خطب ومحاضرات
خطبة عيد الأضحى المبارك
الحلقة مفرغة
الحمد لله الذي لا يطلب منحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون. أحمده سبحانه، استتماماً لنعمته، واستسلاماً لعزته، واستعصاماً من معصيته. وأستعينه فاقة إلى كفايته، إنه لا يضل من هداه، ولا يعز من عاداه، ولا يفتقر من كفاه، له الحمد فرض علينا حج بيته الحرام، الذي جعله قبلة للأنام، يردونه رجالاً وركباناً كل عام، ويألهون إليه ولوه الحمام، جعله سبحانه علامةً لتواضعهم لعظمته، وإذعانهم لعزته، فاختار من خلقه سماعاً أجابوا إليه دعوته، وصدقوا كلمته، ووقفوا موقف أنبيائه، يحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عند موعد مغفرته، جعله سبحانه وتعالى للإسلام علماً، وللقاصدين حرماً، فرض حجه، وأوجب حقه، وكتب علينا وفادته.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نتمسك بها أبداً ما أبقانا، وندخرها لأهاويل ما يلقانا، فإنها عزيمة الإيمان وفاتحة الإحسان، ومرضاة الرحمن، ومدحرة الشيطان.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالدين المشهور، والعلم المأثور، والكتاب المسطور، والنور الساطع، والضياء اللامع، والأمر الصادع؛ إزاحة للشبهات، واحتجاجاً بالبينات، وتحذيراً بالآيات، وتخويفاً بالمثلات، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! الله أكبر! الله أكبر ولله الحمد! الله أكبر كبيراً! والحمد لله كثيراً.
الله أكبر عدد ما ذكره الحاجون وبكوا! والله أكبر عدد ما طافوا بالبيت الحرام وسعوا! الله أكبر عدد ما زهرت النجوم، وتلاحمت الغيوم! الله أكبر عدد ما أمطرت السماء، وعدد ما غسق واقب أو لاح ضياء! الله أكبر عدد خلقه، وزنة عرشه، ومداد كلماته!
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً.
أما بعد:-
فيا أيها المسلمون: ويا حجاج بيت الله الحرام! أوصيكم ونفسي بتقوى الله سبحانه، فاتقوه في المنشط والمكره، والغضب والرضا، والخلوة والجلوة، واعلموا أنه قد اجتمع لكم في هذا اليوم عيدان، عيد الأضحى، وهو يوم الحج الأكبر، وعيد الأسبوع وهو يوم الجمعة، فأكثروا من الشكر لله جل وعلا، وبادروا بالأعمال قبل انقطاعها واعلموا أن الله غفور رحيم.
أيها المسلمون! إن الناس ما زالوا منذ أذن فيهم إبراهيم عليه السلام بالحج يفدون إلى بيت الله الحرام، في كل عام من أصقاع الأرض كلها، وأرجاء المعمورة جميعها، مختلفة ألوانهم، متمايزة ألسنتهم، متباينة بلدانهم، يفدون إليه وأفئدتهم ترف إلى رؤية البيت العتيق، والطواف به، ويستوي في ذلك الغني والفقير، والقادر والمعدم، كلهم يتقاطرون إليه، تلبية لدعوة الله، التي أَذَّن بها إبراهيم عليه السلام: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج:27].
إن الحجاج إذ يستبدلون بزيهم الوطني، زي الحج الموحد، ويصبحون جميعاً بمظهر واحد، لا يتميز شرّقيهم عن غرّبيهم، ولا عربيّهم عن أعجميّهم، كلهم لبسوا لباساً واحداً وتوجهوا إلى رب واحد، بدعاء واحد، وتلبية واحدة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
تراهم يلبون وقد نسوا كل الهتافات الوطنية، وخلفوا وراءهم كل الشعارات القومية ، ونكسوا كل الرايات العصبية والعرقية، ورفعوا راية واحدة هي راية: لا إله إلا الله محمد رسول الله، يطوفون حول بيت واحد، ويؤدون نسكاً واحداً.
الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! الله أكبر! الله أكبر! ولله الحمد!
إن الله عز وجل يوم شرع الحج للناس أراد بما أراد من الحكم أن يكونوا أمة واحدة، متعاونة متناصرة، متآلفة متكاتفة، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
إن الحج سلامٌ حقيقي برمته، سلام غير مزيف، يدخل فيه المسلم مدة هذا النسك فيتعلم من خلاله احترام حق الحياة لكل مسلم حي، مهما كانت درجة حياته، فلا يتعدي على أحد، ولا يظلم أحداً، ولا يبغي على أحد.
إن كل عاقل ومنصف يشهد بالله: أن السلام الحقيقي والتعاون القلبي والروحي، والتعاون على البر والتقوى، لا ظل له في الواقع إلا بالإسلام ومن خلال الإسلام وتاريخ الإسلام، وأما غير المسلمين من شتى الأمم ومختلف الديانات فإن أقوالهم معسولة وأفعالهم مسمومة فيما يدعون إليه، إذ جعلوا مفهوم حقوق الإنسان عندهم مبنياً على فتح باب الحريات على مصراعيه، حسب ما يقتضيه المفهوم العلماني عندهم، والذي يرقب شرعة الله وصبغته، بل يتم به تدمير الأخلاق، وإشاعة فوضى الغرائز، ثم هم يزعمون أنها برمتها تعني مبادئ الحضارة والتقدم والرقي، ومن خالفها وكابر فيها رموه بأنه مخالف لحقوق الإنسان، وهي ليست من الحقوق في ورد ولا صَدَر، ولا هي من بابته، بل إن حلوها مرٌ، وسهلها صعب، ودماثتها ذميمة، ويا لله! لقد صدقوا ظنهم، فاتبعوهم أغرار ولهازم، من مفكرين وكتاب، بالعلوم السياسية والاقتصادية والقانونية وعلم الاجتماع، وجملة هؤلاء هم في الحقيقة أشياع لدعوات الغرب ولدات.
يتسللون لواذاً عن أصول دينهم، فيشوشون بالتشريع ويهوشون في الحدود، وليس غريباً أن تتبدى خطوط مثل هذه القضية عبر هذه الفتن المتلاطمة، ولا يظن بالطبع أن ما بقي من ألوانها ورسومها بمعجزنا أن نتخيله، فمواقعوها هم صنف من الناس، يتمددون بالحرية، وينكمشون بالإسلام، وكفاكم من شر سماعه، وتلكم ثمالة نعيذكم بالله من غوائلها.
لقد طب أصحاب تلك الدعوات زكاماً، فما أحدثوا في الحقيقة إلا جذاماً، وحللوا بزعمهم الهموع غداً وبالذي وضعوه زادت العقد، فكم يقتل من المسلمين، وكم تنزع من حريات، وكم يعتدى على حقوق في حين أن دعاة حقوق الإنسان يخفضون جناح الذل من رحمتهم وعدلهم المزعوم على دعم وتحصيل منظمات عالمية لمحبي الكلاب، وأصدقاء الحيوانات الأليفة، فتفتح الصوالين للكلاب، ليقوم أخصائيون بقص شعرها وتزينها وتعطيرها، وبالمقابل -عباد الله- تفتتح الصوالين الدموية التي يقص من خلالها شعور البشر المسلمين، ويحلقون أديانهم ويغتصبون أرضهم وأموالهم.
فليت مخبراً يخبرنا.. أتكون الكلاب المكلبة أهم وأعظم من قطر إسلامي بأسره، تعدو عليه حثالة لئيمة من ذئاب البشر وعبدة الطاغوت، فيقتلون الشيوخ والأطفال، ويرملون النساء في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي غيره من أراضي المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله؟ إنهم بذلك هم قتلة الإنسان، وهم حماة حقوق الإنسان المجرم.
الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! الله أكبر! الله أكبر ولله الحمد! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر كبيراً!
أيها المسلمون: يا حجاج بيت الله الحرام! ما أحوج البشرية في هذا العصر وهي تكتوي بلهيب الصراعات الدموية والنزاعات الوحشية، ما أحوجها وهي تلتفت إلى بيت الله الحرام، إلى أن تخلِّص نفوس أبنائها من الأنانية والبغضاء، والكراهية والشحناء، وترتقي إلى أفق الإسلام السامي، فتتعلم الحياة بسلام ووئام، كما أراد الله لعباده المؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:208-209].
إنه بهذا الصفة، وتلك الجموع، يقرر الإسلام: أنه ليست هناك دواع محفولة تحمل الناس على أن يعيشوا متناكرين، بل إن الدواعي القائمة على الطريق الحق تمهد للمسلمين مجتمعاً متكافلاً، تسوده المحبة، ويمتد به الأمان، على ظهر الأرض كلها، والله عز وجل رد أنساب الناس وأجناسهم إلى أمرين اثنين، ليجعل من هذه الرحب ملتقى تتشابك عنده الصِلات، وتستوثق العُرى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13].
إنه التعارف لا التنافر، والتعاون لا التخاذل، فالأرض أرض الله، والكل عباد الله، وليس هناك إلا ميزان واحد، تتحدد به القيم، ويعرف به فضل الناس، ألا وهو التقوى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] ألا أن الكريم حقاً هو الكريم عند الله، وهو يزنكم عن علم وخبرة: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34].
الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! الله أكبر! الله أكبر! ولله الحمد!
حجاج بيت الله الحرام! إن بيت الله العتيق ما برح يطاول الزمان، وهو شامخ البنيان، في منعة من الله وأمان، بناه إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، إعلاناً بالتوحيد الخالص، إذ بناؤه مرهون بتوحيد الله، حيث قال جل وعلا: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً [الحج:26].
فمن أجل التوحيد بني بيت الله، لئلا يعبد إلا هو وحده، فقد حطم المصطفى صلى الله عليه وسلم الأصنام من حول الكعبة -وعلى رأسها أعلاها وأعظمها هبل- وهو يردد: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً [الإسراء:81].
لقد تمثل التوحيد في الحج من خلال التلبية، وفي قراءة سورتي الكافرون وقل هو الله أحد في ركعتي الطواف، وتمثل في خير الدعاء وهو دعاء يوم عرفة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
إذاً: فالتوحيد -عباد الله- هو لباب الرسالة السماوية كلها، وهو عمود الإسلام وشعاره الذي لا ينفك عنه، وهو الحقيقة التي ينبغي أن نغار عليها ونصونها من كل شائبة، فالتوحيد وسيلة كل نجاح وشفيع كل فلاح، يصير الحقير شريفاً، والوضيع مطريفاً، يطول القصير ويقدم الأخير، ويعلي النازل، ويشهر الخامل، وما شيد ملك إلا على دعائمه، ولا زال ملك إلا على قواصمه، ما عزت دولة إلا بانتشاره، ولا زالت وذلت إلا باندثاره، ألا وإن معظم الشرور والنكبات التي أصابت أمة الإسلام وأشد البلايا التي حلت بها إنما كانت بسبب ضعف التوحيد في النفوس، وما تسلط من تسلط من الأعداء، وتعجرف من تعجرف، وغار من غار على حياض المسلمين، واستأصل شأفتهم إلا بسبب ضعف التوحيد، وما تأريخ التتار عن المسلمين بغائب، حيث بلغ الضعف في نفوس كثير من المسلمين آنذاك مبلغاً عظيماً؛ بسبب ضعف التوحيد، حتى ذكر بعض المؤرخين: أن جموعاً من المسلمين، أبان الهجوم التتري لبلاد الإسلام كانوا يرددون:
يا خائفين من التتر لوذوا بقبر أبي عمر |
عوذوا بقبر أبي عمر ينجيكم من الضرر |
كبرت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ [الأنعام:17].
لقد ابتلي كثير من الناس بالجهل بالتوحيد، حتى لم يعرفوا حق الله وحق العبد، ومزجوا بعض ما لله فجعلوه للعبد، حتى انحاز بعضهم إلى أصحاب القبور، وتضرعوا أمام أعتابها، وتمسحوا بها، واستغاثوا بأهلها بالشدائد والكروب، بل لقد كثر مروجوها والداعون إليها من قبوريين ومخرفين، والذين يخترعون حكايات سمجة عن القبور وأصحابها وكرامات مختلقة لا تمس إلى الصحة بنصيب.
بل قد طاف بعضهم بالقبور كما يطاف بالكعبة المعظمة، وأوقفوا الأموال الطائلة على تلك الأضرحة، حتى إنه لتجتمع في خزائن بعض المقبورين أموال يصعب حصرها، فيا لله! كيف أن أحياءهم لا يكرمون بدرهم واحد، وبألف ألف قد يكرم أمواتهم!!
لقد قصر أناس مع التوحيد، فتقاذفتهم الأهواء، واستحوذت عليهم الفتن والأدواء، فمن مفتون بالتمائم والحروز يعلقها عليه وعلى عياله؛ بدعوى أنها تدفع الشر، وتذهب بالعين، وتجلب الخير، والله تعالى يقول: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنعام:17].
لقد قصر جمع من المسلمين مع التوحيد، فافتتنوا بالمشعوذين، والدجاجلة الأفاكين، من سحرة وعرافين ونحوهم، والذين يأكلون أموال الناس بالباطل، بدعوى أنهم يكاشفونهم بأمور الغيب، فيما يسمى مجالس تحضير الأرواح، أو قراءة الكف والفنجان، ليكاشفوا الناس -على حد زعمهم- عما سيحدث في العالم خلال يوم جديد، أو أسبوع سيطل، أو شهر أوشك حلوله، أو عام مرتقب: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل:65].
ناهيكم -عباد الله- عن اللت والعجن عبر الصحف والمجلات ونحوها، فيما يسمى قراءة الأبراج ومستقبلها، والذي يروج من خلاله بأنه يا لسعادة كاملة لأصحاب برج الجدي، ويا لغنى أصحاب برج العقرب، وأما أصحاب برج الجوزاء فيا لتعاسة الحظ وخيبة الأمل (زعموا) إلى غير ذلك من سيل الأوهام الجارف، والخزعبلات المقيتة التي لا حد لها: أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ [الطور:38].
الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! والله أكبر! الله أكبر! ولله الحمد! بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله إنه كان غفاراً.
الحمد لله ولي الصالحين، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون- واجعلوا من عيدكم هذا صفحة جديدة بيضاء، يصحح من خلالها الواقع المرير، ويكشف الزيغ عن كثير من الشعارات، والنداءات التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، وأن يكون الحكم لله في أرضه، وأن تكون الهيمنة في جميع شئون الحياة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] .. أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: ( مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي محموم، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم، فدعا رجلاً من علمائهم فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا. ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فقلنا: إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلناه التحميم والجلد مكان الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم، فأنزل الله:يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [المائدة:41].. الحديث ) رواه مسلم .
فأي حكم -عباد الله- أهدى من حكم الله، وأي شريعة أصلح من شريعة الإسلام: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [النحل:9].
الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! الله أكبر! الله أكبر ولله الحمد!
أمة الإسلام: حجاج بيت الله الحرام! إن أردتم السعادة والفلاح فأصلحوا نفوسكم من داخلها، ونقوا وسائل المجتمعات من شوائبها، لا سيما الإعلام، لأنه سلاح ذو حدين، فالله الله أن يُرى فيه ما يحلق الدين، أو ما يضلل الناس، أو يكون سبباً في البعد عن الحقائق، مع نشر الكذب والدجل، والتضليل على الشعوب والمجتمعات، فإن مما لا شك فيه، أن الإعلام قوام المجتمعات، وإذا أردت أن تحكم على مجتمع ما صعوداً أو هبوطاً فانظر إلى إعلامه.
فحذار -أمة الإسلام- من الإخلال بضوابطه والخروج عن مقصده من حيث النفع والتربية، والنشأة السوية، وخدمة المجتمعات فيما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، وفق شريعة الله الخالدة، فاتقوا الله أيها الإعلاميون، واعلموا أنكم مسئولون تجاه الأمن الفكري سلباً وإيجاباً.
كما أنه ينبغي علينا جميعاً أن نصحح أوضاعنا تجاه المرأة المسلمة، وأن نتفطن للأيادي العابثة، والقفازات الزائفة، والتي تتربص بها ليل نهار لتخرجها من نطاقها المرسوم لها حتى تكون فريسة لذوي الشهوات المسعورة، والمطامع المشبوهة، وللذين كرهوا ما نزل الله.
ولنحرص جميعاً على تبيين اهتمام الإسلام بالمرأة، وأنها لها شأن في المجتمع، بل هي نصف المجتمع، وأن الإسلام رعا حقها بنتاً، ورتب الأجر الجزيل على من عال جاريتين، ورعا حقها زوجة، فجعل لها من الحق مثلما للرجل وللرجل عليها درجة، ولم يجعل عقد الزوجية عقد استرقاق للمرأة ولا عقد إهانة واتفاق، إنما هو عقد إكرام واتصال بالحلال.
كما أحسن الإسلام في الوقت نفسه إلى المرأة أماً فقدم حقها على حق الأب، ثلاث مرات في البر، بل أكد النبي صلى الله عليه وسلم حق المرأة المسلمة في حجة الوداع بقوله: (فاتقوا الله بالنساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف )
الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! الله أكبر! الله أكبر ولله الحمد!
حجاج بيت الله الحرام! يا من أديتم مناسككم ووقفتم بـعرفات ، وانحدر بكم الشوق إلى المزدلفة ، فسكبتم عند المشعر الحرام العبرات، هنيئاً لمن رزقوا الوقوف بـعرفة ، وجأروا إلى الله بقلوب محترقة، ودموع مستبقة، فلله كم من خائف أزعجه الخوف من الله وأقلقه، ومحب ألهمه الشوق وأحرقه، وراج أحسن الظن بوعد الله فصدقه، اطلع عليهم أرحم الرحماء، وباهى بجمعهم أهل السماء.
فهل رأيتم -عباد الله- قط شبه عراة، أحسن من المحرمين، هل شاهدتم ماء صافية أصفى من دموع المتأسفين، هل ارتفعت أكف وانبسطت أيدي فضاهت أكف الراغبين.
هل لصقت بالأرض جباه أفضل من جباه المصلين، فيا لها من غنيمة باردة، ويا له من فوز خاب مضيعوه.
حجاج بيت الله الحرام! أخلوا لله حجكم، واتبعوا سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم تفحلوا، واشكروا الله شكراً كثيراً على أن هيأ لكم سبل الراحة، وأداء الحج في يسر وسهولة، مع أمن مبذول، وتنظيم مشكور، ومعنيين بالدعوة والتوجيه، سخرهم الله في بلاد الحرمين ، خدمة لحجاج بيته، فالحرمان الشريفان أهل لأن يخدما، وبلاد الحرمين الشريفين حرسها الله أهل لأن تكون خادمة للحرمين، فشكر الله الجهود، وبارك بالخطا، وتقبل من الحجاج حجهم إنه هو السميع العليم.
الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! الله أكبر! الله أكبر ولله الحمد!
عباد الله: إن يومكم هذا هو يوم الحج الأكبر وهو عيد الأضحى والنحر، وإن من أعظم ما يؤدى في هذا اليوم، هو بقية مناسك الحج، إضافة إلى الأضحية الشرعية، التي ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم، وإن للمضحي في كل شعرة حسنة، وبكل صوفة حسنة، وهي سنة أبينا إبراهيم المؤكدة، ويكره تركها لمن قدر عليها، كما أن ذبحها أفضل من التصدق بثمنها، وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة والبقرة عن سبعة.
ثم اعلموا أن للأضحية شروطاً ثلاثة: الشرط الأول: أن تبلغ السن المعتبرة شرعاً وهو خمس سنين للإبل وسنتان في البقر، وسنة كاملة في المعز، وستة أشهر في الضأن.
والشرط الثاني: أن تكون سالمةً من العيوب، التي نهى عنها الشارع، وهي أربعة عيوب، العرجاء التي لا تعانق الصحيحة في الممشى، والمريضة البين مرضها، والعوراء البين عورها، والعجفاء: وهي الهزيلة التي لا مخ فيها، وكلما كانت أكمل في ذاتها وصفاتها فهي أفضل.
والشرط الثالث: أن تقع الأضحية في الوقت المحدد، وهو الفراغ من صلاة العيد، وينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث بعد العيد، فصارت الأيام أربعة.
ومن كان منكم يحسن الذبح فليذبحها بنفسه، ومن لا يحسنه فليوكل غيره ممن يحسنه، وليرفق الجميع بالبهيمة، وليرح أحدكم ذبيحته، وليحد شفرته، فإن الله كتب الإحسان على كل شيء، حتى في ذبح البهيمة، ثم ليسمي أحدكم عند ذبحها، ويقول: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، اللهم هذه عن فلان أو فلانة، ويسمي صاحبها.
ثم أعلموا -أيها المسلمون- أن الله سبحانه وتعالى قد جمع لكم في هذا اليوم عيدين اثنين، وقد ثبت عند أبي داود وابن ماجة وغيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون ).
وقد قال محققون من أهل العلم: إن من شهد العيد، سقطت عنه الجمعة، لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها، ومن لم يشهد العيد.
ثم اعلموا -يا رعاكم الله- أن الله سبحانه لم يشرع لأمة الإسلام في السنة إلا عيدين اثنين، هما: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وبهذا يعلم أن ما يفعله البعض، من التقليد الأعمى لأهل الغرب من خلال التشبه بأعيادهم ومناسباتهم وإقامتها في بلاد المسلمين، كالذي يسمى عيد الحب، أو عيد الأم، أو ما شابه ذلك، فإن هذا من الأعياد المحدثة التي لم يأذن بها الشارع الحكيم بل حرمها من وجوه متعددة، في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ورأس أسباب التحريم: هو أنه من الإحداث في الدين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ناهيكم عن كونه تشبهاً بالمشركين، وقد جاء النهي عن التشبه بهم، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم ).
إضافة إلى كونها تسلب استقلالية المسلمين وعزتهم وتمسكهم بدينهم على وجه المسارقة والتدرج، وأمة الإسلام يجب أن تكون متبوعة لا تابعة، وقائدة لا مقادة، ورضي الله عن ابن مسعود حيث يقول: [[أنتم أشبه الأمم ببني اسرائيل سمة وهدياً، تتبعون عملهم، حذو القذة بالقذة، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أما لا ]] .. وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ [الحج:34-37].
الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! الله أكبر! الله أكبر ولله الحمد!
هذا وصلوا رحمكم الله على خير البرية، وأفضل البشرية، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، فقد أمركم الله بذلك فقال في كتابه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر وعمر ، وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم انصر دينك وكتابك، وسنة نبيك وعبادك المؤمنين. اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وسلم الحجاج والمسافرين والمعتمرين، في برك وبحرك وجوك من المسلمين يا أرحم الراحمين!
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين!
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم! اللهم أصلح له بطانته ياذا الجلال والإكرام! اللهم اجعل مواسم الخيرات لنا مربحاً ومغنماً، وأوقات البركات والنفحات لنا إلى رحمتك طريقاً وسلماً.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! الله أكبر! الله أكبر ولله الحمد! الله أكبر! الله أكبر كبيراً!
استمع المزيد من الشيخ سعود الشريم - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
ربما تصح الأجسام بالعلل | 2770 استماع |
السياحة من منظور إسلامي | 2558 استماع |
لا أمن إلا في الإيمان!! | 2473 استماع |
حاسبوا أنفسكم | 2427 استماع |
العين حق | 2386 استماع |
كيف نفرح؟ | 2353 استماع |
مفهوم السياحة ومخاطرها [1] | 2301 استماع |
رحيل رمضان | 2247 استماع |
مخاصمة السنة | 2175 استماع |
مفاهيم رمضانية | 2172 استماع |