أهمية أعمال القلوب


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله الأمين، محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.

وبعــد:

فإن موضوعنا سوف يكون عن جانب عظيم ومهم جداً من جوانب الإيمان، وهو ما يتعلق بأعمال القلوب التي غفل كثير من الناس عن أهميتها، ولا أعني بالغافلين عنها الذين انحرفوا فيها كالمتكلمين والصوفية، ولكنني أقصد تقصيرنا نحن أهل السنة والجماعة المتبعين لمنهج السلف الصالح، ومنهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في الدعوة والتزكية والتربية، نحن قد لا نعطي لهذه الأمور ما تستحق من العناية والتركيز, مع أنها من أهم الأمور كما سنوضح بإذن الله تبارك وتعالى.

والتذكير بالأمور الأساسية والمهمة واجب لا يجوز ولا ينبغي لأحد أن يجد غضاضة منه، فإن الله تبارك وتعالى أكثر ما ذكر في القرآن ووعظ ونوَّع في الأساليب بالإيمان بالله وتوحيده والإيمان باليوم الآخر، مع أن المخاطب به قوم قد آمنوا بذلك من قبل في الغالب، لكن هذه هي الأمور المهمة والأساسية والأصلية التي تنبني عليها حياة المؤمن وعبادته وأعماله والتي يجب أن يُذكِّر بها، وأن يُتَحَدَّث عنها كثيرا،ً فكيف إذا وجدنا أنها ربما أهملت لأسباب مختلفة.

إنَّ علينا جميعاً -نحن طلبة العلم- أن نراجع أول ما نراجع موقف قلوبنا مع ربنا تبارك وتعالى، وحال هذه القلوب من التزكية والطهارة والتصفية والنقاوة، وأن نتعرف على أعمال القلوب،ونعلم مقدار ما لدينا منها، وماذا ينقصنا، وكيف فهمنا لها، ومعرفتنا وعلمنا بها، أهي كما يرضي الله عز وجل وكما كان السلف الصالح, أم هنالك شيء من الخلل فيها فيتدارك، فإذا صلحت هذه القلوب؛ فإن الحال يكون كما في الحديث الصحيح (ألا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ) رواه البخاري ومسلم وابن ماجة والدارمي وأحمد.

إنَّ هذا الدين إنما نزل في حقيقته لتزكية القلوب وإصلاحها، ولهذا يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أنا دَعْوَةُ أبي إِبْرَاهِيمَ) رواه أحمد.

ودعوة أبينا إبراهيم هي ما في قوله تعالى: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ [البقرة:129] فإبراهيم عليه السلام دعا الله لما بنى هذا البيت العظيم "العتيق" أن يبعث في هذه الأمة هذا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبهذه الأهداف والأغراض، وقد استجاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دعوة إبراهيم عليه السلام كما في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2].

فنلاحظ هنا أن هذه الأمور الثلاثة المدعو بها اختلف اختلفت ترتيبها، فتقدمت التزكية على التعليم، ولاشك أن الإنسان لا يمكن أن يتزكى إلا بأن يتعلم الكتاب والسنة، فيتعلم الهدى الذي جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لكن عندما تتقدم التزكية فهي من باب تقديم الغرض والغاية على الوسيلة التي تؤدي إلى هذه الغاية.

فالأصل هي: تزكية هذه القلوب التي هي موضع نظر الله من العبد كما في الحديث: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) رواه مسلم، وهذه القلوب هي محل الابتلاء والتمحيص ومحل الأعمال التي لو استعرضناها؛ لعجبتم ولعلمتم أن لهذه القلوب شأناً عظيماً عند الله تبارك وتعالى، كيف لا والقلب هو الذي إذا كان حياً فإن الجسد يحيا معه، وإذا مات مات الجسد.

حياة القلب وموته

فالحياة حياة القلب، والموت موت القلب، والمرض مرض القلب.

ولذلك نجد آيات عظيمة وكثيرة تتحدث عن أعمال القلوب، وأعظم هذه الأعمال بلا ريب هو الإيمان الذي هو الدين كله، ونحن الذين خاطبنا الله تبارك وتعالى باسم الإيمان حيث قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:104] والمقصود به: الذين استجابوا لله تبارك وتعالى، وأذعنوا ظاهراً وباطناً، قولاً وعملاً، فالإيمان عند أهل السنة والجماعة هو -كما تعلمون- (قول وعمل).

فالقول قولان والعمل عملان.

فالقول: قول القلب وهو: إقراره وتصديقه، وقول اللسان وهو: إقراره وتصديقه، أي: نطقه.

والعمل عملان: عمل القلب، وعمل الجوارح.

فلا أحد من المسلمين يجهل أنه لا بد من عمل الجوارح كالصلاة والصيام والزكاة وما أشبه ذلك، والأوضح عند المسلمين عامة الإقرار باللسان أي: (قول اللسان), لكن ما يتعلق بالقلب -وهو الأهم- قد يخفى على كثير من المسلمين.

ولهذا نجد أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يخاطبنا بذلك ويبين لنا أهمية القلب فمثلاً: لما جاءت الأعراب، وقالوا -كما حكى الله عنهم-: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14] فالأعراب أسلموا بمعنى أنه: حصل منهم الانقياد الظاهر، وأصل الإقرار والتصديق الذي يكون بالقلب، ولكن لم يدخل الإيمان في قلوبهم.

فالقلب لم يصل بعد إلى أن يكون قد آمن حقاً، وهذه درجة لا يجوز لأحد أن يدعيها، فالإيمان في الحقيقة هو إيمان القلب، ولهذا قال: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:7] وذلك في مخاطبة المؤمنين، فهكذا يكون تزيينه في القلب، ودخوله فيه، أما المؤمنون السابقون فقد زينه في قلوبهم، وأما الأعراب فهو لما يدخل قلوبهم بعد، مع أن الجميع مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, مثلما نكون نحن الآن في الصلاة -مثلاً- في المسجد وفي الجهاد, فكلنا في مسجد واحد وفي معركة واحدة, لكن بين هذا وذاك من التفاوت مثل ما بين السماء والأرض، بقدر الإيمان وبقدر أعمال القلوب من الإخلاص والخشوع والإنابة والإخبات وغير ذلك من أعمال القلب.

أما أعمال الجوارح فإنها لا تكفي من دون أعمال القلب كما حصل في عهد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الرجل الذي كان يبلو بلاءً شديداً ضد المشركين، ومع ذلك يقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {هو من أهل النار}، ربما يكون ذلك مع وجود من هو من أهل الإيمان والتقوى ومن أهل الجنة في الجيش, ولم يبل ذلك البلاء ولم يقتل مشركاً واحداً ولم يَصُلْ ولم يجل في المعركة، وكذلك في الإنفاق والصدقة والإحسان وسائر أعمال الخير التي إنما نريد أن نعبد ونتقرب إلى الله تبارك وتعالى بها.

إذاً: الإيمان هو: إيمان القلب، والتقوى -أيضاً- هي: تقوى القلب، كما قال الله: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32] ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {التَّقْوَى هَاهُنَا، التَّقْوَى هَاهُنَا، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} رواه مسلم، وأحمد، فمحل التقوى هو القلب، والتقوى تشمل كل أعمال الخير والبر والصلاح، ولاسيما إذا أفردت, وقد بحث هذه المسألة شَيْخ الإِسْلامِ في أول كتاب الإيمان عند كلامه على لفظ البر ولفظ التقوى، وأمثالها من الألفاظ التي تأتي في القرآن والتي إذا جاءت فهي تشمل كل أعمال الإيمان الظاهر منها والباطن.

أقسام القلوب

أقسام القلوب ثلاثة وهي التي تسلم، أو تقسو، أو تمرض، والقسوة هي الموت، وهذه الثلاث الحالات تنتاب القلوب.

أما القلوب السليمة: فقد جاءت في كتاب الله تعالى، كما في قوله تعالى: يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] أي: خالص متجرد من الشرك، لا تشوبه شائبة من شرك، أو نفاق، أو رياء.

ويقول الله تبارك وتعالى في موضع آخر عن سلامة القلب في حق إبراهيم الخليل: إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الصافات:84] فإبراهيم عليه السلام حقق ذلك، ولذلك أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالائتساء والاقتداء به؛ لأن قلبه عليه السلام سَلِمَ من الشرك، ومن الولاء لغير الله، ومن المداهنة، والرياء، والنفاق، فخلص وتجرد، وتطهر لله وحده لا شريك له.

أما القلوب المريضة: فكمـا قال الله تعالى: أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ [النور:50] فالقلوب تمرض، والآيات التي تذكر مرض القلب كثيرة منها قوله تعالى: فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً [البقرة:10].

وهناك طائفة كبيرة محسوبة ومنسوبة إلى هذا الدين, ويأتي الحديث عن أمراض القلوب غالباً مقترناً بها، وهم المنافقون -نسأل الله العفو والعافية- وهل هناك مؤمن يخاف من شيء أكثر من خوفه أن يكون منافقاً، فهذا أخشى وأخطر ما يجب أن نخافه، فلا ينفعنا عمل مهما كبر وعظم مع النفاق، لأن المنافقين ينفقون ولكن ينفقون وهم كارهون، ويصلون ولكن يصلون وهم كارهون، ويخرجون للجهاد ولكن كما قال تعالى لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً [التوبة:47].

فليست المسألة في أن الأعمال تقع، لكن أن تكون هذه الأعمال تقع مع قلب سليم من المرض، ولهذا خاطبهم الله ووصفهم بأنهم قالوا: آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، فلا ينفع من آمن بفيه ولم يؤمن قلبه، إلا السلامة من سيف المؤمنين في الدنيا؛ لأنه قد دخل في دائرة من عصم دمه بقول هذه الكلمة ظاهراً، ولهذا لما ضرب الله تعالى المثل لهم في أول سورة البقرة قال فيهم: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ [البقرة:19] أي: أنهم ليسوا كالكفار الذين لم يروا نوراً مطلقاً، فقد رأو نوراً ولكن هل ينفعهم هذا الصِّيب، وهذا البرق؟

لا ينفعهم مطلقاً، بل هو مخيف لهم،لأنهم لم يذعنوا بقلوبهم لله تبارك وتعالى, ولو أذعنوا وآمنت قلوبهم لاستنارت ولما كان ذلك إلا نوراً في قلوبهم وحياة يحيون بها، ويزكون بها أعمالهم، وتسلم قلوبهم من المرض فتطمئن، كما قال الله: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].

وأما القلوب الميتة: فإنه إذا اشتد المرض بالقلب؛ حصل الموت، والموت:هو القسوة كما في قول الله تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ [البقرة:74] وقوله تعالى أيضاً: فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم [الزمر:22].

من نتائج مرض القلوب

هناك ألفاظ قريبة من القسوة أو شبيهة بها تدل على موت القلب -والعياذ بالله- إذا كان صاحبه ممن أهمله حين مرض, ولم يتنبه له ولم يعالجه بذكر الله؛ فأوصله إلى نتائج مرض القلب مثل:

1- أن يقفل عليها، كما قال تعالى: أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] فيقفل على هذه القلوب.

2- الران، قال تعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُون [المطففين:14].

3- أو التغليف، كما قال تعالى: وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ [البقرة:88].

4- عدم الفقه، كما قال تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا [الأعراف:179].

6,5- الطبع والزيغ، كما قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5].

7- العمى، قال تعالى: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور [الحج:46]، وقد ذكر الله تبارك وتعالى الكثير من نتائج موت القلب من مثل هذا، ولو تدبرنا في القرآن حق التدبر لوجدنا الكثير من هذه المواضع، فيما يتعلق بمرض القلب وموته، وأكثر من ذلك أو مثله فيما يتعلق بأعمال القلوب.

فالحياة حياة القلب، والموت موت القلب، والمرض مرض القلب.

ولذلك نجد آيات عظيمة وكثيرة تتحدث عن أعمال القلوب، وأعظم هذه الأعمال بلا ريب هو الإيمان الذي هو الدين كله، ونحن الذين خاطبنا الله تبارك وتعالى باسم الإيمان حيث قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:104] والمقصود به: الذين استجابوا لله تبارك وتعالى، وأذعنوا ظاهراً وباطناً، قولاً وعملاً، فالإيمان عند أهل السنة والجماعة هو -كما تعلمون- (قول وعمل).

فالقول قولان والعمل عملان.

فالقول: قول القلب وهو: إقراره وتصديقه، وقول اللسان وهو: إقراره وتصديقه، أي: نطقه.

والعمل عملان: عمل القلب، وعمل الجوارح.

فلا أحد من المسلمين يجهل أنه لا بد من عمل الجوارح كالصلاة والصيام والزكاة وما أشبه ذلك، والأوضح عند المسلمين عامة الإقرار باللسان أي: (قول اللسان), لكن ما يتعلق بالقلب -وهو الأهم- قد يخفى على كثير من المسلمين.

ولهذا نجد أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يخاطبنا بذلك ويبين لنا أهمية القلب فمثلاً: لما جاءت الأعراب، وقالوا -كما حكى الله عنهم-: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14] فالأعراب أسلموا بمعنى أنه: حصل منهم الانقياد الظاهر، وأصل الإقرار والتصديق الذي يكون بالقلب، ولكن لم يدخل الإيمان في قلوبهم.

فالقلب لم يصل بعد إلى أن يكون قد آمن حقاً، وهذه درجة لا يجوز لأحد أن يدعيها، فالإيمان في الحقيقة هو إيمان القلب، ولهذا قال: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:7] وذلك في مخاطبة المؤمنين، فهكذا يكون تزيينه في القلب، ودخوله فيه، أما المؤمنون السابقون فقد زينه في قلوبهم، وأما الأعراب فهو لما يدخل قلوبهم بعد، مع أن الجميع مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, مثلما نكون نحن الآن في الصلاة -مثلاً- في المسجد وفي الجهاد, فكلنا في مسجد واحد وفي معركة واحدة, لكن بين هذا وذاك من التفاوت مثل ما بين السماء والأرض، بقدر الإيمان وبقدر أعمال القلوب من الإخلاص والخشوع والإنابة والإخبات وغير ذلك من أعمال القلب.

أما أعمال الجوارح فإنها لا تكفي من دون أعمال القلب كما حصل في عهد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الرجل الذي كان يبلو بلاءً شديداً ضد المشركين، ومع ذلك يقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {هو من أهل النار}، ربما يكون ذلك مع وجود من هو من أهل الإيمان والتقوى ومن أهل الجنة في الجيش, ولم يبل ذلك البلاء ولم يقتل مشركاً واحداً ولم يَصُلْ ولم يجل في المعركة، وكذلك في الإنفاق والصدقة والإحسان وسائر أعمال الخير التي إنما نريد أن نعبد ونتقرب إلى الله تبارك وتعالى بها.

إذاً: الإيمان هو: إيمان القلب، والتقوى -أيضاً- هي: تقوى القلب، كما قال الله: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32] ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {التَّقْوَى هَاهُنَا، التَّقْوَى هَاهُنَا، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} رواه مسلم، وأحمد، فمحل التقوى هو القلب، والتقوى تشمل كل أعمال الخير والبر والصلاح، ولاسيما إذا أفردت, وقد بحث هذه المسألة شَيْخ الإِسْلامِ في أول كتاب الإيمان عند كلامه على لفظ البر ولفظ التقوى، وأمثالها من الألفاظ التي تأتي في القرآن والتي إذا جاءت فهي تشمل كل أعمال الإيمان الظاهر منها والباطن.

أقسام القلوب ثلاثة وهي التي تسلم، أو تقسو، أو تمرض، والقسوة هي الموت، وهذه الثلاث الحالات تنتاب القلوب.

أما القلوب السليمة: فقد جاءت في كتاب الله تعالى، كما في قوله تعالى: يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] أي: خالص متجرد من الشرك، لا تشوبه شائبة من شرك، أو نفاق، أو رياء.

ويقول الله تبارك وتعالى في موضع آخر عن سلامة القلب في حق إبراهيم الخليل: إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الصافات:84] فإبراهيم عليه السلام حقق ذلك، ولذلك أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالائتساء والاقتداء به؛ لأن قلبه عليه السلام سَلِمَ من الشرك، ومن الولاء لغير الله، ومن المداهنة، والرياء، والنفاق، فخلص وتجرد، وتطهر لله وحده لا شريك له.

أما القلوب المريضة: فكمـا قال الله تعالى: أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ [النور:50] فالقلوب تمرض، والآيات التي تذكر مرض القلب كثيرة منها قوله تعالى: فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً [البقرة:10].

وهناك طائفة كبيرة محسوبة ومنسوبة إلى هذا الدين, ويأتي الحديث عن أمراض القلوب غالباً مقترناً بها، وهم المنافقون -نسأل الله العفو والعافية- وهل هناك مؤمن يخاف من شيء أكثر من خوفه أن يكون منافقاً، فهذا أخشى وأخطر ما يجب أن نخافه، فلا ينفعنا عمل مهما كبر وعظم مع النفاق، لأن المنافقين ينفقون ولكن ينفقون وهم كارهون، ويصلون ولكن يصلون وهم كارهون، ويخرجون للجهاد ولكن كما قال تعالى لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً [التوبة:47].

فليست المسألة في أن الأعمال تقع، لكن أن تكون هذه الأعمال تقع مع قلب سليم من المرض، ولهذا خاطبهم الله ووصفهم بأنهم قالوا: آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، فلا ينفع من آمن بفيه ولم يؤمن قلبه، إلا السلامة من سيف المؤمنين في الدنيا؛ لأنه قد دخل في دائرة من عصم دمه بقول هذه الكلمة ظاهراً، ولهذا لما ضرب الله تعالى المثل لهم في أول سورة البقرة قال فيهم: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ [البقرة:19] أي: أنهم ليسوا كالكفار الذين لم يروا نوراً مطلقاً، فقد رأو نوراً ولكن هل ينفعهم هذا الصِّيب، وهذا البرق؟

لا ينفعهم مطلقاً، بل هو مخيف لهم،لأنهم لم يذعنوا بقلوبهم لله تبارك وتعالى, ولو أذعنوا وآمنت قلوبهم لاستنارت ولما كان ذلك إلا نوراً في قلوبهم وحياة يحيون بها، ويزكون بها أعمالهم، وتسلم قلوبهم من المرض فتطمئن، كما قال الله: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].

وأما القلوب الميتة: فإنه إذا اشتد المرض بالقلب؛ حصل الموت، والموت:هو القسوة كما في قول الله تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ [البقرة:74] وقوله تعالى أيضاً: فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم [الزمر:22].

هناك ألفاظ قريبة من القسوة أو شبيهة بها تدل على موت القلب -والعياذ بالله- إذا كان صاحبه ممن أهمله حين مرض, ولم يتنبه له ولم يعالجه بذكر الله؛ فأوصله إلى نتائج مرض القلب مثل:

1- أن يقفل عليها، كما قال تعالى: أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] فيقفل على هذه القلوب.

2- الران، قال تعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُون [المطففين:14].

3- أو التغليف، كما قال تعالى: وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ [البقرة:88].

4- عدم الفقه، كما قال تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا [الأعراف:179].

6,5- الطبع والزيغ، كما قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5].

7- العمى، قال تعالى: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور [الحج:46]، وقد ذكر الله تبارك وتعالى الكثير من نتائج موت القلب من مثل هذا، ولو تدبرنا في القرآن حق التدبر لوجدنا الكثير من هذه المواضع، فيما يتعلق بمرض القلب وموته، وأكثر من ذلك أو مثله فيما يتعلق بأعمال القلوب.

حياة القلوب لها أعمال ولها صفات وأحوال، والأعمال القلبية كثيرة جداً منها:

الوجل

المحبة

والمحبة قطعاً محلها القلب؛ ولذلك يقول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا ُيحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لله [البقرة:165] ويقول: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31] ويقول: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18]، فهذه مزاعم ودعاوى باطلة، ولكن المؤمنين هم الذين يحبون الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويحبون المؤمنين والصالحين وكل ما من شأنه أن يقربهم إلى الله عز وجل، وإلى محبته ورضاه.

الإخلاص

الإخلاص عمل عظيم، وبه يكون الفارق بين المؤمنين والمنافقين، لأنَّ المنافقين حتى وهم يشهدون شهادة الحق، فإنهم يشهدون وهم كاذبون، فإذا أردنا أن نفرق بين المؤمنين والمنافقين فالصدق والإخلاص هما أساس ذلك, وهما من أعظم أعمال القلوب إضافة إلى المحبة واليقين، قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة [البينة:5] نعم هكذا أمروا، فلو عبدوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من غير إخلاص, لما قبل منهم ولما نفعهم ذلك في شيء، لا سيما إذا فقد الإخلاص كله, أما إذا كان الإخلاص ناقصاً أي غير مفقود فشابته شوائب؛ فهذا له حكم أهل الوعيد والعصاة.

الإخبات

الخبت في اللغة: هو الأرض المنبسطة، والإخبات: أخبت إذا طأطأ حتى يساوى بالأرض، ففي هذا دليل على كمال الانقياد والإذعان فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ [الحج:54] فالإخبات هو عدم الاعتراض, فلو ارتفعت لكان فيها نوع من الاستكبار.

ولهذا يقولون في قلوب الكفار: إنها قلوب متكبرة جبارة, وكثيراً ما يصفهم الله بوصف الاستكبار؛ لأنهم يستكبرون عن عبادة الله وطاعته والانقياد لأمره، فالاستكبار ضد الإخبات.

والإخبات في الشرع هو: الخضوع الكامل والمطلق، فكأنه التصق بالأرض، فليس لديه أي اعتراض على ما يأتي من عند الله تبارك وتعالى، فهو كما قال الله عز وجل: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] والتسليم هو: حالة الإحسان التي ذكرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث جبريل العظيم المشهور، وهو: {أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك} لأنه كما قال ابن القيم رحمه الله تحكيم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مقام الإسلام.

فمن لم يحكم رسول الله على قلبه ونفسه, ويجعل هواه تبعاً لما جاء به في أصل التحكيم؛ فإنه ليس بمؤمن ولا بمسلم, إذ التحكيم في مقام الإسلام هو كما قال: حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ [النساء: 65]، وانتفاء الحرج يكون في مقام الإيمان، فالإيمان درجة أعلى من درجة الإسلام، فالدرجة هذه أنه حكم وانتفى الحرج من قلبه فلا حرج فيما يحكم به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

والمقصود هو: ما جاء به عامة، أي: ما جاءنا من حكمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهديه وسنته الظاهر منها والباطن، فنجعل كأنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بنفسه قائم بين أظهرنا, يقول: اعملوا كذا ولا تعملوا كذا.

فرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غاب بجسده, وأما دينه وسنته وهديه فهي بين أيدينا وحجته قائمة علينا, فلا بد من انتفاء الحرج هذا في مقام الإيمان.

التسليم

يقول: وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] وهذا التسليم هو الذي لا يخطر على البال معه أدنى اعتراض كما كان الصديق رضي الله عنه.

ففي صلح الحديبية كان الصديق رضي الله عنه هو الوحيد من بين الصحابة جميعاً الذي سلم في هذا ولم يعترض، أما ثاني رجل في هذه الأمة في الإيمان والدين، وهو عمر رضي الله عنه فقد أبى واعترض، وقال: {يا رسول الله! ألسنا بالمؤمنين، وأليسوا بالكافرين، قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟!} فكأن الشروط مجحفة وما سلم تسليماً، لكن ليس في ذلك رد لأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو تقديم بين يدي الله ورسوله، وإنما ذلك غيرة منه على دين الله، وحرصاً منه على علو الدين وظهوره وتمكينه وانتصاره على أعدائه, فيرى أن هذه الشروط مجحفة للمسلمين -كما هو ظاهر الحال- فما سلم تسليماً بحيث لا يكون لديه أي ممانعة أو مدافعة أو منازعة، وإذا علمنا ذلك علمنا أهمية أعمال القلوب، وأن التزكية تحتاج إلى صبر ومصابرة ومثابرة ومجاهدة ومحاضن تربوية، وعمل ذاتي من المربي أو المزكي بنفسه ومن المجتمع أو الأمة، حتى تصلح هذه القلوب وتصلح هذه الحالة (حالة الإحسان).

ولهذا يقول عمر رضي الله عنه: [[فأعتقت وتصدقت لذلك]]، أي: أعتق وتصدق من أجل موقفه في ذلك اليوم, لأنه أنزله عن دائرة التسليم المطلق الذي فعله الصديق رضي الله عنه، وكان الصحابة مع عمر لكن لم يستطيعوا وليس فيهم جرأة عمر رضي الله عنه، فلما رأوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحلق ويتحلل؛ عندها أذعنوا عملياً لمشورة أم المؤمنين رضي الله عنها.

الإنابة

قال تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ [الزمر:54] والإنابة معناها قريب من معنى الإخبات، وأناب في اللغة معناه: عاد ورجع، فالإنابة: أن يعود الإنسان ويرجع إلى الله رجوعاً كلياً متجرداً خالصاً لله تبارك وتعالى، فيرجع عن كل ما لديه من أهواء، وشهوات، ودوافع، ونوازع ويجعل همه هو رضا الله تبارك وتعالى.

الخشية

الخشية أمرها عظيم، وقد مدح الله وأثنى على الذين يخشونه، كما قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] ولا خير في علم لا يؤدي إلى خشية الله تبارك وتعالى.

الخشوع

قال تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [الحديد:16] والخشوع هذا بمعنى الخشية أو قريب منه.

فأعمال القلب تتقارب؛ لأنها أعمال باطنة، فنجد -مثلاً- الوجل، والخوف، والخشية، والخشوع؛ متقاربة المعنى، ولكل واحد منها معنى, لكنها متقاربة في ذلك وكلها تدل في النهاية على كون هذا القلب خاضعاً وذليلاً للعزيز الجبار المتكبر الذي خلقه فسواه وعدله، وافترض عليه ما افترض، وشرع له ما شرع، وتعبده بما تعبد.

فإذاً الوجل والخوف والخشية والخشوع هي جملة من أعمال القلب لها دلائل، ويقابلها الرجاء والمحبة والرضا والفرح, فتتوازن النفس الإنسانية بين هذه الأربعة وتلك الأربعة, فيكون الإنسان حقاً قد جمع كل أعمال القلوب وأنواعاً من العبوديات التي يحبها الله تبارك وتعالى والتي لا يريد أن يقع أو يحصل بعضها ويترك ويهمل البعض الآخر.

التوكل

إنَّ أعمال القلوب كثيرة، والقاعدة في ذلك: كل ما نسب إلى القلوب أو إلى الصدور في كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فهي من أعمال القلوب، وهي أحياناً لا تنسب إلى القلب أو إلى الصدر ولكن هي محلُ ذلك، كالتوكل مثلاً، فهو من أعظم أعمال القلب؛ لأن التوكل يدخل في الاستعانة، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة الفاتحة التي هي أم القرآن والسبع المثاني يقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، وكل الدين داخل في هذه الآية وهذه، كما قال الله تعالى: قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا [الملك:29]، فـ إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] هي آمَنَّا بِهِ [الملك29] ووَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] هي وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَاِ [الملك29].

فهناك أمران: أن يكون الله تبارك وتعالى وحده هو المعبود والغاية وهو المراد الذي نسعى إليه, وأن يكون هو المستعان به وحده على تحقيق هذه الغاية, والمتوكل عليه وحده في أمورنا وحدها، فأعمال القلوب كثيرة نستطيع أن نستخلصها من كتاب الله.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة اسٌتمع
المناهج 2595 استماع
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية 2573 استماع
العبر من الحروب الصليبية 2505 استماع
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم 2458 استماع
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول 2346 استماع
من أعمال القلوب: (الإخلاص) 2261 استماع
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] 2254 استماع
الممتاز في شرح بيان ابن باز 2248 استماع
خصائص أهل السنة والجماعة 2196 استماع
الشباب مسئولية من؟ 2164 استماع