خطب ومحاضرات
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب نواقض الوضوء - حديث 83-85
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.
أما في هذه الليلة فعندنا بإذن الله تعالى نهاية الأحاديث المتعلقة بنواقض الوضوء, ونرجو الله ونسأله سبحانه أن يعيننا على اغتنام الوقت والاستفادة منه, وإنجاز ما نحن بصدده؛ لئلا يتبقى شيء من هذا الباب.
وعندنا حديث عبد الله بن أبي بكر في الوضوء لمس القرآن, أظن أنكم قرأتموه في الأسبوع الماضي, ثم عندنا بعده.. بقي عندنا في الباب حديثان:
ترجمة عبد الله بن أبي بكر رحمه الله
عن عبد الله بن أبي بكر رحمه الله أن في الكتاب الذي أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم لـعمرو بن حزم، فـعمرو بن حزم هذا من يكون؟ ما علاقته براوي الحديث عبد الله؟
هو جد عبد الله وهو صحابي عمرو بن حزم هذا صحابي, ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم على نجران أميراً عليها, وبعث إليه كتاباً كما في هذه الرواية, فيه أشياء كثيرة من مقادير الزكاة والديات والأحكام وغيرها, وفي هذا الكتاب: ( ألا يمس القرآن إلا طاهر ).
تخريج الحديث وكلام أهل العلم فيه
قالوا: ووصله النسائي وابن حبان وهو معلول, النسائي وابن حبان والحاكم في مستدركه وغيرهم وصلوا هذا الحديث, يعني: ذكروا له إسناداً متصلاً, فقالوا: عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبناءً على ذلك يكون الإسناد متصلاً؛ لأن راوي الحديث حينئذ هو عمرو بن حزم الذي بعث إليه الكتاب, ولكن هذا الإسناد المتصل عند النسائي وابن حبان والحاكم وغيرهم معلول كما ذكر المصنف, يعني: فيه علة, وذلك أن في إسناده سليمان بن أرقم وهو ضعيف جداً , ولذلك حكم عدد من أهل العلم بالحديث بضعف هذا الحديث, فضعفه أبو داود صاحب السنن , وأبو زرعة الدمشقي، وصالح بن محمد المعروف بـصالح جزرة، وأبو الحسن الهروي، ضعفوه؛ لأن فيه سليمان بن أرقم وهو متروك أو وهو ضعيف جداً كما ذكرت.
وضعفه آخرون وهم ابن حزم وعبد الحق الإشبيلي مع أن أسم الراوي عندهم ليس سليمان بن أرقم ولكن سليمان بن داود وهذا وهم, يعني: بعضهم سمى الراوي سليمان بن داود , والصواب أنه سليمان بن أرقم , ومع أنه سليمان بن داود كما عند ابن حزم فقد ضعفه هو وعبد الحق الإشبيلي .
وصحح آخرون هذا الحديث, فممن صححه ابن حبان حيث رواه في صحيحه، والحاكم حيث رواه في مستدركه وصححه, والبيهقي , وكذلك نقل البيهقي عن الإمام أحمد أنه سئل عن هذا الحديث أو هذا الكتاب فقال: أرجو أن يكون صحيحاً.
وقد صححه آخرون لا من جهة الإسناد ولكن من جهة شهرة الحديث وشهرة الكتاب, فقال الإمام الشافعي : لم يأخذ العلماء بهذا الحديث إلا لأنه ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن عبد البر : هذا كتاب مشهور عند أهل السير, معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بها عن الإسناد, فإنه أشبه المتواتر في نقله لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة.
فاعتمد ابن عبد البر في تصحيح هذا الكتاب على شهرته وتلقي الناس له بالقبول, وهذا مأخذ حسن.
وكذلك قال يعقوب بن سفيان: لا أعلم في الكتب المنقولة كتاباً أصح منه, فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين كانوا يأخذون بالكتاب ويدعون رأيهم.
وقال الحاكم: شهد عمر بن عبد العزيز وإمام عصره الزهري لهذا الكتاب بالصحة، ثم ساق الحاكم روايتين عنهما بإسناده في إثبات هذا الكتاب.
وبالنظر إلى إسناد الحديث فإننا نجد أن القواعد الحديثية المتبعة لدى العلماء تقتضي ضعفه لوجود سليمان بن أرقم هذا فيه, وهو ضعيف جداً، لكن يمكن أن يلتمس له وجه قوة بشهرته عند العلماء، وتلقي الناس له بالقبول كما ذكر الشافعي وابن عبد البر وغيرهما من أهل العلم.
شواهد الحديث
حديث حكيم بن حزام عند الدارقطني والحاكم وغيرهما قال: (لما بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال لي: لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر), وحديث حكيم بن حزام هذا -كما قلت- رواه الحاكم , وكذلك رواه الدارقطني , صحح حديث حكيم الحاكم، وحسنه الحازمي، وضعفه النووي، يعني ثلاث مراتب: الحاكم صححه, الحازمي حسنه, النووي ضعفه, ولعل القول بتضعيفه بمفرده أولى؛ لأن فيه راويين ضعيفين, لكن ربما يقال: بأن حديث حكيم هذا على ضعفه ينجبر بحديث عمرو بن حزم , وبما سيأتي من الأحاديث فيكون حسناً لغيره.
الشاهد الثاني: هو حديث عثمان بن أبي العاص , وقد رواه الطبراني في معجمه الكبير .
والشاهد الثالث: هو حديث ابن عمر عند ابن ماجه وغيره, وفي إسناده سعيد بن محمد، وفيه أيضاً ابن جريج وهو مدلس وقد عنعن , فيكون ضعيفاً أيضاً.
ومما يمكن أن يعد شاهداً للحديث: ما رواه مالك في الموطأ بسند صحيح عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: [ كنت أمسك المصحف لـسعد فاحتككت, فقال لي: لعلك مسست ذكرك قلت: نعم, قال: قم فتوضأ, فقمت فتوضأت ثم رجعت ]، هذا حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص وهو في الموطأ وسنده صحيح.
فمجموع هذه الأحاديث يشهد لحديث الباب, وبذلك يعلم أن الحديث لا ينزل عن رتبة الحسن بشواهده إن شاء الله تعالى, ولذلك قال الإمام أحمد : أرجو أن يكون صحيحاً, وصححه من سمعتم من أهل العلم, هذا فيما يتعلق بثبوت الحديث.
حكم قراءة القرآن عن ظهر قلب للمحدث حدثاً أصغر
يجوز له ذلك نعم, إذاً: هذه مسألة من مسائل الإجماع يقدم بها أن قراءة القرآن للمحدث حدثاً أصغر عن ظهر قلب جائزة بالاتفاق.. بالإجماع, ولم يخالف في ذلك أحد, ونقل الإجماع عليه النووي في المجموع، وكذلك في كتابه التبيان في آداب حملة القرآن .
مس المصحف للمحدث حدثاً أصغر وأقوال العلماء فيه
القول الأول: عدم جواز مس المصحف لصاحب الحدث الأصغر، وأدلته
يعني: من باب الأولى أن المحدث حدثاً أكبر لا يجوز، يعني: إذا منع المحدث حدثاً أصغر, فالمحدث حدثاً أكبر من باب الأولى, لكن تظهر ثمرة التقييد في القول الثاني.
إذاً: القول الأول: مذهب الجماهير؛ الأئمة الأربعة وأصحابهم: أنه لا يجوز لمن عليه حدث أصغر أن يمس القرآن الكريم, واستدل أصحاب هذا القول بما سبق من الأحاديث؛ حديث عمرو بن حزم .. حديث حكيم بن حزام .. حديث ابن عمر .. حديث عثمان بن أبي العاص .. حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص .
واستدلوا أيضاً: بقوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79] على أحد التفسيرين أنه خبر يقصد به النهي, (ألا يمس القرآن إلا متطهر) .
ووجه الدلالة من هذه الأحاديث ظاهر, لأن فيه النهي عن مس القرآن إلا لطاهر, لكن يشكل على هذه الأدلة إشكالاً كثيراً ما يورده أهل العلم, أورده الشوكاني في مواضع, وتابعه عليه الألباني في كتابه تمام المنة، وأورده من قبلهم من أهل العلم, قالوا: إن الطهارة قد تكون بكونه مسلماً غير كافر؛ لأن ( المسلم لا ينجس ) كما في حديث أبي هريرة وسبق, وقد تكون طهارة من الحدث الأكبر, وقد تكون طهارة من الحدث الأصغر, فما هو الذي يميز لنا أن المقصود بهذه الأحاديث الطهارة من الحدث الأصغر؟
هذا أمر يورد على استدلال من استدل بهذه الأحاديث على أنه لا يجوز للمحدث حدثاً أصغر أن يمس القرآن, يقولون: قوله: ( لا يمس القرآن إلا طاهر) طاهر هل معناها مسلم؟ أو معناها طاهر من الحدث الأكبر؟ أو معناها طاهر من الحدث الأصغر؟ هذا يحتاج إلى نص يميز أحد الأشياء الثلاثة, وأنها هي المقصودة.
ولا شك أن الجمهور يقولون بأن المقصود من هذه الأشياء الثلاثة الأمر الثالث، وهو الطهارة من الحدث الأصغر, ومما يرجح هذا القول القرائن التالية:
أولاً: أن الله عز وجل سمى التطهر من الحدث الأصغر طهارة في القرآن الكريم, فقال بعدما ذكر الوضوء والتيمم: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ [المائدة:6], فدل على أن الطهارة تطلق في لسان الشارع على الطهارة من الحدث الأصغر, وهذه القرينة ليست صريحة بلا شك.
القرينة الثانية: أنه لا يعرف في الشرع تسمية المؤمن بالطاهر, إنما ورد وصفه بذلك, وفرق بين الوصف والتسمية, فالآن في حديث عمرو بن حزم وابن عمر -وحديث ابن عمر هو نفسه حديث عمرو - أليس الرسول صلى الله عليه وسلم على قولهم وصف المؤمن بأنه طاهر, لأنه قال: ( لا يمس القرآن إلا طاهر), قالوا: المقصود بالطاهر من المؤمن أو المسلم؟ فسموا المسلم طاهراً.
فيجاب بأنه لا يعلم في الشرع تسمية المؤمن بالطاهر, وإن كان ورد وصف المؤمن بكونه طاهراً, لكن لم يرد إطلاق اسم الطاهر عليه, يعني: مثلاً في القرآن والسنة تجد الله عز وجل قد يسمي المسلم مؤمناً أو مسلماً, وكذلك الحال في السنة قد يسمى عبداً, لكن تسميته طاهراً ما جاءت في الشرع , وهذا في نظري إذا تأملت من القرائن القوية على أن المقصود بالطهارة هاهنا الطهارة من الحدث الأصغر.
القرينة الثالثة: حديث حكيم بن حزام، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـحكيم كما سبق: ( لا تمس القرآن ) بصيغة النهي، ( لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر ) هكذا لفظ الحديث.
و حكيم بن حزام حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ألم يكن مسلماً؟ لا شك أنه مسلم, ولذلك فإن قوله: (إلا وأنت طاهر) لا يمكن أن يحمل هاهنا على قوله: إلا وأنت مسلم؛ لأنه هو مسلم, وإنما يحمل على إلا وأنت متوضئ.
وحديث حكيم فيه ضعف كما أسلفت ولكنه ضعف منجبر؛ لأن فيه راويان ضعيفان ضعفهما منجبر, أحدهما مطر الوراق والثاني سويد أبو حاتم كلاهما ضعيف, ولكنه منجبر بحديث الباب حديث عمرو بن حزم وحديث ابن عمر وحديث عثمان بن أبي العاص فيكون صالحاً للاحتجاج, وهو قرينة ظاهرة على أن المراد بالطهارة الطهارة من الحدث الأصغر.
والقرينة الرابعة: الأثر الذي رواه مالك عن مصعب بن سعد عن أبيه [لأنه كان يمسك له في المصحف وهو يقرأ القرآن فلما مس ذكره قال: قم فتوضأ] فعلم أن الطهارة المطلوبة لقراءة القرآن هي الطهارة من الحدث الأصغر, هذا هو القول الأول.
القول الثاني: جواز مس المصحف لصاحب الحدث الأصغر وأدلته
أولاً: ضعف الحديث عندهم, فقد ضعفوا دليل الجمهور, وسبق أن ذكرت عن ابن حزم أنه يرى ضعفه, فكأنه لم يثبت عندهم دليل على المنع.
ثم استدلوا بالكتاب الذي بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وفيه: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ [آل عمران:64]إلى آخر الآية, ومن المعلوم أن هرقل كان نصرانياً مشركاً, فيكون مسه لهذه الآية دليلاً عندهم على جواز ذلك.
وعلى كل حال فالقول الصحيح هو ما عليه الجمهور من أنه لا يجوز للمحدث حدثاً أصغر أن يمس القرآن إلا بعد أن يتوضأ, وذلك لأن الأدلة التي استدلوا بها تصلح للاحتجاج بمجموعها, ولأنه تبين من القرائن أن المقصود بالطهارة في هذه الأحاديث الطهارة من الحدث الأصغر.
سيأتي الإجابة على استدلال ابن حزم بهذا الحديث, يأتي ذكره في مسألة تالية, وبكل حال فهو ليس مصحفاً، ومس آية في ورقة تكون مع غيرها من الكلام ليس كمس المصحف ذاته، المشتمل على كتاب الله وكلام الله عز وجل, إضافة إلى أن هذا أمر يقصد من ورائه البلاغ, ونشر الدعوة, وهذا الأمر يتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره, هذه المسألة البارزة في حديث عمرو بن حزم.
الحديث الأول: هو حديث عبد الله بن أبي بكر، وفي المطبوع عندي وأظن عندكم جميعاً عن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه, كذا؟ الحديث رقم ثلاثة وثمانين, عن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه, وهكذا في المطبوع مع سبل السلام , ولذلك ترجم الصنعاني رحمه الله لـعبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه, وهذا ليس بصواب, فإن عبد الله بن أبي بكر هذا ليس بصحابي، وإنما هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم , والعادة المتبعة لدى العلماء ألا يترضى عمن ليسوا من الصحابة, فلا يقال: رضي الله عنهم, إنما يترحم عليهم فيقال: عن عبد الله بن أبي بكر رحمه الله, فينتبه لذلك.
عن عبد الله بن أبي بكر رحمه الله أن في الكتاب الذي أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم لـعمرو بن حزم، فـعمرو بن حزم هذا من يكون؟ ما علاقته براوي الحديث عبد الله؟
هو جد عبد الله وهو صحابي عمرو بن حزم هذا صحابي, ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم على نجران أميراً عليها, وبعث إليه كتاباً كما في هذه الرواية, فيه أشياء كثيرة من مقادير الزكاة والديات والأحكام وغيرها, وفي هذا الكتاب: ( ألا يمس القرآن إلا طاهر ).
وذكر المصنف رحمه الله أن هذا الحديث رواه مالك مرسلاً, وذلك في الموطأ في كتاب القرآن, وكيف روى هذا الحديث مرسلاً؟ يعني: رواه كما هو عندكم في النسخة, عن عبد الله بن أبي بكر أن في الكتاب, فمن المعلوم أن عبد الله بن أبي بكر هذا ليس صحابياً, ولذلك فإن روايته هاهنا منقطعة, وليس تابعياً أيضاً فيما يظهر؛ لأنه يروي عن أبيه عن جده كما سيأتي, فلذلك روايته لهذا الكتاب تعتبر مرسلة أو منقطعة، ولذلك قال المصنف: رواه مالك مرسلاً، يعني: كما هو مسوق عندكم عن عبد الله بن أبي بكر أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فهذا معنى كونه مرسلاً.
قالوا: ووصله النسائي وابن حبان وهو معلول, النسائي وابن حبان والحاكم في مستدركه وغيرهم وصلوا هذا الحديث, يعني: ذكروا له إسناداً متصلاً, فقالوا: عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبناءً على ذلك يكون الإسناد متصلاً؛ لأن راوي الحديث حينئذ هو عمرو بن حزم الذي بعث إليه الكتاب, ولكن هذا الإسناد المتصل عند النسائي وابن حبان والحاكم وغيرهم معلول كما ذكر المصنف, يعني: فيه علة, وذلك أن في إسناده سليمان بن أرقم وهو ضعيف جداً , ولذلك حكم عدد من أهل العلم بالحديث بضعف هذا الحديث, فضعفه أبو داود صاحب السنن , وأبو زرعة الدمشقي، وصالح بن محمد المعروف بـصالح جزرة، وأبو الحسن الهروي، ضعفوه؛ لأن فيه سليمان بن أرقم وهو متروك أو وهو ضعيف جداً كما ذكرت.
وضعفه آخرون وهم ابن حزم وعبد الحق الإشبيلي مع أن أسم الراوي عندهم ليس سليمان بن أرقم ولكن سليمان بن داود وهذا وهم, يعني: بعضهم سمى الراوي سليمان بن داود , والصواب أنه سليمان بن أرقم , ومع أنه سليمان بن داود كما عند ابن حزم فقد ضعفه هو وعبد الحق الإشبيلي .
وصحح آخرون هذا الحديث, فممن صححه ابن حبان حيث رواه في صحيحه، والحاكم حيث رواه في مستدركه وصححه, والبيهقي , وكذلك نقل البيهقي عن الإمام أحمد أنه سئل عن هذا الحديث أو هذا الكتاب فقال: أرجو أن يكون صحيحاً.
وقد صححه آخرون لا من جهة الإسناد ولكن من جهة شهرة الحديث وشهرة الكتاب, فقال الإمام الشافعي : لم يأخذ العلماء بهذا الحديث إلا لأنه ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن عبد البر : هذا كتاب مشهور عند أهل السير, معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بها عن الإسناد, فإنه أشبه المتواتر في نقله لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة.
فاعتمد ابن عبد البر في تصحيح هذا الكتاب على شهرته وتلقي الناس له بالقبول, وهذا مأخذ حسن.
وكذلك قال يعقوب بن سفيان: لا أعلم في الكتب المنقولة كتاباً أصح منه, فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين كانوا يأخذون بالكتاب ويدعون رأيهم.
وقال الحاكم: شهد عمر بن عبد العزيز وإمام عصره الزهري لهذا الكتاب بالصحة، ثم ساق الحاكم روايتين عنهما بإسناده في إثبات هذا الكتاب.
وبالنظر إلى إسناد الحديث فإننا نجد أن القواعد الحديثية المتبعة لدى العلماء تقتضي ضعفه لوجود سليمان بن أرقم هذا فيه, وهو ضعيف جداً، لكن يمكن أن يلتمس له وجه قوة بشهرته عند العلماء، وتلقي الناس له بالقبول كما ذكر الشافعي وابن عبد البر وغيرهما من أهل العلم.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 | 4776 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 | 4394 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 | 4213 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 | 4095 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 | 4046 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 | 4021 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 | 3973 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 | 3917 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 | 3899 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 | 3878 استماع |