تفسير آيات الأحكام [44]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

سبب نزول قوله تعالى: (إن تبدوا الصدقات فنعما هي...)

فنتكلم على قول الله سبحانه وتعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ [البقرة:271], هذه الآية قد اختلف في سبب نزولها على أقوال عدة, إلا أنه لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء في سبب هذا النزول, ولا عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومعلوم أن الأحاديث الموقوفة على الصحابة في أسباب النزول تأخذ حكم الرفع, وقد نص على هذا غير واحد من الأئمة, كـالحاكم رحمه الله في كتابه المستدرك, وفي معرفة علوم الحديث, إلا أن القول في هذا فيما جاء عن الصحابة عليهم رضوان الله, منهم من قال: إن كل قول يأتي عن الصحابي في تفسير آية فيأخذ حكم الرفع, سواء كان في أسباب النزول أو كان في غيره.

ومنهم من قال: إن الأقوال التي تأتي عن الصحابة عليهم رضوان الله لا تأخذ حكم الرفع, إلا إذا كانت في أسباب النزول, قالوا: إن أسباب النزول ولو لم ترفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنها تحكي حالاً, وحكاية الحال رفع, وذلك أن سبب النزول ثمة منزل ومنزل عليه, والمنزل هو الله سبحانه وتعالى, والمنزل هو القرآن, فإذا قيل: إنها نزلت في كذا جاء عن الصحابة فالمراد بذلك أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد حكى الحاكم رحمه الله اتفاق العلماء على أن أسباب النزول إذا جاءت موقوفة على صحابي فهي مرفوعة, وثمة قول لبعضهم.

وقد أشار الحاكم رحمه الله إلى أن كل قول جاء عن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى, فيأخذ حكم الرفع, ويستدلون لهذا بجملة من الأدلة:

منها: أن الله سبحانه وتعالى أمره نبيه صلى الله عليه وسلم ببيان القرآن وتأويله للصحابة.

فكان تأويل النبي عليه الصلاة والسلام على أحوال, إما سكت عليه الصلاة والسلام بما علم من حالهم أنهم فهموه, فهذا إقرار, فيكون حينئذٍ ما جاء عن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى من قولهم في التفسير له حكم الرفع.

ومنها: ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة من بيان معاني القرآن, ثم ينقلونه بأقوالهم من غير رفع، فهذا يأخذ حكم الرفع أيضاً, وذلك أنه بالسبر أن الأقوال التي تأتي عن الصحابة عليهم رضوان الله في تفسير القرآن نجد أنها من اختلاف التنوع إلى التضاد, إلا فيما يتعلق بمسائل الأحكام وآيات الأحكام وهي التي معنا, فإنه يرد في ذلك اختلاف تضاد لا اختلاف تنوع.

وهذا لمن نظر ذلك وتأمله, يجد أن هذا هو الظاهر من كلام الله سبحانه وتعالى, فالله عز وجل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيان القرآن, فإذا ألقى القرآن جملة من غير بيان فعلم أنهم فهموا الخطاب, فبيان القرآن كافٍ في إقرار ما لديهم, وإذا زاد النبي عليه الصلاة والسلام من ذلك بياناً فيكون كذلك، سواء نسبوه أو لم ينسبوه, فهو مرفوع.

وما يقولونه كذلك من غير نسبة للنبي عليه الصلاة والسلام فيدخل في دائرة الإقرار, وعلى هذا نقول: إنه لم يثبت عن الصحابة عليهم رضوان الله شيء في سبب نزول هذه الآية, وما جاء في هذا فهو ضعيف, سواء كان المرفوع أو الموقوف, وقد جاء في ذلك سببان:

السبب الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الصحابة عن الصدقة على المشركين, ويروى في هذا حديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم ), وهذا الحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم, قالوا: فأنزل الله عز وجل على نبيه عليه الصلاة والسلام هذه الآية, والآية التي تليها في بيان النفقة على المشركين, وأن المشركين الله جل وعلا هو الذي يتولى هدايتهم, وأما بالنسبة للناس فهم مكلفون بالإنفاق.

السبب الثاني: أن المسلمين لما أغدق الله عز وجل عليهم من المال, سواء كان من الغنائم, أو ما كان من كسب أيديهم من تجارة أو زراعة أو ماشية أو غير ذلك, آتاهم الله عز وجل من المال فوجدوا في أنفسهم حرجاً من النفقة على أقربائهم من المشركين, فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية, ولا يثبت في هذا شيء على النبي عليه الصلاة والسلام, إلا أن سياق هذه الآية والآية التي تليها تدل على هذا الأمر.

وذلك أن الله سبحانه وتعالى بين حال الصدقة وصفة المتصدقين من جهة الإعلان والإسرار, ثم ذكر الله سبحانه وتعالى قوله جل وعلا: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ [البقرة:272], يعني: هؤلاء الذين تنفق عليهم, ثم بين الله سبحانه وتعالى بعد ذلك حكم النفقة في قوله جل وعلا: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ [البقرة:272], يعني: على هؤلاء المشركين, فالهدية من الله جل وعلا.

وأما في النفقة فهي أسباب تتخذونها إن شئتم، فثمرة ذلك ومردها إلى أنفسكم.

دفع الزكاة للمشرك

وهنا مسألة هي فرع عن هذا التقرير, في مسألة الصدقة والزكاة على المشركين, فهل يجوز دفع الزكاة للمشركين أم لا؟

نقول: إن المدفوع من الإنفاق للمشركين والمسلمين لا يخلو من أحوال.

الحالة الأولى: أن يكون زكاة.

الحالة الثانية: أن يكون صدقة.

الحالة الثالثة: ألا يكون صدقة ولا زكاة, وإنما يكون هدية وهبة.

أما بالنسبة للزكاة فإن الله عز وجل قيدها بأهل الإسلام, ولا يجوز أن يدفع أحد زكاته لمشرك, إلا ما قيده الله عز وجل في كتابه العظيم في المؤلفة قلوبهم, وهذا استثناء يدل على أن الأصل في سياق الأصناف الثمانية إنما هي لأهل الإسلام, فحينما ذكر الله عز وجل التأليف, دل على أنهم لا يعطون للفقر ولا للمسكنة, ولو دخلوا للفقر والمسكنة وغيرها ما خصوا في باب التأليف.

كذلك فإن الله سبحانه وتعالى حينما ذكر الفقراء: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60], ذكر الفقراء والمساكين؛ دل على أن المسلم يعطى لفقره ولو لم يؤلف قلبه, فإذا كان المسلم فاسقاً فاجراً, ما دام مسلماً فإنه يعطى لفقره, ولو علمنا أن الزكاة لا تقربه إلى الحق أو ربما قطعنا بهذا, فنقول: إن القطع بذلك أو غلبة الظن لا تعني إسقاط حقه بذلك؛ لأن الشريعة قد جعلت حقه في الزكاة لفقره ومسكنته.

أما بالنسبة للمؤلفة قلوبهم سواء كانوا من أهل الكتاب وأضرابهم, فإنهم يعطون لتأليف القلب, ولو استحقوا مع المسلمين للفقر والمسكنة, ما كان ثمة حاجة لتخصيصهم في باب تأليف القلب؛ ولهذا نقول: إنهم ليسوا بداخلين في أبواب الفقر والمسكنة والغرم, وكذلك ابن السبيل.

ومن وجوه الدلالة في هذا أن المشركين لا يدخلون في أبواب الزكاة, أن الله سبحانه وتعالى قال: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60], يعني: الجهاد في سبيل الله, من جهة دفع الزكاة لمن يجاهد في سبيل الله, دل على أن السياق يخاطب به أهل الإسلام, ولا يتصور من مشرك أن يجاهد في سبيل الله, وفي مسألة استئجاره والاستعانة به تبعاً مع المسلمين مقاتلاً, هذا من مواضع الخلاف عند العلماء.

وبهذا نعلم أن سياق الآية في آية الأصناف الثمانية, أنها نزلت من جهة الأصل للمسلمين, فذكر الله عز وجل أوصافهم, وما ذكر سبحانه وتعالى ديانتهم.

وأما بالنسبة للمشركين فذكرهم الله عز وجل تعييناً استثناءً لهم من الأصل.

دفع الزكاة للمسلم الغني تأليفاً

وهل يعطى المسلم الغني تأليفاً لقلبه من الزكاة أم لا؟

قد اختلف العلماء عليهم رحمة الله تعالى في هذا, فإذا كان المسلم غنياً ولكنه صاحب فحش وفسق وبعد عن دين الله سبحانه وتعالى, فهل يعطى من الزكاة تأليفاً لقلبه ليصلح وأن يكف فساده، ولو كان غنياً ثرياً وليس من أهل بقية الأصناف؟

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين.

منهم من قال: إنه يعطى من الزكاة, وليس المشرك بأولى منه, فربما تساوى المسلم والكافر من جهة الأذية المتعدية على المسلمين, وربما فاق المسلم الفاسق الكافر, فيكون الكافر مسالماً, وعلى كفره باقٍ, لكنه لا يؤذي أحداً, وأما بالنسبة للمسلم في ظاهره يتربص بالمؤمنين كحال المنافقين الذين يظهر منهم النفاق العملي, فيعطى تأليفاً لقلبه.

ويستدل من يقول بهذا مما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أعطى رجلاً وسعد جالس, فقال: يا رسول الله! ما لك أعطيت فلاناً وتركت فلاناً, وإني لأحسبه مؤمناً؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أو مسلماً- يعني: لعله مسلماً- لا تجعله من أهل الإيمان, قال: فأعدت على النبي عليه الصلاة والسلام فأعاد علي مراراً, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا سعد ! إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه, خشية أن يكبه الله في النار ), يعني: تأليفاً لقلبه, أستجره حتى يقبل إلى الحق.

ومن العلماء من قال بعدم جواز دفع الزكاة للمسلم الغني لمجرد تأليف قلبه, وأما بالنسبة للصدقة فإن الأمر في ذلك واسع, ويحملون ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الباب من الإنفاق, في حديث سعد وغيره, قالوا: إن هذا من الصدقة, ولا يلزم من ذلك أن يكون زكاة, وتقييدها بالزكاة يحتاج إلى دليل.

أما الثانية وهي الصدقة على المشرك, فمن قال بالزكاة على المشرك بالأحوال السابقة فإن الصدقة من باب أولى, فإنه ما يجوز في الزكاة يجوز في الصدقة من باب أولى, وما يجوز في الصدقة لا يلزم أن يجوز في الزكاة, باعتبار أن الزكاة أشد وأكثر احتياطاً واحترازاً في هذا الباب.

دفع الزكاة للكافر لفقره

والصدقة على الكافر, هل تعطى تأليفاً لقلبه كتقييدها في الزكاة, أم تعطى أيضاً لفقره ومسكنته وغير ذلك من حاجات الناس, كما يكون في المسلم؟

الأظهر أن الصدقة والزكاة لا تعطى للمشرك إلا تأليفاً لقلبه وتودداً له, والأمر في ذلك واسع, ولو كان غنياً, وقد جاء عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يعطون المشركين والكافرين من الصدقة, وهذا مما لا حرج فيه, ثبت هذا عن عبد الله بن عباس وعن عبد الله بن عمرو , وجاء في الصحيح عن عائشة عليها رضوان الله, لما دخلت عليها امرأة يهودية فسألتها فأعطتها, ثم ذكرت الحديث في بقيته في مسألة عذاب القبر وهو في الصحيح.

استدل بهذا على جواز الصدقة على أهل الكتاب وغيرهم تأليفاً لقلوبهم, من العلماء من قال بجواز الصدقة, ولو لم يقصد تأليف القلب, كأن يكون فقيراً أو نحو ذلك, قالوا: لأن التقييد في آية الأصناف إنما هو في أمر الزكاة, ولا يدخل في ذلك غيرها.

ومن أجاز ذلك في الصدقة فإنه يجيزها في الحالة الثالثة وهي مسألة الهبة والهدية وغير ذلك, فيقول: إنه يجوز للإنسان أن يعطي كافراً هدية, ولو لم يكن تأليفاً لقلبه, إذا جاز هذا في الصدقة عنده فيجوز في باب الهدية من باب أولى.

نقول: إن الأدلة التي وردت عن السلف في الهدية للكافر لأن أصل في الهدية هو تأليف للقلب, ولو لم ينص على هذا, ولهذا جاء في الخبر في حديث أبي هريرة وغيره، قال عليه الصلاة والسلام: ( تهادوا تحابوا )؛ لأن الأصل في إعطاء الهدية أنها تجلب المحبة، والنفوس مجبولة على حب من أحسن إليها, فإذا أعطيت أحداً هدية أو جاء عن السلف أو عن النبي عليه الصلاة والسلام في مسألة الهدية للكافر؛ لأن التعليل في ذلك ظاهر, ولا يحتاج إلى أن ينص عليه.

ولهذا نقول: إن أكثر العلل في الشريعة لا ينص عليها؛ لظهورها وجلائها في عقل الإنسان, وهذا أمر معلوم في مسألة الهدية, ولكن نجد أن العلماء حينما يتكلمون على مسألة الزكاة والصدقة والهدية, يتكلمون في المشرك أو الكتابي الذي ليس محارباً, فأما المحارب فلا يعطى من ذلك شيئاً؛ لأنه يتربص بالمسلمين, وينتظر ضعفاً فيهم, فربما أدى ذلك إلى تقويته, وهل هذا على الإطلاق؟

نقول: ليس على إطلاقه, فربما يعطى الحربي إذا غلب على الظن أن الهدية تكسر قلبه, وتضعف أثر العداوة فيه, وربما لحق بالمسلمين, ويشترط لهذا أن تكون الهدية عادة لا تقويه على المسلمين, وذلك كهدية القميص وأشباهها من الهدايا التي لا تكون سلاحاً أو مالاً يتقوى به الإنسان أو غير ذلك.

والدليل على هذا: أن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى بعث إلى أخيه قميصاً بمكة, وكانت مكة زمن حرب.

ولهذا نقول: إنه ربما يجوز للإنسان أن يهدي هدية لكافر حربي إذا غلب على ظنه تأليف قلبه بذلك.

ولكن نقول: إن الهدية للحربي في باب التأليف أضيق من غيره من أهل الذمة والعهد وغيرهم.

ويدخل في هذا من عرف إنساناً بعينه, أو عرف مدخلاً عليه, لحاجته وفقره, أو لكف شره ودفعها, فهذا من الأمور التي تقدر بقدرها, والأصل أن الحربي لا يعطى من المال في جميع هذه الأحوال الثلاثة.

المراد بالصدقات في قوله: (إن تبدوا الصدقات...)

وهنا في قول الله سبحانه وتعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ [البقرة:271], هذا في مسألة الصدقات, هل هو في الفرض أو النفل؟ ذكر الله سبحانه وتعالى مسألة الإسرار والعلانية.

(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ) الإبداء هو من العلانية, (وإن تخفوها) المراد بذلك كما في ظاهره هو الإسرار, وهل هذا في سائر أنواع الصدقات؟

نقول: اختلف العلماء عليهم رحمة الله تعالى في هذه الآية, هل المراد بالصدقات هنا النوافل, نوافل الصدقة, أم المراد بذلك الزكاة؟

اختلف العلماء على قولين:

جمهور العلماء قالوا: إن المراد في مسألة الصدقة النفل لا الفرض؛ لأن الفرض الأصل فيه العلانية.

ومن قال بأن المراد بهذه الآية هي النافلة وليس الفريضة, فنقول: هذا جاء عن جماعة من السلف من المفسرين, ومنهم من قال بعكس هذا.

جاء عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى فيما رواه ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم في كتابه التفسير, من حديث علي بن أبي طلحة: أن عبد الله بن عباس تلا قول الله جل وعلا: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ [البقرة:271], فقال: إن صدقة النفل سرها أفضل من علانيتها بسبعين ضعفاً, وصدقة الفرض علانيتها أفضل من سرها بخمس وعشرين.

فالنافلة الأصل فيها الإسرار, فسرها أفضل من علانيتها بسبعين ضعفاً.

وأما الفرض فعلانيتها أفضل من سرها بخمس وعشرين, وإسناده صحيح عن عبد الله بن عباس.

وقال بأن هذه الآية إنما هي في النافلة لا في الفرض جماعة من المفسرين.

الأصل في الصدقة من حيث السر والعلانية

وأما بالنسبة لعموم الأصل في السر والعلانية في الشريعة, فنقول: الأصل في الفرائض العلانية, سواء كانت صلاة أو كانت من الشرائع المالية أو البدنية أو غير ذلك, والأفضل للإنسان أن يعلنها, وما دون ذلك من النوافل الأفضل فيها السر, ولهذا صدقة السر أفضل من صدقة العلانية, وصلاة السر أفضل من صلاة العلانية, وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار؛ لخفائها وخلو الإنسان بنفسه عن المشاهدة ممن حوله, لهجعة الناس وضجعتهم, ولكونه في ليل وليس في نهار, فكان أثرها عليه أعظم من أثر صلاة العلانية على نفسه.

وهذا في كل فرض, وقد حكى إجماع العلماء على أن الفرائض علانيتها أفضل من سرها وأن النوافل سرها أفضل من علانيتها ابن جرير الطبري رحمه الله.

ويستثنى من هذا الصدقة ففيها خلاف وليس فيها إجماع.

اختلفوا في الزكاة, المالية للفرض: هل الفرض سرها أفضل من علانيتها أم لا؟ على قولين.

جمهور العلماء على أن الفرض في علانيتها أفضل؛ وذلك لإظهار الشعيرة وحث الناس وحظهم ودفع إحسان الظن بأهل البخل والنفاق ألا ينفقوا, بحيث أن الإنسان إذا قيل له: إن الأفضل أن تخفي الزكاة, فإن كل أحد من مرضى القلوب وضعفاء الإيمان يقول: إني أخرجت الزكاة, فيحسن الظن بأهل السوء, فيكون حينئذٍ إخراج الزكاة لوجود المصلحة العظمى في ذلك هي علانيتها أولى من سرها.

وأما بالنسبة للصدقة من غير الفرض, فنقول: إن الصدقة في ذلك أن سرها أفضل من علانيتها, لما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال: ( رجل أنفقت يمينه صدقة بما لا تعلم شماله ).

وهذا إشارة إلى شدة الخفاء والسرية في نفقته, فكان ذلك أعظم من غيرها, ولكن هل هذا على إطلاقه؟

نقول: هذا ليس على إطلاقه, بل قد تكون النفقة النافلة علانيتها أفضل من سرها, إذا كان أثر العلانية على الناس والمسلمين أعظم وأظهر, وذلك كأن يكون الناس في فاقة, ويحتاجون إلى أن يتداعوا, فيجمعون الناس ثم يقوم بالإنفاق أمامهم حتى يتداعون, لأن النفوس تحب المنافسة في أعمال الخير, وربما أن هناك من أصحاب النفوس أو قلة اليد فيجد حرجاً من النفقة بالقليل, فإذا وجد من يعينه ويشاركه بإخراج القليل, دعاه ذلك إلى عدم الاستحياء, فإن النفوس تنفر من الإنفراد بالعمل, وتحب ولا تستوحش بأمر الجماعة.

ولهذا جاء في صحيح الإمام مسلم وغيره, من حديث المنذر بن جرير عن أبيه، (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه أقوام مجتابي النمار من مضر, قام النبي عليه الصلاة والسلام فخطب الناس، ثم حثهم على الصدقة, فجاء رجل بشيء من الصدقة تقله يده, ثم وضعها، ثم جاء هذا بمده، وهذا بصاعه, حتى تهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى قيام الساعة ) .

وهذا فيه إشارة إلى علانية الرجل, فجعل النبي عليه الصلاة والسلام عمله ذلك لما كان له الأثر في دفع الناس إلى الصدقة. كان أعظم من غيره؛ لأنه أتى أجور غيره, ولو أسرها كانت صدقة لازمة وما أخذ أجر التابعين.

ولهذا نقول في مثل هذه الأحوال: إن هذا مما لا حرج فيه, بل يتأكد في مثل هذا الأمر, ولكن إذا كان الإنسان ينفق وحده ولا يحتاج أن يستحث أحداً أو يخبر أحداً إلا ليعلمه, فنقول: الأفضل في ذلك الإسرار, أو غلب على ظن الإنسان أنه إذا أنفق ألا يقتدي أحد من الناس به, فالأفضل في حقه أن يسر بصدقته؛ وذلك لأمور:

الأمر الأول: أن هذا أدفع للرياء وحب العجب والإخلاص.

الأمر الثاني: أن هذا أعظم لنفس الفقير والمحتاج, فإن الإنسان حينما ينفق, يقول: هذه نفقتي لآل فلان الفقراء, أو نفقتي من في بلدة كذا, أو غير ذلك, وربما يكون فيها كسر لأنفسهم, والنفوس لا تحب الاتكال والاعتماد على غيرها.

ولهذا نقول: إنما جاء هذا الأمر بالإسرار في النافلة, تحقيقاً لمصلحة الإنسان في ذاته, وتحقيقاً لمصلحة غيره.

وقوله سبحانه وتعالى: وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271], يعني: أن المسألة فاضل ومفضول، وكلها مرجعها في ذلك إلى الفضل, وأما بالنسبة للتفاضل في هذا فهو على ما تقدم.

دفع الزكاة للغني

وذكر الفقراء هنا باعتبار الأغلب من أحوال الناس, أن الإنسان لا ينفق إلا على فقير.

وهل النفقة على الأغنياء مما يجوز أم لا؟

يأتي الكلام على هذا في مسألة الصدقة, أما الزكاة فلا يجوز باتفاق العلماء, إلا ما يتعلق في بعض الصور, مما يأتي في ابن السبيل, أو من كان في سبيل الله أو غير ذلك, وهذه لها مباحثها, وسيأتي الكلام عليها بإذن الله عز وجل, أما الصدقة لغني مكتف وليس ثمة سبب يوجب إعطاء الصدقة, فهل يجوز ذلك ويصح أم لا؟

يأتي الكلام عليه بإذن الله تعالى.

وفي قول الله جل وعلا: فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271], على ما تقدم في التفاضل في هذا الباب لا أصل القبول.

مناط تكفير الحسنة السيئة

وقول الله جل وعلا: وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ [البقرة:271], في هذا إشارة إلى أن تكفير الطاعات للسيئات بحسب أثر الباطن لا بحسب أثر الظاهر, ولهذا لما كانت الصدقة الظاهرة تختلف أثراً في قلب الإنسان من جهة الريا والإخلاص عن الصدقة في السر, اختلف أثرها في تكفير الذنب, والصدقة التي يصاحبها الإخلاص أعظم, تأتي على السيئات الأكبر, والصدقة التي يصاحبها رياء أو سمعة أو غير ذلك فشابتها شائبة لا تأتي على السيئات كما يأتي على ما دونه.

ولهذا نقول: إن أثر الطاعات بالأعمال الباطنة أكثر من الأعمال الظاهرة, فربما ينفق الإنسان ألف ألف دينار وهو مليون, ولكن في قلبه شائبة رياء, ومن الناس من ينفق درهماً أو ديناراً, فبركة هذا عليه وتكفيره لسيئاته أعظم من ذاك, ولهذا تجد كثيراً من الناس ممن ينفق وينفق من ماله, ولا يجد بركة ذلك في نفسه, والسبب في هذا أن هذه الأشياء التي تنفقها هي شبيهة بالقطن والإسفنج, وهي ضخمة لكن من جهة وزنها لا قيمة لها, فأثرها عليك ضعيف, لا في انشراح الصدر ولا في بركة المال, فيقول: إني منفق, أنفق نفقات كثيرة, ولكن أثرها في بركة المال وبركة الولد وبركة النفس وضيقها وحرجها في هذا ظاهر.

ولهذا نقول: إن الأثر إنما هو بالعمل الباطن لا بالأمر الظاهر, ولهذا ينبغي للإنسان أن يحرص على أمر البواطن وهذا ظاهر في سياق الآية؛ لأن الآية جاءت في الإعلان والإسرار, وما جاءت في الكثرة والقلة.

وفي هذا أيضاً الدلالة على الأصل, وقد تقدم الإشارة معنا في هذا, أن الحسنات تكفر السيئات, وهذا باتفاق العلماء, وهو ظاهر في قول الله جل وعلا: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114].

أما عكس هذه المسألة وهي السيئات: هل تمحو الحسنات أم لا؟

هذا محل خلاف عند العلماء, على قولين.

ذهب جماعة إلى أن السيئات لا تمحو الحسنات, وهذا قول طائفة من أهل السنة, وهو قول المعتزلة أيضاً, وذهب طائفة من أهل السنة إلى أن السيئات تمحو الحسنات كما أن الحسنات تمحو السيئات.

والصواب في ذلك أنه كما أن الحسنة تمحو السيئات, فالسيئات تأتي أيضاً على الحسنات, وهي مغالبة في هذا, فالغلبة في هذا للأقوى.

إلا أن أثر السيئات على الحسنات أقل من أثر الحسنات على السيئات؛ لأن رحمة الله عز وجل في هذا أعظم, وهي تظهر رحمة الله سبحانه وتعالى أن الحسنة بعشر أمثالها, فتتعاظم وتقوى على السيئة الواحدة, أما السيئة فهي واحدة, فإذا قابلتها حسنة بعشر أمثالها, أتت على واحدة وأبقت تسعة, والغلبة في ذلك للأغلب, وإذا كثرت سيئات الإنسان أتت على حسناته, وما يمحو من سيئات الإنسان لحسناته هي على أنواع: منها: ما يتعلق بالذنوب المتعلقة بينه وبين ربه, ومنها: ما يتعلق بالذنوب المتعلقة بينه وبين الناس, والكلام على هذا يطول, ولعلنا نتكلم عليها بإذن الله عز وجل في موضعها من سورة هود بإذن الله تعالى.

ويأتي معنا أيضاً مزيد الكلام في مسألة النفقة على أهل الكتاب في سورة الممتحنة بإذن الله تعالى.

وقول الله جل وعلا: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:271], أي: أن الإسرار والعلانية في ظاهره أن هذا لا يحتاج لإعلام الله سبحانه وتعالى, فالله يعلم أسررت أم أعلنت, وإنما المراد بذلك هو عظمة الأجر على الإنسان.

فنتكلم على قول الله سبحانه وتعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ [البقرة:271], هذه الآية قد اختلف في سبب نزولها على أقوال عدة, إلا أنه لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء في سبب هذا النزول, ولا عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومعلوم أن الأحاديث الموقوفة على الصحابة في أسباب النزول تأخذ حكم الرفع, وقد نص على هذا غير واحد من الأئمة, كـالحاكم رحمه الله في كتابه المستدرك, وفي معرفة علوم الحديث, إلا أن القول في هذا فيما جاء عن الصحابة عليهم رضوان الله, منهم من قال: إن كل قول يأتي عن الصحابي في تفسير آية فيأخذ حكم الرفع, سواء كان في أسباب النزول أو كان في غيره.

ومنهم من قال: إن الأقوال التي تأتي عن الصحابة عليهم رضوان الله لا تأخذ حكم الرفع, إلا إذا كانت في أسباب النزول, قالوا: إن أسباب النزول ولو لم ترفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنها تحكي حالاً, وحكاية الحال رفع, وذلك أن سبب النزول ثمة منزل ومنزل عليه, والمنزل هو الله سبحانه وتعالى, والمنزل هو القرآن, فإذا قيل: إنها نزلت في كذا جاء عن الصحابة فالمراد بذلك أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد حكى الحاكم رحمه الله اتفاق العلماء على أن أسباب النزول إذا جاءت موقوفة على صحابي فهي مرفوعة, وثمة قول لبعضهم.

وقد أشار الحاكم رحمه الله إلى أن كل قول جاء عن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى, فيأخذ حكم الرفع, ويستدلون لهذا بجملة من الأدلة:

منها: أن الله سبحانه وتعالى أمره نبيه صلى الله عليه وسلم ببيان القرآن وتأويله للصحابة.

فكان تأويل النبي عليه الصلاة والسلام على أحوال, إما سكت عليه الصلاة والسلام بما علم من حالهم أنهم فهموه, فهذا إقرار, فيكون حينئذٍ ما جاء عن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى من قولهم في التفسير له حكم الرفع.

ومنها: ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة من بيان معاني القرآن, ثم ينقلونه بأقوالهم من غير رفع، فهذا يأخذ حكم الرفع أيضاً, وذلك أنه بالسبر أن الأقوال التي تأتي عن الصحابة عليهم رضوان الله في تفسير القرآن نجد أنها من اختلاف التنوع إلى التضاد, إلا فيما يتعلق بمسائل الأحكام وآيات الأحكام وهي التي معنا, فإنه يرد في ذلك اختلاف تضاد لا اختلاف تنوع.

وهذا لمن نظر ذلك وتأمله, يجد أن هذا هو الظاهر من كلام الله سبحانه وتعالى, فالله عز وجل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيان القرآن, فإذا ألقى القرآن جملة من غير بيان فعلم أنهم فهموا الخطاب, فبيان القرآن كافٍ في إقرار ما لديهم, وإذا زاد النبي عليه الصلاة والسلام من ذلك بياناً فيكون كذلك، سواء نسبوه أو لم ينسبوه, فهو مرفوع.

وما يقولونه كذلك من غير نسبة للنبي عليه الصلاة والسلام فيدخل في دائرة الإقرار, وعلى هذا نقول: إنه لم يثبت عن الصحابة عليهم رضوان الله شيء في سبب نزول هذه الآية, وما جاء في هذا فهو ضعيف, سواء كان المرفوع أو الموقوف, وقد جاء في ذلك سببان:

السبب الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الصحابة عن الصدقة على المشركين, ويروى في هذا حديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم ), وهذا الحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم, قالوا: فأنزل الله عز وجل على نبيه عليه الصلاة والسلام هذه الآية, والآية التي تليها في بيان النفقة على المشركين, وأن المشركين الله جل وعلا هو الذي يتولى هدايتهم, وأما بالنسبة للناس فهم مكلفون بالإنفاق.

السبب الثاني: أن المسلمين لما أغدق الله عز وجل عليهم من المال, سواء كان من الغنائم, أو ما كان من كسب أيديهم من تجارة أو زراعة أو ماشية أو غير ذلك, آتاهم الله عز وجل من المال فوجدوا في أنفسهم حرجاً من النفقة على أقربائهم من المشركين, فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية, ولا يثبت في هذا شيء على النبي عليه الصلاة والسلام, إلا أن سياق هذه الآية والآية التي تليها تدل على هذا الأمر.

وذلك أن الله سبحانه وتعالى بين حال الصدقة وصفة المتصدقين من جهة الإعلان والإسرار, ثم ذكر الله سبحانه وتعالى قوله جل وعلا: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ [البقرة:272], يعني: هؤلاء الذين تنفق عليهم, ثم بين الله سبحانه وتعالى بعد ذلك حكم النفقة في قوله جل وعلا: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ [البقرة:272], يعني: على هؤلاء المشركين, فالهدية من الله جل وعلا.

وأما في النفقة فهي أسباب تتخذونها إن شئتم، فثمرة ذلك ومردها إلى أنفسكم.

وهنا مسألة هي فرع عن هذا التقرير, في مسألة الصدقة والزكاة على المشركين, فهل يجوز دفع الزكاة للمشركين أم لا؟

نقول: إن المدفوع من الإنفاق للمشركين والمسلمين لا يخلو من أحوال.

الحالة الأولى: أن يكون زكاة.

الحالة الثانية: أن يكون صدقة.

الحالة الثالثة: ألا يكون صدقة ولا زكاة, وإنما يكون هدية وهبة.

أما بالنسبة للزكاة فإن الله عز وجل قيدها بأهل الإسلام, ولا يجوز أن يدفع أحد زكاته لمشرك, إلا ما قيده الله عز وجل في كتابه العظيم في المؤلفة قلوبهم, وهذا استثناء يدل على أن الأصل في سياق الأصناف الثمانية إنما هي لأهل الإسلام, فحينما ذكر الله عز وجل التأليف, دل على أنهم لا يعطون للفقر ولا للمسكنة, ولو دخلوا للفقر والمسكنة وغيرها ما خصوا في باب التأليف.

كذلك فإن الله سبحانه وتعالى حينما ذكر الفقراء: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60], ذكر الفقراء والمساكين؛ دل على أن المسلم يعطى لفقره ولو لم يؤلف قلبه, فإذا كان المسلم فاسقاً فاجراً, ما دام مسلماً فإنه يعطى لفقره, ولو علمنا أن الزكاة لا تقربه إلى الحق أو ربما قطعنا بهذا, فنقول: إن القطع بذلك أو غلبة الظن لا تعني إسقاط حقه بذلك؛ لأن الشريعة قد جعلت حقه في الزكاة لفقره ومسكنته.

أما بالنسبة للمؤلفة قلوبهم سواء كانوا من أهل الكتاب وأضرابهم, فإنهم يعطون لتأليف القلب, ولو استحقوا مع المسلمين للفقر والمسكنة, ما كان ثمة حاجة لتخصيصهم في باب تأليف القلب؛ ولهذا نقول: إنهم ليسوا بداخلين في أبواب الفقر والمسكنة والغرم, وكذلك ابن السبيل.

ومن وجوه الدلالة في هذا أن المشركين لا يدخلون في أبواب الزكاة, أن الله سبحانه وتعالى قال: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60], يعني: الجهاد في سبيل الله, من جهة دفع الزكاة لمن يجاهد في سبيل الله, دل على أن السياق يخاطب به أهل الإسلام, ولا يتصور من مشرك أن يجاهد في سبيل الله, وفي مسألة استئجاره والاستعانة به تبعاً مع المسلمين مقاتلاً, هذا من مواضع الخلاف عند العلماء.

وبهذا نعلم أن سياق الآية في آية الأصناف الثمانية, أنها نزلت من جهة الأصل للمسلمين, فذكر الله عز وجل أوصافهم, وما ذكر سبحانه وتعالى ديانتهم.

وأما بالنسبة للمشركين فذكرهم الله عز وجل تعييناً استثناءً لهم من الأصل.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير آيات الأحكام [30] 2757 استماع
تفسير آيات الأحكام [48] 2719 استماع
تفسير آيات الأحكام [54] 2520 استماع
تفسير آيات الأحكام [22] 2442 استماع
تفسير آيات الأحكام [58] 2332 استماع
تفسير آيات الأحكام [25] 2313 استماع
تفسير آيات الأحكام [35] 2266 استماع
تفسير آيات الأحكام [5] 2250 استماع
تفسير آيات الأحكام [11] 2211 استماع
تفسير آيات الأحكام [55] 2172 استماع