محاولات التدجين


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

إن الله تبارك وتعالى يري عباده في كثير من الأحيان آياته؛ لتكون دليلاً على قدرته، وليتعرف الناس على ربهم تبارك وتعالى، فالعباد في كثير من الأحيان يغفلون عن الله، فيذكرهم الله تبارك وتعالى به.

ومن الآيات المحزنة في هذا العصر أن المسلمين قد ذلوا وهانوا، حتى ظن الظانون أنها لن تقوم للمسلمين قائمة، فلقد لعب بهم أعداؤهم، واستطاعوا أن يدجنوهم ويركعوهم، ثم يأتي يوم يظن الأعداء -الذين يتمثلون اليوم في دول كبرى تحكم العالم، وتملك من القوى ما لم يملكه غيرها- أن المسلمين أصبحوا صيداً سهلاً، وأن ديارهم أصبحت حلالاً، فإذا بهم يغزون جزءاً من بلاد المسلمين يظنونها متعة، فتتم العملية في يوم، أو في أسبوع، أو في شهر، ثم يعودون غانمين إلى ديارهم من غير أن يخسروا شيئاً من جيوشهم أو من عتادهم، إذ يكفي في ظنهم أن اسمهم دولة كبرى ودولة عظمى، وأن هذا وحده كفيل بأن يجعل الرعب يملأ القلوب، فيستسلم الذين غزيت ديارهم، ويسجدوا مطأطئين هاماتهم لأعدائهم.

وكانت آية من آيات الله في هذا القرن، وهي أن قوماً ضعافاً لا يملكون من المال الكثير، ولا يملكون من القوة الكثير، ولكنهم أعلنوها مدوية أن حربهم إنما هي لله، وإنما هو جهاد في سبيل الله، غزت روسيا أفغانستان منذ سنوات، ومر على القضية زمن طويل فقام فئة من المسلمين ما كنا نسمع بهم، ولا نعيرهم التفاتاً قبل أن يقوموا، وما كنا نعرف مدنهم وقراهم وطبيعة بلادهم وحالهم، فقد كانوا نسياً منسياً من المسلمين، ثم تغزو روسيا هذا البلد، ويظنون أنهم سيضمونها إلى بلادهم، أو سيضمونها إلى ما ضموا من ديار المسلمين في الماضي، ففي روسيا عشرات الملايين من المسلمين يعيشون أذلاء لا يملكون من أمرهم شيئاً، بل إن تاريخ روسيا مع المسلمين تاريخ أسود.

الكفر ملة واحدة

أنا هنا لست مع أمريكا، أمريكا كروسيا، فلا يغضب غاضب، ولا يقل قائل، فأمريكا كروسيا، كلتاهما تريدان بالمسلمين شراً، ولا تريدان بدار المسلمين خيراً نقول: هذا لا مرية فيه فالكفر ملة واحدة، وهناك عشرات الملايين من المسلمين تحت ظل الحكم الشيوعي، اقرءوا تاريخ المسلمين في روسيا، لقد كانت تزهق في ثلاثة أيام أو في خمسة أرواح مليون من المسلمين، إن هناك أحداثاً في روسيا معروفة للعالم كله، مصائب أنزلت فوق رءوس المسلمين، إن تاريخ هذه الدولة تاريخ مؤلم موجع.

في بعض الأحيان يكون الضحايا مائة ألف، أو نصف مليون، أو مليوناً، أو بضعة ملايين في شهور، في الوقت الذي حافظت فيه روسيا على أرواح اليهود، فقد كان كل يهودي في روسيا تحت الحماية الكاملة، إلى أن أقيمت دولة اليهود في ديارنا، فأخذت تورد لنا من اليهود الذين حافظت على دمائهم، وأموالهم ومعتقداتهم، من الأطباء والعلماء، ورجال الحرب؛ حتى يسفكوا دماءنا كما سفك الروس دماء المسلمين.

ولا يزال يتشدق الجهلاء من هذه الأمة بأن روسيا نصير لنا، وعون لنا، ومؤيدة لحقوق المسلمين، وتحافظ على حقوق الشعب الفلسطيني، وهي الدولة الثانية في العالم كله التي أعلنت اعترافها بإسرائيل يوم أن وجدت إسرائيل.

ثم بعد ذلك -وللأسف- يوجد بين أبناء المسلمين من لا تزال على عينيه غشاوة، فنجده إلى اليوم يسبح بحمد هذه الدولة الكافرة الشيوعية التي تنكر وجود الخالق.

إن أول مبدأ عندنا نحن المسلمين : لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وأول مبدأ عندهم: لا إله والحياة مادة، ليس للكون خالق! والرسل دجالون كذابون! والكتب هذه مفتراة! والدين أفيون الشعوب! هذا دينها وتلك عقيدتها، ومن كان كذلك فلن تجد كعداوته عداوة، إلا أن يجتمع عداء اليهود مع عداء المشركين الملحدين، وقد يتساويان ولا ندري أيهما أشد، قد يكون مكر اليهود وعداء اليهود أشد، وقد يكون هؤلاء، ولكنهما كفرسي رهان في حربهم على الإسلام والتنكيل بأهله.

جرائم الروس في بلاد الأفغان وبسالة المجاهدين

قامت روسيا -هذه الدولة العظمى- تريد أن تأخذ جزءاً من ديار المسلمين، وبعشرات الألوف من رجالها؛ من جيوشها المدربة، ودباباتها، وطائرتها، عدد ضخم هائل، حتى كنا نسمع صدى المعارك ونشاهده، وكثير من أبناء المسلمين العرب وغيرهم ذهبوا إلى تلك الديار ودخلوا في معارك خاضها المجاهدون، وبعضهم ذهب لينقل للمسلمين صورة مما يجري، يشاهد ويصور ثم يكتب، يرسل للمسلمين أخبار ما يجري هناك، وكانت -كما قلت في البداية- آية من آيات الله تبارك وتعالى، وهي أن هذا الشعب الأعزل الذي ليس عنده من السلاح الكثير، وليس عنده من الطعام الكثير، تحول بفضل الله إلى أمة مجاهدة، تعرف لماذا تقاتل، وتعرف من تقاتل، وتعرف مع من هي، وتعرف أنها يجب أن تكون مع الله تبارك وتعالى، وأن تستنصر بالله عز وجل، وأن تجاهد أعداء الإسلام الذين يريدون اغتيال الإسلام واغتيال ديار المسلمين، وهم يعرفون أن الثمن ضخم هائل من الشهداء -رحمهم الله- والأسرى والجرحى والمشردين.

لقد بلغت أعداد المشردين الذين لجئوا إلى الدول المجاورة لبلادهم أربعة ملايين! والنساء اللواتي ليس لهن عائل فقدن الأب والأخ والزوج لسن بالألوف بل العشرات الألوف! والأطفال الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم عشرات الألوف إن الثمن ضخم هائل، لقد هدمت المدن! وهدمت القرى! الزرع الذي يأكله البشر والحيوان أحرق في تلك الديار! ولكن هكذا تكون ضريبة الجهاد، كما قال المولى سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ [الصف:10-11].

أنا هنا لست مع أمريكا، أمريكا كروسيا، فلا يغضب غاضب، ولا يقل قائل، فأمريكا كروسيا، كلتاهما تريدان بالمسلمين شراً، ولا تريدان بدار المسلمين خيراً نقول: هذا لا مرية فيه فالكفر ملة واحدة، وهناك عشرات الملايين من المسلمين تحت ظل الحكم الشيوعي، اقرءوا تاريخ المسلمين في روسيا، لقد كانت تزهق في ثلاثة أيام أو في خمسة أرواح مليون من المسلمين، إن هناك أحداثاً في روسيا معروفة للعالم كله، مصائب أنزلت فوق رءوس المسلمين، إن تاريخ هذه الدولة تاريخ مؤلم موجع.

في بعض الأحيان يكون الضحايا مائة ألف، أو نصف مليون، أو مليوناً، أو بضعة ملايين في شهور، في الوقت الذي حافظت فيه روسيا على أرواح اليهود، فقد كان كل يهودي في روسيا تحت الحماية الكاملة، إلى أن أقيمت دولة اليهود في ديارنا، فأخذت تورد لنا من اليهود الذين حافظت على دمائهم، وأموالهم ومعتقداتهم، من الأطباء والعلماء، ورجال الحرب؛ حتى يسفكوا دماءنا كما سفك الروس دماء المسلمين.

ولا يزال يتشدق الجهلاء من هذه الأمة بأن روسيا نصير لنا، وعون لنا، ومؤيدة لحقوق المسلمين، وتحافظ على حقوق الشعب الفلسطيني، وهي الدولة الثانية في العالم كله التي أعلنت اعترافها بإسرائيل يوم أن وجدت إسرائيل.

ثم بعد ذلك -وللأسف- يوجد بين أبناء المسلمين من لا تزال على عينيه غشاوة، فنجده إلى اليوم يسبح بحمد هذه الدولة الكافرة الشيوعية التي تنكر وجود الخالق.

إن أول مبدأ عندنا نحن المسلمين : لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وأول مبدأ عندهم: لا إله والحياة مادة، ليس للكون خالق! والرسل دجالون كذابون! والكتب هذه مفتراة! والدين أفيون الشعوب! هذا دينها وتلك عقيدتها، ومن كان كذلك فلن تجد كعداوته عداوة، إلا أن يجتمع عداء اليهود مع عداء المشركين الملحدين، وقد يتساويان ولا ندري أيهما أشد، قد يكون مكر اليهود وعداء اليهود أشد، وقد يكون هؤلاء، ولكنهما كفرسي رهان في حربهم على الإسلام والتنكيل بأهله.

قامت روسيا -هذه الدولة العظمى- تريد أن تأخذ جزءاً من ديار المسلمين، وبعشرات الألوف من رجالها؛ من جيوشها المدربة، ودباباتها، وطائرتها، عدد ضخم هائل، حتى كنا نسمع صدى المعارك ونشاهده، وكثير من أبناء المسلمين العرب وغيرهم ذهبوا إلى تلك الديار ودخلوا في معارك خاضها المجاهدون، وبعضهم ذهب لينقل للمسلمين صورة مما يجري، يشاهد ويصور ثم يكتب، يرسل للمسلمين أخبار ما يجري هناك، وكانت -كما قلت في البداية- آية من آيات الله تبارك وتعالى، وهي أن هذا الشعب الأعزل الذي ليس عنده من السلاح الكثير، وليس عنده من الطعام الكثير، تحول بفضل الله إلى أمة مجاهدة، تعرف لماذا تقاتل، وتعرف من تقاتل، وتعرف مع من هي، وتعرف أنها يجب أن تكون مع الله تبارك وتعالى، وأن تستنصر بالله عز وجل، وأن تجاهد أعداء الإسلام الذين يريدون اغتيال الإسلام واغتيال ديار المسلمين، وهم يعرفون أن الثمن ضخم هائل من الشهداء -رحمهم الله- والأسرى والجرحى والمشردين.

لقد بلغت أعداد المشردين الذين لجئوا إلى الدول المجاورة لبلادهم أربعة ملايين! والنساء اللواتي ليس لهن عائل فقدن الأب والأخ والزوج لسن بالألوف بل العشرات الألوف! والأطفال الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم عشرات الألوف إن الثمن ضخم هائل، لقد هدمت المدن! وهدمت القرى! الزرع الذي يأكله البشر والحيوان أحرق في تلك الديار! ولكن هكذا تكون ضريبة الجهاد، كما قال المولى سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ [الصف:10-11].

كرامة الشهيد عند رب العالمين

إن ضريبة الجهاد أن تبذل نفسك التي بين جنبيك؛ لكنك تعيش إن كنت مخلصاً صادقاً عند مليكٍ مقتدر، إن مت صادقاً مقاتلاً في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، ليس ثوابك الجنة فقط، بل بمجرد أن تموت في سبيل الله تحيا عند الله كما قال تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169].

فإذا مات المسلم مقاتلاً في سبيل الله فهو لا يموت في الحقيقة، نحن نشاهده قد مات، ولكنّ هناك بعد الموت حياة أخرى: حياة كريمة، حياة عظيمة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أرواح الشهداء في حواصل طير خضر، تسرح في رياض الجنة، تأكل من ثمارها، وتشرب من أنهارها، وتأوي إلى قناديل معلقة في سقف عرش الرحمن)، وعندما استشهد فوج من المجاهدين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من الأخيار الأطهار اطلع عليهم ربهم اطلاعة فقال: عبادي! تريدون شيئاً أزيدكم؟ قالوا: وما نريد يا رب؟ حاورهم ربهم مرة بعد مرة، وفي المرة الأخيرة طلبوا أن يعيدهم الله إلى الحياة الدنيا مرة أخرى؛ ليقاتلوا أعداءه ويقتلوا في سبيله؛ لما شاهدوا بأعينهم في الجنة من عظيم الثواب للشهداء.

وطلبوا أن يبلغ ربنا قومهم من خلفهم -أي: المسلمين- بحالهم، فأنزل الله تبارك وتعالى : وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [آل عمران:169-170] فكانت بحق رسالة خالدة جاءت من الأموات حملها الوحي من عند الله تبارك وتعالى، يبلغنا الله تبارك وتعالى فيها بما أعده للشهداء.

لا عزة للأمة إلا بالجهاد في سبيل الله

إن هذه الأمة لن تفنى إذا ما جاهدت وقذفت بلفذات أكبادها إلى أرض الوغى، فيذهب أقوام ويبقى أقوام، أقوام يذهبون إلى الجنة، وأقوام يعيشون أعزة، لا يعيشون تدوسهم النعال، ويركلون ويدفعون في ظهورهم، وتسحب نساؤهم وأطفالهم كما نشاهد في فلسطين وغيرها، تسحب وتهان وتذل في كل يوم أعراض المسلمين إنها مناظر تبكي.

أليس خيراً لنا أن نقاتل، وأن نجاهد، وأن نكون أمة مقاتلة، وأن نكون رجالاً أعزاء بالجهاد في سبيل الله، لا نريد الرجال الأذلاء فقد سئمنا ذلاً وهواناً، تذهب أموالنا، وماذا نريد بالمال: نشبع به بطوننا ونكثر به شحومنا، وتكثر بيوتنا وسياراتنا، ونحن نعيش أذلة مهانين؟!

لقد عرف الأفغان أن السبيل إلى العزة هو ما أمر الله تبارك وتعالى به أن يكونوا مقاتلين، وأن يكونوا مجاهدين، قال الله تعالى: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، وإنما التهلكة في ترك الجهاد، إنما التهلكة في ألا تبذل في سبيل الله، تريد أن تحافظ على جسدك، وتريد أن تحافظ على مالك، فإذا بك تذل نفسك، وإذا بالعدو يقوى فيسيطر عليك، وإذا به يمتص خيراتك وأموالك غصباً عنك! منذ أن تحولت هذه الأمة إلى أمة مسالمة فقدت الكثير، لقد فقدت عزتها، وكرامتها، وطمأنينتها، وأصبحت لا تدري من أين تأتيها السهام، ومن أين يأتيها الموت، ومن أين يأتيها الهوان.

لقد فقدت الأمة في زماننا أعز ما تملك، وهي العزة التي قال الله تبارك وتعالى فيها : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8] أين عزة المؤمنين بالله عليكم في زماننا؟ هل المؤمنون في هذه الديار أعزة؟ هل هم في بلاد العرب أعزة؟ هل هم في بلاد المسلمين اليوم أعزة؟ كلا والله، المسلمون اليوم يركلون ويهانون ويداسون، الحرمات تنتهك في ديار المسلمين ولا نكير، أين العزة؟

إِن العزة عندما تصبح هذه الأمة أمة مقاتلة، عندما تعرف لماذا تقاتل ومن تقاتل؟ لا يقاتل فيها المسلم المسلم ظلماً وعدواناً، وإنما يقاتل المسلم الكافر، وعندما يرتفع بأسها من بينها ليتحول إلى أعدائها -عند ذلك تغنم الأمة غنماً كبيراً، وتعرف طريقها.. عند ذلك يصبح المسلمون إخوة.. عند ذلك يزول هذا الخبث الذي يعشش في قلوب المسلمين، وفي بيوت المسلمين، وفي ديار المسلمين، يتلاشى بإذن الله بالجهاد الذي يطهر القلوب والنفوس.

إن ضريبة الجهاد أن تبذل نفسك التي بين جنبيك؛ لكنك تعيش إن كنت مخلصاً صادقاً عند مليكٍ مقتدر، إن مت صادقاً مقاتلاً في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، ليس ثوابك الجنة فقط، بل بمجرد أن تموت في سبيل الله تحيا عند الله كما قال تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169].

فإذا مات المسلم مقاتلاً في سبيل الله فهو لا يموت في الحقيقة، نحن نشاهده قد مات، ولكنّ هناك بعد الموت حياة أخرى: حياة كريمة، حياة عظيمة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أرواح الشهداء في حواصل طير خضر، تسرح في رياض الجنة، تأكل من ثمارها، وتشرب من أنهارها، وتأوي إلى قناديل معلقة في سقف عرش الرحمن)، وعندما استشهد فوج من المجاهدين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من الأخيار الأطهار اطلع عليهم ربهم اطلاعة فقال: عبادي! تريدون شيئاً أزيدكم؟ قالوا: وما نريد يا رب؟ حاورهم ربهم مرة بعد مرة، وفي المرة الأخيرة طلبوا أن يعيدهم الله إلى الحياة الدنيا مرة أخرى؛ ليقاتلوا أعداءه ويقتلوا في سبيله؛ لما شاهدوا بأعينهم في الجنة من عظيم الثواب للشهداء.

وطلبوا أن يبلغ ربنا قومهم من خلفهم -أي: المسلمين- بحالهم، فأنزل الله تبارك وتعالى : وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [آل عمران:169-170] فكانت بحق رسالة خالدة جاءت من الأموات حملها الوحي من عند الله تبارك وتعالى، يبلغنا الله تبارك وتعالى فيها بما أعده للشهداء.