أشراط الساعة رواية ودراية [3]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فقد تكلمنا فيما سبق على جملة من أعلام الساعة وأشراطها، ونكمل شيئاً من ذلك أيضاً.

ومن أشراط الساعة: ظهور الدجل والكذب، وعلى الأخص على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء ذلك عن رسول الله في جملة من الأحاديث، منها ما جاء في الصحيح من حديث ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقوم الساعة حتى يظهر دجالون كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي )، وهؤلاء قد ظهروا.

وقد ظهر جملة منهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستفاد من هذا أنه إذا تجرأ الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه من باب أولى يتجرأ على من هو دونه، وبهذا يعلم أن انتشار الكذب في الناس من الخديعة، وشهادة الزور، وكتمان الحق، ورمي الناس بالباطل، والقذف، وغير ذلك، داخل من جهة الأصل تحت هذا العموم.

وتقدم معنا أن ما دل الدليل عليه أنه من أشراط الساعة وكان من المغلظات فإنه يدخل فيه ما كان دونه، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة من أشراط الساعة التي ربما تندرج حكماً تحت هذا، منها ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من ظهور شهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وذهاب الأمانة، وهذا لا يمكن أن يظهر في الناس من يفتري على النبي عليه الصلاة والسلام أنه بعده، أو مجدد لما اندثر من ملته عليه الصلاة والسلام، ولا يمكن أن يقبل أو يظهر في الناس إلا وقد تفشى فيهم ما هو دون ذلك من الكذب بين الناس والخديعة، وشهادة الزور، وكتمان الحق وغير ذلك.

ويتبع هذا جملة من المسائل أيضاً التي ربما لا تتعلق ببابنا هذا، ولكن الأصل المتقرر والذي ينبغي أن يشار إليه هو أنه إذا دل الدليل على أمر معظم فيندرج تحته من أشراط الساعة من جهة المعنى ما هو دونه، كما تقدم الإشارة إلى مسألة استحلال الحر والحرير والخمر والمعازف؛ وذلك أنه يدخل تحتها إباحة ما دونها مما ليس من القطعيات من مواضع الخلاف كما تقدم الإشارة إليه في جملة من المواضع.

ومن علامات الساعة وأشراطها: حرب الجهاد والمجاهدين وصدهم عن سبيل الله، وقد دل الدليل كما في صحيح الإمام مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يزال قوم يقاتلون في سبيل الله ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة )، وهذا قد جاء من حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بقاء الجهاد وديمومته إلى قيام الساعة

والحديث السابق متضمن لمعنى مهم جداً، وهو: أن الجهاد باقٍ إلى قيام الساعة، ولا يمكن أن يخلو عصر من العصور، ويظهر هذا في قوله: (ما يزال) أو (لا يزال) كما جاء في بعض الروايات، وهذا يفيد الديمومة على كل حال، وهل هو في كل بلد؟ يقال: إن النص ظاهر في الدوام في كل عصر، بخلاف البلدان، فقد يندثر ولا يوجد في بلد، وإنما يوجد في بلد آخر بحسب الداعي، وهذا يظهر من قوله عليه الصلاة والسلام: ( ما يزال الجهاد قائماً ).

وجاء في رواية: ( حلواً خضراً )، فقد روى ابن عساكر في كتابه تاريخ دمشق من حديث عباد بن كثير عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يزال الجهاد حلواً خضراً ما نزل القطر من السماء، ونبت النبات من الأرض، ويظهر أقوام من المشرق يقولون: لا جهاد، وإن الجهاد قائم إلى قيام الساعة، أولئك شرار الخلق، فرباط يوم في سبيل الله خير من إعتاق ألف رقبة من ولد إسماعيل )، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعضد هذا الخبر، وإن كان في إسناد الأول ضعف، فإنه قد تفرد به من هذا الوجه عباد بن كثير عن يزيد الرقاشي ، وكلاهما مضعف، لكن قد روى أبو عمرو الداني في كتابه الفتن من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يزال الجهاد حلواً خضراً ما نزل القطر من السماء، وإنه يأتي زمان يقول قراء فيه: لا جهاد. وثمة جهاد، قال: فقلنا: يا رسول الله! وهل ثمة من يقول ذلك؟ قال: نعم، من عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ).

وفي هذا جملة من الفوائد:

الفائدة الأولى: ما يتعلق بديمومة الجهاد وبقائه إلى قيام الساعة، وأنه لا يمكن أن يندثر من الأزمنة، وأنه قد يندثر من بلد بحسب داعي الحاجة، وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فائدة تتعلق بهذا، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قد جاء عنه النص عاماً كما في الصحيح في غير هذا السياق، قال: ( لا يضرهم من خذلهم )، إشارة إلى وجود من يخذل ومن يقوم بأمر الله سبحانه وتعالى في مثل هذا.

الفائدة الثانية: أن من قام بأمر الله جل وعلا فإن ذلك لا يضره وجود الخذلان مع وجوده، وهذا دليل على النص السابق الذي تقدم أنه ( ما يزال قوم يقاتلون في سبيل الله حتى تقوم الساعة )، فوجود الخذلان لا يضر ولكنه قد ينقص، ولكن ديمومة الجهاد باقية إلى قيام الساعة.

الركون إلى رغد العيش عند محاربة الجهاد

ومن الفوائد المتعلقة بهذا الخبر أن مسألة صد الجهاد وعدوان أعداء الله سبحانه وتعالى لازمة لعدة مسائل:

المسألة الأولى: الركون إلى رغد العيش، وهذا قد تقدم الإشارة إليه، وهو من لوازم حرب الجهاد بأنواعه، سواء كان جهاد اللسان أو جهاد السنان، ولازم ذلك تمكن رغد العيش في الناس، وقد جاءت جملة من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستقلال ما يشير إلى هذه اللوازم، فإذا تمكن الأمر من الناس كالشح المطاع، والهوى المتبع، والمال واستفاضته في الناس، فإنه حينئذٍ يقوم الناس في رد هذه الأمور طبعاً باستدامة رغد العيش.

وقد تقدم الإشارة إلى هذا فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البخاري من حديث عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً )، وهذا فيه إشارة إلى استفاضة المال في الناس، وفيه إشارة أيضاً إلى ما تقدم الإشارة إليه أن الإنسان يأخذ المال حتى لا يشعر من أي باب أخذ من حلال أو من حرام، وقد جاء النص في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح من حديث أبي هريرة قال: ( ليأتين على الناس زمان لا يأبه الرجل أخذ المال من حلال أو من حرام )، ويأتي الكلام عليه، فإذا استحكم في المجتمع حب المال، والأثرة، وكراهية الموت، وحب الدنيا، فإنه يلزم من ذلك الطمع في الحياة، والعيش والاستقرار فيها، ولازم هذا كراهة القتال في سبيل الله، وخذلان من يجاهد في سبيل الله عن ماله وعرضه ودينه، وهذا قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: ( حب الدنيا وكراهية الموت )، ويأتي الإشارة إليه.

واستفاضة المال قد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام كما تقدم الإشارة إليه، وأخذ المال قد يكون من ثمار ذلك، وهو أن الإنسان إذا أخذ المال من أي باب من أبوابه سواء كان حلالاً أو حراماً ففيه إشارة إلى ضعف الإيمان في قلب الإنسان، وأما إذا كان يتحرى الحلال فإنه في الأغلب لا يطمع في صد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو جهاد السنان الذي جعل الله عز وجل فيه البركة في هذه الأرض.

نزول القطر وظهور النبات من الأرض ببقاء الجهاد

وقد أشار النبي عليه الصلاة والسلام إلى علة لطيفة في ديمومة الجهاد بقوله: ( ما يزال الجهاد حلواً خضراً ما نزل القطر من السماء، وظهر النبات من الأرض )، فربط ذلك بهذا الوصف، في إشارة إلى أن الناس يرزقون الخير بهذا، ويغدق عليهم النعيم بمثل هذا السبب، والامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى.

وثمة أمران يرزق الله جل وعلا بسببهما الخير والرزق، وينزل القطر من السماء والنبات من الأرض:

أولهما: على سبيل الاستدراج، فإن الله عز وجل يستدرج من بغى وتعدى حتى إذا أخذه لم يفلته، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك الخبر: ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته).

ثانيهما: بسبب الخير والجهاد، ومجالدة أعداء الله سبحانه وتعالى سواء من الكفرة أو من المنافقين، فإن من ثمار ذلك التمكين في الأرض، وأن يجعل الله عز وجل للأمة المكنة، ومن أثر تلك المكنة أن يرزق الله الأمة ثمار تلك التمكين، وهو خيرات هذه الأرض وجبايتها، وكذلك حكم الناس وإشاعة العدل فيهم، فإذا ظهر هذا الأمر في الناس فإنه حينئذٍ دليل على وجود مسبب ذلك، وهو إقامة حدود الله سبحانه وتعالى في هذه الأرض.

تسلط الأعداء والصد عن كلمة الحق والجهاد

المسألة الثانية: أن الناس إذا صدوا كلمة الحق، وإظهار الجهاد في سبيل الله، وخذلوا خير الأرض في زمانهم، سلط الله عز وجل عليهم عدواً، سواء كان من بينهم أو من غيرهم، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا تبايعتم بالعينة, وأخذتم أذناب البقر, ورضيتم بالزرع, وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم عدواً ).

وقوله عليه الصلاة والسلام: ( سلط الله عليكم عدواً ) إشارة إلى سبب التسليط، وهو الدعة، وأخذ المال من حيث يأتي من غير تمييز لحلال ولا حرام.

وقوله: ( ورضيتم بالزرع ) إشارة إلى رغد العيش، وإشارة أيضاً إلى الخيرات التي يفتحها الله عز وجل على الأمة في الأزمنة المتأخرة التي لم تكن في السالف، وهذا من أشراط الساعة أيضاً.

وقوله: ( وتركتم الجهاد في سبيل الله ) معنى الترك أن يترك على سبيل العموم مع وجوده على سبيل الأفراد، فسلط الله عليكم من الذل ما لا ينزعه الله عز وجل عنكم حتى تعودوا إلى دينكم، وفيه إشارة إلى نزع الإيمان من قلوب كثير من الناس بسبب هذا الأمر.

والحديث السابق متضمن لمعنى مهم جداً، وهو: أن الجهاد باقٍ إلى قيام الساعة، ولا يمكن أن يخلو عصر من العصور، ويظهر هذا في قوله: (ما يزال) أو (لا يزال) كما جاء في بعض الروايات، وهذا يفيد الديمومة على كل حال، وهل هو في كل بلد؟ يقال: إن النص ظاهر في الدوام في كل عصر، بخلاف البلدان، فقد يندثر ولا يوجد في بلد، وإنما يوجد في بلد آخر بحسب الداعي، وهذا يظهر من قوله عليه الصلاة والسلام: ( ما يزال الجهاد قائماً ).

وجاء في رواية: ( حلواً خضراً )، فقد روى ابن عساكر في كتابه تاريخ دمشق من حديث عباد بن كثير عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يزال الجهاد حلواً خضراً ما نزل القطر من السماء، ونبت النبات من الأرض، ويظهر أقوام من المشرق يقولون: لا جهاد، وإن الجهاد قائم إلى قيام الساعة، أولئك شرار الخلق، فرباط يوم في سبيل الله خير من إعتاق ألف رقبة من ولد إسماعيل )، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعضد هذا الخبر، وإن كان في إسناد الأول ضعف، فإنه قد تفرد به من هذا الوجه عباد بن كثير عن يزيد الرقاشي ، وكلاهما مضعف، لكن قد روى أبو عمرو الداني في كتابه الفتن من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يزال الجهاد حلواً خضراً ما نزل القطر من السماء، وإنه يأتي زمان يقول قراء فيه: لا جهاد. وثمة جهاد، قال: فقلنا: يا رسول الله! وهل ثمة من يقول ذلك؟ قال: نعم، من عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ).

وفي هذا جملة من الفوائد:

الفائدة الأولى: ما يتعلق بديمومة الجهاد وبقائه إلى قيام الساعة، وأنه لا يمكن أن يندثر من الأزمنة، وأنه قد يندثر من بلد بحسب داعي الحاجة، وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فائدة تتعلق بهذا، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قد جاء عنه النص عاماً كما في الصحيح في غير هذا السياق، قال: ( لا يضرهم من خذلهم )، إشارة إلى وجود من يخذل ومن يقوم بأمر الله سبحانه وتعالى في مثل هذا.

الفائدة الثانية: أن من قام بأمر الله جل وعلا فإن ذلك لا يضره وجود الخذلان مع وجوده، وهذا دليل على النص السابق الذي تقدم أنه ( ما يزال قوم يقاتلون في سبيل الله حتى تقوم الساعة )، فوجود الخذلان لا يضر ولكنه قد ينقص، ولكن ديمومة الجهاد باقية إلى قيام الساعة.

ومن الفوائد المتعلقة بهذا الخبر أن مسألة صد الجهاد وعدوان أعداء الله سبحانه وتعالى لازمة لعدة مسائل:

المسألة الأولى: الركون إلى رغد العيش، وهذا قد تقدم الإشارة إليه، وهو من لوازم حرب الجهاد بأنواعه، سواء كان جهاد اللسان أو جهاد السنان، ولازم ذلك تمكن رغد العيش في الناس، وقد جاءت جملة من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستقلال ما يشير إلى هذه اللوازم، فإذا تمكن الأمر من الناس كالشح المطاع، والهوى المتبع، والمال واستفاضته في الناس، فإنه حينئذٍ يقوم الناس في رد هذه الأمور طبعاً باستدامة رغد العيش.

وقد تقدم الإشارة إلى هذا فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البخاري من حديث عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً )، وهذا فيه إشارة إلى استفاضة المال في الناس، وفيه إشارة أيضاً إلى ما تقدم الإشارة إليه أن الإنسان يأخذ المال حتى لا يشعر من أي باب أخذ من حلال أو من حرام، وقد جاء النص في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح من حديث أبي هريرة قال: ( ليأتين على الناس زمان لا يأبه الرجل أخذ المال من حلال أو من حرام )، ويأتي الكلام عليه، فإذا استحكم في المجتمع حب المال، والأثرة، وكراهية الموت، وحب الدنيا، فإنه يلزم من ذلك الطمع في الحياة، والعيش والاستقرار فيها، ولازم هذا كراهة القتال في سبيل الله، وخذلان من يجاهد في سبيل الله عن ماله وعرضه ودينه، وهذا قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: ( حب الدنيا وكراهية الموت )، ويأتي الإشارة إليه.

واستفاضة المال قد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام كما تقدم الإشارة إليه، وأخذ المال قد يكون من ثمار ذلك، وهو أن الإنسان إذا أخذ المال من أي باب من أبوابه سواء كان حلالاً أو حراماً ففيه إشارة إلى ضعف الإيمان في قلب الإنسان، وأما إذا كان يتحرى الحلال فإنه في الأغلب لا يطمع في صد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو جهاد السنان الذي جعل الله عز وجل فيه البركة في هذه الأرض.

وقد أشار النبي عليه الصلاة والسلام إلى علة لطيفة في ديمومة الجهاد بقوله: ( ما يزال الجهاد حلواً خضراً ما نزل القطر من السماء، وظهر النبات من الأرض )، فربط ذلك بهذا الوصف، في إشارة إلى أن الناس يرزقون الخير بهذا، ويغدق عليهم النعيم بمثل هذا السبب، والامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى.

وثمة أمران يرزق الله جل وعلا بسببهما الخير والرزق، وينزل القطر من السماء والنبات من الأرض:

أولهما: على سبيل الاستدراج، فإن الله عز وجل يستدرج من بغى وتعدى حتى إذا أخذه لم يفلته، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك الخبر: ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته).

ثانيهما: بسبب الخير والجهاد، ومجالدة أعداء الله سبحانه وتعالى سواء من الكفرة أو من المنافقين، فإن من ثمار ذلك التمكين في الأرض، وأن يجعل الله عز وجل للأمة المكنة، ومن أثر تلك المكنة أن يرزق الله الأمة ثمار تلك التمكين، وهو خيرات هذه الأرض وجبايتها، وكذلك حكم الناس وإشاعة العدل فيهم، فإذا ظهر هذا الأمر في الناس فإنه حينئذٍ دليل على وجود مسبب ذلك، وهو إقامة حدود الله سبحانه وتعالى في هذه الأرض.

المسألة الثانية: أن الناس إذا صدوا كلمة الحق، وإظهار الجهاد في سبيل الله، وخذلوا خير الأرض في زمانهم، سلط الله عز وجل عليهم عدواً، سواء كان من بينهم أو من غيرهم، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا تبايعتم بالعينة, وأخذتم أذناب البقر, ورضيتم بالزرع, وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم عدواً ).

وقوله عليه الصلاة والسلام: ( سلط الله عليكم عدواً ) إشارة إلى سبب التسليط، وهو الدعة، وأخذ المال من حيث يأتي من غير تمييز لحلال ولا حرام.

وقوله: ( ورضيتم بالزرع ) إشارة إلى رغد العيش، وإشارة أيضاً إلى الخيرات التي يفتحها الله عز وجل على الأمة في الأزمنة المتأخرة التي لم تكن في السالف، وهذا من أشراط الساعة أيضاً.

وقوله: ( وتركتم الجهاد في سبيل الله ) معنى الترك أن يترك على سبيل العموم مع وجوده على سبيل الأفراد، فسلط الله عليكم من الذل ما لا ينزعه الله عز وجل عنكم حتى تعودوا إلى دينكم، وفيه إشارة إلى نزع الإيمان من قلوب كثير من الناس بسبب هذا الأمر.

وقد يكون من ثمار ذلك شرط من أشراط الساعة وهو: شيوع الخير ورغد العيش في الأرض، وهذا قد أخبر عنه عليه الصلاة والسلام كما جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقوم الساعة حتى تعود جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً كما كانت )، وقوله عليه الصلاة والسلام: (تعود) إشارة إلى كونها في السابق على هذه الحال، وقد نص على تأكيد ذلك في بعض الروايات حيث قال: (كما كانت).

الحكمة من تقلب المواسم

وهنا إشارة إلى مسألة مهمة، وهي أن الله عز وجل يفعل ذلك على سبيل الاستدراج للأمة، أو على سبيل التذكير بزوال الدنيا، والعاقل يتذكر من أمثال تقلب الأحوال، وتغير الزمان، وتقلب المواسم بزواله من هذه الدنيا، وكذلك أحوال الأمم السالفة.

وأما الذي علق قلبه بالدنيا فإنه ينصرف إلى إشغال قلبه بلذائذ الدنيا ومتعها، ومن ذلك الميل إلى رغد العيش، وقد أشار إلى هذا المعنى النبي عليه الصلاة والسلام في خبر آخر قد رواه البخاري و مسلم من حديث سعد الطائي عن محل بن خليفة عن عدي بن حاتم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لئن عشتَ ) ، وجاء في رواية: ( لترين الظعينة تسير من الحيرة حتى تطوف بالبيت لا تخاف إلا الله )، ومعنى الظعينة: هي المرأة التي تركب الراحلة، فتسير من الشام إلى مكة لا تخاف إلا الله.

وقال بعض العلماء: إن المراد بهذا هو ما يكون في آخر الزمان في زمن المهدي، وقد يكون قبل ذلك.

والأظهر والله أعلم أنه قبل ذلك، وهذا مشاهد في الأزمنة المتأخرة أن المرأة تستطيع أن تسير لوحدها حتى تطوف بالبيت لا تخاف إلا الله، وفي هذا إشارة إلى شيوع الأمن ومنة الله سبحانه وتعالى على خلقه، وفيه إشارة إلى مسألة رغد العيش، فإن تعدي الناس على حرمات الآخرين بالسطو والسلب إشارة إلى وجود الجوع والفقر والحاجة والفاقة والمسكنة، وهذا انتفى مع شدة الخير في الناس، مما يدل على أن انتشار المال ورغد العيش مع الأمن متلازمة في زمن واحد، وإلا فإن كثيراً من الناس يسطون على قوافل الحجيج وعلى المسافرين، فيكونون من جملة قطاع الطريق إذا كان هناك خوف من الفقر والمسكنة والجوع ونحو ذلك، وينتشر حينئذٍ في الناس الخوف ولوازم ذلك كله.

ومن نظر إلى علامات الساعة استطاع أن يجمع جملة منها من العشر والعشرين تحت شرط واحد، فيكون بينها تلازم، وقد تقدم الإشارة إلى هذه المسألة.

الحكمة من اختلاف أحوال الإنسان في الزمن الواحد

ومن الإشارات في هذا أن ما يرد في كلام النبي عليه الصلاة والسلام من اختلاف الحال ليس من التضاد، وإنما لتقلب الزمن وسرعة تغير الحال.

وتغير الحال هي من الحكم اللطيفة التي يجعلها الله سبحانه وتعالى في الأرض حتى يتذكر الإنسان انقلاب حاله، ويتذكر مآله، وأن مرده إلى الله سبحانه وتعالى، فالله جل وعلا جعل تغير الإنسان في ساعته وفي يومه، فيتقلب الإنسان في الساعة الواحدة من فرح إلى ترح، ومن صحة إلى مرض، وفي يومه من نهار إلى ليل، ومن صحة إلى سقم، ويتقلب أيضاً في أيامه بتغير أسمائها، وكذلك في فصوله لأمور وحكم عديدة، من أظهرها أن يتذكر الإنسان حاله كما تقدم الإشارة إليه، وفيها إشارة إلى ضعف الإنسان وملله من ديمومة الحال، فإن الإنسان لو كان الليل سرمداً عليه إلى قيام الساعة تضجر وربما تمنى الموت، ولو كان الشتاء عليه سرمداً لتمنى زواله؛ ولهذا قلب الله حاله من حال إلى حال، وفي هذا يقول الشاعر مشيراً إلى هذا المعنى:

يحب المرء في الصيف الشتاء وإذا جاء الشتاء أنكره

لا بذا يرضى ولا يرضى بذا قتل الإنسان ما أكفره

لا يرضى الإنسان بغنى يحب الحاجة؛ ولهذا كم من أصحاب الغنى يتقشف في بعض أوقاته، وإذا جاءه شتاء تمنى الصيف، وإذا جاءه صيف تمنى الشتاء؛ ولهذا قلب الله سبحانه وتعالى تلك الأحوال إشارة إلى فطرة الإنسان وضعفه.

وهنا إشارة إلى مسألة مهمة، وهي أن الله عز وجل يفعل ذلك على سبيل الاستدراج للأمة، أو على سبيل التذكير بزوال الدنيا، والعاقل يتذكر من أمثال تقلب الأحوال، وتغير الزمان، وتقلب المواسم بزواله من هذه الدنيا، وكذلك أحوال الأمم السالفة.

وأما الذي علق قلبه بالدنيا فإنه ينصرف إلى إشغال قلبه بلذائذ الدنيا ومتعها، ومن ذلك الميل إلى رغد العيش، وقد أشار إلى هذا المعنى النبي عليه الصلاة والسلام في خبر آخر قد رواه البخاري و مسلم من حديث سعد الطائي عن محل بن خليفة عن عدي بن حاتم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لئن عشتَ ) ، وجاء في رواية: ( لترين الظعينة تسير من الحيرة حتى تطوف بالبيت لا تخاف إلا الله )، ومعنى الظعينة: هي المرأة التي تركب الراحلة، فتسير من الشام إلى مكة لا تخاف إلا الله.

وقال بعض العلماء: إن المراد بهذا هو ما يكون في آخر الزمان في زمن المهدي، وقد يكون قبل ذلك.

والأظهر والله أعلم أنه قبل ذلك، وهذا مشاهد في الأزمنة المتأخرة أن المرأة تستطيع أن تسير لوحدها حتى تطوف بالبيت لا تخاف إلا الله، وفي هذا إشارة إلى شيوع الأمن ومنة الله سبحانه وتعالى على خلقه، وفيه إشارة إلى مسألة رغد العيش، فإن تعدي الناس على حرمات الآخرين بالسطو والسلب إشارة إلى وجود الجوع والفقر والحاجة والفاقة والمسكنة، وهذا انتفى مع شدة الخير في الناس، مما يدل على أن انتشار المال ورغد العيش مع الأمن متلازمة في زمن واحد، وإلا فإن كثيراً من الناس يسطون على قوافل الحجيج وعلى المسافرين، فيكونون من جملة قطاع الطريق إذا كان هناك خوف من الفقر والمسكنة والجوع ونحو ذلك، وينتشر حينئذٍ في الناس الخوف ولوازم ذلك كله.

ومن نظر إلى علامات الساعة استطاع أن يجمع جملة منها من العشر والعشرين تحت شرط واحد، فيكون بينها تلازم، وقد تقدم الإشارة إلى هذه المسألة.

ومن الإشارات في هذا أن ما يرد في كلام النبي عليه الصلاة والسلام من اختلاف الحال ليس من التضاد، وإنما لتقلب الزمن وسرعة تغير الحال.

وتغير الحال هي من الحكم اللطيفة التي يجعلها الله سبحانه وتعالى في الأرض حتى يتذكر الإنسان انقلاب حاله، ويتذكر مآله، وأن مرده إلى الله سبحانه وتعالى، فالله جل وعلا جعل تغير الإنسان في ساعته وفي يومه، فيتقلب الإنسان في الساعة الواحدة من فرح إلى ترح، ومن صحة إلى مرض، وفي يومه من نهار إلى ليل، ومن صحة إلى سقم، ويتقلب أيضاً في أيامه بتغير أسمائها، وكذلك في فصوله لأمور وحكم عديدة، من أظهرها أن يتذكر الإنسان حاله كما تقدم الإشارة إليه، وفيها إشارة إلى ضعف الإنسان وملله من ديمومة الحال، فإن الإنسان لو كان الليل سرمداً عليه إلى قيام الساعة تضجر وربما تمنى الموت، ولو كان الشتاء عليه سرمداً لتمنى زواله؛ ولهذا قلب الله حاله من حال إلى حال، وفي هذا يقول الشاعر مشيراً إلى هذا المعنى:

يحب المرء في الصيف الشتاء وإذا جاء الشتاء أنكره

لا بذا يرضى ولا يرضى بذا قتل الإنسان ما أكفره

لا يرضى الإنسان بغنى يحب الحاجة؛ ولهذا كم من أصحاب الغنى يتقشف في بعض أوقاته، وإذا جاءه شتاء تمنى الصيف، وإذا جاءه صيف تمنى الشتاء؛ ولهذا قلب الله سبحانه وتعالى تلك الأحوال إشارة إلى فطرة الإنسان وضعفه.

ومن أشراط الساعة المتعلقة والتي قد يكون لها صلة في هذا الباب: نزع الأمانة من قلوب الناس.

ونزع الأمانة من قلوب الناس فيه إشارة إلى الشح المطاع، والهوى المتبع، والطمع والجشع.

من ثمار نزع الأمانة

ومن ثمار ذلك ما سلف من قطيعة الأرحام، وتسليم الخاصة، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة إلى تقلب الإنسان في يومه وليلته من أمين إلى خائن، ومن مؤمن إلى كافر في يوم وليلة.

وتقدم معنا مسألة التقلب بين الإيمان والكفر، فإن الرجل يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، أو يصبح مؤمناً ويمسي كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا، وقد جاء عند البخاري من حديث زيد بن وهب عن حذيفة بن اليمان قال: ( حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمرين: أما الأمر الأول: فهو الأمانة أنزلها الله في جذر قلوب رجال، وأما الآخر فحدثنا أن الرجل ينام فتزول الأمانة من قلبه )، وهذا فيه إشارة إلى أن الإنسان تزول الأمانة من قلبه لا بسبب يدركه، وإنما بسبب لو تفحصه وتأمله وجد أنه له علاقة بحرمات الله كمعاصي السر وغير ذلك، فإن الله عز وجل يجعلها من أسباب تقلب الإنسان وردته وانتكاسه.

وتقدم الإشارة معنا أن الإنسان إذا كان صاحب إيمان وصاحب علم عصمه الله جل وعلا من الردة والانتكاسة، وأما إذا كان من أصحاب العلم وليس من أصحاب الديانة والإيمان والعبادة فإنه يتقلب من حال إلى حال، من أمين إلى خائن بحسب مطامع الدنيا.

لوازم ضياع الأمانة

وأشار في الحديث إلى الأمانة، ولها لوازم متعددة؛ لأنها أصل العدل في الناس، فالسلطان إن لم يكن أميناً جار وبغى وظلم، والعالم إذا لم يكن أميناً شاع في فتاوى الجهالة والزور ونشر الجهالات في الناس، وأواسط الناس وعامتهم ودهمائهم إذا نزعت الأمانة من قلوبهم كتموا الشهادة، وأظهروا شهادة الزور، وكذبوا وخانوا، وعقوا وقطعوا الأرحام، وسعوا في الأرض فساداً.

وفي الإشارة إلى نزع الأمانة لازم لكثير من أشراط الساعة؛ لأن الأمانة إذا نزعت من قلوب الناس انتشر ما عداها من أنواع الخيانة، وأظهر ذلك ما جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من علامات النفاق وهو الكذب، والغدر، والمبالغة في الفجور عند الخصومة، فإن هذا يشتهر عند من نزع الله جل وعلا منه الأمانة.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
أشراط الساعة رواية ودراية [2] 2064 استماع
أشراط الساعة رواية ودراية [6] 2024 استماع
أشراط الساعة رواية ودراية [1] 1834 استماع
أشراط الساعة رواية ودراية [4] 1560 استماع
أشراط الساعة رواية ودراية [5] 1432 استماع