خطب ومحاضرات
لقاء مع طلبة الجامعة
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
أيها الإخوة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ونسأل الله تبارك وتعالى بفضله وكرمه أن يكتب لنا جميعاً أجر هذا الدرس، وأن يجعلنا من المقبولين، وأن يثيبنا، وأن يرزقنا حسن الاستماع والقول، وأن ينفعنا بما نقول ونسمع؛ إنه سميع مجيب.
أحب بين يدي هذا اللقاء بكم والسماع إلى بعض استفساراتكم أن أتقدم أولاً بكلمة أرجو الله أن ينفعنا جميعاً بها.
نحن ننتمي -ولله الحمد والشكر- إلى طلب العلم، ولم يجمعنا إلا رباط العلم، وهو علم قائم على كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه نعمة عظيمة أن يُهيئ الله تبارك وتعالى لنا أن نطلب العلم في البلد الأمين، وأن يُكثر لنا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ما ترون من الوسائل والتسهيلات التي تمت بفضل منه عز وجل، ثم بجهود الإخوة القائمين على هذه الأنشطة والوسائل، وهذا يستوجب منا شكر الله تبارك وتعالى، ويستتبع واجبات يجب أن نعلم أنها مُلقاة على أعناقنا.
الأمانة الملقاة على طالب العلم
وإن مما ينبغي لطالب العلم أن يعلمه: أمر الأمة الإسلامية وحالها لا يخفى على أحد منكم، وأنتم خلاصة مختارة، وصفوة منتقاة من هذه الأمة، والآمال بعد الله تبارك وتعالى معلقة عليكم, سواءٌ كان الواحد منكم من المملكة أومن خارجها، فلا بد أن وراءه من ينتظره؛ المدرس تنتظره مدرسته، وتنتظره مدينته، أو بلدته، أو قبيلته، وأي عمل من الأعمال فالآمال تعلق على شباب جاءوا لطلب العلم, ويريدون وجه الله تبارك وتعالى, ويراد منهم أن ينفعوا هذه الأمة التي تعاني -كما ترون جميعاً- من نقصٍ في المتخصصين في العلم الشرعي الداعين إلى الله تبارك وتعالى على بصيرة وبينة.
إنّ أمتكم -ولله الحمد- في إقبال وهذه بشرى، ونحمد الله الذي منَّ بهذه الرجعة والأوبة والتوبة إلى الله، فالأمة الإسلامية في حالة غليان، وفي حالة توبة وأوبة وعودة إلى الله عز وجل، ولكن من الذي يرسم لها معالم الطريق؟!
ومن الذي يأخذ بيدها إلى النهج القويم؟! ومن الذي يرشد هذه المسيرة والأوبة والتوبة؟!
إن الأمانة -بلا شك- مُلقاة على طلبة العلم من أمثالكم، وهذه الأمانة لا يقوم بها إلا من بدأ يعد العدة للقيام بها، ويجب أن نعلم أن هذا الإعداد مُتنوِّع وثقيل, ولكن لا بد منه, وإلا فليتهم الإنسان نفسه.
الإخلاص في طلب العلم
فطلب العلم إذا كان خالصاً لوجه الله تبارك وتعالى, وصاحبه يريد أن يدعو إلى الله، وأن يحقق ثمرة هذا العلم؛ فإن علامة ذلك وآيته: أنه يعد العدة من الآن لهذا العمل الجليل، والله تبارك وتعالى قد أخبرنا بحال المنافقين حينما أخذوا يعتذرون إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويحلفون في غزوة تبوك، فقال: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً [التوبة:46].
فبيَّن الله تعالى كذب المعتذرين الذين تخلفوا وخُذلوا عن القيام بأمر الله -عز وجل- مهما حلفوا من الأيمان، ومهما ظهر عليهم أو أظهروا من علامات البراءة والصدق, فأبطل الله -تبارك وتعالى- دعواهم هذه بحقيقة مهمة جلية، وهي: أن الذي يريد الحق وسعى إليه ثم حال دونه عذر، فإنه يعد العدة، ولكن يمنعه العذر.
أما هؤلاء فإنهم لم يعدوا العدة لذلك وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ [التوبة:46]، أي: لو كانوا حقاً يريدون الخروج لأعدوا له العدة، ولكنهم كانوا متخاذلين متكاسلين إلى أن انتهت الغزوة وعاد الجيش, فأخذوا يقسمون الأيمان ويحلفون أنهم صادقون، وأنهم يريدون الخروج.
فالإخلاص في طلب العلم لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو أول ما يجب على طالب العلم؛ وكما تعملون أن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة -كما ثبت ذلك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومنهم: العالم المرائي أو القارئ المرائي طالب العلم الذي تعلم رياءً أو طلب العلم من أجل الدنيا.
وقد عقد الشيخ الداعية المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في "كتاب التوحيد" باباً بعنوان (باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا)، وذكر فيه قول الله تبارك وتعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ [هود:15-16] أي: ليسوا من أهل التوحيد أهل المعاصي, لأن المؤمنين الموحدين من أهل المعاصي ما داموا على التوحيد والإيمان، فإن لهم في الآخرة الجنة وإن دخلوا النار، لكن الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار هم الذين تمحَّضت قلوبهم ونياتهم وتجردت عن الإخلاص، وتمحَّضت لغير الله تبارك وتعالى, وذكر بعد ذلك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {تعس عبد الدرهم! تعس عبد الدينار! تعس عبد القطيفة} إلى آخر الحديث، وفيه الزجر والوعيد لمن يسعى ويعمل ويكدح من أجل الدنيا ومن أجل طلب هذا المتاع الفاني.
فأوصي نفسي وإخواني بالإخلاص في طلب العلم لوجه الله تبارك وتعالى، وبتقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التي هي وصية الله للأولين والآخرين.
الحرص على الوقت
يجب علينا أن نضيِّق الأسباب المضيعة لأوقاتنا، سواءٌ منها ما كان متعلقاً بالنظام، أو ما كان منها متعلقاً بالسكن وبظروف الحياة؛ فإن هذه ولا شك تقتطع من وقت الإنسان جزءاً غير هين.
لكن يجب أن نغالب هذه الأسباب, ونبذل جهدنا لكي تكون أوقاتنا معمورة دائماً بالخير والنفع، وبما يقربنا من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن تكون مجالسنا في السكن وفي الجامعة مجالس خير وذكر ومساءلة وطلب علم وحرص ومحبة لبعضنا بعضاً، وأن نستفيد من هذه الفرصة المتاحة لنا، وهو أننا طُلاَّب وما نزال في مرحلة الطلب, وكلنا إخوة ولا يعاب على أحدٍ أن يسأل مهما بلغت منزلته من العلم، أو أن يقول: الله أعلم؛ فهذا من أصول السلف الصالح ومن آدابهم، لكن مع ذلك طالب العلم وهو ما يزال في مرحلة الطلب هو الذي لا يجد غضاضة في أن يسأل وأن يناقش وأن يبحث، فهذه فرصة مهيأة.
والإنسان إذا تصدَّر للحياة فيما بعد التخرج سيجد نفسه تجد أن السؤال ثقيل، وقول: الله أعلم تجده ثقيلاً، وهذا من أمراض النفوس التي يجب أن تُحارب، لكن ينبغي لنا ألا نتيح الفرصة لهذه النفس ولهذا الشيطان الماكر؛ فالشيطان يمتلك الكثير من الوسائل لأن يوسوس وأن يخدع ويغرر بهذه النفس، فينبغي أن تكون أوقاتنا دائماً كذلك، وأن يسأل بعضنا بعضاً، وأن نسأل أساتذتنا الكرام ومن نثق بعلمه لنستفيد جميعاً.
المحبة والأخوة أهمية الأخوة لطالب العلم
ولنعلم -جميعاً- أن الأمر هو كما قال الله تعالى: كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [النساء:94]، فنشفق ونرفق بالأخ الذي فيه تقصير دون أن نجامله ونداهنه ونقره ونرضاه على معصيته, لا!
أخ يتخلف -مثلاً- عن صلاة الفجر، أو عن بعض الصلوات!! لا نقره على ذلك, ولكن نخاطبه بالمحبة وبالمودة، وكذلك أخ فيه معصية أو منكر يجب علينا أن نتعاون -جميعاً- قبل أن يصل الأمر إلى الجهات المسئولة في الجامعة أو في غيرها... نحاول أن نتدارك هذا الأخ، ولا نعين الشيطان على أخينا، وإذا نصحناه وبذلنا الجهد، ثم بعد ذلك حصل له ما حصل، فإننا لا نلوم أنفسنا, ولكن أرأيتم إذا وقع إنسان في أوحال المعاصي, أو قبض عليه, ونحن لم نعذر إلى الله بالنصيحة, كيف يكون شعورنا بالألم؟!
لا شك أن كلاً منا يقول: يا ليتني نصحته! وربما لو نصحته لانتصح!
وكذلك ما قد يوجد من بعض الأفكار أو الآراء أو بعض البدع التي قد توجد سواء بيننا أو خارجنا, فنحن لا نستغرب أن يوجد أمثال هذه لأننا أمة أصيبت بعلل وبأمراض, ولكن نحن الأساتذة والأطباء الذين نعامل الناس بالرفق، ونحن أحرص ما نكون أن نستأصل هذه الأمراض بالأسلوب الطيب، وهذا واجبنا جميعاً.
فيرفق بعضنا ببعض, وينصح بعضنا بعضاً، ويُحب بعضنا بعضاً، وأرجو ألَّا يكون للشيطان بيننا مجال بتشهير أو ببغضاء أو شحناء، فإن هذا أفضل ما يتمناه عدو الله. ولا ينبغي أن نعطي له الفرصة لينزغ فيما بيننا.
وتأكدوا وثقوا أن كل عملٍ خالصٍ لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, فإنه لن يجد الإنسان نفسه به إلا في محبة لإخوانه, ولن يجدها على أهل الشر والبدع والفسق إلا مشفقةً عليهم راحمةً لهم حريصةً على هدايتهم.
وفي رسول الله صلى الله عليه سلم أسوة حسنة.. كيف كان صلى الله عليه سلم؟ كيف قابله المشركون بصنوف الأذى والتهم؟ ولكن رسول الله صلى الله عليه سلم كان يقابلهم بالصبر الجميل, بالهجر الجميل, ويقابلهم بالإعراض، وإن أعرض كان إعراضاً لا قطيعة معه، ولكنه ترفع عن سفاهتهم وعن إيذائهم.
فهذا ما أحببت أن أنصح به نفسي وإخواني، ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن ينفعنا جميعاً بما نسمع وبما نقول, وأن نكون طلبة علم مخلصين لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, داعين إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة, والحمد لله رب العالمين.
إن كثيراً من الناس يريد أن يطلب العلم في هذه البلاد وفي بلاد أخرى، ويتمنى ويحرص على أن يأتي إلى هذا البلد الأمين, ويطلب العلم ويتلقاه من هذه المنابع النقية الصافية، ولكن لا يتاح له ذلك، وهذا يوجب على من أنعم الله عليه بهذه النعمة أن يُعطيها حقها من الشكر، والإخلاص لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في طلب العلم, ومن الدعوة إلى الله عز وجل ونشر هذا العلم، وتحقيق ثمرته، ومن التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر، في سبيل نشر هذا الدين؛ الصبر على طلب العلم، والصبر في سبيل الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وإن مما ينبغي لطالب العلم أن يعلمه: أمر الأمة الإسلامية وحالها لا يخفى على أحد منكم، وأنتم خلاصة مختارة، وصفوة منتقاة من هذه الأمة، والآمال بعد الله تبارك وتعالى معلقة عليكم, سواءٌ كان الواحد منكم من المملكة أومن خارجها، فلا بد أن وراءه من ينتظره؛ المدرس تنتظره مدرسته، وتنتظره مدينته، أو بلدته، أو قبيلته، وأي عمل من الأعمال فالآمال تعلق على شباب جاءوا لطلب العلم, ويريدون وجه الله تبارك وتعالى, ويراد منهم أن ينفعوا هذه الأمة التي تعاني -كما ترون جميعاً- من نقصٍ في المتخصصين في العلم الشرعي الداعين إلى الله تبارك وتعالى على بصيرة وبينة.
إنّ أمتكم -ولله الحمد- في إقبال وهذه بشرى، ونحمد الله الذي منَّ بهذه الرجعة والأوبة والتوبة إلى الله، فالأمة الإسلامية في حالة غليان، وفي حالة توبة وأوبة وعودة إلى الله عز وجل، ولكن من الذي يرسم لها معالم الطريق؟!
ومن الذي يأخذ بيدها إلى النهج القويم؟! ومن الذي يرشد هذه المسيرة والأوبة والتوبة؟!
إن الأمانة -بلا شك- مُلقاة على طلبة العلم من أمثالكم، وهذه الأمانة لا يقوم بها إلا من بدأ يعد العدة للقيام بها، ويجب أن نعلم أن هذا الإعداد مُتنوِّع وثقيل, ولكن لا بد منه, وإلا فليتهم الإنسان نفسه.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
المناهج | 2599 استماع |
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية | 2576 استماع |
العبر من الحروب الصليبية | 2510 استماع |
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم | 2463 استماع |
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول | 2349 استماع |
من أعمال القلوب: (الإخلاص) | 2267 استماع |
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] | 2263 استماع |
الممتاز في شرح بيان ابن باز | 2251 استماع |
خصائص أهل السنة والجماعة | 2199 استماع |
الشباب مسئولية من؟ | 2167 استماع |