أشراط الساعة رواية ودراية [5]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

فقد تقدم معنا فيما مضى ذكر جملة من أشراط الساعة أو جل أشراط الساعة الصغرى، ونكمل ما تبقى من أشراط الساعة الصغرى.

من هذه الأشراط: إخراج الأرض من كنوزها، وهذا قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدة معان، منها: ما رواه محمد بن فضيل ، عن أبيه ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( تقذف الأرض بكنوزها كأمثال الأسطوان من الذهب والفضة، حتى يأتي القاتل فيقول: على مثل هذا قَتلت، ويأتي القاطع -يعني: رحمه- فيقول: على مثل هذا قطعت، ويأتي السارق فيقول: على مثل هذا قطعت يدي، فيدعونه ولا يأخذون منه شيئاً )، وقد جاء تخصيص ذلك من بعض البلدان، وهنا قد جاء على وجه العموم.

وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن الفرات يحسر عن جبل من الذهب، يقتتل عليه الناس، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، كل واحد منهم يظن أنه الناجي )، وقد يقال: ليس في هذا ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام على سبيل العموم؛ وذلك أن الأول كان فيه مقتل، وأما الثاني فكان فيه قتل، فيظهر أن ما كان في العراق من انحسار الجبل عن الذهب يكون في ابتداء خروجه؛ ولهذا قال في الخبر من حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى قال: ( يأتي القاتل فيقول: في مثل هذا قتلت )، يعني: قتلت الناس على هذا المال، وأما في حال الاستفاضة كأن الناس أمسكوه، قال: ( ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً )، وبه يعلم أن استفاضة المال وكثرتها تكون بعد انحسار الفرات عن جبل من الذهب.

الحكمة من تقييد نوعية الكنوز بالذهب والفضة

وثمة جملة من المسائل ينبغي الإشارة إليها في هذا، وهي أن مسألة المال المخصوص هنا في الذهب والفضة كما في الحديثين: في قوله عليه الصلاة والسلام: ( تقذف بأمثال الأسطوان من الذهب والفضة )، هل هو مقيد بهذا النوع أم المراد بذلك نفاسة المال؟ هذا محتمل أن يكون على الذهب والفضة على سبيل التخصيص، ومن الاحتمال أيضاً أن يكون المراد به ما هو أوسع من ذلك من خروج الأرض كنوزها سواء كان من المعادن أو من غيرها، وإنما كان الإشارة إلى الذهب والفضة لأن كل ما كان له قيمة عند الناس إنما هو راجع عنه؛ ولهذا فإن النقدين الذهب والفضة به يتعامل الناس، وبه يتبايع الناس من جهة البيع والشراء، فالإنسان يشتري طعامه من ذهب، أو يشتري أرضه من ذهب، وربما يزرع بستاناً من ذهب، واستحالة ذلك في الأزمنة المتأخرة من انتشار العملات النقدية والعملات الورقية هي أصلها من الذهب والفضة، وأشير إلى هذا الأمر إلى أنه أصل كل شيء.

وربما يشار إلى الثروات التي تخرجها الأرض سواء من النفط ومشتقاته لكي يعضد الذهب والفضة، فمنها يستلهمون من جهة المشتقات القيمة ومن جهة التحصيل؛ والإنسان قد يريد أن يحوز الذهب والفضة ولو دفع ما لديه من أموال، ونص عليها تخصيصاً لأنها أبلغ للفهم، وقد يكون المراد من ذلك أي الذهب والفضة على سبيل التخصيص لشدة تعلق الناس بها.

عظم الأمل مع تعلق القلب بالمال

ومن هذه المسائل المتعلقة في هذا أن الإنسان كلما تعلق قلبه بالمال عظم أمله، حتى إنه يرى الهلاك العظيم البين الذي يراه ذو البصيرة بأدنى نظر وأدنى تأمل فلا يراه هلاكاً، وإنما يرى تلك النافذة في حائط الهلاك يرى أنه هو الناجي منها؛ لهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الخبر: ( يهلك من كل مائة تسعة وتسعون، فيبقى واحد، كل واحد منهم يظن أنه الناجي ) باعتبار ذلك الواحد، وهذا يدل على قوة الأمل في الناس، وإذا قوي الأمل في الناس لم ينظروا إلى أسباب الهلاك، فانغمسوا في الدنيا وشهواتها وملذاتها، وهذا من أعجب أمور الأمل وسعته عند الناس.

قلة قيمة السلعة المعروضة

ومن المسائل أيضاً في هذا الباب الإشارة إلى قاعدة أو فائدة يذكرها أهل الاختصاص وأرباب الأموال أنهم يقولون: إن السلعة إذا كثر العرض قل الطلب، وإذا قل الطلب قلت القيمة، وهذا بينها تلازم، وهذه قاعدة اقتصادية معروفة من هذا الخبر؛ لأن السلعة إذا انتشرت في الناس وأصبحت تعرض قل طلب الناس عليها، وإذا قل طلب الناس عليها قلت قيمتها، وإذا قلت قيمتها تدرج ذلك إلى انعدامها؛ لأنها توفرت في أيدي الناس كلهم.

استفاضة المال

وربما يكون هذا الخبر فيه إشارة إلى الفتنة العظيمة التي تدب في الناس حتى ينصرفوا عن المال، فلا يريدون ولا يمكن أن يريدوا المال، وهذا يتضمن ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عوف بن مالك لما قال له: ( أعدد ستاً بين يدي الساعة )، قال عليه الصلاة والسلام: ( ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً )، وهذا الحديث متضمن للسخط أن الإنسان إذا أعطي المال مطالباً بالمزيد، وهنا في الخبر أنه يدع المال، مما يدل على وجود هذه الأحوال الثلاثة في المال:

الحال الأولى: هو بسبب انحسار الفرات عن جبل من ذهب، فيقتتل الناس عليه.

الحال الثانية: أن الناس يفيض فيهم المال، فيعطى الإنسان مائة دينار ويبقى ساخطاً للمزيد.

وبعد الاستفاضة وهي الحالة الثالثة حينما يستكثر المال عند الناس ( يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً )، يعني: أننا كنا نقتتل على هذا المال، ونتقاتل عليه، ونقطع الأرحام، وتقطع أيدينا عليه، ثم بعد ذلك يدعونه ولا يأخذون منه شيئاً.

والذي يظهر والله أعلم أن هذه تكون في زمن واحد؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( القاتل يأتي فيقول: في مثل هذا قتلت ) يعني: أنه أغلب الأحوال، الأمر الثاني أن السارق يأتي ( فيقول: في مثل هذا قطعت يدي )، أي: أنه بنفسه، يقول: قطعت يدي في مثل هذه الحال، مما يدل على أنه قد مر بهذه الأحوال الثلاثة في زمن واحد.

وربما يكون أن المراد على سبيل الإجمال، وفي آخر الزمان في زمن المهدي وعيسى .

واستفاضة المال ليس المراد منها الاستفاضة العينية للمال، وإنما في عيون مالكيها يرونها كثيرة، ومعلوم أن الإنسان كلما قل الأمل في قلبه ولو ملك ديناراً ظن أنه ملك الدنيا وحازها، بخلاف لو تعلق المال بقلبه لو ملك المثاقيل لظن أنها قليلة، وهذا يرجع إلى طبع الإنسان ويرجع إلى بذل المال من جهة عدده؛ ولهذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لو أعطي ابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثاً، ولا يملئ جوف ابن آدم إلا التراب )، وهذا يدل على أن الإنسان إذا تعلق بالمال وعظم أمله ولو كان المال كثيراً فإنه يطلب المزيد.

وهذا فيه إشارة إلى ضعف الأمل، والفتنة إذا عظمت في حياة الناس، وكثر في ذلك القتل، وانشغلوا عن المال أصبح الناس منشغلين بما يعظم عندهم وقت الفتنة، وهذا يعلم في حال المعارك التي تقع في كثير من البلدان، ففي حال الفتن التي تتعلق بالدماء والأعراض، تجد الناس لا يلتفتون إلى الأموال، وإنما كل يذود عن نفسه وعن عرضه، وهذا معلوم مشاهد.

ويظهر لي والله أعلم أن استفاضة المال بهذه الصورة والكثرة حتى إن الأرض تقذف ما فيها من الذهب والفضة على شكل الإسطوان، وهذا متضمن الكثرة، ومتضمن أيضاً صفة الخروج أن يكون كالحجر، وقد يكون هذا متضمناً للزلازل وانشقاق الأرض ونحو ذلك حتى يستهين الناس بهذا، فيذهلون من انشقاق الأرض عن كسب المال، وكل ذلك محتمل، سواء ما تقدم الإشارة إليه من جهة كم المال، أو من جهة الأمل الذي يتعلق في قلوب الناس.

المراد بالعدد في قوله: (يقتل من كل مائة تسعة وتسعون)

وما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( يقتل من كل مائة تسعة وتسعون ) هذا ليس على ظاهره، فيما أرى، والله أعلم أن المقتلة ليست المراد بها هذا العدد، والعرب تطلق أمثال هذه الأعداد سواء كان التسعين، أو التسعمائة، أو السبعين تريد بذلك التكثير، والدليل على ذلك فيما يظهر والله أعلم ما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يقال لـآدم يوم القيامة: يا آدم! أخرج بعث النار، قال: يا رب! وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة )، وقد جاء في بعض الأخبار: ( من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون )، وجاء في بعض الأخبار: ( من كل مائة تسعة وتسعون )، فالحديث الثاني أنه في كل ألف يكون عشرة في الجنة وتسعمائة وتسعون في النار، وأما في اللفظ الآخر وهو الأشهر أنه يكون في الجنة واحد، ومن الألف تسعمائة وتسعون إلى النار، وثمة فرق بين هذا العدد مما يدل على أنه ليس المراد بذاته، وإنما المراد التكثير، أي: أن الناس يقتتلون، فيرى الإنسان الناس صرعى أمامه على هذا المطلب.

تقديم المال على حفظ النفس

وفيه أيضاً من الفوائد التي تتعلق بهذا: أن الإنسان لطمعه يقدم المال على النفس؛ على حفظ نفسه، فإذا طلب أحد أخذ المال دفع عن نفسه؛ ولهذا ترى من هذه الثمرات ما تقدم الإشارة إليه في مسألة الزهد بالجهاد، والذود عن حياض الدين والملة، وهو فيه مظنة إزهاق النفس، وإذا كان الإنسان يرى الناس صرعى أمامه لأجل دنيا، ويريد دنيا، فهو من باب أولى لا يكون من أهل الدنيا، فإن هذا من مظنة الهلكة، والهلكة في سبيل الله أقل من الهلكة على هذا المال، فإن العدد ذكر هنا أنه كثير، بخلاف المقتلة التي تكون في سبيل الله والعدد في ذلك أقل بكثير، مما يدل على أن الناس إذا تعلقت قلوبهم بالدنيا والمال قل حبهم للقتال في سبيل الله، وانصرافهم إلى اللهو في الدنيا ومتعها في سائر الأعذار، وتقدم الإشارة إلى هذا المعنى.

وثمة جملة من المسائل ينبغي الإشارة إليها في هذا، وهي أن مسألة المال المخصوص هنا في الذهب والفضة كما في الحديثين: في قوله عليه الصلاة والسلام: ( تقذف بأمثال الأسطوان من الذهب والفضة )، هل هو مقيد بهذا النوع أم المراد بذلك نفاسة المال؟ هذا محتمل أن يكون على الذهب والفضة على سبيل التخصيص، ومن الاحتمال أيضاً أن يكون المراد به ما هو أوسع من ذلك من خروج الأرض كنوزها سواء كان من المعادن أو من غيرها، وإنما كان الإشارة إلى الذهب والفضة لأن كل ما كان له قيمة عند الناس إنما هو راجع عنه؛ ولهذا فإن النقدين الذهب والفضة به يتعامل الناس، وبه يتبايع الناس من جهة البيع والشراء، فالإنسان يشتري طعامه من ذهب، أو يشتري أرضه من ذهب، وربما يزرع بستاناً من ذهب، واستحالة ذلك في الأزمنة المتأخرة من انتشار العملات النقدية والعملات الورقية هي أصلها من الذهب والفضة، وأشير إلى هذا الأمر إلى أنه أصل كل شيء.

وربما يشار إلى الثروات التي تخرجها الأرض سواء من النفط ومشتقاته لكي يعضد الذهب والفضة، فمنها يستلهمون من جهة المشتقات القيمة ومن جهة التحصيل؛ والإنسان قد يريد أن يحوز الذهب والفضة ولو دفع ما لديه من أموال، ونص عليها تخصيصاً لأنها أبلغ للفهم، وقد يكون المراد من ذلك أي الذهب والفضة على سبيل التخصيص لشدة تعلق الناس بها.

ومن هذه المسائل المتعلقة في هذا أن الإنسان كلما تعلق قلبه بالمال عظم أمله، حتى إنه يرى الهلاك العظيم البين الذي يراه ذو البصيرة بأدنى نظر وأدنى تأمل فلا يراه هلاكاً، وإنما يرى تلك النافذة في حائط الهلاك يرى أنه هو الناجي منها؛ لهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الخبر: ( يهلك من كل مائة تسعة وتسعون، فيبقى واحد، كل واحد منهم يظن أنه الناجي ) باعتبار ذلك الواحد، وهذا يدل على قوة الأمل في الناس، وإذا قوي الأمل في الناس لم ينظروا إلى أسباب الهلاك، فانغمسوا في الدنيا وشهواتها وملذاتها، وهذا من أعجب أمور الأمل وسعته عند الناس.

ومن المسائل أيضاً في هذا الباب الإشارة إلى قاعدة أو فائدة يذكرها أهل الاختصاص وأرباب الأموال أنهم يقولون: إن السلعة إذا كثر العرض قل الطلب، وإذا قل الطلب قلت القيمة، وهذا بينها تلازم، وهذه قاعدة اقتصادية معروفة من هذا الخبر؛ لأن السلعة إذا انتشرت في الناس وأصبحت تعرض قل طلب الناس عليها، وإذا قل طلب الناس عليها قلت قيمتها، وإذا قلت قيمتها تدرج ذلك إلى انعدامها؛ لأنها توفرت في أيدي الناس كلهم.

وربما يكون هذا الخبر فيه إشارة إلى الفتنة العظيمة التي تدب في الناس حتى ينصرفوا عن المال، فلا يريدون ولا يمكن أن يريدوا المال، وهذا يتضمن ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عوف بن مالك لما قال له: ( أعدد ستاً بين يدي الساعة )، قال عليه الصلاة والسلام: ( ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً )، وهذا الحديث متضمن للسخط أن الإنسان إذا أعطي المال مطالباً بالمزيد، وهنا في الخبر أنه يدع المال، مما يدل على وجود هذه الأحوال الثلاثة في المال:

الحال الأولى: هو بسبب انحسار الفرات عن جبل من ذهب، فيقتتل الناس عليه.

الحال الثانية: أن الناس يفيض فيهم المال، فيعطى الإنسان مائة دينار ويبقى ساخطاً للمزيد.

وبعد الاستفاضة وهي الحالة الثالثة حينما يستكثر المال عند الناس ( يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً )، يعني: أننا كنا نقتتل على هذا المال، ونتقاتل عليه، ونقطع الأرحام، وتقطع أيدينا عليه، ثم بعد ذلك يدعونه ولا يأخذون منه شيئاً.

والذي يظهر والله أعلم أن هذه تكون في زمن واحد؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( القاتل يأتي فيقول: في مثل هذا قتلت ) يعني: أنه أغلب الأحوال، الأمر الثاني أن السارق يأتي ( فيقول: في مثل هذا قطعت يدي )، أي: أنه بنفسه، يقول: قطعت يدي في مثل هذه الحال، مما يدل على أنه قد مر بهذه الأحوال الثلاثة في زمن واحد.

وربما يكون أن المراد على سبيل الإجمال، وفي آخر الزمان في زمن المهدي وعيسى .

واستفاضة المال ليس المراد منها الاستفاضة العينية للمال، وإنما في عيون مالكيها يرونها كثيرة، ومعلوم أن الإنسان كلما قل الأمل في قلبه ولو ملك ديناراً ظن أنه ملك الدنيا وحازها، بخلاف لو تعلق المال بقلبه لو ملك المثاقيل لظن أنها قليلة، وهذا يرجع إلى طبع الإنسان ويرجع إلى بذل المال من جهة عدده؛ ولهذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لو أعطي ابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثاً، ولا يملئ جوف ابن آدم إلا التراب )، وهذا يدل على أن الإنسان إذا تعلق بالمال وعظم أمله ولو كان المال كثيراً فإنه يطلب المزيد.

وهذا فيه إشارة إلى ضعف الأمل، والفتنة إذا عظمت في حياة الناس، وكثر في ذلك القتل، وانشغلوا عن المال أصبح الناس منشغلين بما يعظم عندهم وقت الفتنة، وهذا يعلم في حال المعارك التي تقع في كثير من البلدان، ففي حال الفتن التي تتعلق بالدماء والأعراض، تجد الناس لا يلتفتون إلى الأموال، وإنما كل يذود عن نفسه وعن عرضه، وهذا معلوم مشاهد.

ويظهر لي والله أعلم أن استفاضة المال بهذه الصورة والكثرة حتى إن الأرض تقذف ما فيها من الذهب والفضة على شكل الإسطوان، وهذا متضمن الكثرة، ومتضمن أيضاً صفة الخروج أن يكون كالحجر، وقد يكون هذا متضمناً للزلازل وانشقاق الأرض ونحو ذلك حتى يستهين الناس بهذا، فيذهلون من انشقاق الأرض عن كسب المال، وكل ذلك محتمل، سواء ما تقدم الإشارة إليه من جهة كم المال، أو من جهة الأمل الذي يتعلق في قلوب الناس.

وما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( يقتل من كل مائة تسعة وتسعون ) هذا ليس على ظاهره، فيما أرى، والله أعلم أن المقتلة ليست المراد بها هذا العدد، والعرب تطلق أمثال هذه الأعداد سواء كان التسعين، أو التسعمائة، أو السبعين تريد بذلك التكثير، والدليل على ذلك فيما يظهر والله أعلم ما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يقال لـآدم يوم القيامة: يا آدم! أخرج بعث النار، قال: يا رب! وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة )، وقد جاء في بعض الأخبار: ( من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون )، وجاء في بعض الأخبار: ( من كل مائة تسعة وتسعون )، فالحديث الثاني أنه في كل ألف يكون عشرة في الجنة وتسعمائة وتسعون في النار، وأما في اللفظ الآخر وهو الأشهر أنه يكون في الجنة واحد، ومن الألف تسعمائة وتسعون إلى النار، وثمة فرق بين هذا العدد مما يدل على أنه ليس المراد بذاته، وإنما المراد التكثير، أي: أن الناس يقتتلون، فيرى الإنسان الناس صرعى أمامه على هذا المطلب.

وفيه أيضاً من الفوائد التي تتعلق بهذا: أن الإنسان لطمعه يقدم المال على النفس؛ على حفظ نفسه، فإذا طلب أحد أخذ المال دفع عن نفسه؛ ولهذا ترى من هذه الثمرات ما تقدم الإشارة إليه في مسألة الزهد بالجهاد، والذود عن حياض الدين والملة، وهو فيه مظنة إزهاق النفس، وإذا كان الإنسان يرى الناس صرعى أمامه لأجل دنيا، ويريد دنيا، فهو من باب أولى لا يكون من أهل الدنيا، فإن هذا من مظنة الهلكة، والهلكة في سبيل الله أقل من الهلكة على هذا المال، فإن العدد ذكر هنا أنه كثير، بخلاف المقتلة التي تكون في سبيل الله والعدد في ذلك أقل بكثير، مما يدل على أن الناس إذا تعلقت قلوبهم بالدنيا والمال قل حبهم للقتال في سبيل الله، وانصرافهم إلى اللهو في الدنيا ومتعها في سائر الأعذار، وتقدم الإشارة إلى هذا المعنى.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
أشراط الساعة رواية ودراية [2] 2061 استماع
أشراط الساعة رواية ودراية [6] 1995 استماع
أشراط الساعة رواية ودراية [1] 1831 استماع
أشراط الساعة رواية ودراية [4] 1557 استماع
أشراط الساعة رواية ودراية [3] 979 استماع