للإسلام بالقوة؛ لكن لابد من التعلم واكتساب العلم بالفعل، فمن قدر الله كونه من أهل السعادة قيض الله له من يعلمه سبيل الهدى؛ فصار مهذباً بالفعل، ومن خذله وأشقاه سبب له من يغير فطرته ويثني عزيمته، والله سبحانه وتعالى هو المتصرف في عبيده كيف يشاء، كما قال تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:7-8].

وهذا الحديث رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ: (كل إنسان تلده أمه على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه؛ فإن كانا مسلمين فمسلم)، ورواه البخاري بلفظ: (كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه؛ كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها من جدعاء).

خلاصة الكلام في هذه القضية: أن هذا الحديث يشير إلى عنصر مهم جداً في تكوين الشخصية في مراحل الطفولة أو الشباب أو المراهقة، وهو تأثير البيئة التي تعد أخطر مؤسسة تربوية على الإطلاق، وبالذات بيئة الأسرة التي تحيط بالإنسان.

وهو أيضاً يشير إلى أهمية استقلالية المسلمين في استقاء المناهج التربوية عن الملاحدة والكافرين من أهل الغرب وغيرهم الذين اقتحموا هذا الباب وأفسدوا فيه كثيراً من الأمم في هذا المجال كثيراً وأبعدوها عن صراط الله سبحانه وتعالى المستقيم.

والحقيقة أن المناهج التربوية السوية والمستقيمة ينبغي أن تكون حكراً على المسلمين؛ بناءً على قوله تبارك وتعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، وترببية النفس البشرية ليست كغيرها من العلوم التي تخضع للتجارب المعملية والأمور الحسية، إنما هي محاولة لاستكشاف خصائص هذه النفس، وقد يصيبون أحياناً ويخطئون أحياناً أخرى، ويختلط عندهم الخطأ بالصواب، نظراً لاختلاف الثقافة والمفاهيم للحياة وللكون والألوهية، فمن الخطأ الجسيم أن تطبق هذه المناهج الغربية التربوية على أبناء المسلمين مع الاختلاف الشاسع بين قوم يؤمنون بالله وبالقرآن وبالرسول صلى الله عليه وسلم، وبين قوم يكفرون بالله سبحانه وتعالى وكتابه ورسوله؛ لا شك أن العقيدة سوف تنعكس في هذه المناهج كما سنرى ذلك بالتفصيل.

كما أن كثيراً من حقائق هذه العلوم النفسية مبثوثة في ثنايا القرآن والسنة، وقد يأتي الشق السليم من علوم النفس وعلوم التربية ويتوافق تماماً مع ما أخبر الله سبحانه وتعالى به، وهذه العلوم لا تؤكد هذه المفاهيم، وإنما هي تستكشف حقائق قد غرسها الله سبحانه وتعالى في هذه المخلوقات بالفعل، كما في قول الله تبارك وتعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، هذه الآية تشير إلى حقيقة تعترف بها العلوم الحديثة، وقد تزعم أنها هي التي استنبطتها، وهي: أن هناك فرقاً بين البلوغ وبين الرشد، فقد يبلغ الإنسان ولا يكون راشداً، بالذات في أوائل مرحلة المراهقة، فهو من الناحية الجسمية أو التناسلية صار ناضجاً، لكنه ليس راشداً فيتأخر النضج العقلي عن النمو الجسدي، فهذه الأمور موجودة في هذه الآية الكريمة؛ لأن الله تعالى قال: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ، هذه إشارة إلى أن البلوغ هو في جانب التناسل، وحينئذ يبدأ اختبارهم كي تعلموا هل بلغوا الرشد أم لا؟ فإذا بلغوا الرشد فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6].

أيضاً هذا الحديث لا شك أنه يعكس معلومة مهمة جداً، وهي تأثير البيئة التي تعتبر أكبر وأخطر مؤسسة تربوية على الإطلاق.

وعليه سنبدأ إن شاء الله تعالى بفتح ملف المراهقين؛ كيف نفهم المراهقين؟ وما هي مشاكل المراهقين؟ وكيف ينبغي أن تحل؟

كان الأولى بنا أن نبدأ بالمراحل الأولى من الأمور التربوية وهي مرحلة الطفولة الباكرة التي تبدأ من الميلاد إلى ما بعدها من المراحل، لكن هناك أسباب ستتبين إن شاء الله من خلال البحث تسوغ لنا البداءة بموضوع المراهقين رغم أنه ليس متماشياً مع الترتيب المنطقي لهذا الأمر.

الحرص على نفع الإنسان ودفع ما يضره

قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (احرص على ما ينفعك)، هذا هو الدافع الأساسي للتوقف عند هذه القضية الحيوية لدراستها والاهتمام بها؛ فإن قوله عليه الصلاة والسلام: (احرص على ما ينفعك) مفهومه: تجنب ما يضرك، أو اجتهد في تجنب ما يضرك؛ فمن هذا المنطلق نحن نعطي هذه القضية قدراً خاصاً من الاهتمام.

انتشار الأمية التربوية

الواقع أننا الآن في أزمة تربوية شديدة، يمكن أن نعبر عنها بالأمية التربوية؛ إذ لم تعد الأمية قاصرة على العجز عن القراءة والكتابة، فقد أصبحت الأمية التربوية موجودة في طوائف هم أولى الناس بأن يحيطوا بها علماً، وعلى الأخص الآباء والأمهات الملتزمون بهذه القضية.

وللأسف الشديد أن بعض المدرسين اليوم في داخل مكان يسمى سابقاً وزارة التربية والتعليم نسمع عنهم أشياء سيئة نتيجة عدم الخبرة التربوية، أو فساد بعض من ينتسبون إلى فئة التدريس، الأمر الذي ينعكس بلا شك على هؤلاء الطلبة، ويصبحون هم فيما بعد هم الضحايا للتوجيه الخاطئ الذي يفتقر إلى كثير من المبادئ التربوية السليمة.

وننبه إلى غلطة فادحة يقع فيها أحياناً المدرسون والمدرسات والآباء والأمهات بغض النظر عن خطر البيئة من حول المراهق من أصدقاء ووسائل الإعلام، وغير ذلك من المؤثرات التي سنشير إليها؛ فبقي المسجد هو الحصن الباقي من حصون الإسلام كي ننطلق منه إلى المناهج التربوية، والتوعية التربوية السليمة لحماية أبناء المسلمين قدر المستطاع من هذه المؤثرات، ولا شك أنكم سمعتم بالمأساة الأليمة التي وقعت في إحدى المدارس القريبة من المسجد، حيث خرجت منها هذه الفئة الضالة من الأولاد الملاحدة الذين يزعمون أنهم يعبدون الشيطان، وهذا أمر ما كنا نتخيله.

الأعجب من ذلك ردود أفعال المجتمع، فقد وجدنا فزعاً شديداً من كلمة عبادة الشيطان، ومناسك عبادة الشيطان، وما يفعله هؤلاء الأولاد، في حين وجدنا أموراً في غاية التناقض، دخلت أحد المحلات لأشتري بعض الأشياء، فشاهدت في التلفزيون رجلاً مهندماً حليقاً يتكلم بقال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام، ويعيب على الأسرة إهمال التربية، وفساد الشباب، فلفت نظري أن الكاميرات تنقل صوراً من الذين يحاضرهم هذا الشخص وهم جالسون بمنتهى التأثر، وكأن لسان حالهم يقول: كيف أصبح أولادنا يعبدون الشيطان؟ ومن هؤلاء أمهات في غاية التبرج، ولا تدري أنها أيضاً تعبد الشيطان، وقد اجتمعوا من أجل مناقشة عبادة الشيطان في حين أن كثيراً منهم يعبدون الشيطان وهم لا ينتبهون؛ لماذا؟ لأن الشيطان خدعهم بأن سول لهم عبادته، لكن بطريقة لا تحمل اسم عبادة الشيطان، فما أكثر الذين يعبدون الشيطان! هل آزر والد إبراهيم كان يقول: أنا أعبد الشيطان، أم أن الشيطان سوغ له عبادة الأصنام؟ ومع ذلك قال له إبراهيم عليه السلام: يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا [مريم:44]، وقال الله سبحانه وتعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس:60-61].

فالعبادة نوعان فقط: عبادة لله وعبادة للشيطان، لكن الناس يتفاوتون في مقدار عبوديتهم للشيطان، فمن عبده بأن أطاعه بارتكاب المعاصي فهذا فاسق فاجر، ومن أطاعه في استحلال المعاصي فهو كافر خارج من الملة، فالحقيقة أن كثيراً من الناس في مجتمعنا يعبدون الشيطان، لكنهم فزعوا لأن هذه عبادة صريحة، وإلا فإن كل معصية وكفر يقع في هذا الوجود إنما هو من الشياطين التي تؤزهم أزاً على هذه المعاصي، وهم في الحقيقة يطيعون الشيطان.

لا نريد أن نخرج عن موضوعنا؛ لكن هذه من أقبح ثمرات الفوضى، أو بتعبير آخر فالأمية التربوية التي تشيع الآن في مجتمعاتنا، تؤكد ضرورة التوعية بالنسبة لهذه المراحل الخطيرة من مراحل العمر.

الحصن الأخير للتربية هو المساجد

هل هذا الموضوع يناسب دراسته في المسجد؟

لا شك طبعاً؛ لأن المسجد صار الآن هو الحصن الوحيد الذي يؤمن على التوجيه والتربية والتوعية، وقد توجد أماكن أخرى! ويوجد من المدرسين أناس أفاضل يراعون هذه الأشياء، ويتقون الله في توجيه الشباب وغير ذلك، لكن يبقى المسجد هو المنطلق؛ لأن الإسلام هو دين حياة وليس ديناً منعزلاً كالكنيسة، فهو دين يتعامل مع الحقائق كحقيقة، وهو حقيقة تتعامل مع الواقع وليس نظرية مثالية تتعامل مع الفروض والخيال.

وكل واحد منا أحد اثنين: إما أب عند هؤلاء الذين يوشكون أن يقتربوا من المراهقة، وإما أب عنده أولاد بالفعل دخلوا مرحلة المراهقة، وإما إخوة يعمرون المساجد -أغلبهم أيضاً من المراهقين- يحتاجون إلى أن يعرفوا ما لهم وما عليهم.

فالآباء يحتاجون إلى فهم طبيعة هذه المرحلة حتى يتوقوا الأخطار التي يمكن أن تنعكس انعكاساً خطيراً على مستقبل أبنائهم، ولا مانع في نفس الوقت من الاستفادة من الدراسات النفسية الحديثة، فالحكمة ضالة المؤمن يلتمسها أنى وجدها، ومعلوم أن الجزء الصحيح في علوم النفس وعلوم التربية هو ما يتوافق مع الإسلام، ولا حرج من الاستفادة من هذا المجال؛ لأن سنن الفطرة التي أودعها الله سبحانه وتعالى في المخلوقات واحدة لا تتغير، والعلوم والبحوث الحديثة قد تستكشف بعض الأمور المكنونة في هذه النفس الإنسانية، والله سبحانه وتعالى أشار إلى المراحل التي يمر بها الإنسان في قوله تبارك وتعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم:54].

الاهتمام بالنمو الجسمي دون الاجتماعي

من الأخطاء التي نقع فيها: أن الذي يلفت أنظارنا في الغالب هو النمو الجسمي للطفل: كان رضيعاً، ثم بدأ يترقى في مراحل الطفولة، ثم يدخل مرحلة المراهقة بمراحلها الثلاث، ثم يدخل بعد ذلك في مرحلة الرشد، ثم مرحلة العمر المتوسط، ثم الشيخوخة، فالذي يلفت أنظارنا أكثر هو النمو الجسمي، ونغفل عن أنواع أخرى من النمو، وبالتالي لا نواكب هذه التطورات.

فهناك نمو آخر غير النمو الجسمي، فكما أن الجسم ينمو فإن النفس تنمو وتمر بمراحل، والعقل ينمو ويمر بمراحل، والعواطف تنمو أيضاً، كذلك السلوك الاجتماعي .. وبعض الناس قد تتغير تعاملاته مع ابنه نظراً لنموه الجسمي؛ لكنه لا يدرك النمو النفسي، وأن كل مرحلة لها طبيعة لابد أن يتفهمها ليعرف كيف يتعامل مع ابنه لكي يجتاز هذه المرحلة بسلام.

مرحلة المراهقة مرحلة بناء الشخصية

مرحلة المراهقة من أخطر مراحل نمو الإنسان، بمعنى أنها تتطلب رعاية خاصة، فإذا تصورنا دائرتين متداخلتين، دائرة الطفولة ودائرة الرشد، فإذا تداخلت هاتان الدائرتان تولدت بينهما المسافة المشتركة، وهي مرحلة المراهقة، ويكاد المراهق إذا وقف على أطراف أصابعه أن يتطلع إلى عالم الرجولة، وفي نفس الوقت يريد أن يتخلص من آثار مرحلة الطفولة كما سنبين إن شاء الله تعالى.

فخطورة هذه المرحلة بجانب مرحلة الطفولة؛ لأنها أساس بناء الشخصية، والشخصية يبدأ تكوينها مبكراً أكثر مما نتخيل؛ فنحن ننظر للطفل الرضيع على أنه مضغة لحم نلهو بها ونفرح بها فقط، لكن الجوانب التربوية نهملها مع الرضع ثم مع الأطفال بعد ذلك في المراحل المختلفة، على حين أننا نجهل أن بذور الخير أو الشر أو الصحة النفسية أو الأمراض النفسية كلها توضع في هذه المرحلة الأولى، ولا تلبث أن تنمو حتى تظهر فيما بعد، ثم إذا بلغ عمره ثمان عشرة سنة أو عشرين سألنا: أين التربية؟

ولم يعد هناك تربية في هذه السن؛ بل هو علاج؛ لأن التأسيس وبناء الشخصية ينتهي في مرحلة المراهقة، وكل ما يأتي بعد مرحلة المراهقة والطفولة يكون نتاجاً وثمرة لما تلقاه الإنسان من تربية في فترة الطفولة ثم المراهقة.

إذاً: لو تمكنت الصفات والخصائص من الشخصية في مرحلة البناء والتأسيس، فما بعد ذلك هو ثمرة لهذه التربية، والتربية لا تبدأ بعد اثنين وعشرين أو ثلاثة وعشرين سنة، ولكنه علاج للتربية الخاطئة، كما لو وجد إنسان فيه عاهات نفسية فإنه يحتاج إلى علاج وليس إلى تربية؛ لأن التربية قد فات وقتها، ونحن لا نيأس ولا نؤيس ولكن ننبه على أهمية الاهتمام المبكر بالتربية المبكرة منذ أول يوم يولد فيه الطفل، بل في الحقيقة منذ كان جنيناً في بطن أمه، بل أخص من ذلك منذ أن اختار أمه التي ستلده.

أيضاً هذه المرحلة هي مرحلة تأسيس وبناء شخصية هذا الإنسان وتحديد ملامحها، كما أنها مرحلة مفترق الطرق بالنسبة للمراهق، ويكون له أحاسيسه المرهفة، وبالتالي يتخذ في هذه المرحلة قرارات مصيرية تؤثر في كل مستقبله فيما بعد.

مثال: الطالب يحدد اتجاهه في الدراسة أو المهنة خلال هذه المرحلة، وتتخذ قرارات مصيرية ومستقبلية؛ إذاً: التوعية المبكرة بهذه الأمور تقي كثيراً من المخاطر، فالاهتمام بهذه القضية هو من باب أن الوقاية خير من العلاج، وكما يقولون: الدفع أسهل من الرفع، قبل أن تنزل المصيبة اتق حصولها من البداية، إذا جاءت سيارة أيهما أسهل: أن تدفع السيارة أم أن ترفعها في الهواء؟ لا شك أن الدفع أسهل من الرفع، وهذا هو نفس معنى: الوقاية خير من العلاج؛ ولذلك كلما زاد الإنسان وعياً كلما احتاط في اتخاذ الإجراءات الوقائية، ونتائجه تكون مضمونة وأقرب من الإجراءات العلاجية؛ لأنه قد يستجيب للعلاج أو لا يستجيب.

جهل الآباء بالتربية الصحيحة

واقعنا الذي نعيشه مما يفرض علينا الاهتمام بهذه القضية، حيث يوجد من الآباء من يجهل أن هناك علماً اسمه: علم تربية، فمن الآباء من لا يلتفت أصلاً لشيء اسمه تربية، ولا مناهج تربوية، ولا أسس تربوية، وموضوع التربية عنده ينحصر في كيف أن يطعم ولده طعاماً جيداً، ويلبسه ملابس جيدة.. وغير ذلك من الاحتياجات الحسية، ولا تخطر على باله خطورة موضوع التربية، بالتالي تحصل ممارسات خاطئة من الآباء نتيجة ما ذكرناه من نسيان الأمية التربوية، حتى ربما كان الشخص أستاذاً في الجامعة، ويرتكب أخطاءً فادحة من الناحية التربوية، وأنا أعرف بعض النماذج من هؤلاء.

فنتيجة الجهل بقواعد التربية أو القواعد الصحية أو النفسية يحصل كثير من الأخطاء، فنلاحظ الشخص الكبير الذي لا يفهم الأسس التربوية يضع عقله بموازاة عقل الطفل الصغير، فإذا أخطأ الطفل فإنه يوجهه طبقاً لقدراته العقلية هو! فإذا أخطأ الطفل وجد الضرب الشديد، وليس الضرب الذي هو نوع من أنواع العلاج بشروطه! بل الضرب للتشفي وللانتقام، فلذلك لا يتوقف الضرب حتى يفرغ كل شحنة الغضب من صدره، وهذا الضرب غير مشروع، ويعتبر إساءة بالغة! لأن الضرب إنما شرع كعلاج، وله شروط حتى يكون علاجاً.

كذلك الأب الذي عنده الخبرة بالحياة، والنضج الكامل حينما يتعامل مع المراهق وتبرز مشاكل نتيجة الخلل سواء من المراهق نفسه أو من الأبوين -كما سنذكر أمثلة على ذلك- لكن الإنسان إذا أدرك كيف يفكر من أمامه، استطاع أن يتعامل معه؛ فالمراهق هذه المرحلة بالنسبة له مرحلة مؤقتة يمر بها، كالنزوع للتمرد، والنزوع للاستقلالية، وإثبات الذات ولو بأي طريقة، والتمرد على الكبار، هذه ظواهر تعتبر طبيعية في هذه المرحلة بالذات، وهذا أمر متوقع.

المهم: كيف يمر خلال هذه المرحلة بسلام وبأقل قدر ممكن من المشاكل والأضرار؟

كما ذكرت من قبل: كثير من الآباء يكون عنده منهج تربوي لكنه منهج تربوي خاطئ، فيتصور أن أحسن تربية هي التي رباه عليها أبوه: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ [الزخرف:22]، فهذا المنهج الذي وجد عليه أباه هو أحسن تربية، فبالتالي يطبق نفس الأساليب التربوية التي سلكها معه أبوه، بغض النظر عن صحتها أو خطئها أو وضعها على معايير أو موازين التربية العلمية الصحيحة، لذلك نجد من بعض هذه الممارسات ما يترك أثراً سيئاً جداً، فبعض الآباء يطرد الابن من البيت، وهذا فيه إهانة لهذا الولد أو الشاب أمام أصدقائه، وكذا تحقيره كأن يقول له: أنت لست بنافع.. أنت فاشل.. أنت ليس فيك أمل؛ كل هذا الكلام في الحقيقة ليس علاجاً؛ لأن الاستبداد المطلق في التعامل مع المراهق بطريقة فيها غلو شديد يقضي على شخصيته، ويخرجه مشوهاً نفسياً.

قد توجد بعض التصرفات دقيقة جداً لا ينتبه الإنسان إليها، وفي نفس الوقت تترك أثراً غير حميد في نفسية المراهق في مرحلة المراهقة المبكرة خاصة، فإذا مرض الولد تجده يريد أن يثبت أنه رجل كبير، وليس طفلاً صغيراً، فقد يحمل في نفسه إذا وجد أن أباه يصطحبه إلى طبيب الأطفال، أو يذهب إلى المحل فيقول: هل عندك أثاث أطفال؟ وأمثال هذه التصرفات التي هي عفوية لكنها تنعكس في نفسية هذا الطفل وهو مهتم جداً بكيف يعامل، ويريد أن يعامل الآن على أنه رجل، وأن يودع مرحلة الطفولة.

أخطاء المدرسين التربوية

أشرنا من قبل إلى أن من أسباب الخلل في هذا المجال: ما يصدر ممن كانوا فيما مضى يؤتمنون على التربية والتعليم والمناهج، والوزارة العلمانية الخبيثة لها دورها في تدمير وتجفيف منابع الإسلام في مناهج التربية.

فلم يعد هناك تربية أصلاً، ولم يعد ذاك الاهتمام الذي كنا نلقاه من قبل في طفولتنا مع المدرسين، فكم من كلمة طيبة من مدرس غيرت مجرى حياة إنسان! وكم من سلوك خاطئ من مدرس قد يحرف حياة الشاب أو هذا الطفل طول حياته فيما بعد!

فإذاً الأخطاء التي تقع من الذين يؤتمنون على مناهج التربية، كالمدرس الذي يناقش الأولاد مثلاً عن الأفلام.. مسلسل الليلة الماضية.. ما رأيك في أغاني فلان وفلان من المطربين؟ أو المدرسة التي تقول للأطفال: سأمتحنكم غداً! ثم في اليوم التالي لا تفعل، لماذا؟ تقول: أنا كنت أضحك عليكم من أجل أن تذاكروا، دون أن تلتفت إلى أن هذا فيه تدمير لشخصية المدرس.

المدرس قد يثبت سلوكاً متناقضاً أمام التلاميذ! فيكذب، أو يغش، أو يحتال، وغير ذلك من هذه السلوكيات.. ومن ذلك أن مدرس المادة قد يرى طالباً داخل لجنة الامتحان فيقول له: قابلني إذا أفلحت! فهل هذه تربية؟! والنماذج كثيرة جداً، وأغلب المدارس تقع فيها هذه الأخطاء.

الحماية أو الشدة الزائدة من الآباء

بعض الآباء يسلك مسلك الحماية الزائدة، حتى إن ابنه يبلغ هذه السن وهو لا يسمح له بأن يعبر الطريق إلا وهو يمسك بيديه حتى لا تصدمه السيارات، وهذه حماية زائدة وتدليل زائد! وهذا فيه تحطيم لشخصية هذا الطفل.

وبعض الآباء عنده إهمال تام، خاصة في حالة انفصال الأبوين، أو إذا سافر الأب عن البيت، فهذا أيضاً ينتج الانحرافات، وأضرارها ظاهرة كما ترون في هؤلاء الذين يعبدون الشيطان.

فالذي يقع إما إطلاق العنان للمراهق بزعم أنه الآن في مرحلة ينبغي أن يعتمد فيها على نفسه، وهذا تأثر بالمناهج الغربية الفاسدة في التربية، وإما الكبت الشديد والاستبداد والقهر والبطش، وهذا أيضاً مما ينتج آثاراً سيئة، بعض الناس من نظرته الخاطئة للتربية يمدح من ينظر إلى ابنه نظرة بعينيه فيرتعد! فهو يرى أن هذه هي التربية السليمة، وهكذا كثير من الخطأ والخلل موجودة في المناهج التربوية.

قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (احرص على ما ينفعك)، هذا هو الدافع الأساسي للتوقف عند هذه القضية الحيوية لدراستها والاهتمام بها؛ فإن قوله عليه الصلاة والسلام: (احرص على ما ينفعك) مفهومه: تجنب ما يضرك، أو اجتهد في تجنب ما يضرك؛ فمن هذا المنطلق نحن نعطي هذه القضية قدراً خاصاً من الاهتمام.

الواقع أننا الآن في أزمة تربوية شديدة، يمكن أن نعبر عنها بالأمية التربوية؛ إذ لم تعد الأمية قاصرة على العجز عن القراءة والكتابة، فقد أصبحت الأمية التربوية موجودة في طوائف هم أولى الناس بأن يحيطوا بها علماً، وعلى الأخص الآباء والأمهات الملتزمون بهذه القضية.

وللأسف الشديد أن بعض المدرسين اليوم في داخل مكان يسمى سابقاً وزارة التربية والتعليم نسمع عنهم أشياء سيئة نتيجة عدم الخبرة التربوية، أو فساد بعض من ينتسبون إلى فئة التدريس، الأمر الذي ينعكس بلا شك على هؤلاء الطلبة، ويصبحون هم فيما بعد هم الضحايا للتوجيه الخاطئ الذي يفتقر إلى كثير من المبادئ التربوية السليمة.

وننبه إلى غلطة فادحة يقع فيها أحياناً المدرسون والمدرسات والآباء والأمهات بغض النظر عن خطر البيئة من حول المراهق من أصدقاء ووسائل الإعلام، وغير ذلك من المؤثرات التي سنشير إليها؛ فبقي المسجد هو الحصن الباقي من حصون الإسلام كي ننطلق منه إلى المناهج التربوية، والتوعية التربوية السليمة لحماية أبناء المسلمين قدر المستطاع من هذه المؤثرات، ولا شك أنكم سمعتم بالمأساة الأليمة التي وقعت في إحدى المدارس القريبة من المسجد، حيث خرجت منها هذه الفئة الضالة من الأولاد الملاحدة الذين يزعمون أنهم يعبدون الشيطان، وهذا أمر ما كنا نتخيله.

الأعجب من ذلك ردود أفعال المجتمع، فقد وجدنا فزعاً شديداً من كلمة عبادة الشيطان، ومناسك عبادة الشيطان، وما يفعله هؤلاء الأولاد، في حين وجدنا أموراً في غاية التناقض، دخلت أحد المحلات لأشتري بعض الأشياء، فشاهدت في التلفزيون رجلاً مهندماً حليقاً يتكلم بقال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام، ويعيب على الأسرة إهمال التربية، وفساد الشباب، فلفت نظري أن الكاميرات تنقل صوراً من الذين يحاضرهم هذا الشخص وهم جالسون بمنتهى التأثر، وكأن لسان حالهم يقول: كيف أصبح أولادنا يعبدون الشيطان؟ ومن هؤلاء أمهات في غاية التبرج، ولا تدري أنها أيضاً تعبد الشيطان، وقد اجتمعوا من أجل مناقشة عبادة الشيطان في حين أن كثيراً منهم يعبدون الشيطان وهم لا ينتبهون؛ لماذا؟ لأن الشيطان خدعهم بأن سول لهم عبادته، لكن بطريقة لا تحمل اسم عبادة الشيطان، فما أكثر الذين يعبدون الشيطان! هل آزر والد إبراهيم كان يقول: أنا أعبد الشيطان، أم أن الشيطان سوغ له عبادة الأصنام؟ ومع ذلك قال له إبراهيم عليه السلام: يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا [مريم:44]، وقال الله سبحانه وتعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس:60-61].

فالعبادة نوعان فقط: عبادة لله وعبادة للشيطان، لكن الناس يتفاوتون في مقدار عبوديتهم للشيطان، فمن عبده بأن أطاعه بارتكاب المعاصي فهذا فاسق فاجر، ومن أطاعه في استحلال المعاصي فهو كافر خارج من الملة، فالحقيقة أن كثيراً من الناس في مجتمعنا يعبدون الشيطان، لكنهم فزعوا لأن هذه عبادة صريحة، وإلا فإن كل معصية وكفر يقع في هذا الوجود إنما هو من الشياطين التي تؤزهم أزاً على هذه المعاصي، وهم في الحقيقة يطيعون الشيطان.

لا نريد أن نخرج عن موضوعنا؛ لكن هذه من أقبح ثمرات الفوضى، أو بتعبير آخر فالأمية التربوية التي تشيع الآن في مجتمعاتنا، تؤكد ضرورة التوعية بالنسبة لهذه المراحل الخطيرة من مراحل العمر.

هل هذا الموضوع يناسب دراسته في المسجد؟

لا شك طبعاً؛ لأن المسجد صار الآن هو الحصن الوحيد الذي يؤمن على التوجيه والتربية والتوعية، وقد توجد أماكن أخرى! ويوجد من المدرسين أناس أفاضل يراعون هذه الأشياء، ويتقون الله في توجيه الشباب وغير ذلك، لكن يبقى المسجد هو المنطلق؛ لأن الإسلام هو دين حياة وليس ديناً منعزلاً كالكنيسة، فهو دين يتعامل مع الحقائق كحقيقة، وهو حقيقة تتعامل مع الواقع وليس نظرية مثالية تتعامل مع الفروض والخيال.

وكل واحد منا أحد اثنين: إما أب عند هؤلاء الذين يوشكون أن يقتربوا من المراهقة، وإما أب عنده أولاد بالفعل دخلوا مرحلة المراهقة، وإما إخوة يعمرون المساجد -أغلبهم أيضاً من المراهقين- يحتاجون إلى أن يعرفوا ما لهم وما عليهم.

فالآباء يحتاجون إلى فهم طبيعة هذه المرحلة حتى يتوقوا الأخطار التي يمكن أن تنعكس انعكاساً خطيراً على مستقبل أبنائهم، ولا مانع في نفس الوقت من الاستفادة من الدراسات النفسية الحديثة، فالحكمة ضالة المؤمن يلتمسها أنى وجدها، ومعلوم أن الجزء الصحيح في علوم النفس وعلوم التربية هو ما يتوافق مع الإسلام، ولا حرج من الاستفادة من هذا المجال؛ لأن سنن الفطرة التي أودعها الله سبحانه وتعالى في المخلوقات واحدة لا تتغير، والعلوم والبحوث الحديثة قد تستكشف بعض الأمور المكنونة في هذه النفس الإنسانية، والله سبحانه وتعالى أشار إلى المراحل التي يمر بها الإنسان في قوله تبارك وتعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم:54].

من الأخطاء التي نقع فيها: أن الذي يلفت أنظارنا في الغالب هو النمو الجسمي للطفل: كان رضيعاً، ثم بدأ يترقى في مراحل الطفولة، ثم يدخل مرحلة المراهقة بمراحلها الثلاث، ثم يدخل بعد ذلك في مرحلة الرشد، ثم مرحلة العمر المتوسط، ثم الشيخوخة، فالذي يلفت أنظارنا أكثر هو النمو الجسمي، ونغفل عن أنواع أخرى من النمو، وبالتالي لا نواكب هذه التطورات.

فهناك نمو آخر غير النمو الجسمي، فكما أن الجسم ينمو فإن النفس تنمو وتمر بمراحل، والعقل ينمو ويمر بمراحل، والعواطف تنمو أيضاً، كذلك السلوك الاجتماعي .. وبعض الناس قد تتغير تعاملاته مع ابنه نظراً لنموه الجسمي؛ لكنه لا يدرك النمو النفسي، وأن كل مرحلة لها طبيعة لابد أن يتفهمها ليعرف كيف يتعامل مع ابنه لكي يجتاز هذه المرحلة بسلام.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة اسٌتمع
قصتنا مع اليهود 2627 استماع
دعوى الجاهلية 2562 استماع
شروط الحجاب الشرعي 2560 استماع
التجديد في الإسلام 2514 استماع
تكفير المعين وتكفير الجنس 2505 استماع
محنة فلسطين [2] 2466 استماع
انتحار أم استشهاد 2438 استماع
تفسير آية الكرسي 2404 استماع
وإن عدتم عدنا 2395 استماع
الموت خاتمتك أيها الإنسان 2394 استماع