خطب ومحاضرات
الفتاة ألم وأمل
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، أما بعد:
فهذا هو يوم السبت الموافق للخامس والعشرين من الشهر السابع للعام التاسع عشر بعد الأربعمائة والألف، وفي هذا المكان المبارك في مدينة الرس ألتقي بأخواتي الكريمات في موضوع بعنوان: (الفتاة ألم وأمل).
ما إن تفوهت بكلمات (الشباب ألم وأمل) إلا ووجدت نفسي غارقاً بسيل منهمر من العتاب:
لماذا الحديث خاص بالشباب؟ ولماذا هذا التهميش للمرأة والغفلة عن مشاكلها وقضاياها؟
وها هو أُخيتي! (الفتاة ألم وأمل) بين يديك؛ علماً بأني -يعلم الله- قد طويت النية من تلك اللحظات التي أهديت فيها الشباب تلك الكلمات أن أوجه مثلها للفتيات.
أما سبب التأخير فهو ذلك السيل الهادر والبحر الكاسر من أكوام الورق والأخبار، والصور والمواقف والمشاكل والعقبات عن حال بعض بنات اليوم، حتى أنني وقعت في حيرة وتردد، وإقدام وإحجام عن الحديث للفتاة، فهل أكون صريحاً فأتهم؟ أم تكفي الإشارة والتلميح؟ فأخشى أن يأتي العلاج بارداً باهتاً لا لون له ولا طعم.
فآثرت التوسط بين التصريح والتلميح، وهنا يعذرني الكثير من الإخوة والأخوات بترك ما ذكروه من بعض الصور والمواقف من باب: (حدثوا الناس بما يعقلون) ولعل مثل هذه المظاهر شواذ، فالكثير من أخواتنا وإن بعدت عن الله فإن فيها خيراً كثيراً، وفيها حباً لله ولرسوله؛ ولكنها الغفلة.
ورسالتي هذه ليس لها حدود لا بجنس ولا سِن.. بل هي تنبيه لكل أخت أسرفت على نفسها بالمعاصي والذنوب، وتذكير لكل بنت أصابها شيء من الغفلة والتقصير، وأعرف بدءاً أن الأبوين يشاركان الفتاة في بعض مشاكلها، لكن ليس لهما نصيب من حديثي هذا، ولعله يكون حديثاً خاصاً في مستقبل قريب إن شاء الله تعالى.
وقد اعتمدت بعد الله على استبانة قام بها بعض الباحثات، وكان عدد العينة في الاستبانة (759) فتاة، واستفدت أيضاً من عدد من الاستبانات التي قامت بها بعض المجلات (كـالدعوة ) و(تحت العشرين ) ومن المشاركات من كثير من الإخوة والأخوات، فشكر الله الجميع، وجزاهم عني وعن المسلمين خير الجزاء، وأساله التوفيق والسداد والعون والقبول والصواب.
نداء للفتاة لتكون أملاً
فما طوفته القلب مني سحابة من الحزن إلا كنت منها على وعد |
ولا رقصت في القلب أطياف فرحةٍ فغنّت إلا كنت طالعة السعد |
أثرت ابتساماتي وأحييت لوعتي فمن أنت يا أنسي ومن أنت يا وجدي |
إنها أنت أيتها الأمل! فالقلب يشقى ويحزن، ويتألم عندما أراك ألعوبة تتأرجح، وسلعة رخيصة وفتاة لعوباً، لا همّ لها سوى اللذات والشهوات، ويسعد القلب ويفرح ويعقد الآمال وأنت تصارعين طوفان الفساد وتصرخين في وجه الرذيلة، أنا مسلمة مستقيمة، وبنت أصيلة أعرف أن للمكر ألف صورة وحيلة.
أختاه أيتها الغالية! يا نسمة العبير! أنت بسمتنا المنشودة، وشمسنا التي تبدد الظلام، فاسمعي هذه الكلمات، إنها ليست مجرد كلمات بل، هي وربي آهات قلب المؤمن الغيور.
فيا أيتها الأمل! تعالي قبل فوات الأوان، فاسمعي هذا النداء، فربما عرفتي الداء والدواء.
تعالي هذه الأيام لا ترجع ولا تصغي لنا الدنيا ولا تسمع ولا تجدي شكـاة الدهر أو تنفع |
تعالي نحن بعثرنا السويعات وضحينا بأيـام عزيزات فيا أختاه يكفينا حماقات |
أجل يا أخت ما قد ضاع يكفينا فعودي ها هو العمر ينادينا فلا نخربه يا أخت بأيدينا |
أخيتي! اسمعي هذه الكلمات بعيداً عن إله الهوى والشهوات، فربما رق القلب فانقلب بعواطفه وأشجانه، وربما صحا الضمير فيحس بآلامه وآماله، وربما تنبه العقل ليتحرر بأفكاره وآرائه.
إنها إشراقة لتشرقي في سمائنا يا شروق! وهي الحنان من نبع لا يجف يا حنان! إنها الأمل الذي نرجوه يا أمل! فهل أنت أمل فنعقد عليك الآمال؟ أم أنت ألم فتزيدين الآلام آلاماً؟
رسائل توحي بالألم
ومما قالت فيها: المثيرات تحاصرني من كل مكان: قنوات فضائية.. أفلام هابطة.. أغان وأشرطة تحوي كلاماً ساقطاً، إلى من ألجأ في مثل هذه الظروف.. ارحموني! نهايتي تقترب.. أوجدوا حلاً لمعاناتي.. اسمعوا صرخاتي من قلبي.. من أعماقي.. أسرعوا في إيجاد الحل، فها أنا أقفل حقائبي وألملم شتات نفسي للرحيل، لقد عزمت على الرحيل... إلى آخر كلامها الذي سأعود إلى بعضه في هذا الدرس وغيره.
وتتحسر أخرى فتقول: أبحث عما يريح نفسي من الهم الذي أثقلها، لم أجد في الأفلام أو الأغاني أو القصص ما ينسيني ما أنا فيه.. لا أدري ما الذي أفعله وما نهاية هذا الطريق الذي أسير فيه.
وثالثة تبث همومها وأحزانها وتقول: أعيش في موج من الكدر يحرم عيني المنام، فأنا دائماً أفكر في حالي، وكيف أبحث عن السعادة؟! فأنا كما يقولون: غريبة، والغربة هنا ليست غربة المكان؛ ولكنها غربة الروح، وغربة المشاعر الحزينة التي تشتكي بين ضلوعي لما أفعله تجاه ربي ونفسي والناس، فلقد طال صبري كثيراً على حالي، فمتى وقت رجوعي.
ورابعة تصرخ فتقول: أقسم بالله أن أياماً مرت عليّ حاولت فيها الانتحار، ولكن كل محاولة تفشل، لا أعلم لماذا؟ هل الله يريد أن يطيل عذابي؟ أم أن أجلي لم يحن بعد؟ ولكن ما أعرفه أنني أموت كل يوم وليلة.
وهكذا تتوالى الآهات والحسرات من الكثير والكثير من الفتيات الغافلات.
أيها الإخوة والأخوات! ارحموا الفتيات!
أيها المجتمع! رويداً رويداً بالفتاة.
أيها الآباء والأمهات! حناناً وعطفاً للفتاة.
أيها الإعلاميون! رفقاً بالقوارير!
أيها الشباب! اتقوا الله في الأزهار والورود!
لم يبق من ظل الحياة سوى رمق وحطام قلب عاش مشبوب القلق |
قد أشرق المصباح يوماً واحترق جفت به آماله حتى اختنق |
هذه حال الفتاة، فالمشاكل والأخطار تفترسها، فراغ وسهر.. انحراف وفساد.. عشق وغرام.. تبرج وسفور.. عجب وغرور.. عقوق للوالدين.. ترك للصلاة.. تبذير للأموال..، تقليد للغرب.. ضياع للشخصية.. سفر لبلاد الكفر والإباحية.. جلساء السوء.. الكذب والغيبة وبذاءة اللسان.. التدخين والمخدرات.. العادة السرية.. التشبه بالرجال.. أفلام وقنوات.. فحش وروايات.. غناء ومجلات.. معاكسات ومقابلات.. جنس وشهوة وإثارة للغرائز.. وغيرها من مشاكل الفتاة، إنه الألم الذي تعيشه الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية، وشتان بين الألم والأمل.
معاشر الأخوات! لماذا بعض الفتيات حياتها من وحل إلى وحل، ومن مستنقع إلى مستنقع؟!! مرة مع القنوات الفضائية، ومرة مع المجلات الهابطة، ومرة في المعاكسات وربما الزنا، فهي غارقة في أوحال الفساد والشهوات.
تقول صاحبة الرسالة: لم أجد باباً إلا طرقته، ولا معصية وخطيئة إلا جربتها، والنهاية أسوأ من البداية، ألم وضياع، وحرقة واكتئاب.
أيتها الأخوات! قلب تفرق بين هذه المشاكل، فإذا مَلَّ هذه انتقل إلى تلك، قلب في الشهوات منغمس، وعقل في اللذات منتكس، همته مع السُفليات، ودينه مستهلك بالمعاصي والمخالفات كيف حاله؟! كيف سيكون؟!
المراد من الفتاة المسلمة .. وما يراد لها
شدي وثاق الطهر لا تتغربي عن عالم الدين الحنيف الأوحد |
شدي وثاق الطهر سيري حـرة لا تخدعي بحديث كل مخرب |
لك من رحال المجد أخصب بقعة ولغيرك الأرض التي لم تخصب |
لك من عيون الحق أصفى مشرب ولعاشقات الوهم أسوأ مشرب |
هزي إليك بجذع نخلتنا التي تعطي عطاء الخير دون تهيب |
وقفي على نهر المروءة إنه يروي العطاش بمائه المستعذب |
وإذا رأيت الهابطات فـحوقلي وقفي على قمم الهدى وتحجبي |
إن الحجاب هو التحرر من هوى ولاّدة ذات الهوى المتذبذب |
وهو الطريق إلى صفاء سريرة وعلو منزلة ورفعة منصب |
ولعلك تتسائلين ماذا نريد؟
فأقول: إن لك تأثيراً كبيراً في المجتمع، وقد يكون التأثير سلباً أو إيجاباً، فإن كنت ذا عقل ناضج كان لك تأثيرك البناء الفعال، وإن كنت ذات عقل خفيف طائش، أو عقل فاسد منحرف، كنت بؤرة فساد وإفساد للمجتمع وهدمه.
أُخيتي! أرجوك لا تزعجك صراحتي، فو الله إننا نستطيع كغيرنا أن نتلاعب بالعواطف، وأن ندغدغ المشاعر بكلمات الحب والغرام، وأن نجعلك تعيشين في عالم الأحلام.
نعم. لا تعجزنا كلمات الغزل، ولا همسات العشاق، بل نتحدى كل من يعزف على أوتار المحبين! ولكن ماذا بعد؟
شتان بين من يريدك لشهوته، وبين من يريدك لأمته، نعم. نريدك أن تكوني أكبر من هذا، نريدك أن تنفعي وتساهمي في بناء المجتمع ونهضته، لا كما يريدك الآخرون للغزل والحب والشهوة، والغناء والرقص والطرب، ألهذا خلقت فقط؟! وهل الحياة حب وعشق فقط؟! لماذا ننام على الشهوة ونصحو عليها؟!
إن من النساء من لا تنام ولا تقوم إلا على غناء العاشق الولهان، أوقات لمشاهدة لقطات الحب والتقبيل، وأوقات لقراءة روايات العشق والغرام، وأوقات لتصفح مجلات الفن والغناء، وأوقات للهمسات والمعاكسات، لماذا عواطف فقط؟ أين العقل؟! أين الإيمان؟! أين المروءة؟! بل أين البناء والتربية والفكر والمبادئ والأهداف في حياة المرأة؟!
أيتها الأخت! هل تعلمين وتفهمين أن هناك من يريد إبعاد المرأة عن دينها، وصدها عن كتاب ربها؟! وإن كنت لا تعلمين فيكفي ما تشاهدين من ذاك الركام الذي يزكم الأنوف من المجلات والأفلام والقنوات والأقلام والروايات، والتي لا هم لها إلا عبادة جسد المرأة من فن وطرب، وشهوة وجنس ومساحيق وموضات، فلماذا الاهتمام بالصورة لا بالحقيقة؟! وبالجسد لا بالروح؟!
كم أتمنى أخيتي أن تفرقي بين من يحترم عقلك لا جسدك، ويهتم بملء الفراغ الروحي والفكري لديك، وبين من يهتم بالشهوة والجسد والطرب، فهل عرفت ماذا نريد؟! وأنت تقرئين القرآن قفي وتأملي قول الحق عز وجل: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الكهف:7].
فهل عرفت إذاً؟ إنه ابتلاء وامتحان، فاسألي نفسك هل نجحت أم رسبت في الامتحان؟!
إنني ممن يطالب وبقوة بحقوق المرأة، وبالعدل بينها وبين الرجل، نعم بحقوق المرأة التي جاء بها الإسلام ليكرمها، وبخسها بعض الرجال بجهله وبظلمه وتسلطه، أقول بالعدل لا بالمساواة!
أتدرون ما تعني المساواة؟!
أن نجعل المرأة رجلاً، والرجل امرأة، وهذا انتكاس بالفطرة وجهل بحقيقة الخلقة لكل منهما، فإن الله تعالى خلقهما وجعل لكل منهما وظيفة وأعمالاً، لكل منهما دور في الأسرة والمجتمع يجب أن يقوم به في الحياة، وقد سبقت المرأة المسلمة غيرها في الإسهام الحضاري بمئات السنين، لكنها لم تخرج عن وظيفتها ولا طبيعتها، ولم تطلب أن تتشبه بالرجال أو تتساوى بهم في الطبيعة والوظيفة؛ لأن ذلك غير ممكن، وغير مستطاع، بل محال إلا إذا انتكست الفطرة، وانقلبت الموازين وتداخلت الأدوار، وفي هذا اضطراب للمجتمع، وتفكك وشقاء.
وإياك.. إياك.. أن تنسي الوظيفة الأولى والأصلية التي جعلها الله لك وهي أن تكوني ملكة بيت ومربية أجيال ورجال، فالزمي بيتك لتسعدي، ولنهب لك قلباً تحبينه ويحبك، فيريحك من النفقة، ويشبع غريزتك ويصونك من الذئاب المسعورة، وإذا كان لديك فضل من وقت ونشاط وهمة، فالمجتمع وبنات جنسك بأمس الحاجة إليك وإلى مواهبك، وبشرط الستر والعفاف، لكن تذكري وكرري دائماً (بيتي أولاً).
أما جعل الوظيفة أولاً، وإهمال البيت والأولاد والتبرج والسفور والاختلاط.. وباسم الحرية المزعومة، فهذا والله خلل في المفاهيم وانتكاس في الفطر، وتجربة البلاد المجاورة تصدق ما يكذبه سفهاء الأحلام، فما أعظم الخطب! وما أشد المصيبة إذا اختل المنطق، وانتكست المفاهيم، وأصبحت العبودية والشهوات واللذات حرية ندعو لها.
هذا ما نريد باختصار، وإذا أردتِّ أن تعرفي ماذا يريدون؛ فاقرئي كتاباً نفيساً جداً بعنوان: ماذا يريدون من المرأة لـعبد السلام بسيوني وهو أحد كتاب مجلة الأسرة ، وهي مجلة جميلة أنصح بقراءتها إضافة إلى مجلة الشقائق، فهما شمعتان مضيئتان في طريق المرأة، وكتاب آخر بعنوان: يا فتاة الإسلام اقرئي حتى لا تخدعي لفضيلة الشيخ صالح البليهي رحمه الله، اقرئي أمثال هذه الكتب والمجلات لتتضح لك الحقيقة.
أيتها الأخت! أقلِّب طرفي لأتأمل، فيتألم القلب ويأمل، ويحزن ويفرح، ويسعد ويشقى من أجلك أنت، فأنا كغيري من الناصحين أحمل همك في الليل والنهار، واليقظة والمنام: إي والله.
فما طوفته القلب مني سحابة من الحزن إلا كنت منها على وعد |
ولا رقصت في القلب أطياف فرحةٍ فغنّت إلا كنت طالعة السعد |
أثرت ابتساماتي وأحييت لوعتي فمن أنت يا أنسي ومن أنت يا وجدي |
إنها أنت أيتها الأمل! فالقلب يشقى ويحزن، ويتألم عندما أراك ألعوبة تتأرجح، وسلعة رخيصة وفتاة لعوباً، لا همّ لها سوى اللذات والشهوات، ويسعد القلب ويفرح ويعقد الآمال وأنت تصارعين طوفان الفساد وتصرخين في وجه الرذيلة، أنا مسلمة مستقيمة، وبنت أصيلة أعرف أن للمكر ألف صورة وحيلة.
أختاه أيتها الغالية! يا نسمة العبير! أنت بسمتنا المنشودة، وشمسنا التي تبدد الظلام، فاسمعي هذه الكلمات، إنها ليست مجرد كلمات بل، هي وربي آهات قلب المؤمن الغيور.
فيا أيتها الأمل! تعالي قبل فوات الأوان، فاسمعي هذا النداء، فربما عرفتي الداء والدواء.
تعالي هذه الأيام لا ترجع ولا تصغي لنا الدنيا ولا تسمع ولا تجدي شكـاة الدهر أو تنفع |
تعالي نحن بعثرنا السويعات وضحينا بأيـام عزيزات فيا أختاه يكفينا حماقات |
أجل يا أخت ما قد ضاع يكفينا فعودي ها هو العمر ينادينا فلا نخربه يا أخت بأيدينا |
أخيتي! اسمعي هذه الكلمات بعيداً عن إله الهوى والشهوات، فربما رق القلب فانقلب بعواطفه وأشجانه، وربما صحا الضمير فيحس بآلامه وآماله، وربما تنبه العقل ليتحرر بأفكاره وآرائه.
إنها إشراقة لتشرقي في سمائنا يا شروق! وهي الحنان من نبع لا يجف يا حنان! إنها الأمل الذي نرجوه يا أمل! فهل أنت أمل فنعقد عليك الآمال؟ أم أنت ألم فتزيدين الآلام آلاماً؟
كتبت فتاة رسالة بعد سماعها لشريط (الشباب ألم وأمل) وكانت رسالتها [26] صفحة، وعنونت لها (الفتاة ألم بلا أمل) وقد كتبتها بدم قلبها، ووقعتها باسم (أمل)، وهي أمل -إن شاء الله- رغم كل ما كتبته، فقلب يشتعل حرقة وندماً سيصل في النهاية مهما طال الطريق.
ومما قالت فيها: المثيرات تحاصرني من كل مكان: قنوات فضائية.. أفلام هابطة.. أغان وأشرطة تحوي كلاماً ساقطاً، إلى من ألجأ في مثل هذه الظروف.. ارحموني! نهايتي تقترب.. أوجدوا حلاً لمعاناتي.. اسمعوا صرخاتي من قلبي.. من أعماقي.. أسرعوا في إيجاد الحل، فها أنا أقفل حقائبي وألملم شتات نفسي للرحيل، لقد عزمت على الرحيل... إلى آخر كلامها الذي سأعود إلى بعضه في هذا الدرس وغيره.
وتتحسر أخرى فتقول: أبحث عما يريح نفسي من الهم الذي أثقلها، لم أجد في الأفلام أو الأغاني أو القصص ما ينسيني ما أنا فيه.. لا أدري ما الذي أفعله وما نهاية هذا الطريق الذي أسير فيه.
وثالثة تبث همومها وأحزانها وتقول: أعيش في موج من الكدر يحرم عيني المنام، فأنا دائماً أفكر في حالي، وكيف أبحث عن السعادة؟! فأنا كما يقولون: غريبة، والغربة هنا ليست غربة المكان؛ ولكنها غربة الروح، وغربة المشاعر الحزينة التي تشتكي بين ضلوعي لما أفعله تجاه ربي ونفسي والناس، فلقد طال صبري كثيراً على حالي، فمتى وقت رجوعي.
ورابعة تصرخ فتقول: أقسم بالله أن أياماً مرت عليّ حاولت فيها الانتحار، ولكن كل محاولة تفشل، لا أعلم لماذا؟ هل الله يريد أن يطيل عذابي؟ أم أن أجلي لم يحن بعد؟ ولكن ما أعرفه أنني أموت كل يوم وليلة.
وهكذا تتوالى الآهات والحسرات من الكثير والكثير من الفتيات الغافلات.
أيها الإخوة والأخوات! ارحموا الفتيات!
أيها المجتمع! رويداً رويداً بالفتاة.
أيها الآباء والأمهات! حناناً وعطفاً للفتاة.
أيها الإعلاميون! رفقاً بالقوارير!
أيها الشباب! اتقوا الله في الأزهار والورود!
لم يبق من ظل الحياة سوى رمق وحطام قلب عاش مشبوب القلق |
قد أشرق المصباح يوماً واحترق جفت به آماله حتى اختنق |
هذه حال الفتاة، فالمشاكل والأخطار تفترسها، فراغ وسهر.. انحراف وفساد.. عشق وغرام.. تبرج وسفور.. عجب وغرور.. عقوق للوالدين.. ترك للصلاة.. تبذير للأموال..، تقليد للغرب.. ضياع للشخصية.. سفر لبلاد الكفر والإباحية.. جلساء السوء.. الكذب والغيبة وبذاءة اللسان.. التدخين والمخدرات.. العادة السرية.. التشبه بالرجال.. أفلام وقنوات.. فحش وروايات.. غناء ومجلات.. معاكسات ومقابلات.. جنس وشهوة وإثارة للغرائز.. وغيرها من مشاكل الفتاة، إنه الألم الذي تعيشه الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية، وشتان بين الألم والأمل.
معاشر الأخوات! لماذا بعض الفتيات حياتها من وحل إلى وحل، ومن مستنقع إلى مستنقع؟!! مرة مع القنوات الفضائية، ومرة مع المجلات الهابطة، ومرة في المعاكسات وربما الزنا، فهي غارقة في أوحال الفساد والشهوات.
تقول صاحبة الرسالة: لم أجد باباً إلا طرقته، ولا معصية وخطيئة إلا جربتها، والنهاية أسوأ من البداية، ألم وضياع، وحرقة واكتئاب.
أيتها الأخوات! قلب تفرق بين هذه المشاكل، فإذا مَلَّ هذه انتقل إلى تلك، قلب في الشهوات منغمس، وعقل في اللذات منتكس، همته مع السُفليات، ودينه مستهلك بالمعاصي والمخالفات كيف حاله؟! كيف سيكون؟!
فيا أختاه:
شدي وثاق الطهر لا تتغربي عن عالم الدين الحنيف الأوحد |
شدي وثاق الطهر سيري حـرة لا تخدعي بحديث كل مخرب |
لك من رحال المجد أخصب بقعة ولغيرك الأرض التي لم تخصب |
لك من عيون الحق أصفى مشرب ولعاشقات الوهم أسوأ مشرب |
هزي إليك بجذع نخلتنا التي تعطي عطاء الخير دون تهيب |
وقفي على نهر المروءة إنه يروي العطاش بمائه المستعذب |
وإذا رأيت الهابطات فـحوقلي وقفي على قمم الهدى وتحجبي |
إن الحجاب هو التحرر من هوى ولاّدة ذات الهوى المتذبذب |
وهو الطريق إلى صفاء سريرة وعلو منزلة ورفعة منصب |
ولعلك تتسائلين ماذا نريد؟
فأقول: إن لك تأثيراً كبيراً في المجتمع، وقد يكون التأثير سلباً أو إيجاباً، فإن كنت ذا عقل ناضج كان لك تأثيرك البناء الفعال، وإن كنت ذات عقل خفيف طائش، أو عقل فاسد منحرف، كنت بؤرة فساد وإفساد للمجتمع وهدمه.
أُخيتي! أرجوك لا تزعجك صراحتي، فو الله إننا نستطيع كغيرنا أن نتلاعب بالعواطف، وأن ندغدغ المشاعر بكلمات الحب والغرام، وأن نجعلك تعيشين في عالم الأحلام.
نعم. لا تعجزنا كلمات الغزل، ولا همسات العشاق، بل نتحدى كل من يعزف على أوتار المحبين! ولكن ماذا بعد؟
شتان بين من يريدك لشهوته، وبين من يريدك لأمته، نعم. نريدك أن تكوني أكبر من هذا، نريدك أن تنفعي وتساهمي في بناء المجتمع ونهضته، لا كما يريدك الآخرون للغزل والحب والشهوة، والغناء والرقص والطرب، ألهذا خلقت فقط؟! وهل الحياة حب وعشق فقط؟! لماذا ننام على الشهوة ونصحو عليها؟!
إن من النساء من لا تنام ولا تقوم إلا على غناء العاشق الولهان، أوقات لمشاهدة لقطات الحب والتقبيل، وأوقات لقراءة روايات العشق والغرام، وأوقات لتصفح مجلات الفن والغناء، وأوقات للهمسات والمعاكسات، لماذا عواطف فقط؟ أين العقل؟! أين الإيمان؟! أين المروءة؟! بل أين البناء والتربية والفكر والمبادئ والأهداف في حياة المرأة؟!
أيتها الأخت! هل تعلمين وتفهمين أن هناك من يريد إبعاد المرأة عن دينها، وصدها عن كتاب ربها؟! وإن كنت لا تعلمين فيكفي ما تشاهدين من ذاك الركام الذي يزكم الأنوف من المجلات والأفلام والقنوات والأقلام والروايات، والتي لا هم لها إلا عبادة جسد المرأة من فن وطرب، وشهوة وجنس ومساحيق وموضات، فلماذا الاهتمام بالصورة لا بالحقيقة؟! وبالجسد لا بالروح؟!
كم أتمنى أخيتي أن تفرقي بين من يحترم عقلك لا جسدك، ويهتم بملء الفراغ الروحي والفكري لديك، وبين من يهتم بالشهوة والجسد والطرب، فهل عرفت ماذا نريد؟! وأنت تقرئين القرآن قفي وتأملي قول الحق عز وجل: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الكهف:7].
فهل عرفت إذاً؟ إنه ابتلاء وامتحان، فاسألي نفسك هل نجحت أم رسبت في الامتحان؟!
إنني ممن يطالب وبقوة بحقوق المرأة، وبالعدل بينها وبين الرجل، نعم بحقوق المرأة التي جاء بها الإسلام ليكرمها، وبخسها بعض الرجال بجهله وبظلمه وتسلطه، أقول بالعدل لا بالمساواة!
أتدرون ما تعني المساواة؟!
أن نجعل المرأة رجلاً، والرجل امرأة، وهذا انتكاس بالفطرة وجهل بحقيقة الخلقة لكل منهما، فإن الله تعالى خلقهما وجعل لكل منهما وظيفة وأعمالاً، لكل منهما دور في الأسرة والمجتمع يجب أن يقوم به في الحياة، وقد سبقت المرأة المسلمة غيرها في الإسهام الحضاري بمئات السنين، لكنها لم تخرج عن وظيفتها ولا طبيعتها، ولم تطلب أن تتشبه بالرجال أو تتساوى بهم في الطبيعة والوظيفة؛ لأن ذلك غير ممكن، وغير مستطاع، بل محال إلا إذا انتكست الفطرة، وانقلبت الموازين وتداخلت الأدوار، وفي هذا اضطراب للمجتمع، وتفكك وشقاء.
وإياك.. إياك.. أن تنسي الوظيفة الأولى والأصلية التي جعلها الله لك وهي أن تكوني ملكة بيت ومربية أجيال ورجال، فالزمي بيتك لتسعدي، ولنهب لك قلباً تحبينه ويحبك، فيريحك من النفقة، ويشبع غريزتك ويصونك من الذئاب المسعورة، وإذا كان لديك فضل من وقت ونشاط وهمة، فالمجتمع وبنات جنسك بأمس الحاجة إليك وإلى مواهبك، وبشرط الستر والعفاف، لكن تذكري وكرري دائماً (بيتي أولاً).
أما جعل الوظيفة أولاً، وإهمال البيت والأولاد والتبرج والسفور والاختلاط.. وباسم الحرية المزعومة، فهذا والله خلل في المفاهيم وانتكاس في الفطر، وتجربة البلاد المجاورة تصدق ما يكذبه سفهاء الأحلام، فما أعظم الخطب! وما أشد المصيبة إذا اختل المنطق، وانتكست المفاهيم، وأصبحت العبودية والشهوات واللذات حرية ندعو لها.
هذا ما نريد باختصار، وإذا أردتِّ أن تعرفي ماذا يريدون؛ فاقرئي كتاباً نفيساً جداً بعنوان: ماذا يريدون من المرأة لـعبد السلام بسيوني وهو أحد كتاب مجلة الأسرة ، وهي مجلة جميلة أنصح بقراءتها إضافة إلى مجلة الشقائق، فهما شمعتان مضيئتان في طريق المرأة، وكتاب آخر بعنوان: يا فتاة الإسلام اقرئي حتى لا تخدعي لفضيلة الشيخ صالح البليهي رحمه الله، اقرئي أمثال هذه الكتب والمجلات لتتضح لك الحقيقة.
أيتها الغالية! اسألي نفسك بصراحة: من يصنع أفكارك ويبنيها؟ أهو العلم والثقافة والتربية الصالحة وتوجيه الأبوين؟ أم هو الإعلام ومجلات وروايات ومسلسلات الحب والغرام؟ أجاب: (32%) من فتيات الاستبانة بأن توجيه الأبوين والأسرة هو الذي يصنع العقل والفكر، وأجاب (30%) بأنه العلم والتعليم، وأما التربية الذاتية فـ(26%) وقال (12%) بأن الذي يصنع الفكر هو الإعلام.
أثر الإعلام في صناعة العقل والفكر
أما البحوث والدراسات فقد أثبتت أن الذين يتعرضون لفترات طويلة لوسائل الإعلام يتصور لديهم عالم خاص من صنعهم، وهو في الواقع عالم مزيف مليء بالحقائق والأرقام الوهمية، وأما الاعترافات بأن للإعلام أثر في الحياة، وعلى الفكر والعقل فاسمعي بعضاً منها ومن مجلة تحت العشرين في عددها [27] تقول فتاة: أحلم أن أصبح فنانة مشهورة تملأ صوري الصحف والمجلات، ويشير المجتمع إلي في كل مكان، ولهذا فإنني أتابع بحرص شديد كل أخبار فنانتي المفضلة، والتي اعتبرها مثلي الأعلى، وأراقب بدقة حركاتها وأسلوبها، سواء في التمثيل أو الحياة، ومن يدري قد أصبح يوماً في مثل شهرتها.
وتقول فتاة أخرى: إنها تحب هذا الفنان كثيراً، فصوره تملأ كل مكان في غرفتي، وأرفض أن ينتقده أي إنسان؛ ولو كانت صديقتي المقربة.
وتقول ثالثة: أنا أعشق عالم الموضة والأزياء، وتبهرني كثيراً عارضات الأزياء لرشاقتهن وطريقتهن في الحركة والمشي، وأحاول قدر الإمكان تقليدهن في حركاتهن حتى أنني أتبع رجيماً قاسياً لأصل لنفس القوام الذي يتمتعن به.
ولا أدري أقرأت هذه وأمثالها توبة فابيان أشهر عارضة أزياء فرنسية؟ وهل هي سمعت قولها: إن بيوت الأزياء جعلت مني مجرد صنم متحرك، مهمته العبث بالقلوب والعقول، فقد تعلمت كيف أكون باردة قاسية مغرورة، فارغة من الداخل، لا أكون سوى إطار يرتدي الملابس، فكنت جماداً يتحرك ويبتسم ولكنه لا يشعر، كنا نحيا في عالم الرذيلة بكل أبعادها والويل لمن تعترض عليها وتحاول الاكتفاء بعملها فقط... إلى آخر حديثها، من جريدة المسلمون عدد (238).
فهل نستيقظ؟! وهل نستفيد من تجارب الآخرين الذين سبقونا في مثل هذا الطريق؟
الآثار السلبية للقنوات الفضائية
وكل ما نراه الآن من الآثار التخريبية للحرب الفضائية أو الفضائحية إنما هي مقدمات فقط ستتضح آثارها المدمرة على المجتمعات الإسلامية والعربية في الأجيال القادمة، بل أقول في الجيل القريب، نسأل الله أن يحفظ المسلمين من كل سوء، وأن يرد كيد الكائدين في نحورهم!
إذاً: فصياغة الإعلام للأفكار والمفاهيم لا ينكره عاقل، حتى كاد العيب أن يختفي من قاموس القيم والتقاليد العربية والآداب الإسلامية النقية، واسألي نفسك بكل صراحة: لماذا سلمت أفكارك وعواطفك لتجار الفن ودعاة الرذيلة يتلاعبون بها لمصالحهم وشهواتهم كيف شاءوا؟! لم لا تَزِنين ما تقرئين وتشاهدين وتسمعين في ميزان شرعنا وعقيدتنا، فما وافقه قبلناه وما أنكره رفضناه.
أتقبلين يا أختاه أن يجعلوك أداة لهو لهم، وتتركي لهم الصدارة في العلم والتربية، والثقافية والأدب والفكر؟! إن صلاح المرأة من أهم العناصر لبناء المجتمع.
أسئلة وردود موجهة إلى دعاة التحرير
نعم. هذه هي المرأة التي يطالبون بحقوقها وتحريرها، حتى هذه أين هم من فكرها وأدبها وخلقها وثقافتها؟! حتى المحتشمة والتائبة لم يتركوها! أليسوا يطالبون بحريتها -كما يزعمون- ها هي تريد وأن تتوب، أن تحتشم، أفلا يرحموها ويتركوها، أليست هذه حرية؟ أم أنها الحرية التي يرسمونها هم؟!
ولهؤلاء قال المنفلوطي : إنكم لا ترثون لها بل ترثون لأنفسكم، ولا تبكون عليها بل على أيام قضيتموها في ديار يسيل جوها تبرجاً وسفوراً، ويتدفق خلاعة واستهتاراً، وتودون بجذع الأنف لو ظفرتم هنا بذلك العيش الذي خلفتموه هناك... إلى آخر كلام المنفلوطي في العبرات .
هذا خطاب المنفلوطي لهم، وخطابي ليس لهم بل لك أنت أيتها الفتاة! فتنبهي وأفيقي وفكري.
أخيتي! أتذكرين يوم كنت بنت تلك القرية الصغيرة؟! أتذكرين يوم كنت تلعبين وتمرحين مع أبناء الحي ببراءة الصغار وطهارة القلب؟ أتذكرين يوم كنت تستحين أشد الحياء من استعمال الأصباغ والعطور والزينة، قبل أن يأخذ الزوج بيدك؟ ما أجمل نعمة الحياء ووازع الدين والخلق، وما أحسن عادات وتقاليد البيئة العربية الأصيلة، فلماذا تتنكرين لها؟! ولماذا التعالي عليها بحجة اتباع الموضات والصيحات؟! ولماذا نترك الآداب الإسلامية الأصيلة بعفتها وطهارتها ونتجه إلى التقليعات الغربية الدخيلة بنتنها ونجاستها؟! أنستبدلُ الذي هو أدنى بالذي هو خير؟
يا ابنة الإسلام! يا ابنة العرب! أيتها العفيفة الطاهرة! لماذا هذا التميع؟! أين قوة الشخصية؟! ولماذا الهزيمة النفسية؟! أين العزة بالآداب الإسلامية؟! والفخر بالتقاليد العربية؟!
اصرخي بأعلى صوتك وقوليها وبكل فخر واعتزاز: نعم أنا مسلمة عربية مستمسكة بديني وآدابي وأخلاقي.
قولي للمرأة الغربية: إن كنت تفخرين بالمخترعات والتقنيات والحضارة العلمية، فإني أفخر بالآداب والأخلاق والحضارة الإسلامية والعادات العربية.
قولي لها: إن هان عليك دينك أو كنت بلا دين فأنا أعز شيء عليَّ ديني وعقيدتي.
قولي لها: إن كنت جارية كالمجاري لكل الرجال هناك، فأنا ملكة لمملكتي الصغيرة، عفيفة حصينة بزوج يرعى لي حقي وحق أولادي.
قولي لها: إنَّ ما أنت فيه من عبودية للشهوة والإباحية، حررني منها حبيبي وقدوتي محمد صلى الله عليه وسلم وجعلها عبودية لله بيضاء نقية.
قولي لها: أنا في بلادي وشبابي ملكة للقلوب أنعم بزوجي وينعم بي، وإذا كبرت وذبلت فسيدة للمنزل لا يصدر أحد في البيت إلا عن أمري، يتسابق الجميع لإسعادي وكسب ودي، أما أنت ففي شبابك أسيرة للشهوة والمعامل والمصانع، خادمة في المطاعم والفنادق، حمالة في الأسواق والطرقات، سائقة للعربات والعجلات، وفي الشيخوخة فمكدودة منبوذة مهجورة!
هكذا المرأة الغربية تبدو حرة وهي مقيدة، نعم والله لا أقول حُدِّثت بل رأيتها بأم عيني، تُرى معززة وهي مهانة، حتى قالت إحداهن: إن ثمن عنقود العنب في باريس يفوق ثمن امرأة.
ذكر أحد الأدباء أنه كان يتكلم عن المرأة المسلمة في إحدى محاضراته في أمريكا ، وذكر فيها استقلال المرأة المسلمة في شئون المال وأنه لا ولاية عليها في مالها، وإن تزوجت كُلف زوجها بنفقتها، ولو كانت تملك الملايين ولو كان زوجها عاملاً لا يملك شيئاً، إلى غير ذلك مما نعرفه نحن كمسلمين ويجهلونه هم عنا، قال: فقامت سيدة أمريكية من الأديبات المشهورات وقالت: إذا كانت المرأة عندكم على ما تقول فخذوني أعيش عندكم ستة أشهر ثم اقتلوني.
هكذا هن يتحسرن ويرغبن أن يعشن كما تعيشين. ففكري أختاه!!
وعن سؤال آخر أجاب (50%) أن للإعلام والمجلات ومسلسلات الحب والغرام أثراً في حياتهن وعلى أفكارهن وعقولهن، وقال: (46%) أنه ليس لذلك أثر في حياتنا ولا على الفكر والعقل، وربما استغرب البعض وهو يسمع هذه النسب الخاصة بالإعلام، فإن المشهور أن للإعلام اليوم أثراً كبيراً في حياة الناس، ولعل السر هنا أن الكثير من الناس لا يشعرون أن ما يشاهدونه ويقرءونه عبر وسائل الإعلام له أثر كبير في حياتهم، أو أن البعض يشعر لكنه يتصنع الشخصية المستقلة التي لا تتأثر خوفاً من الاتهام بالتبعية والتقليد، والعجيب أنك لو سألت هؤلاء: هل للإعلام أثر على الآخرين؟ لأجاب وبسرعة: بنعم، وهذا ما حصل، فقد أجاب (60%) بـ(لا) عندما سئلن: هل للقنوات تأثير عليك؟ وعندما سئلن هل للقنوات تأثير على الآخرين؟ أجاب (93%) بـ(نعم) سبحان الله! (55%) ذكرن أن الآثار سلبية و(38%) ذكرن أن الآثار سلبية وإيجابية، وهكذا فنحن نجيد فن اتهام الآخرين، أما اتهام النفس، والشجاعة في مواجهتها ومصارحتها، فآخر ما يفكر به الحيارى وضعاف النفوس.
أما البحوث والدراسات فقد أثبتت أن الذين يتعرضون لفترات طويلة لوسائل الإعلام يتصور لديهم عالم خاص من صنعهم، وهو في الواقع عالم مزيف مليء بالحقائق والأرقام الوهمية، وأما الاعترافات بأن للإعلام أثر في الحياة، وعلى الفكر والعقل فاسمعي بعضاً منها ومن مجلة تحت العشرين في عددها [27] تقول فتاة: أحلم أن أصبح فنانة مشهورة تملأ صوري الصحف والمجلات، ويشير المجتمع إلي في كل مكان، ولهذا فإنني أتابع بحرص شديد كل أخبار فنانتي المفضلة، والتي اعتبرها مثلي الأعلى، وأراقب بدقة حركاتها وأسلوبها، سواء في التمثيل أو الحياة، ومن يدري قد أصبح يوماً في مثل شهرتها.
وتقول فتاة أخرى: إنها تحب هذا الفنان كثيراً، فصوره تملأ كل مكان في غرفتي، وأرفض أن ينتقده أي إنسان؛ ولو كانت صديقتي المقربة.
وتقول ثالثة: أنا أعشق عالم الموضة والأزياء، وتبهرني كثيراً عارضات الأزياء لرشاقتهن وطريقتهن في الحركة والمشي، وأحاول قدر الإمكان تقليدهن في حركاتهن حتى أنني أتبع رجيماً قاسياً لأصل لنفس القوام الذي يتمتعن به.
ولا أدري أقرأت هذه وأمثالها توبة فابيان أشهر عارضة أزياء فرنسية؟ وهل هي سمعت قولها: إن بيوت الأزياء جعلت مني مجرد صنم متحرك، مهمته العبث بالقلوب والعقول، فقد تعلمت كيف أكون باردة قاسية مغرورة، فارغة من الداخل، لا أكون سوى إطار يرتدي الملابس، فكنت جماداً يتحرك ويبتسم ولكنه لا يشعر، كنا نحيا في عالم الرذيلة بكل أبعادها والويل لمن تعترض عليها وتحاول الاكتفاء بعملها فقط... إلى آخر حديثها، من جريدة المسلمون عدد (238).
فهل نستيقظ؟! وهل نستفيد من تجارب الآخرين الذين سبقونا في مثل هذا الطريق؟
وحول سؤال عن الآثار السلبية للقنوات الفضائية ذكر (38%) الانحراف والانحلال الخلقي وذكر (25%) التقليد، و(21%) ضياع الوقت، أو (15%) البعد عن الدين الإسلامي و(13%) عدم احترام المجتمع وزرع الأفكار السيئة، (6%) أنها تلهي عن الصلاة و(4%) أنها تثير الغرائز الجنسية، وغير ذلك من الآثار السلبية التي ذكرت على لسان الفتيات من عينة الاستبانة.
وكل ما نراه الآن من الآثار التخريبية للحرب الفضائية أو الفضائحية إنما هي مقدمات فقط ستتضح آثارها المدمرة على المجتمعات الإسلامية والعربية في الأجيال القادمة، بل أقول في الجيل القريب، نسأل الله أن يحفظ المسلمين من كل سوء، وأن يرد كيد الكائدين في نحورهم!
إذاً: فصياغة الإعلام للأفكار والمفاهيم لا ينكره عاقل، حتى كاد العيب أن يختفي من قاموس القيم والتقاليد العربية والآداب الإسلامية النقية، واسألي نفسك بكل صراحة: لماذا سلمت أفكارك وعواطفك لتجار الفن ودعاة الرذيلة يتلاعبون بها لمصالحهم وشهواتهم كيف شاءوا؟! لم لا تَزِنين ما تقرئين وتشاهدين وتسمعين في ميزان شرعنا وعقيدتنا، فما وافقه قبلناه وما أنكره رفضناه.
أتقبلين يا أختاه أن يجعلوك أداة لهو لهم، وتتركي لهم الصدارة في العلم والتربية، والثقافية والأدب والفكر؟! إن صلاح المرأة من أهم العناصر لبناء المجتمع.
اسألي نفسك أنت وفكري، أين هؤلاء عن توجيه المرأة لصلاح دينها ودنياها؟! أين هم عن المرأة فوق الأربعين وهمومها ومشاكلها؟! لم لا نقرأ أو نسمع من يحمل همها ويشاطرها أحزانها ويطالب بحقوقها؟! وكذلك الفتاة الصغيرة ذات السبع والتسع والثنتي عشر، لماذا لا يهتم أولئك بهن؟! أين هم عنها معاقة ومطلقة ومسجونة؟! أم أنهم يحملون همَّ فتاة الخامسة عشر والعشرين والثلاثين، وربما أيضاً بشرط: أن تكون جميلة وبيضاء وطويلة وأنيقة؟!
نعم. هذه هي المرأة التي يطالبون بحقوقها وتحريرها، حتى هذه أين هم من فكرها وأدبها وخلقها وثقافتها؟! حتى المحتشمة والتائبة لم يتركوها! أليسوا يطالبون بحريتها -كما يزعمون- ها هي تريد وأن تتوب، أن تحتشم، أفلا يرحموها ويتركوها، أليست هذه حرية؟ أم أنها الحرية التي يرسمونها هم؟!
ولهؤلاء قال المنفلوطي : إنكم لا ترثون لها بل ترثون لأنفسكم، ولا تبكون عليها بل على أيام قضيتموها في ديار يسيل جوها تبرجاً وسفوراً، ويتدفق خلاعة واستهتاراً، وتودون بجذع الأنف لو ظفرتم هنا بذلك العيش الذي خلفتموه هناك... إلى آخر كلام المنفلوطي في العبرات .
هذا خطاب المنفلوطي لهم، وخطابي ليس لهم بل لك أنت أيتها الفتاة! فتنبهي وأفيقي وفكري.
أخيتي! أتذكرين يوم كنت بنت تلك القرية الصغيرة؟! أتذكرين يوم كنت تلعبين وتمرحين مع أبناء الحي ببراءة الصغار وطهارة القلب؟ أتذكرين يوم كنت تستحين أشد الحياء من استعمال الأصباغ والعطور والزينة، قبل أن يأخذ الزوج بيدك؟ ما أجمل نعمة الحياء ووازع الدين والخلق، وما أحسن عادات وتقاليد البيئة العربية الأصيلة، فلماذا تتنكرين لها؟! ولماذا التعالي عليها بحجة اتباع الموضات والصيحات؟! ولماذا نترك الآداب الإسلامية الأصيلة بعفتها وطهارتها ونتجه إلى التقليعات الغربية الدخيلة بنتنها ونجاستها؟! أنستبدلُ الذي هو أدنى بالذي هو خير؟
يا ابنة الإسلام! يا ابنة العرب! أيتها العفيفة الطاهرة! لماذا هذا التميع؟! أين قوة الشخصية؟! ولماذا الهزيمة النفسية؟! أين العزة بالآداب الإسلامية؟! والفخر بالتقاليد العربية؟!
اصرخي بأعلى صوتك وقوليها وبكل فخر واعتزاز: نعم أنا مسلمة عربية مستمسكة بديني وآدابي وأخلاقي.
قولي للمرأة الغربية: إن كنت تفخرين بالمخترعات والتقنيات والحضارة العلمية، فإني أفخر بالآداب والأخلاق والحضارة الإسلامية والعادات العربية.
قولي لها: إن هان عليك دينك أو كنت بلا دين فأنا أعز شيء عليَّ ديني وعقيدتي.
قولي لها: إن كنت جارية كالمجاري لكل الرجال هناك، فأنا ملكة لمملكتي الصغيرة، عفيفة حصينة بزوج يرعى لي حقي وحق أولادي.
قولي لها: إنَّ ما أنت فيه من عبودية للشهوة والإباحية، حررني منها حبيبي وقدوتي محمد صلى الله عليه وسلم وجعلها عبودية لله بيضاء نقية.
قولي لها: أنا في بلادي وشبابي ملكة للقلوب أنعم بزوجي وينعم بي، وإذا كبرت وذبلت فسيدة للمنزل لا يصدر أحد في البيت إلا عن أمري، يتسابق الجميع لإسعادي وكسب ودي، أما أنت ففي شبابك أسيرة للشهوة والمعامل والمصانع، خادمة في المطاعم والفنادق، حمالة في الأسواق والطرقات، سائقة للعربات والعجلات، وفي الشيخوخة فمكدودة منبوذة مهجورة!
هكذا المرأة الغربية تبدو حرة وهي مقيدة، نعم والله لا أقول حُدِّثت بل رأيتها بأم عيني، تُرى معززة وهي مهانة، حتى قالت إحداهن: إن ثمن عنقود العنب في باريس يفوق ثمن امرأة.
ذكر أحد الأدباء أنه كان يتكلم عن المرأة المسلمة في إحدى محاضراته في أمريكا ، وذكر فيها استقلال المرأة المسلمة في شئون المال وأنه لا ولاية عليها في مالها، وإن تزوجت كُلف زوجها بنفقتها، ولو كانت تملك الملايين ولو كان زوجها عاملاً لا يملك شيئاً، إلى غير ذلك مما نعرفه نحن كمسلمين ويجهلونه هم عنا، قال: فقامت سيدة أمريكية من الأديبات المشهورات وقالت: إذا كانت المرأة عندكم على ما تقول فخذوني أعيش عندكم ستة أشهر ثم اقتلوني.
هكذا هن يتحسرن ويرغبن أن يعشن كما تعيشين. ففكري أختاه!!
استمع المزيد من الشيخ إبراهيم الدويش - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
المحرومون | 2931 استماع |
سهام للصيد | 2611 استماع |
توبة صايم | 2609 استماع |
اذهبوا بنا نصلح بينهم | 2608 استماع |
من كنوز الحج ... | 2479 استماع |
موعظة السبع البواقى | 2466 استماع |
بحر الحب | 2409 استماع |
بشائر ومبشرات | 2351 استماع |
السحر الحلال | 2348 استماع |
أهمية أداء الزكاة | 2339 استماع |