أشراط الساعة رواية ودراية [2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

فقد تقدم معنا الكلام على جملة من المسائل المتعلقة بأشراط الساعة، ومقدمات مهمة أيضاً، وذكرنا أيضاً من أشراطها علامتين.

العلامة الثالثة من علامات الساعة: انشقاق القمر؛ حيث قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى قال: ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى، فانفلق القمر فرقتين أو فلقتين، أحدهما وراء الجبل، والأخرى دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا ).

سبب انشقاق القمر

وانشقاق القمر من علامات الساعة التي جعلها الله جل وعلا من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ جلباً لقلوب الضعفاء، ودفعاً للشبهات التي أثاروها حول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي قوله: (بمنى) دليل على أن ذلك كان في موسم حج قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حج قبل حجة الوداع، ولكن قد اختلف كم مرة حج؟ هل هي مرة واحدة أم أكثر من ذلك؟ وقد ثبت في صحيح البخاري للنبي عليه الصلاة والسلام حجة، وثبت في الصحيحين في ظاهر المعنى في حديث عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى هذا حينما قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى).

وقد ذكر جماعة من أهل السير أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما شق الله جل وعلا له القمر جماعة من صناديد قريش؛ كـأبي جهل و العاص بن وائل و العاص بن هشام و الوليد بن المغيرة وغيرهم من كفار قريش، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اشهدوا )، يعني: على هذا، فلما شق الله القمر لنبيه عليه الصلاة والسلام لم يؤمن كفار قريش بذلك، وقالوا: إن هذا من السحر. كما روى ذلك ابن جرير وغيره من حديث أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى قال: (لما شق الله جل وعلا لنبيه القمر فلقتين قال كفار قريش: إن هذا سحر، اسألوا السفار - يعني المسافرين -، فسألوهم، فقالوا: قد رأينا القمر فرقتين).

انشقاق القمر على الحقيقة

وانشقاق القمر هو على الحقيقة، وليس على الخيال، وقد زعم بعض المتأخرين أن هذا من الخيال الذي جعله الله جل وعلا شبيهاً بالتخيلات التي يفعلها السحرة في أعين الناس، كما فعل السحرة من أصحاب موسى، وإن كان قد قال ذلك بعض الأجلة من المتأخرين فلا شك أنه وهم وغلط، وذلك أن الله جل وعلا قد أطلق انشقاق القمر، والأصل في ذلك أنه يحمل على الحقيقة.

ثم إنه لا يظهر فيه الإعجاز إذا كان على التخيلات، فإن الناس يستطيعون أن يفعلوا مثل ذلك، كما يفعل السحرة، ولكن يفعلون في بعض البشر دون سائر الخلق، فلما كان هذا قد تحقق في سائر الخلق ممن حضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وممن كان بعيداً من أهل الآفاق دل على أن هذا هو على الحقيقة، وإن كانوا يعتضدون بما جاء عند ابن جرير الطبري من حديث عكرمة عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى قال: (لما شق الله القمر لنبيه عليه الصلاة والسلام وكسفه)، وجاء في رواية: (كسف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فرقتين)، قالوا: فلما ذكر عبارة الكسوف دل على أنه حيل بين القمر وبين الشمس بكوكب، فأضاء على شطره، فكان ثمة شيء من الغيم الكثيف على الجهة الأخرى تشبه بجزء القمر الآخر، فتشبه حينئذٍ في أعينهم على أنه انشقاق، وليس كذلك، وإنما هو من الخيال، وهذا لا شك أنه بعيد كل البعد.

والانكساف الذي جاء في الأثر عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى أراد به المعنى، ثم إن عبد الله بن عباس لم يشهد ذلك، بل كان حين انكساف القمر ربما لم يولد،؛ وقد ذكر جماعة من أهل السير أن انكساف القمر كان قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل بأربع، والخمس أقرب، وقد جاء في الصحيح من حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى قالت: (نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] وأنا جارية ألعب قبل الهجرة).

ومعلوم أن عبد الله بن عباس عليه رضوان لله تعالى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قد ناهز الاحتلام، يعني قاربه، فيكون حينئذٍ عمره قريب من الرابعة عشرة، وهذا ثابت كما جاء في البخاري عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى قال: (أتيت إلى رسول الله صلى لله عليه وسلم وهو بمنى، وهو يصلي إلى غير جدار، وأنا غلام قد ناهزت الاحتلام على أتان، قال: فمررت بين يدي بعض الصف، وتركت الأتان ترتع). والشاهد من هذا أن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى قال: (قد ناهزت الاحتلام) يعني: قاربه ولم يحتلم، واستدل بهذا البخاري عليه رحمة الله على أن عبد الله بن عباس لم يبلغ حينما ترجم لهذا الخبر بقوله: (باب متى يصح سماع الصغير) يعني: روايته، ومعلوم أنه حينئذٍ لم يبلغ، فدل على أنه لم يدرك انشقاق القمر، وهذا لا يقدم على من شهد ذلك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كـعبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى ممن كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى.

عدد مرات انشقاق القمر

وانشقاق القمر جاء في بعض المرويات أنه وقع مرتان كما جاء من حديث أنس بن مالك عند ابن جرير الطبري وغيره من حديث شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى قال: (انشق القمر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين). وجاء في بعض المرويات: (فرقتين)، مما يحتمل أن المراد بالمرتين أنه على جزئين، لا ثلاث، وليس المراد بذلك تكرار الانشقاق، وهذا هو الأظهر.

فائدة في نكران كفار قريش لانشقاق القمر مع ظهوره وبيانه

وفي هذا إشارة إلى فائدة عظيمة جليلة القدر، وهي أن الله جل وعلا مهما يظهر من آياته البينة والدلائل المعجزة إلا أن من ران على قلبه، وختم الله جل وعلا عليه أنه لا يؤمن، كحال كفار قريش الذين شهدوا الانشقاق، وأحالوا ذلك إلى السفار من المسافرين، وأهل الآفاق، فسألوهم فصدقوا ما كان من إعجاز على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنهم لم يؤمنوا أيضاً، وبقوا على كفرهم، مما يدل على أنه ما كان دونه من الإعجاز من باب أولى أن يصد عنه من ختم الله جل وعلا على قلبه، ومما ينبغي معه ألا يلتفت إلى من انصرف عن الحق والصراط المستقيم، وأعرض عن ذلك مع ظهور الحجج البينة من كلام الله جل وعلا، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما أخبر عنه الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام مما يحدث في آخر الزمان من أشراط الساعة وعلاماتها وأماراتها، فيقع جهاراً نهاراً، فيتأولونه يمنة ويسرة، فإذا لم يؤمن أسلافهم بما رأوه رأي العين من إخبار النبي عليه الصلاة والسلام بعد تحديهم، فوقعت المعجزة بعد التحدي، فكانت المناسبة ملائمة لقوة الإعجاز، ومع ذلك لم يؤمنوا، فمن جاء بعدهم من باب أولى.

وانشقاق القمر من علامات الساعة التي جعلها الله جل وعلا من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ جلباً لقلوب الضعفاء، ودفعاً للشبهات التي أثاروها حول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي قوله: (بمنى) دليل على أن ذلك كان في موسم حج قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حج قبل حجة الوداع، ولكن قد اختلف كم مرة حج؟ هل هي مرة واحدة أم أكثر من ذلك؟ وقد ثبت في صحيح البخاري للنبي عليه الصلاة والسلام حجة، وثبت في الصحيحين في ظاهر المعنى في حديث عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى هذا حينما قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى).

وقد ذكر جماعة من أهل السير أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما شق الله جل وعلا له القمر جماعة من صناديد قريش؛ كـأبي جهل و العاص بن وائل و العاص بن هشام و الوليد بن المغيرة وغيرهم من كفار قريش، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اشهدوا )، يعني: على هذا، فلما شق الله القمر لنبيه عليه الصلاة والسلام لم يؤمن كفار قريش بذلك، وقالوا: إن هذا من السحر. كما روى ذلك ابن جرير وغيره من حديث أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى قال: (لما شق الله جل وعلا لنبيه القمر فلقتين قال كفار قريش: إن هذا سحر، اسألوا السفار - يعني المسافرين -، فسألوهم، فقالوا: قد رأينا القمر فرقتين).

وانشقاق القمر هو على الحقيقة، وليس على الخيال، وقد زعم بعض المتأخرين أن هذا من الخيال الذي جعله الله جل وعلا شبيهاً بالتخيلات التي يفعلها السحرة في أعين الناس، كما فعل السحرة من أصحاب موسى، وإن كان قد قال ذلك بعض الأجلة من المتأخرين فلا شك أنه وهم وغلط، وذلك أن الله جل وعلا قد أطلق انشقاق القمر، والأصل في ذلك أنه يحمل على الحقيقة.

ثم إنه لا يظهر فيه الإعجاز إذا كان على التخيلات، فإن الناس يستطيعون أن يفعلوا مثل ذلك، كما يفعل السحرة، ولكن يفعلون في بعض البشر دون سائر الخلق، فلما كان هذا قد تحقق في سائر الخلق ممن حضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وممن كان بعيداً من أهل الآفاق دل على أن هذا هو على الحقيقة، وإن كانوا يعتضدون بما جاء عند ابن جرير الطبري من حديث عكرمة عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى قال: (لما شق الله القمر لنبيه عليه الصلاة والسلام وكسفه)، وجاء في رواية: (كسف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فرقتين)، قالوا: فلما ذكر عبارة الكسوف دل على أنه حيل بين القمر وبين الشمس بكوكب، فأضاء على شطره، فكان ثمة شيء من الغيم الكثيف على الجهة الأخرى تشبه بجزء القمر الآخر، فتشبه حينئذٍ في أعينهم على أنه انشقاق، وليس كذلك، وإنما هو من الخيال، وهذا لا شك أنه بعيد كل البعد.

والانكساف الذي جاء في الأثر عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى أراد به المعنى، ثم إن عبد الله بن عباس لم يشهد ذلك، بل كان حين انكساف القمر ربما لم يولد،؛ وقد ذكر جماعة من أهل السير أن انكساف القمر كان قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل بأربع، والخمس أقرب، وقد جاء في الصحيح من حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى قالت: (نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] وأنا جارية ألعب قبل الهجرة).

ومعلوم أن عبد الله بن عباس عليه رضوان لله تعالى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قد ناهز الاحتلام، يعني قاربه، فيكون حينئذٍ عمره قريب من الرابعة عشرة، وهذا ثابت كما جاء في البخاري عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى قال: (أتيت إلى رسول الله صلى لله عليه وسلم وهو بمنى، وهو يصلي إلى غير جدار، وأنا غلام قد ناهزت الاحتلام على أتان، قال: فمررت بين يدي بعض الصف، وتركت الأتان ترتع). والشاهد من هذا أن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى قال: (قد ناهزت الاحتلام) يعني: قاربه ولم يحتلم، واستدل بهذا البخاري عليه رحمة الله على أن عبد الله بن عباس لم يبلغ حينما ترجم لهذا الخبر بقوله: (باب متى يصح سماع الصغير) يعني: روايته، ومعلوم أنه حينئذٍ لم يبلغ، فدل على أنه لم يدرك انشقاق القمر، وهذا لا يقدم على من شهد ذلك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كـعبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى ممن كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى.

وانشقاق القمر جاء في بعض المرويات أنه وقع مرتان كما جاء من حديث أنس بن مالك عند ابن جرير الطبري وغيره من حديث شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى قال: (انشق القمر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين). وجاء في بعض المرويات: (فرقتين)، مما يحتمل أن المراد بالمرتين أنه على جزئين، لا ثلاث، وليس المراد بذلك تكرار الانشقاق، وهذا هو الأظهر.

وفي هذا إشارة إلى فائدة عظيمة جليلة القدر، وهي أن الله جل وعلا مهما يظهر من آياته البينة والدلائل المعجزة إلا أن من ران على قلبه، وختم الله جل وعلا عليه أنه لا يؤمن، كحال كفار قريش الذين شهدوا الانشقاق، وأحالوا ذلك إلى السفار من المسافرين، وأهل الآفاق، فسألوهم فصدقوا ما كان من إعجاز على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنهم لم يؤمنوا أيضاً، وبقوا على كفرهم، مما يدل على أنه ما كان دونه من الإعجاز من باب أولى أن يصد عنه من ختم الله جل وعلا على قلبه، ومما ينبغي معه ألا يلتفت إلى من انصرف عن الحق والصراط المستقيم، وأعرض عن ذلك مع ظهور الحجج البينة من كلام الله جل وعلا، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما أخبر عنه الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام مما يحدث في آخر الزمان من أشراط الساعة وعلاماتها وأماراتها، فيقع جهاراً نهاراً، فيتأولونه يمنة ويسرة، فإذا لم يؤمن أسلافهم بما رأوه رأي العين من إخبار النبي عليه الصلاة والسلام بعد تحديهم، فوقعت المعجزة بعد التحدي، فكانت المناسبة ملائمة لقوة الإعجاز، ومع ذلك لم يؤمنوا، فمن جاء بعدهم من باب أولى.

الشرط الرابع من أشراط الساعة: موت أصحاب رسول الله صلى لله عليه وسلم.

التلازم بين بعض أشراط الساعة

تقدم معنا تقرير أصل معين من أصول أشراط الساعة، وهو أن جملة من أشراط الساعة تكون متداخلة، والتداخل في ذلك منها ما يلزم بعضها لبعض، فيكون حينئذٍ انتفاء بعض لازم لورود بعض، وورود بعض لازم لانتفاء بعض، كما جاء في بعض أشراط الساعة من انتفاء وقبض العلم، فإن هذا يلزم منه ظهور الجهل، وكذلك ما جاء من أخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذهاب الصالحين فيلزم منه ظهور الطالحين، ونحو ذلك مما يأتي من بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظهور الظلم والجور مما يدل على قلة السلطان الحق والعدل في الحق، وهذا فيه تلازم.

ويكثر من يتكلم في أشراط الساعة على هذه التفريعات، ويجمع بين المتضادات، فيشكل على الناظر في ذلك، وهذا يحمل على أن هذه الأحوال المتضادة تكون في زمن واحد، فحين قبض العلم يظهر الجهل، وفي ظهور جور السلاطين دليل على انتفاء العدل، وفي انتشار المال والغنى دليل على ظهور الشح، فإن الغنى متلازم مع شح النفس، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو أعطي ابن آدم واديين من ذهب لابتغى لهما ثالثاً )، وهذا إشارة على الشح، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة من الأخبار تدل على استفاضة المال، وبعض الأخبار تدل على ورود الشح، فهذا كله يكون في زمن واحد، ولا تكون في أزمان متفرقة.

حصول التداخل فيما بين أشراط الساعة

ومما ينبغي الإشارة إليه: أن ثمة من الأصول من أشراط الساعة ما يكون أصلاً يدخل فيه جملة، كمسألة ذهاب الصالحين، وهي من أشراط الساعة التي يدخل فيها من تفاصيلها ذهاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبض العلم، فإنه لا يمكن أن يوجد علم مع عدم وجود الصالحين الذين يقومون به، وقبض الصالحين لازم لظهور الجهل، وعدم العدل أيضاً. ومن الأصول ظهور الفتن في الناس، ولازم ظهور الفتن ظهور الزنا وشرب الخمر والجهل والهرج وهو القتل، وغير ذلك من فروع هذه المسائل التي ندرج جملة منها تحت أصلها حتى تكون بينة، مخالفين في ذلك ممن يفصل على سبيل التعداد وتكثير التقسيمات في ذلك.

ظهور الفتن بذهاب الصحابة

وموت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو جزء لذهاب الصالحين لظهور علاماته، فالله جل وعلا قد جعل الخيرية في القرن الأول كما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم )، فخير القرون هم قرن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعلق الذهاب بهم أظهر.

والنبي عليه الصلاة والسلام خص ذهابهم بظهور ما توعد هذه الأمة من فتن، كما جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث مجمع عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري قال: ( صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: ننتظر حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتانا، فقال رسول الله: ما زلتم مكانكم؟ فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلنا: ننتظر حتى نصلي معك العشاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبتم، أو قال: أحسنتم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نظر إلى السماء، وكان كثيراً ما ينظر: النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد ).

وقوله عليه الصلاة والسلام: ( أصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد )، الأمنة والأمان المراد به هنا الأمان من الفتن التي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بظهورها، وانفراط العقد لكثير من الآثام والكبائر، واستحلال المحرمات، وظهور الظلم والفجور في الأرض، وكذلك قبض الصالحين وقبض العلم، وظهور الجهل والشح والزلازل، وتقارب الزمان هو من قرائن قبض الصالحين، وأظهر الصالحين في الأمة هم القرن الأول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد جعل النبي عليه الصلاة والسلام من علامات الساعة واقتراب الزمان قبضه عليه الصلاة والسلام كما في حديث عوف بن مالك قال عليه الصلاة والسلام: ( أعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس )، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (موتي) الذي أشار إليه هنا في قوله: ( أنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون )، وما يوعدون بالاشتراك هنا مع ما توعد الأمة هي الفتن، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي ظهرت الفتن بعده عليه الصلاة والسلام.

بعض المسائل المختلف فيها بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام

وقد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في النبي عليه الصلاة والسلام هل مات أم لا؟ فمنهم من قال: لم يمت كـعمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى، فقال: قد رفعه الله إليه، حتى حاجه من هو أعلم منه، وهو أبو بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى، فتلا عليه قول الله جل وعلا: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30] ، وقول الله جل وعلا: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران:144]، فدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت كسائر البشر، فسلم لذلك، وأذعن لسلامة سريرته وقصده الخليفة الراشد عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى لما ورد إليه النص بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك هل يغسل النبي عليه الصلاة والسلام أو لا يغسل؟ وهل يجرد كما يجرد الموتى؟ فانتزع ذلك الخلاف بـأبي بكر الصديق .

ثم اختلفوا أين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل يدفن في المدينة موضع هجرته وأزواجه وأصحابه وأنصاره أم يدفن في مكة موضع مبعثه وقبلته؟ وكذلك ما فتح الله جل وعلا عليه فيها، وهي خير البقاع إلى الله؟ أم يدفن في المسجد الأقصى، موضع مسراه وصلاته، وهي قبلته الأولى، وصلاته بالأنبياء خلفه كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تقدم الإشارة إليه بإلماحة، ويأتي تفصيله بإذن الله؟ وحسم ذلك بقول أبي بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يدفن الأنبياء حيث يقبضون).

ثم اختلفوا بعد ذلك في إرث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الخلاف يأتي متسارعاً ولا ينتهي حتى يأتي خلاف آخر، لكنه يحسم بالدليل، فكان ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام: ( أتي أمتي ما توعد )، وهو إشارة إلى هذا النوع من الخلاف.

ظهور الفتن في أواخر عصر الصحابة وبعد انقضاء قرنهم

ثم موت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد )، يعني: من ظهور البدع، فظهر في أواخر عصر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتنة من الخلاف، وظهرت الخوارج، وظهرت القدرية، وظهرت المرجئة، ثم انفرط العقد بظهور الطوائف في الإسلام من الاتحادية والحلولية، والمعتزلة وغلاتهم، والرافضة بأنواعهم في أواخر عصر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة إلى ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام: ( فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ).

وقوله عليه الصلاة والسلام: (فإذا ذهب أصحابي) إشارة إلى العصر التام، أي: أنه كلما ذهب جملة منهم ظهر شيء من الفتن، فإذا ظهر القرن كاملاً أتى الأمة ما توعد من الاقتتال وظهور الجهل، ونحو ذلك، ويظهر هذا فيما جاء في الصحيح من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عليها رضوان الله تعالى قالت: ( كان الأعراب إذا جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الساعة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى أحدث القوم سناً، فقال: إن يعش هذا ولا يهرم تأتكم ساعتكم أو تأتي الساعة )، على خلاف عند العلماء في هذا المعنى كما تقدم الإشارة إليه.

والأصل في ذلك أن القيامة لا تقوم على الصالحين، ولا تقوم وفي الأرض أحد يقول: الله الله، فيكون حينئذٍ كل من على الأرض من أهل الجهالة المتمحضة، فلا يبقى حينئذٍ حق؛ وقد جاء في البخاري من حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يذهب الصالحون الأول فالأول، فيبقى حثالة أو حفالة من البشر فتقوم عليهم الساعة )، وفي رواية عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيح وهي الأصل: ( لا يأبه الله بهم، وعليهم تقوم الساعة) كما جاء في حديث النواس بن سمعان عليه رضوان الله تعالى عند الإمام مسلم .

وقيام الساعة على شرار الخلق متلازم لذهاب الصالحين، وذهاب الصالحين هو من علامات الساعة، وهو من أظهر شرائطها، وأظهر ما يزول من الصالحين هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل ذلك سيد ولد آدم النبي عليه الصلاة والسلام، فهو أول علامات الساعة الست التي جاءت في حديث عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تقدم معنا تقرير أصل معين من أصول أشراط الساعة، وهو أن جملة من أشراط الساعة تكون متداخلة، والتداخل في ذلك منها ما يلزم بعضها لبعض، فيكون حينئذٍ انتفاء بعض لازم لورود بعض، وورود بعض لازم لانتفاء بعض، كما جاء في بعض أشراط الساعة من انتفاء وقبض العلم، فإن هذا يلزم منه ظهور الجهل، وكذلك ما جاء من أخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذهاب الصالحين فيلزم منه ظهور الطالحين، ونحو ذلك مما يأتي من بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظهور الظلم والجور مما يدل على قلة السلطان الحق والعدل في الحق، وهذا فيه تلازم.

ويكثر من يتكلم في أشراط الساعة على هذه التفريعات، ويجمع بين المتضادات، فيشكل على الناظر في ذلك، وهذا يحمل على أن هذه الأحوال المتضادة تكون في زمن واحد، فحين قبض العلم يظهر الجهل، وفي ظهور جور السلاطين دليل على انتفاء العدل، وفي انتشار المال والغنى دليل على ظهور الشح، فإن الغنى متلازم مع شح النفس، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو أعطي ابن آدم واديين من ذهب لابتغى لهما ثالثاً )، وهذا إشارة على الشح، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة من الأخبار تدل على استفاضة المال، وبعض الأخبار تدل على ورود الشح، فهذا كله يكون في زمن واحد، ولا تكون في أزمان متفرقة.

ومما ينبغي الإشارة إليه: أن ثمة من الأصول من أشراط الساعة ما يكون أصلاً يدخل فيه جملة، كمسألة ذهاب الصالحين، وهي من أشراط الساعة التي يدخل فيها من تفاصيلها ذهاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبض العلم، فإنه لا يمكن أن يوجد علم مع عدم وجود الصالحين الذين يقومون به، وقبض الصالحين لازم لظهور الجهل، وعدم العدل أيضاً. ومن الأصول ظهور الفتن في الناس، ولازم ظهور الفتن ظهور الزنا وشرب الخمر والجهل والهرج وهو القتل، وغير ذلك من فروع هذه المسائل التي ندرج جملة منها تحت أصلها حتى تكون بينة، مخالفين في ذلك ممن يفصل على سبيل التعداد وتكثير التقسيمات في ذلك.

وموت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو جزء لذهاب الصالحين لظهور علاماته، فالله جل وعلا قد جعل الخيرية في القرن الأول كما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم )، فخير القرون هم قرن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعلق الذهاب بهم أظهر.

والنبي عليه الصلاة والسلام خص ذهابهم بظهور ما توعد هذه الأمة من فتن، كما جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث مجمع عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري قال: ( صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: ننتظر حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتانا، فقال رسول الله: ما زلتم مكانكم؟ فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلنا: ننتظر حتى نصلي معك العشاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبتم، أو قال: أحسنتم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نظر إلى السماء، وكان كثيراً ما ينظر: النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد ).

وقوله عليه الصلاة والسلام: ( أصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد )، الأمنة والأمان المراد به هنا الأمان من الفتن التي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بظهورها، وانفراط العقد لكثير من الآثام والكبائر، واستحلال المحرمات، وظهور الظلم والفجور في الأرض، وكذلك قبض الصالحين وقبض العلم، وظهور الجهل والشح والزلازل، وتقارب الزمان هو من قرائن قبض الصالحين، وأظهر الصالحين في الأمة هم القرن الأول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد جعل النبي عليه الصلاة والسلام من علامات الساعة واقتراب الزمان قبضه عليه الصلاة والسلام كما في حديث عوف بن مالك قال عليه الصلاة والسلام: ( أعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس )، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (موتي) الذي أشار إليه هنا في قوله: ( أنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون )، وما يوعدون بالاشتراك هنا مع ما توعد الأمة هي الفتن، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي ظهرت الفتن بعده عليه الصلاة والسلام.

وقد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في النبي عليه الصلاة والسلام هل مات أم لا؟ فمنهم من قال: لم يمت كـعمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى، فقال: قد رفعه الله إليه، حتى حاجه من هو أعلم منه، وهو أبو بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى، فتلا عليه قول الله جل وعلا: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30] ، وقول الله جل وعلا: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران:144]، فدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت كسائر البشر، فسلم لذلك، وأذعن لسلامة سريرته وقصده الخليفة الراشد عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى لما ورد إليه النص بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك هل يغسل النبي عليه الصلاة والسلام أو لا يغسل؟ وهل يجرد كما يجرد الموتى؟ فانتزع ذلك الخلاف بـأبي بكر الصديق .

ثم اختلفوا أين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل يدفن في المدينة موضع هجرته وأزواجه وأصحابه وأنصاره أم يدفن في مكة موضع مبعثه وقبلته؟ وكذلك ما فتح الله جل وعلا عليه فيها، وهي خير البقاع إلى الله؟ أم يدفن في المسجد الأقصى، موضع مسراه وصلاته، وهي قبلته الأولى، وصلاته بالأنبياء خلفه كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تقدم الإشارة إليه بإلماحة، ويأتي تفصيله بإذن الله؟ وحسم ذلك بقول أبي بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يدفن الأنبياء حيث يقبضون).

ثم اختلفوا بعد ذلك في إرث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الخلاف يأتي متسارعاً ولا ينتهي حتى يأتي خلاف آخر، لكنه يحسم بالدليل، فكان ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام: ( أتي أمتي ما توعد )، وهو إشارة إلى هذا النوع من الخلاف.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
أشراط الساعة رواية ودراية [6] 2024 استماع
أشراط الساعة رواية ودراية [1] 1834 استماع
أشراط الساعة رواية ودراية [4] 1559 استماع
أشراط الساعة رواية ودراية [5] 1432 استماع
أشراط الساعة رواية ودراية [3] 981 استماع