الرعاية الاجتماعية في الإسلام


الحلقة مفرغة

أحمد الله تبارك وتعالى وأثني عليه بما هو أهله، أشكره ولا أكفره، وأومن به وأتوكل عليه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة الحق واليقين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه أجمعين والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعــد:

فبتحية الإسلام -أيها الإخوة- أحييكم، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

ثم أشكر لمركز الأمير سلمان الاجتماعي تكرمَه بدعوتي للحضور مع هذا الجمع الطيب المبارك، وإن كان مَن يُخَص بالشكر، فهو الأستاذ: عبد العزيز الغريب ، وسعادة المدير العام المهندس: عبد العزيز اليوسفي ، والشكر للمقدم الأخ الشيخ: حمود السالمي ، وأشكر لكم جميعاً حضورَكم وحسنَ ظنكم بمحدثكم، والشكر كذلك جملةً لهذا المركز لكل توجهه وللقائمين عليه ومن يحمل اسمه لإتاحة هذه الفرصة، بل لإتاحة هذه الأنشطة لتُقام في هذه الرقعة العزيزة من بلادنا، بل من الرياض رياضنا النضرة، وسوف يكون لي في عناصر هذه الكلمة جزءٌ من حديث عن هذا المركز.

أيها الإخوة: كما سمعتم، فإن عنوان الكلمة هو: الرعاية الاجتماعية في الإسلام، وقد رأيت أن تكون هذه الكلمة مشتملة على العناصر التالية:

أولاً : معنى الرعاية الاجتماعية، أو ما أسميتُه: مدخلاً تعريفياً.

ثانياً : الإسلام والرعاية الاجتماعية.

ثالثاً : دور الخلفاء والملوك وأهل الثراء في مثل هذه الأنشطة أو المناشط.

رابعاً: ميادين الرعاية الاجتماعية وبخاصة من جملة المناشط الإسلامية في السابق مما دلت عليه نصوص الشرع وقام ماثلاً في تاريخ أمتنا.

خامساً: الرعاية الاجتماعية في المنظور المعاصر.

سادساً: السعودية والرعاية الاجتماعية.

سابعاً : مركز الأمير سلمان الاجتماعي.

فمن حيث التعريف أو المدخل التعريفي فإن الرعاية الاجتماعية سوف ينتظم تعريفُها ببيان حقيقتها وأهدافها، وإشارة سريعة -مع أنها سوف تأتي مفصلة- إلى من ينتظمهم نشاط الرعاية الاجتماعية.

فالرعاية الاجتماعية: كفالة اجتماعية تنظر إلى الاحتياجات الإنسانية نظرة متكاملة ولا تظنوا -حينما نقول: كفالة- أنها كفالة قاصرة على المسنين أو على أصحاب القدرات القاصرة، فسوف ترون أن الرعاية أوسع من ذلك وأشمل، فهي كفالة اجتماعية تنظر إلى الاحتياجات الإنسانية نظرة متكاملة لا تبتغي الربح من وراء عملها، شعارها: (الرفاهية للجميع) بطريقة علمية مفيدة، من غير إحساس بشفقة خاصة أو استضعاف أو ممنونية.

وأعداء الإنسانية في منظور الرعاية الاجتماعية خمسة: الجوع، والمرض، والجهل، والبطالة، والتشرد.

الهدف الأسمى للرعاية الاجتماعية: هو تأمين مستوىً كريم من المعيشة والخدمات الأساسية للجميع، بمعنى: أنه إذا كان هناك من يناله بجهده وبمِلكه الخاص وبقدراته الخاصة فإن الرعاية الاجتماعية توفر ذلك لمن ينتظم فيها وينتسب إليها، ولقد قال أهل الاختصاص: إن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى مراجعة منتظمة بين فَينة وأخرى حسب المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية حيث تتغير الحاجات التي تحتاج إلى إشباع، وهذا سوف نأتي إليه مفصلاً -إن شاء الله- في ثنايا هذه الكلمة من حيث المتغيرات التي أدت إلى أن يلتفت الناس إليها، وبخاصة في عصرنا الحاضر إلى مثل هذا النوع من النشاط.

وزيادة في التعريف والإيضاح: فإن الرعاية تعني -وهذا هو المهم- تحقيق تكافؤ الفرص، أي: أنها مبادئ وأسسٌ وتوجهاتٌ تحكم الأعمال الجماعية المتعلقة بكثيرٍ من الجوانب الإنسانية والعلاقات بين الناس، غير مرتبطة بالعلاقة الاقتصادية البحتة، أو الوظيفية ذات المردود المادي.

وحيث إننا بصدد التعريف، فلا بد من الإيضاح أن الرعاية الاجتماعية غالباً ما تتوجه إلى العناية بالإنسان حين يكون عاجزاً عن رعاية نفسه، وهذا غالباً هو المفهوم السائد، ولكن الذي يبدو -وما سوف نرى- أن ذلك أوسع؛ لكن لا بد أن نشير إلى هذا؛ لأننا بصدد التعريف، فلا يمكن أن يُغفَل هذا الجانب، وهو من أهم مناشط ومفاهيم الرعاية الاجتماعية.

إن الرعاية الاجتماعية غالباً ما تتوجه إلى العناية بالإنسان حين يكون عاجزاً عن رعاية نفسه. ومن هنا فإن وظيفة الرعاية تنصب على برامج التأمين ضد الشيخوخة، والعجز، وإصابات العمل، وموت العامل، ورعاية الأمومة، وفُشُو البطالة، ورعاية الأسرة، والعلاوات الأسرية، أي: أنها تلاحظ فئات من المجتمع تغيرت عليهم الأيام أو لحقت بهم كوارث أو حلت بهم نوازل، كما قد يُبتلى بعضهم بعاهاتٍ أو إعاقات، يستحقون معها رعاية خاصة تحافظ عليهم ليبقوا منتمين إلى الجماعة، مرتبطين بالمجتمع، قادرين على العطاء، وقادرين على التكيف في ذات الوقت.

وإذا كان هذا الشمول كله يتناول معنى الرعاية الاجتماعية كمصدر مستقل من مصادرها ومراجعها، فإن المسئولية فيها لا تخص فرداً أو فئة، بل إنها مسئولية مشتركة، يسهم فيها المجتمع والأمة والدولة، غير أنها قد تبدأ متدرجة من الأسرة والوالدَين، ثم القرابة والخيرين الموسرين، ثم على الدولة أن تتحمل مسئوليتها وتقدم الرعاية لمن هم في أمس الحاجة إليها، وهذا التوزُّع في المسئوليات هو ما سوف يتجلى من خلال الكلمات القادمة إن شاء الله.

إذاً: هذا هو تعريفها من حيث حقيقتها، ومن حيث أهدافها، ومن حيث المنتمين إليها، والقائمين عليها.

الشريعة هي المحجة التي جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه، وأوجب اتباعها والتزامها وصونها، وهي إلى الله أقصد سبيل بأن مبناها على الوحي والتنزيل، والخير كله في اتباعها، والشر كله في إضاعتها وضياعها، ولقد جعل الله لها حُماة يقيمون منارها، وحَمَلةً يحفظون شعارها، فحماتُها الملوك والأمراء، وحُفَّاظُها الأئمة والعلماء، في عدالة لا يُعدَل عنها، وكفاية لا يجوز الخلو منها، والشريعة في نظرتها للمجتمع تؤكد أنه كيانٌ إنساني متواصل، فالأسرة فيه ترتبط بالمودة الواصلة، والمجتمع في القرية والبلدة يتعاون أعوانه على الخير والأخذ بيد الضعيف والعاجز وتنمية المستغلات والموارد المملوكة للآحاد أو الجماعة على أكمل وجهٍ مستطاع، والأمة يتضافر آحادها على الخير فيما بينها وعلى التعاون فيما ينفعها، والإنسانية كلها تتعاون على رفعتها؛ فالقوي ينصر الضعيف، والعالِم يعلم الجاهل.

الإسلام لا يدعو إلى التفريق العنصري

والقرآن الكريم أعلن أن الناس أمة واحدة، واختلافهم في ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم لا يقتضي التفاوت في معنى الإنسانية وحقوقها، بل الجميع في هذا سواء، وما كان الاختلاف في الشعوب والقبائل إلا من أجل التعارف والبراءة من التناكر والتدابر، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] وذلك كله في قانون الإسلام يقتضي أن يمد الإنسانُ بالعون لكل من يحتاج العون.

وعليه: فإن السعي في تهيئة الفرص لمريد العمل ومستطيعه ومطيقه أمرٌ تدل عليه تعاليم القرآن والسنة وتوجهاتهما، ويتاح لكل إنسانٍ من العمل قدر استطاعته الجسمية والعقلية، ومن قعدت به قوته عن العمل، فحقٌ أن تهيء له أسباب الحياة الكريمة.

الإسلام يدعو إلى التضامن والتعاون

إن الإسلام يدعو أهله لينظموا جهودهم الواجبة والطوعية لسد حاجات الأفراد والأُسَر وكل من كان في حاجة إلى مساعدة مادية أو عينية أو معنوية أو صحية أو إعانة بدنية، ونصوص الشرع جلية متكاثرة في تخصيص أصحاب القدرات الناقصة والإمكانات القاصرة بنوع رعاية كالأطفال، وكبار السن، والعجزة، والأرامل، والمساكين، وهذه قدرات متناقصة من أنواعٍ متباينة كما تعلمون، فعجز الطفل غير عجز كبير السن، والعجز في الأرملة غير عجزه في الأنواع السابقة .. وهكذا.

فنصوص الشرع جلية متكاثرة في تخصيص أصحاب القدرات الناقصة، والإمكانات القاصرة بنوع من الرعاية، سواءٌ أكان في سن الحضانة أم مَن كَبُر حتى صار زمناً أم كان من أصحاب الإعاقات أو ذوي العاهات والأرامل واليتامى والمساكين والمسافرين وأبناء السبيل.

ومن المؤكد أنه يدخل فيهم ما يستجد من حوادث ونوازل حسب الحاجة والمتغيرات من نزلاء دور التوجيه الاجتماعي والملاحظة الاجتماعية، وسيزداد الأمر هذا جلاءً -إن شاء الله- حين الحديث عن صورٍ من الرعاية في الإسلام.

ولم أورد نصوصاً كثيرة في هذا؛ لأني أعلم أنها -ولله الحمد- في مجتمعنا معروفة، فأكثر الناس يعرفون نصوص الكتاب والسنة الخاصة في المطلقات واليتامى والمساكين وكبار السن والأطفال، حتى المجانين، فكلٌ له نصيبه في هذه النصوص مما أعلم أنه جلي، ومن هنا لم أورد نصوصاً في هذا اللقاء، وإن كان بودي لو أستشهد بها باعتبار أنها توضح المقصود؛ لكن أعلم أنها جلية لديكم، ومقامي لن يسمح بأن أوردها على النحو الذي كنت أريده، مع أنه في ثنايا هذا الدرس سوف تأتي بعض النصوص؛ لكنها -في ظني- غير كافية لمن يريد أن يستشهد لذلك، ولا يحتاج إلى برهان، كما سوف نرى.

والقرآن الكريم أعلن أن الناس أمة واحدة، واختلافهم في ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم لا يقتضي التفاوت في معنى الإنسانية وحقوقها، بل الجميع في هذا سواء، وما كان الاختلاف في الشعوب والقبائل إلا من أجل التعارف والبراءة من التناكر والتدابر، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] وذلك كله في قانون الإسلام يقتضي أن يمد الإنسانُ بالعون لكل من يحتاج العون.

وعليه: فإن السعي في تهيئة الفرص لمريد العمل ومستطيعه ومطيقه أمرٌ تدل عليه تعاليم القرآن والسنة وتوجهاتهما، ويتاح لكل إنسانٍ من العمل قدر استطاعته الجسمية والعقلية، ومن قعدت به قوته عن العمل، فحقٌ أن تهيء له أسباب الحياة الكريمة.

إن الإسلام يدعو أهله لينظموا جهودهم الواجبة والطوعية لسد حاجات الأفراد والأُسَر وكل من كان في حاجة إلى مساعدة مادية أو عينية أو معنوية أو صحية أو إعانة بدنية، ونصوص الشرع جلية متكاثرة في تخصيص أصحاب القدرات الناقصة والإمكانات القاصرة بنوع رعاية كالأطفال، وكبار السن، والعجزة، والأرامل، والمساكين، وهذه قدرات متناقصة من أنواعٍ متباينة كما تعلمون، فعجز الطفل غير عجز كبير السن، والعجز في الأرملة غير عجزه في الأنواع السابقة .. وهكذا.

فنصوص الشرع جلية متكاثرة في تخصيص أصحاب القدرات الناقصة، والإمكانات القاصرة بنوع من الرعاية، سواءٌ أكان في سن الحضانة أم مَن كَبُر حتى صار زمناً أم كان من أصحاب الإعاقات أو ذوي العاهات والأرامل واليتامى والمساكين والمسافرين وأبناء السبيل.

ومن المؤكد أنه يدخل فيهم ما يستجد من حوادث ونوازل حسب الحاجة والمتغيرات من نزلاء دور التوجيه الاجتماعي والملاحظة الاجتماعية، وسيزداد الأمر هذا جلاءً -إن شاء الله- حين الحديث عن صورٍ من الرعاية في الإسلام.

ولم أورد نصوصاً كثيرة في هذا؛ لأني أعلم أنها -ولله الحمد- في مجتمعنا معروفة، فأكثر الناس يعرفون نصوص الكتاب والسنة الخاصة في المطلقات واليتامى والمساكين وكبار السن والأطفال، حتى المجانين، فكلٌ له نصيبه في هذه النصوص مما أعلم أنه جلي، ومن هنا لم أورد نصوصاً في هذا اللقاء، وإن كان بودي لو أستشهد بها باعتبار أنها توضح المقصود؛ لكن أعلم أنها جلية لديكم، ومقامي لن يسمح بأن أوردها على النحو الذي كنت أريده، مع أنه في ثنايا هذا الدرس سوف تأتي بعض النصوص؛ لكنها -في ظني- غير كافية لمن يريد أن يستشهد لذلك، ولا يحتاج إلى برهان، كما سوف نرى.

إننا عندما نتحدث عن الرعاية كثيراً ما نعني نشاط الدولة، بمعنى: أنه النشاط الذي ينبع من جهودٍ، إما من خليفة بجهده الشخصي واهتمامه الشخصي، لا لأنها وظيفة دولة؛ لأن وظيفة الدولة معروفة، أو من والٍ من الولاة، أو من أميرٍ من الأمراء، أو ثري من الأثرياء، أو نحو ذلك مما يزخر به تاريخنا.

إن تاريخ أمتنا الإسلامي عريقٌ وعميق، له قصب السبق في كل شأنٍ من شئون الحياة، وفي كل مرفقٍ من مرافقها، سواءٌ أكان في ميدان العلم والفكر، أم في ميدان العمل والبناء، أم في ميدان الرعاية والعناية، وهو عندنا أمرٌ لا يحتاج إلى برهان، فنصوص الكتاب والسنة واستنباطات أهل العلم جلية واضحة، والفقرة السابقة كان فيها إشارة إلى ذلك، والذي يعني في هذا المقام التنبيه والإشارة والإشادة بدور الخلفاء والحكام والأمراء وأهل الثراء في رعاية هذه الميادين والاحتفاء بها واحتضانها، وهذا نابعٌ من طبيعة احتفاء الإسلام بالعلم والعمل وعظم منزلتهما ومنزلة أهلهما لديه، فلا غرو أن يتبارى الحكام والولاة في التنافس الشريف.

شهادة أحد المستشرقين بفضل خلفاء المسلمين في الرعاية الاجتماعية

قال بعض المستشرقين وهم ممن يُسْتَحْسَن الاستشهاد بمقولاتهم في هذا المقام؛ لأن بلادهم في الوقت الراهن هي مقصد كثيرٍ من المعجبين بالعلم وصناعته.

يقول هذا المستشرق: كان الارتباط بين العلم والملوك وأثرياء التجار والنبلاء في العهود الإسلامية مصدراً لقوة العلم.

قال: وفي خلال فترة قصيرة هي عهد الخلفاء العباسيين: المنصور ، وهارون الرشيد ، والمأمون ، والمتوكل ، لَقِيَت العلوم تشجيعاً لم تشهده منذ أيام متحف الإسكندرية ، يعني: عهد الرومان.

والعناية العملية التطبيقية ولدت مزدهرة مع بزوغ فجر الإسلام، أي: منذ أن قام نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم بمهمة الدعوة من أول أيامها، فهو الذي يقول: {من كان له فضل زادٍ فليعد به على من لا زاد له، ومن كان له فضل ظهرٍ فليعد به على من لا ظهر له } وهو الذي نهى عن ادخار لحوم الأضاحي من أجل دافة من البادية دفت على المدينة وسوف نبسط بعض البسط -إن شاء الله- في الفقرة التالية شيئاً عما أنجزه العُمَران: عمر بن الخطاب ، وعمر بن عبد العزيز من النظم الاجتماعية في هذا الباب.

أقول ونحن بصدد الحديث عن دور هذه القيادات في المجتمع الإسلامي في تاريخه الطويل: لقد أنشئت في تاريخ الإسلام الدواوين الخاصة للعطاء وتقديم مساعدات في ضوء الاحتياجات الشخصية للعاجزين من المرضى والعجزة وكبار السن والأرامل والمطلقات في سَوْقٍ سوف يأتي إيضاحه وبيانه.

وعمر بن الخطاب رضي الله عنه هو صاحب قصة الصبية الجياع مع أمهم حين حمل لهم كيس الدقيق على ظهره، وذهب به إلى هذه المرأة وصبيتها، والدموع تتناثر على لحيته، والدقيق يتناثر على وجهه، شعوراً بالمسئولية، وخشية من ضياع الرعية، وهو الذي رأى يهودياً قد طعن في السن يسأل الناس، فقال: ما ألجأك إلى ما أرى؟ فقال: أسأل الجزية والحاجة والسن، فأخذ عمر بيده، وأعطاه ما يكفيه، وقال لخازن بيت المال: انظر هذا وضرباءه -أي أمثاله- فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته، ثم نتركه عند هرمه.

دور بعض الخلفاء في نشر العلم

وفي ميدان العلم والتعليم والنشر كم من كتب قيمة ألفت من أجل أن تُهدى لأميرٍ، يقدر العلم، ويحترم أهله، بل أنشئت دور العلم ومدارسه تحت نظر هؤلاء الأمراء النبلاء، فبيت الحكمة في بغداد أسسه هارون الرشيد ، واعتنى به من بعده ابنه المأمون ، والمدرسة النظامية التي بناها في بغداد الوزير المظفر نظام الملك وزير السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي سنة: تسع وخمسين وأربعمائة للهجرة، ثم بنى مدرسة أخرى في نيسابور سميت النظامية أيضاً، ثم تتابع الناس بعد ذلك في العراق وخراسان وبلاد الجزيرة ، وصلاح الدين الأيوبي اشتهر ببناء المدارس ورعايتها، وأول مدرسة بناها هي المدرسة الناصرية بـالفسطاط سنة ست وخمسين وخمسمائة للهجرة.

والحديث عن المدارس ليس فقط لأنها دُوْرٌ للعلم؛ ولكننا لأن هذه المدارس غالباً ما تشمل مرافق من الإعاشة والأرزاق، ويضع الواقفون من الشروط ما يحفظها، ويحفظ المنتسبين إليها في معاشهم ومواصلة تعليمهم.

دور الملك عبد العزيز في مجال الرعاية الاجتماعية

وما دمنا بصدد الحديث عن دور الملوك والأثرياء في ميادين العلم والعمل والرعاية، فلعلنا نطوي الزمن لأننا لسنا بصدد إثبات أمرٍ مجهول أو البرهنة على أمرٍ يداخله شك، نطوي الزمن لنصل ونتصل ونتواصل بعهدنا الزاهر وعصرنا الميمون -بإذن الله- في بلادنا المملكة العربية السعودية ، بدءاً من عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، وجعل جنة الفردوس مأواه، ونحن في هذا الطي والتواصل لا نتكلم عن العلم ودُوره ومدارسه بمراحله الكافة، حتى الدراسات العليا والشهادات الكبرى، فهذا واقعٌ معاش والأجيال من أروقته تتدفق، ولكن نتحدث عن الرعاية الخاصة التي تمثل -إن صح التعبير- مزاحمة القطاع الخاص في خصوصيته مزاحمةً شريفةً، وتنافساً في المعالي، فكم من كتابٍ طُبِع على نفقة الملك عبد العزيز رحمه الله، بل من أمهات الكتب في نصرة عقيدة السلف ومطوَّلات الكتب في المذهب والتاريخ والسير، ومع حديثنا عن الهيئات والمؤسسات نذكر لها نماذج من غير حصر، منها:

مؤسسة الملك فيصل الخيرية، وجائزته العالمية.

مكتبة الملك فهد الوطنية.

مكتبة الملك عبد العزيز .

مؤسسة الأمير سلطان الخيرية بموسوعتها العلمية التي شرَّق صيتُها وغرَّب.

كرسي الملك فهد.

كرسي الأمير نايف .

جوائز تحفيظ القرآن والجوائز العلمية للمتفوقين التي يقوم عليها ويرعاها أمراء المناطق حفظهم الله.

فهي أعمالٌ جليلة لها دلالتها الكبرى، ومن أهمها وأبرزها مكانة المعرفة في وعي القيادة واهتمامها.

إن المعرفة والوعي قضية كبرى توازي قضايا السياسة، والاقتصاد، والدفاع، والأمن، والشئون الداخلية، والخارجية؛ حيث العلم والدين والمعرفة هي عنوان الريادة والسيادة واستحقاق الصدارة.

الرعاية والخدمات الاجتماعية في عهد عمر بن الخطاب

وقبل مغادرة هذه الفقرة لا بد من إشارة إلى ما سجله التاريخ من منجزات العُمَرَين: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعمر بن عبد العزيز رحمه الله، فهي نموذجٌ للفهم الجلي والتطبيق العملي من نصوص الشرع.

ففي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ظهرت بعض النظم الاجتماعية:

أولاً: ظهرت خدمات عمر بشكلٍ واضح عام الرمادة، إذ أعسر المسلمون في الحجاز وفي نجد ، وجاعوا، فكان يأخذ الطعام من الأمصار ويوزعه، وكان يرسل الطعام والأموال إلى بيوت المعوزين والمرضى، ويعتني بمرضاهم، ويجهز موتاهم على حساب بيت المال، ولم يكن ليقدم هذه الخدمات اعتباطاً، بل كان يحصر أسماء الفقراء ومن يحتاجون إلى عناية ورعاية، ومن تصلهم الإعانة فعلاً، ويقدم للمحتاجين ما يطلبونه.

ثانياً: وقد أحصى أسماء الفقراء والمساكين والعجزة، وفرض لهم مرتباتٍ خاصة، وكفل معيشتهم وكل ما يحتاجون إليه، فكان يقدم لهم مرتباتٍ منتظمة، كما يقدم لهم تمويناً من الأطعمة ثابتاً، وذلك بناءً على تجربة أجراها -وسوف نذكر التجربة بعد قليل إن شاء الله- تجربة أجراها، فعَرَف بها كم يحتاج هؤلاء من طعامٍ ومالٍ شهرياً.

ثالثاً: أحصى العائلات التي لا عائل لها، سواء أمات هذا العائل أو قُتِل، ففرض لها أعطياتٍ ومرتباتٍ شهرية وكفل المعيشة لها من بيت المال.

رابعاً: اللقطاء، والمرضى، والأطفال كان عمر يفرض معاشاً لكل فطيمٍ في الإسلام، ثم حدث أن شاهد امرأة يبكي طفلها -وسوف يأتي هذا الموضوع مفصلاً- فأصدر أمره أن يرتَّب لكل مولودٍ في الإسلام معاشٌ قدره مائة درهم يزداد كلما كبر سنه، ولم تقتصر عنايته على أولاد المسلمين الشرعيين، بل كان يجمع اللقطاء، ويفرض لهم مرتباتٍ شهرية، ويجعل معاشهم من بيت المال.

خامساً: أمر بعزل المرضى، حتى لا تُنْقَل عدواهم وخاصة من كان مجذوماً، وجعل العناية بهم من بيت المال.

الرعاية والخدمات الاجتماعية في عهد عمر بن عبد العزيز

أما الخدمات في عهد عمر بن عبد العزيز ، فنورد منها ما يلي:

أولاً: اعتنى بالفقراء، وسوَّى بين جميع المسلمين في العطاء، وكان كل والٍ من ولاته يحصي عدد فقراء ولايته، ويقدم لهم المرتبات الشهرية والإعانات حتى يعيش عيشة الكفاف.

ثانياً: فرض لكل مولود يولد في الإسلام مرتباً يعيش منه، كما جعل الحد بين عطاء الرجل والطفل من الخامسة عشرة، فكان يعطي الذي يبلغ هذا السن غير ما يعطيه لمن جاوزه.

ثالثا: كانت السُّخْرة منتشرة -أي: إجبار الناس- قبل عمر ، فأمر بإبطالها، ومنعها منعاً باتاً، وعُنِي بالمساجين، ففصل بين المجرمين الأشرار، وبين من يُحبَس لأجل الدين، وأوقف للجميع مرتبات يتقاضونها، كما كان يقدم إعاناتٍ لعائلات الفقراء منهم.

رابعاً: أقام عمر بن عبد العزيز مطاعم عامة، وكان الطعام يقدم فيها مجاناً للفقراء، وكذلك أمر بإحصاء أبناء السبيل والمرضى وذوي العاهات، وأمر بقائدٍ لكل أعمى، وبخادمٍ لمن لا يستطيع القيام، قالوا: إن المقصود بالقيام هنا: القيام للصلاة.

خامساً: خصص للفلاحين عشرات الألوف من الدنانير تقدم لهم ليستعينوا بها على إصلاح أراضيهم واستغلالها، كما رفع عنهم كثيراً من الضرائب والمكوس.

سادساً: كان يفرض لكبار السن مرتباً شهرياً، وكذلك اعتنى بالعاجز والمريض، وقد كتب إليه والي الكوفة ذات مرة يقول: إنه قد بقي لديه من المال الكثير، فكتب إليه عمر : انظر من كانت عليه جزية من أهل الذمة، فضعُف عن أرضه فأسْلِفْه حتى يقدر على عمله، وفي بعض النقول أن والي مصر كتب له: إنه قد فاض المال، فقال: تلمس المحتاجين، قال: قد فاض المال، قال: أعط أصحاب الجزية كما هنا، قال: قد فاض المال، قال: اشتر رقاباً، فأعتقها في سبيل الله.

ولعلكم بهذه النماذج تدركون أن ما أثبتته البحوث المعاصرة حول مبادئ الرعاية الاجتماعية الحديثة، وأيضاً ما سموها بمبادئ الديمقراطية التي تعمل على نشرها بالوسائل المختلفة، وتساعد الناس على السير عليها، تلاحظون أن كل ذلك كان أصيلاً في الإسلام، بل وإن التعاليم والمبادئ الإسلامية أكثر تقدماً وأوسع أفقاً من هذه المبادئ المعاصرة، وإن الناظر في المدارس والأوقاف وطرق تنظيمها وشروط واقفيها لَيُدْرك بجلاء أننا لا نتكلم عن مثالياتٍ لا تطبيق لها، ولكن الأمة مع الأسف حين يصيبها الضعف، فإنها تضعف من داخلها، وتنهزم في روحها، وتتعلق بالقوي، وتسير في ركابه، وتعجز أن تثق بنفسها.

ولمزيدٍ من تأكيد أصالة الأمة، ووضوح التصور عندها، فهذه وقفاتٌ عند بعض نماذج وصور من الرعاية وميادينها.

قال بعض المستشرقين وهم ممن يُسْتَحْسَن الاستشهاد بمقولاتهم في هذا المقام؛ لأن بلادهم في الوقت الراهن هي مقصد كثيرٍ من المعجبين بالعلم وصناعته.

يقول هذا المستشرق: كان الارتباط بين العلم والملوك وأثرياء التجار والنبلاء في العهود الإسلامية مصدراً لقوة العلم.

قال: وفي خلال فترة قصيرة هي عهد الخلفاء العباسيين: المنصور ، وهارون الرشيد ، والمأمون ، والمتوكل ، لَقِيَت العلوم تشجيعاً لم تشهده منذ أيام متحف الإسكندرية ، يعني: عهد الرومان.

والعناية العملية التطبيقية ولدت مزدهرة مع بزوغ فجر الإسلام، أي: منذ أن قام نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم بمهمة الدعوة من أول أيامها، فهو الذي يقول: {من كان له فضل زادٍ فليعد به على من لا زاد له، ومن كان له فضل ظهرٍ فليعد به على من لا ظهر له } وهو الذي نهى عن ادخار لحوم الأضاحي من أجل دافة من البادية دفت على المدينة وسوف نبسط بعض البسط -إن شاء الله- في الفقرة التالية شيئاً عما أنجزه العُمَران: عمر بن الخطاب ، وعمر بن عبد العزيز من النظم الاجتماعية في هذا الباب.

أقول ونحن بصدد الحديث عن دور هذه القيادات في المجتمع الإسلامي في تاريخه الطويل: لقد أنشئت في تاريخ الإسلام الدواوين الخاصة للعطاء وتقديم مساعدات في ضوء الاحتياجات الشخصية للعاجزين من المرضى والعجزة وكبار السن والأرامل والمطلقات في سَوْقٍ سوف يأتي إيضاحه وبيانه.

وعمر بن الخطاب رضي الله عنه هو صاحب قصة الصبية الجياع مع أمهم حين حمل لهم كيس الدقيق على ظهره، وذهب به إلى هذه المرأة وصبيتها، والدموع تتناثر على لحيته، والدقيق يتناثر على وجهه، شعوراً بالمسئولية، وخشية من ضياع الرعية، وهو الذي رأى يهودياً قد طعن في السن يسأل الناس، فقال: ما ألجأك إلى ما أرى؟ فقال: أسأل الجزية والحاجة والسن، فأخذ عمر بيده، وأعطاه ما يكفيه، وقال لخازن بيت المال: انظر هذا وضرباءه -أي أمثاله- فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته، ثم نتركه عند هرمه.

وفي ميدان العلم والتعليم والنشر كم من كتب قيمة ألفت من أجل أن تُهدى لأميرٍ، يقدر العلم، ويحترم أهله، بل أنشئت دور العلم ومدارسه تحت نظر هؤلاء الأمراء النبلاء، فبيت الحكمة في بغداد أسسه هارون الرشيد ، واعتنى به من بعده ابنه المأمون ، والمدرسة النظامية التي بناها في بغداد الوزير المظفر نظام الملك وزير السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي سنة: تسع وخمسين وأربعمائة للهجرة، ثم بنى مدرسة أخرى في نيسابور سميت النظامية أيضاً، ثم تتابع الناس بعد ذلك في العراق وخراسان وبلاد الجزيرة ، وصلاح الدين الأيوبي اشتهر ببناء المدارس ورعايتها، وأول مدرسة بناها هي المدرسة الناصرية بـالفسطاط سنة ست وخمسين وخمسمائة للهجرة.

والحديث عن المدارس ليس فقط لأنها دُوْرٌ للعلم؛ ولكننا لأن هذه المدارس غالباً ما تشمل مرافق من الإعاشة والأرزاق، ويضع الواقفون من الشروط ما يحفظها، ويحفظ المنتسبين إليها في معاشهم ومواصلة تعليمهم.

وما دمنا بصدد الحديث عن دور الملوك والأثرياء في ميادين العلم والعمل والرعاية، فلعلنا نطوي الزمن لأننا لسنا بصدد إثبات أمرٍ مجهول أو البرهنة على أمرٍ يداخله شك، نطوي الزمن لنصل ونتصل ونتواصل بعهدنا الزاهر وعصرنا الميمون -بإذن الله- في بلادنا المملكة العربية السعودية ، بدءاً من عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، وجعل جنة الفردوس مأواه، ونحن في هذا الطي والتواصل لا نتكلم عن العلم ودُوره ومدارسه بمراحله الكافة، حتى الدراسات العليا والشهادات الكبرى، فهذا واقعٌ معاش والأجيال من أروقته تتدفق، ولكن نتحدث عن الرعاية الخاصة التي تمثل -إن صح التعبير- مزاحمة القطاع الخاص في خصوصيته مزاحمةً شريفةً، وتنافساً في المعالي، فكم من كتابٍ طُبِع على نفقة الملك عبد العزيز رحمه الله، بل من أمهات الكتب في نصرة عقيدة السلف ومطوَّلات الكتب في المذهب والتاريخ والسير، ومع حديثنا عن الهيئات والمؤسسات نذكر لها نماذج من غير حصر، منها:

مؤسسة الملك فيصل الخيرية، وجائزته العالمية.

مكتبة الملك فهد الوطنية.

مكتبة الملك عبد العزيز .

مؤسسة الأمير سلطان الخيرية بموسوعتها العلمية التي شرَّق صيتُها وغرَّب.

كرسي الملك فهد.

كرسي الأمير نايف .

جوائز تحفيظ القرآن والجوائز العلمية للمتفوقين التي يقوم عليها ويرعاها أمراء المناطق حفظهم الله.

فهي أعمالٌ جليلة لها دلالتها الكبرى، ومن أهمها وأبرزها مكانة المعرفة في وعي القيادة واهتمامها.

إن المعرفة والوعي قضية كبرى توازي قضايا السياسة، والاقتصاد، والدفاع، والأمن، والشئون الداخلية، والخارجية؛ حيث العلم والدين والمعرفة هي عنوان الريادة والسيادة واستحقاق الصدارة.